سياسة التشجيع والإطراء

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في الامم المتطورة والشعوب التي سعت الى الركب المتقدم، ثمة أساليب كثيرة ساعدتها على بلوغ هدفها، فأصبحت في قمة هرم التطور، تقود العالم علميا وتقنيا، حيث تأتي الدول بعدها في قائمة التدرّج والسعي نحو الارتقاء، ومن بين أرقى الاساليب التي لجأت اليها تلك الدول، منهج أو اسلوب (التشجيع والإطراء)، عبر التنويه وتقديم المكافآت والجوائز والشهادات التقديرية، فضلا عن الترويج الاعلامي الذي يجعل الانسان الموهوب أكثر ثقة واكثر اندفاعا لاكتشاف الجديد في مجالات البحث وسواها.

في العراق كان هذا المنهج موجودا، ولكن للأسف أخذ مسارا حكوميا، يصطف الى جانب السلطة السياسية، وقد لاحظنا هذا (عبر الوثائق التاريخية) لدى جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم دولة العراق منذ تأسيسها في 1921، بمعنى لم يكن منهج التشجيع شائعا لصالح الانسان الموهوب بقدر ما كان يصب في تعضيد الفكر السياسي للسلطة، ولهذا كانت الجوائز والمكافآت وخطوات التشجيع غالبا ما يشوبها الريب والفساد، فتدخل المصالح والصفقات والمنافع وما الى ذلك من حالات فساد، تقتل الهدف النبيل للاطراء والتشجيع.

قبل أيام لاحظنا حالة نادرة حدثت في محافظة كربلاء في هذا المجال، إذ بادرت محافظة كربلاء بالتعاون مع ممثلية الامم المتحدة في المدينة الى تكريم رجل مرور بشهادة تقديرية، وقد تناقلت هذا التكريم وسائل اعلام ومنها موقع التواصل الفيس بوك، الذي أسهم بشكل فاعل في الترويج لمثل هذه الخطوات الصحيحة، ويعرف أهالي المدينة، أن هذا الرجل بسبب جديته واخلاصه في العمل يستحق هذا التكريم، وقد شاعت هذه الخطوة بين معظم الاهالي وهم يتحدثون بها في الدوائر والمقاهي وسيارات النقل وما شابه.

لقد جاءت هذه الخطوة كتعبير عن تقدير الانسان الذي يخلص في عمله، ويبحث دائما عن طرق وسبل لتحقيق الانتاج الافضل في ميدان عمله، ويقينا ان رجل المرور لم يكن ينتظر هذا التكريم كي يكون اكثر اخلاصا وافضل انتاجا، ولكن بدأ هذا الرجل في اليوم التالي للتشجيع أكثر نشاطا وبهجةً، واستعدادا للعطاء الافضل.

ينطبق هذا تماما على جميع المخلصين والموهوبين في دوائر الدولة والمعامل ومؤسسات التعليم والصحة وسواها، ويعطي اسلوب التشجيع والاطراء نتائجه المثمرة في الحال، لذا من الحاجة بمكان ان يصبح هذا السلوك والمنهج والمسار، حالة معتادة وسائدة في المجتمع، لأننا مجتمع يقبل على تحولات كبيرة ونمو متصاعد في مجالات الحياة كافة.

لذلك نرى أن تقوم الجهات المعنية - ليس الحكومية وحدها، بل المؤسسات والمنظمات الأهلية المعنية- بوضع خطط سليمة ودقيقة ومعمول بها في جميع انحاء العراق، تكفل قضية التكريم والتشجيع والاطراء، لكل من يخلص في عمله بجدارة واستثناء، مع مراعاة الحالات المتميزة والمتفردة في عموم المجالات، وأن يصبح هذا الاسلوب منهجا راسخا في المجال الحكومي والاهلي، والمجتمعي عموما.

قد يشوب منهج التكريم بعض المساوئ، تتمثل بالتحيز على حساب الافضل، وتفضيل المتملق على سواه حتى لو كان اقل موهبة واخلاصا، وهي ظاهرة موجودة في مجتمعنا ومؤسساتنا كافة، حيث يدخل عنصر القرابة في التفضيل تحت تبرير (الاقربون اولى بالمعروف)، وعنصر المحاباة وسواها من أسباب، ومع ذلك يجب أن يكون هذا المنهج حاضرا، مع الحرص على ان يكون نزيها، بعيدا عن الغبن، وأن يكون معيار التكريم (الابداع، الاخلاص، التجديد، التميّز)، مع رفض حالات واسباب وعناصر التحيّز رفضا قاطعا.

وبهذا يمكن للعراقيين، وهم يخوضون مرحلة التحولات - بكثير من العسر والعقبات-، أن يستفيدوا كثيرا من سياسة التشجيع والاطراء، لكي يلحقوا بالركب المتقدم، لاسيما انهم يملكون مقومات تحقيق هذا الهدف، ولكن ينبغي ان تكون هناك ضوابط وتشريعات حازمة تكفل الدقة في التفضيل والتكريم والاطراء، من اجل أن يكون هذا المنهج مسارا حقيقيا يسهم في بناء عراق يملك كل مقومات التقدم في الاقتصاد والعلم والصحة والانتاج المعرفي والمادي معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 31/تشرين الأول/2012 - 15/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م