إسرائيل وإيران... دوامة الحرب الوهمية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تفصح الحرب المفترضة بين إسرائيل وإيران، التي تعوم في دوامة الأعمال الاستفزازية المتواصلة وحرب التصريحات ورسائل التحذير، عن هدف مشترك بين الغريمين وهو ترسيخ وإبراز خطر هذه المعركة التي قد يكون لها عواقب مدمرة على منطقة الشرق الأوسط وربما أوسع من ذلك، وقد استخدم البلدان المتخاصمان كل أنواع الحروب، إلا العسكرية في هذا الصراع مثل الحرب النفسية والجاسوسية وإثارة الحساسيات الدينية والتمايزات الثقافية والاقتصادية، ولعل الحرب إلكترونية المستعرة بينهما تعد ابرز سلاح فعال في الاونة الاخيرة، إذ ان هذا النموذج الجديد من نماذج الحرب يعد في غاية الخطورة، كون أهداف هذا الصنف الجديد من المعارك يسعى لتدمير البنية التحتية للدولة، ومن أبرز ضحاياها المؤسسات الاقتصادية، والمؤسسات الأمنية، وربما تكون بديلة لمعركة الصواريخ في المستقبل.

فضلا عن احتدام المعارك الكلامية بشدة مفرطة وعلى نطاق غير مسبوق، مما يصفح عن مدى الضعف الداخلي والحقيقي الموجود لدى البلدين، باستخدام السخرية والافكار الواهمة والحجج الواهية، لغرض استفزار اطراف معينة من قادة إيران وإسرائيل وجرهم الى دوامة الحرب الوهمية، ويرى المحللون ان استمرار الجدل السياسي الحساس بين البلديين، يصنع مؤشرات الفوز والخسارة وبؤر الصراع في الكر والفر والعديد من علامات الاستفهام حول هذه الحرب الغامضة والمجهولة النتائج، وهذا يشعل لهيب الصراع الحربي في المجالات خلال الفترة المقلبة، ولهذا يبقى مشهد الحرب الإسرائيلية الإيرانية غير محسوم لحد الآن.

التشدد تجاه إيران

فقد بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حملة إعادة انتخابه بالقول بأن إسرائيل تمتلك "قدرات" جديدة غير معلنة للتحرك ضد أي تهديد نووي إيراني وهي القضية التي قال انه وضعها في صلب النقاش العالمي، وفي خطاب حاد أمام البرلمان حث نتنياهو النواب على دعم اقتراح باجراء الانتخابات في 22 يناير كانون الثاني وهو الموعد الذي وافقت عليه حكومته بعد أن قال ان هذه الخطوة باتت ضرورية بعد الصعوبات التي حالت دون الاتفاق مع شركائه في الائتلاف على ميزانية 2013، ومن المتوقع الموافقة على الاقتراح خلال جلسة مطولة بسبب تأييد معظم الاحزاب السياسية الإسرائيلية له، وتتوقع استطلاعات الرأي فوزا سهلا لزعيم حزب ليكود اليميني نتنياهو الذي من المرجح ان يرأس ائتلافا يضم احزابا قومية ودينية.

وقال نتنياهو "سيقرر شعب إسرائيل خلال اقل من 100 يوم من الذي سيقوده لمواجهة التحديات الأمنية الجسيمة التي لم نواجهها من قبل وأشد ازمة اقتصادية يشهدها العالم خلال 80 عاما"، وفي إشارة إلى تهديدات سابقة بمهاجمة إيران لمنعها من انتاج قنبلة نووية -وهو امر تنفيه طهران- قال نتنياهو إن إسرائيل تمتلك الآن "القدرات للتحرك ضد إيران واقمارها الصناعية.. قدرات لم تكن لدينا في السابق"، ولم يكشف اي تفاصيل لكنه قال انه تمكن من "وضع الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني في صلب جدول الاعمال العالمي."

وأضاف مهاجما منافسيه الذين يتهمونه باستخدام قضية إيران كإسلوب للتخويف بهدف البقاء في السلطة "من يستهين بالتهديد الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني لا يستحق أن يحكم إسرائيل ولو ليوم واحد"، وقال نتنياهو ايضا انه تحاشى الدخول في حروب خلال فترتي ولايته في السلطة وهي ثلاث سنوات في اواخر التسعينات وفترته الراهنة الممتدة منذ مارس اذار 2009، وتابع "لم نشن أي حروب غير ضرورية أو أي حروب على الاطلاق" قائلا ان عدد الإسرائيليين الذين قتلوا في صراعات مع الجيران العرب تناقص خلال حكمه. بحسب رويترز.

وفسرت تصريحاته على نطاق واسع بانها انتقادات لايهود أولمرت رئيس الوزراء السابق الذي يعتبر أقوى المنافسين المحتملين لنتنياهو إذا قرر خوض غمار الانتخابات مرة اخرى بعد تبرئته مؤخرا في معظم تهم الفساد الموجهة إليه، وخاض أولمرت ونوابه في حزب كديما الوسطي حربين خلال عامين في السلطة منها حملة استمرت لمدة شهر ضد حزب الله اللبناني في عام 2006 وهجوما دام ثلاثة اسابيع ضد نشطاء حركة حماس في غزة اواخر عام 2008 واوائل عام 2009، واسفر ذلك عن مقتل مئات الاشخاص وإدانات دولية واسعة النطاق لإسرائيل بسبب مقتل مدنيين لبنانيين وفلسطينيين، واتهم شاؤول موفاز الزعيم الحالي لحزب كديما نتنياهو "بالتدخل بشكل سافر في الانتخابات الأمريكية" منوها بخلافات نتنياهو العلنية مع الرئيس باراك اوباما بشأن إيران والفلسطينيين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من نوفمبر تشرين الثاني، وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي أثنى نتنياهو على ما سماها "بثورة" تحت قيادته مستشهدها بالطرق السريعة التي جرى تمهيدها لتربط وسط إسرائيل بالبلدات الواقعة على الاطراف وتوفير فرص عمل جديدة رغم الازمة المالية العالمية، وكان الاقتصاد أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت نتنياهو يقرر تقديم موعد الانتخابات العامة ثمانية اشهر عن موعدها المقرر في اكتوبر تشرين الأول 2013، واستشهد بالخلافات مع شركائه في الائتلاف حول اجراءات التقشف في الميزانية المالية للعام القادم بالاضافة إلى التحديات الأمنية ومنها التهديد الإيراني.

ربيع فارسي

على صعيد اخر رأى وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان بان "ربيعا فارسيا سيعقب الربيع العربي" نتيجة العقوبات الدولية المفروضة على ايران والتي ستثير على حد اعتقاده حركة احتجاجات واسعة، وقال ليبرمان للاذاعة العسكرية "الربيع العربي سيليه ربيع فارسي، فعدم الاستقرار ينتشر في ايران وليس فقط في طهران" مضيفا "لا شك بان الحركة الاحتجاجية ستتعزز مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الايرانية الصيف المقبل"، وبحسب ليبرمان فان "النظام الايراني يقترب من نقطة حرجة، فالعقوبات الدولية لم تقنع المسؤولين هناك بنبذ برنامجهم النووي ولكن المهم ان الشعب الايراني بدأ يفصح بانه ليس على استعداد للتضحية بنفسه من اجل تحقيق طموحات قادته الثورية والمتطرفة"، ودعا ليبرمان الدول الغربية للتحرك من اجل مساعدة هذه الحركة خلافا لما حدث في التظاهرات الحاشدة الاخيرة عام 2009 التي قمعها النظام الايراني، واضاف "هذه المرة يجب على الغرب بمجمله مساعدة الحركة من خلال تسهيل الاتصالات وامدادها بالاموال وتعبئة المنظمات الدولية كمجلس الامن الدولي والاتحاد الاوروبي ومؤسسات اخرى"، وتأتي تصريحات ليبرمان غداة وقوع صدامات بين محتجين ورجال الشرطة في وسط طهران في اول مؤشر على اضطرابات شعبية على خلفية ازمة العملة الايرانية التي تسجل انخفاضا تاريخيا حيث خسرت اكثر من نصف قيمتها، وتخضع ايران الى عقوبات فرضتها الامم المتحدة بسبب برنامجها النووي المثير للجدل وتم تشديدها بعقوبات نفطية ومصرفية اميركية واوروبية والهدف من ذلك هو حرمان ايران من مواردها النفطية لدفعها الى وقف نشاطاتها النووية الحساسة.

طائرة بدون طيار

من جهة أخرى سخرت ايران من الدفاعات الجوية الاسرائيلية بعد ان اكدت انها زودت حزب الله الشيعي اللبناني بطائرة بدون طيار متقدمة حلقت في الاجواء الاسرائيلية في وقت سابق من هذا الشهر، وقال وزير الدفاع الايراني الجنرال احمد وحيدي ان "قدرات ايران عالية جدا وهي في خدمة الدول الاسلامية"، بحسب ما نقل عنه التلفزيون الرسمي ردا على سؤال حول اصل الطائرة بدون طيار، واضاف "من الطبيعي استخدام ما نملكه في الوقت الضروري للدفاع عن اراضي العالم الاسلامي .. هذه الخطوة تظهر ان حزب الله مستعد تماما .. وسيرد على النظام الصهيوني"، واوضح ان الطائرة التي حلقت فوق اسرائيل "حطمت كل ما قيل عن نظام القبة الحديدية (الاسرائيلية للدفاع الجوي) واصبح واضحا ان النظام الصهيوني لا يمكن ان يفلت من غضب المسلمين"،ـ وطورت ايران برنامجا لتصنيع الطائرات بدون طيار لاستخدامها في عمليات الاستطلاع او هجمات. بحسب فرانس برس.

واعلن الامين العام لحزب الله حسن نصر الله في 6 تشرين الاول/اكتوبر ان حزبه ارسل طائرة بدون طيار متطورة فوق اسرائيل قال انها صنعت في ايران وجرى تجميعها في لبنان، وجاء ذلك بعد اقل من ساعة على اتهام رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الحزب الشيعي اللبناني بارسال طائرة بدون طيار الى الاجواء الاسرائيلية، متعهدا بحماية حدود اسرائيل، وقال نصرالله في كلمة القاها عبر تلفزيون "المنار" التابع لحزبه ان "المقاومة ارسلت طائرة استطلاع متطورة من الاراضي اللبنانية باتجاه البحر وسيرتها مئات الكيلومترات فوق البحر ثم اخترقت اجراءات العدو الحديدية ودخلت الى جنوب فلسطين المحتلة وحلقت فوق منشات وقواعد حساسة ومهمة لعشرات الكيلومترات"، وخاض حزب الله حربا مع الجيش الاسرائيلي في صيف 2006 استمرت 33 يوما، قتل فيها اكثر من 1200 لبناني معظمهم من المدنيين، و160 اسرائيليا معظمهم من الجنود، واحدثت خلالها القوات الاسرائيلية دمارا واسعا في لبنان.

من جهته قال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة رون بروسور إن إيران تزود مقاتلي حزب الله بالتمويل والتدريب والأسلحة المتطورة في مسعى لتحويل لبنان إلى "بؤرة للإرهاب".

الهجمات الالكترونية

على صعيد ذو صلة قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ان اسرائيل تواجه عددا متزايدا من الهجمات الالكترونية بعد ايام فقط من اصدار واشنطن تحذيرا مبطنا لايران بسبب الهجمات الرقمية على مصالحها، وقال نتانياهو في الاجتماع الاسبوعي للحكومة "لقد كانت هناك جهود متزايدة لتنفيذ هجمات الكترونية على البنية التحتية المعلوماتية الاسرائيلية" دون الادلاء بمزيد من التفاصيل، واضاف "في كل يوم، هناك العديد من المحاولات لاختراق انظمة الكمبيوتر الاسرائيلية. ولهذا قمت بانشاء المديرية الوطنية الالكترونية العام الماضي التي تعمل +كقبة حديدية+ الكترونية ضد الارهاب باستخدام الكومبيوتر"، ولم يحدد نتانياهو اي انظمة تعرضت للهجوم و لم يقل الجهة التي تقف وراءها، وقال مسؤول اميركي سابق عمل في قضايا تتعلق بامن المعلوماتية ان الولايات المتحدة تعتقد ان ايران تقف وراء هجوم الكتروني كبير على شركة النفط الحكومية السعودية وشركة قطرية للغاز. بحسب فرانس برس.

وقال المسؤول جيمس لويس ان الوكالات الحكومية الاميركية خلصت الى ان ايران هي من دبر الفيروس "شمعون" الذي ادى الى شل عشرات الآلاف من اجهزة الكمبيوتر في الشركة السعودية ارامكو وشركة راس غاز القطرية للغاز الطبيعي، وكان وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا وجه في خطاب القاه الخميس حول امن المعلوماتية تحذيرا مبطنا الى طهران بان واشنطن مستعدة للقيام بتحركات وقائية لحماية شبكات الكمبيوتر الاميركية، وتعرضت مواقع اسرائيلية عديدة للقرصنة الالكترونية بداية العام الجاري وتبنى معظمها قراصنة الكترونيون عرب. وادعى قراصنة اسرائيليون بانهم اخترقوا عدة مواقع الكترونية ايرانية ردا على ذلك.

العقوبات على ايران

فيما اعتبر نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي دان ميريدور المتحفظ على لغة الحرب ضد ايران، انه "حان الوقت لتكثيف وتشديد العقوبات" ضد طهران، وذلك اثناء لقاء مع الصحافة الفرنسية في باريس، وقال ميريدور "اننا نرى نتائج العقوبات والعزلة الدبلوماسية لايران. لم نصل الى نهاية الطريق بعد، واعتقد ان ما رايناه امس في ايران مهم"، بينما هزت صدامات سوق طهران على اثر الانخفاض التاريخي في سعر صرف الريال الايراني بسبب العقوبات.

واعتبر نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي وهو المسؤول ايضا عن اجهزة الاستخبارات والطاقة الذرية "لقد حان الوقت لتكثيف وتشديد العوبات"، والتقى ميريدور في باريس عددا من الوزراء الفرنسيين بينهم وزير الخارجية لوران فابيوس، واضاف ميريدور "لدينا تحالف نادر للغاية ومهم جدا بين اسرائيل والولايات المتحدة واوروبا وكل الدول العربية تقريبا -باستثناء سوريا- التي تريد وقف طريق القنبلة الذرية الايرانية"، وقال ايضا "اعتقد ان كل هذا التحالف ليس ضعيفا جدا وان ايران ليست قوية جدا"، معتبرا انه ينبغي ان "يفهم الايرانيون ان امامهم الخيار بين مواصلة طريقهم الى القنبلة او استمرار نظامهم"، واعرب عن الامل ايضا في ان يعمد الروس المتحفظون على العقوبات الى "تغيير موقفهم". بحسب فرانس برس.

ونأى ميريدور ايضا بنفسه مجددا عن استراتيجية الضغط التي بدأها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لوضع "خطوط حمراء لايران"، وقال ان "هذه اللغة بين مؤيد ومعارض للهجوم العسكري ليست امرا اضاف شيئا الى امن اسرائيل. اعتقد اننا تكلمنا كثيرا عنه واعتقد ان الصيغة التي استخدمها الرئيس الاميركي باراك اوباما والتي مفادها ان كل الخيارات مطروحة على الطاولة" كافية.

اختفاء الرئيس الايراني في عام 2013

الى ذلك اعرب الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز عن امله "باختفاء" الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، الذي ينهي ولايته الثانية في عام 2013، ونقل بيان صادر عن مكتب بيريز بالانجليزية قوله "اصلي لان تكون السنة القادمة اعظم سنة في تاريخ دولة اسرائيل وان يختفي اولئك الذين يهددوننا مثل احمدي نجاد. سننتصر عليهم"، وجاءت تصريحات بيريز في خطاب القاه في استقبال زوار في منزله بمناسبة حلول عيد العرش اليهودي، واضاف "امل ان نقوم هذا العام بفعل الشيء الاكثر حكمة لامتنا، وهو صنع السلام-السلام بيننا والسلام مع جيراننا والسلام في الشرق الاوسط"،ومن المقرر ان تجري الانتخابات الرئاسية الايرانية المقبلة لاختيار خليفة لاحمدي نجاد في 14 حزيران/يونيو 2013. بحسب فرانس برس.

وفي الاونة الاخيرة كرر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو مطالبته للادارة الاميركية بتحديد "خطوط حمراء واضحة" لايران في برنامجها النووي ان تجاوزتها عرضت نفسها لهجوم عسكري، الا انه لقي عدم استجابة متكررة وواضحة من واشنطن حيث وصف الرئيس باراك اوباما دعوات اسرائيل بتوجيه انذارات نهائية لايران بانها نوع من "الضجيج".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/تشرين الأول/2012 - 7/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م