العراق والذهب الأسود... مستقبل تحت التجربة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يشهد العراق في المدة الأخيرة تطورا وتصاعدا في إنتاج النفط بشكل مبهر، حيث تجاوز مستوى الانتاج ثلاثة ملايين برميل يوميا للمرة الأولى خلال ثلاثة عقود وتخطى إيران ليصبح ثاني أكبر منتج في منظمة أوبك بعد السعودية، وتشير التوقعات والدراسات المعنية بأن إنتاج النفط العراقي سيرتفع بنهاية العقد، حيث سيبلغ عشرة ملايين برميل يوميا بحدود عام 2020، مما سيساهم بشكل فعال في التنمية الاقتصادية للبلاد مستقبلا، وبعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق نهاية العام الماضي، نشب نزاع سياسي عميق الجذور بين بغداد وكردستان بشأن عقود النفط ظل مشتعلا طوال الاشهر الاخيرة، لكن الاتفاق الأخير الذي تم بين الجانبين بشأن صادرات النفط وسياسة الطاقة، فتح بوابة تجارية جديدة أكثر إشراقا، ويمضي العراق ببطء في اعادة الإعمار بعد تسع سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، ويحاول اليوم قطاع الطاقة العراقي النهوض بعد ثلاثين سنة من النزاعات وانعدام الاستقرار لتحقيق نمو سريع في انتاجه من النفط والغاز، لكن مازالت هناك مشكلات تشكل عقبات أمام تطور صناعة النفط في البلاد مثل ضعف البنية التحتية وانتهاج السياسية البيروقراطية، وبعض الخلافات السياسية الاخرى، ويرى المختصون بأنه ينبغي على العراق بذل الجهد الاكبر خلال العقد الحالي من خلال الاستثمارات الاقتصادية العالمية في هذا المجال، لكي يواصل الذهب الاسود العراقي مسيرته نحو مستقبل افضل.

طموح العراق

فقد اكد العراق ان انتاجه من النفط سيبلغ اكثر من عشرة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2020، وهو مستوى اعلى بكثير من تقديرات الوكالة الدولية للطاقة التي حذرت من معوقات قد تعترض طريق تحقيق هذا الهدف، وجاءت توقعات نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني بالتزامن مع صدور تقرير لوكالة الطاقة توقع ان يبلغ انتاج العراق نحو 6,1 مليون برميل يوميا بعد ثماني سنوات، وقال الشهرستاني خلال مؤتمر صحافي مشترك مع كبير اقتصاديي الوكالة الدولية فاتح بيرول في المنطقة الخضراء ببغداد ان "العراق في موقع يمكنه من تلبية نحو نصف الطلب المتزايد على النفط"، واضاف ان "نتائج دراساتنا ودراسات مستشارين مستقلين يعملون مع وزارة النفط اكدت انه من الممكن (...) للعراق ان يرفع انتاجه النفطي الى ما بين تسعة وعشرة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2020، وان بامكان العراق الحفاظ على هذا (المعدل) الانتاج الى ما لا يقل عن عشرين عاما"، غير ان تقرير وكالة الطاقة ذكر انه بحسب "السيناريو الاساسي، سيتضاعف انتاج النفط في العراق ليبلغ نحو 6,1 مليون برميل يوميا بحلول عام 2020 و8,3 مليون برميل في عام 2035، واضاف تقرير الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا لها، ان العراق الذي ينتج حاليا نحو 3,2 مليون برميل يوميا يصدر منها 2,6 مليون برميل قادر على زيادة ايراداته النفطية الى خمسة مليارات دولار حتى عام 2035 في حال استثمر اكثر من 530 مليار دولار في عملية رفع الانتاج، وتابع التقرير ان العراق سيغطي نحو 45 بالمئة من الزيادة في الطلب على النفط خلال هذا العقد، الا ان التقرير اكد ان الوصول الى معدلات مماثلة من الانتاج "سيتطلب تطويرا سريعا ومنسقا" لكل اوجه قطاع الطاقة، وقال من جهته بيرول انه ليس من الواضح فيما اذا كانت زيادة الطلب على النفط في العالم ستكون على قدر طموحات بغداد، وحذر في موازاة ذلك من ان "علينا جميعا ان نخشى" تبعات ارتفاع انتاج العراق فقط الى اربعة ملايين برميل في 2020 و5,3 مليون برميل في 2035 في حال استمر مسار الاستثمار على وتيرته البطيئة، واوضح "سيكون لهذا الامر الاثر الكبير للاسف على العراق (...) وعلى الجميع ايضا".

في سياق متصل قال حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة إن العراق يهدف لإنتاج خمسة إلى ستة ملايين برميل يوميا من النفط بحلول 2015 ثم الوصول بالإنتاج إلى ما بين تسعة وعشرة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2020 وهو مستوى يمكن أن يستمر لعشرين عاما. بحسب رويترز.

وبدأ إنتاج النفط العراقي الذي تضرر لأعوام جراء الحرب والعقوبات في الارتفاع بشكل سريع في 2010 بعدما أبرمت بغداد عقودا مع شركات مثل بي.بي وإكسون موبيل وإيني ورويال داتش شل، وقال الشهرستاني إن الإنتاج الحالي يبلغ 3.4 مليون برميل يوميا وهو أعلى مستوى في ثلاثة عقود على الأقل، وكان يتحدث في مؤتمر صحفي بمناسبة إطلاق نشرة توقعات الطاقة في العراق التي تصدرها وكالة الطاقة الدولية، وقال إن الإنتاج سيرتفع بدرجة أكبر في المستقبل، ويحوز العراق عضو منظمة أوبك رابع أكبر احتياطيات نفطية في العالم ويهدف لتصدير ستة ملايين برميل يوميا بحلول 2017 وقد تجاوز بالفعل جارته إيران ليحتل المركز الثاني في المنظمة من حيث حجم الإنتاج.

أعلى مستوى في ثلاثة عقود

على الصعيد نفسه قال متحدث باسم وزارة النفط العراقية إن صادرات البلاد من الخام ارتفعت إلى 2.6 مليون برميل يوميا في المتوسط في سبتمبر أيلول مسجلة أعلى مستوى في أكثر من ثلاثة عقود مقارنة مع 2.565 مليون برميل يوميا في أغسطس آب، وقال المتحدث عاصم جهاد إن الصادرات من البصرة في جنوب البلاد بلغت 2.18 مليون برميل يوميا في سبتمبر في حين بلغ حجم الشحنات من كركوك في الشمال 420 ألف برميل يوميا منها حوالي عشرة آلاف برميل يوميا تنقل بالشاحنات عبر الأردن.

وأظهرت وثيقة للوزارة أن الصادرات في سبتمبر بلغت أعلى مستوى منذ 1979 عندما صدر العراق 3.244 مليون برميل يوميا، وارتفعت صادرات النفط من كركوك بعدما اتفقت الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان شبه المستقل الشهر الماضي على إنهاء نزاع بشأن مدفوعات النفط بعدما تعهدت كردستان بمواصلة التصدير. بحسب رويترز.

وبلغت الصادرات من كركوك الشهر السابق 313 ألف برميل يوميا منها نحو ستة آلاف برميل يوميا بالشاحنات عبر الأردن، وبموجب الاتفاق تعهدت حكومة كردستان بمواصلة إنتاج الخام للتصدير بمعدل 140 ألف برميل يوميا في سبتمبر قبل زيادة الانتاج إلى 200 ألف برميل يوميا لنهاية العام، وقال جهاد إن إيرادات الصادرات بلغت 8.4 مليار دولار في الشهر بسعر 107 دولارات للبرميل في المتوسط.

اتفاق كردستان مع بغداد

من جهة أخرى قال اقليم كردستان العراق شبه المستقل إنه سيحصل على 147 ألف برميل يوميا من المشتقات النفطية في اطار اتفاق مع بغداد لانهاء نزاع بشأن مستحقات نفطية.

وقال نيجيرفان بارزاني رئيس الوزراء الكردي في بيان نشر على الموقع الالكتروني لحكومة كردستان "هذه الاتفاقية حاليا لا تستطيع معالجة جميع المشاكل ولكنها تعتبر خطوة جيدة."

وقال البيان إنه بموجب الاتفاق سترسل الحكومة المركزية في بغداد 17 بالمئة من مشتقاتها النفطية إلى كردستان وهو ما يعادل 147 الف برميل يوميا، ويدور خلاف بين بغداد وكردستان بشأن شركات نفطية كبيرة مثل اكسون موبيل وشيفرون اللتين وقعتا اتفاقات تنقيب مع الحكومة الكردية وهو ما تعتبره بغداد غير قانوني.

ويحصل اقليم كردستان شبه المستقل الذي له حكومته وقواته المسلحة منذ 1991 على التمويل من الحكومة المركزية ويستخدم خطوط الانابيب الوطنية لتصدير خامه. وتقول بغداد إن الحكومة المركزية هي الوحيدة التي لها حق تصدير النفط والغاز. بحسب رويترز.

وقال بارزاني إن اقليم كردستان شكل لجنة لحساب ايرادات العقود النفطية ونفقات الاقليم وسيتم نشر تقرير اللجنة في وقت لاحق، وقالت حكومة كردستان إنها ستبقي انتاجها النفطي للتصدير عند 140 ألف برميل يوميا هذا الشهر ثم ترفعه إلى 200 ألف برميل يوميا لنهاية العام. وقالت ايضا إن بغداد ستدفع تريليون دينار عراقي أو حوالي 857 مليون دولار للشركات الاجنبية العاملة في الاقليم، كانت كردستان أوقفت شحناتها النفطية في ابريل نيسان بسبب ما قالت إنه تأخر بغداد في سداد مستحقات الشركات. واستأنفت الشحنات في وقت لاحق لكنها هددت بتعليق الصادرات مجددا بحلول 15 سبتمبر ايلول ما لم تتوصل لاتفاق مع بغداد بشأن المدفوعات.

صفقات جديدة

على الصعيد ذاته قال المتحدث باسم الحكومة العراقية إن مجلس الوزراء وافق على ثلاثة عقود للنفط والغاز منحت لشركات أجنبية خلال جولة عطاءات في مايو ايار وذلك في إطار مساعي العراق لاجتذاب مستثمرين لتطوير قطاع الطاقة، ومن المتوقع أن يكون العراق عضو منظمة أوبك أكبر مصدر للامدادات النفطية الجديدة في العالم خلال السنوات القليلة المقبلة.

ووقع العراق عقودا مع شركات نفطية عالمية ويعتزم اجراء جولات أخرى لترسية عقود مزيد من امتيازات النفط والغاز، وقال علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة إن مجلس الوزراء وافق على عقد مبدئي مع باكستان بتروليوم للتنقيب عن الغاز الطبيعي بالمنطقة 8 وعقد اخر مع مجموعة تقودها لوك أويل لتطوير امتياز 10 النفطي، كما وافق المجلس على صفقة مع باشنفت الروسية لتطوير امتياز 12 النفطي لكنه قرر تأجيل الموافقة على عقد وقع مع كونسورتيوم تقوده كويت انرجي لامتياز 9 النفطي، وقال الدباغ "مجلس الوزراء قرر تأجيل المصادقة على الرقعة 9 لحين استكمال وزارة النفط لاجراءاتها." ولم يذكر مزيدا من التفاصيل. بحسب رويترز.

والعقود التي يقرها مجلس الوزراء تصبح جاهزة للتوقيع النهائي من جانب وزارة النفط العراقية.

وفازت بضع شركات دولية بعطاءات في مايو خلال الجولة الرابعة لعقود الطاقة والتي شهدت مشاركة ضعيفة لصعوبة الشروط التي وضعتها بغداد، ويقول مسؤولون إن العراق بحاجة للاستثمارات الاجنبية في كل قطاعاته تقريبا لتطوير بنيته التحتية.

الأردن

من جانب أخر اعلن وزير الطاقة والثورة المعدنية الاردني علاء البطاينة ان الاردن اتفق اخيرا مع العراق على زيادة كميات النفط الموردة من 10 الاف برميل يوميا الى 15 الف برميل يوميا وبأسعار تفضيلية، وقال البطاينة في مؤتمر صحافي في عمان انه "تم الاتفاق مع الجانب العراقي (مؤخرا) على رفع كميات النفط الواردة للمملكة من 10 الاف برميل الى 15 الف برميل وبخصم 18 دولارا للبرميل الواحد في ارض العراق"، ونفى الوزير "وجود اسعار تفضيلية للنفط المستورد من مصادر اخرى"، ويستورد الاردن حاليا حوالى 10 آلاف برميل من النفط العراقي الخام تشكل 10% من حاجاته النفطية التي يتم استيراد معظمها من السعودية، ووقع البلدان في 20 من الشهر الحالي خلال اجتماعات اللجنة الوزارية الاردنية العراقية المشتركة مذكرة للتعاون المشترك في مجال النفط الخام والغاز الطبيعي، وبموجب المذكرة، اتفق الجانبان على تزويد الاردن بحاجته من النفط الخام من خلال انبوب لنقل النفط الخام من العراق الى الاردن، وتزويد الاردن ايضا بمادتي الغاز البترولي المسال وزيت الوقود والغاز الطبيعي، وفي ما يتعلق بالغاز الطبيعي المستورد من مصر، قال البطاينة ان "الكميات التي تستلمها المملكة حاليا من مصر تقدر ب40 مليون قدم مكعب يوميا تشكل حوالى 16 بالمئة من اجمالي الكميات المتعاقد عليها". بحسب فرانس برس.

وتعرض الانبوب الذي يزود الاردن واسرائيل بالغاز المصري في 22 تموز/يوليو الماضي الى اعتداء هو الخامس عشر من نوعه منذ شباط/فبراير 2011، وكان الاردن يستورد 80 بالمئة من حاجاته من الغاز المصري لانتاج الكهرباء، اي 6,8 ملايين متر مكعب من الغاز المستورد يوميا، ويعتمد الاردن على السولار وزيت الوقود لتأمين حاجات محطات الكهرباء عند انقطاع الغاز المصري، ويستهلك الاردن ما معدله 100 الف برميل يوميا من النفط الخام، ارتفعت الى نحو 170 الف برميل مع انقطاع امدادات الغاز المصري، وتستورد المملكة حاليا معظم حاجاتها من النفط الخام من السعودية بمعدل 2,5 مليون برميل سنويا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/تشرين الأول/2012 - 14/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م