باب الدروازة في مرمى الإرهاب

زاهر الزبيدي

لم أتوقع مطلقاً، خلال السنتين الأخيرتين على أقل تقدير، أن تصل التفجيرات الإرهابية الى داخل "الحزام الأمني" لمدينة الكاظمية المقدسة، فالخط الأمني الذي تحدد في السيطرات "القوية" عند الساحات والمداخل الرئيسية للمدينة والتي تقع على بُعد كيلومتر تقريباً عن المرقد الشريف، وتلك التي تقع على بُعد مئتي متر منه والتي يتم فيها التفتيش الشخصي لكل من يدخل الى تلك المنطقة بحزامها الأمني "القوي"، أقول لم تنفع كترياق مع سُم الإرهاب الذي تنفثه أفاعيه الى داخل أي منطقة في أي مكان منها وفي أيه ساعة تريد.

والتفجير المزدوج الذي أستهدف منطقة باب الدروازة في عصر يوم السبت 20/10 والذي خلف خسائر بشرية بلغت حصيلتها النهائية 11 شهيداً و 30 جريحاً مع خسائر مادية، يدفعنا الى أن نتصور حجم الخسائر والعيد على الأبواب وما يتسببه من ارتفاع كبير في عدد مرتادي هذا السوق، من حقنا أن نتساءل، كيف وصلت العبوات الناسفة "المزدوجة" الى هذا المكان.. والذي كان من الممكن بعده أن تصل الى بُعد أمتار عن السياج الخارجي للمرقد الشريف، حيث أن بَعد عبورها الحزامين الأمنيين ـ آنفي الذكر، لايوجد أي مانع من وصول تلك العبوات الى المرقد الشريف!

من يتحمل مسؤولية الأرواح التي أزهقت والخسائر المادية؟ والآلاف من رجال الأمن يتربصون بكل من هب ودب في هذا المكان، نراهم بسيارات وراجلين بزيهم وأسلحتهم، وكيف اتمت العصابات الإرهابية عملية ايصال تلك المتفجرات الى هذا المكان؟

 إذن العبوات وصلت والإنفجار حصل والأرواح زهقت، وهذا ما يسمى بالفشل الأمني الكبير.. فأنت من الممكن ان تتوقع أن يحدث إنفجاراً في أي ساحة من ساحات بغداد ولكن، في داخل أشد الأحزمة الأمنية قوة لأقدس الأماكن، فهنا تكمن كل مشكلتنا الأمنية المتمثلة بأن حلقة مهمة ناقصة في عمليات الحماية تلك، وثغرة خطرة تتربص بنا في داخل الجدار الأمني، ساعدت في نفاذ تلك المتفجرات، لم يتم إكتشافها حتى ساعة حصول التفجير، على الجميع من الخبراء الأمنيين أن يقدموا تفسيرات مهمة لأبناء شعبهم لأننا إن عرفنا ذاك قد نضع أيدينا على جرح أدمى ابناء شعبنا ولازال.

تساؤلات كثيرة أضعها اليوم لمعرفة ما حصل، هل هناك خيانة لأحد رجال الأمن وساعد في إيصالها؟ هل أن العبوات صُنعّت داخل الحزام الأمني الأخير أي بمساحة لا تتجاوز الكيلومترات قطراً؟ وإذا كان الإحتمال الثاني كيف تم نقل المواد الداخلة في التصنيع؟ هل استخدمت طريقة جديدة في نقل المتفجرات لم تخطر فكرتها على توقعات رجالنا أمننا؟ كأن تنقل بالأحذية وبكميات صغيرة جداً لا تتجاوز الغرامات ينقلها مجموعة أشخاص لفترة معينة ومن ثم تجمع بعد اشهر وتكّون عبوة كاملة؟ هل تم إستخدام غواية النساء لأحد الرجال الأمنيين؟ هل تم إدخال المتفجرات بعد أن خبأها أحدهم مع رزم البالات الكبيرة التي تدخل المنطقة؟ هل نقلت العبوات من خلال طائرة أطفال تعمل بالبطارية الصغيرة؟ هل خبأت المتفجرات داخل حفاضة أحد الأطفال الرضع؟.

إحتمالات كثيرة لا أدري إن كانت قد خطرت على مخيلة رجالنا وهم يقومون بحماية أهم الأماكن المقدسة التي تعتبر هدفاً دائمياً لا تنفك القاعدة من التفكير باستهدافه، ولنؤكد مرات عدة على أهمية التوقع لمصادر التهديد، فهي متجددة دائماً لا تتوقف عند حد معين من الأفكار المشخصة لدينا، دعونا نفكر لنخطط لأمننا لا أن نخطط بعشوائية، فالعشوائية في التخطيط والتنفيذ هي ليست جزءاً من الخلل، بل كل الخلل.

لعبة كرة النار

 تشير تقارير إخبارية كثيرة الى إنتشار لعبة "كرة النار" بشكل لافت في مدارس مقاطعة جاوة الشرقية باندونيسيا، ولتلك اللعبة قوانينها مثل قوانين كرة القدم العادية ولكن الفرق الوحيد أن هذه اللعبة تستخدم فيها كرات مشتعلة ولاعبوها حفاة، حيث يتم إشباع حبة جوز هند بمادة قابلة للاشتعال لمدة يومين، للإبقاء على النار مشتعلة لأطول فترة ممكنة.

 وفي العراق اليوم لدينا ذات اللعبة ولكن بإختلاف بسيط هو أن الكرة هي ابناء شعبنا المظلوم الملتهب بفعل ضربات التنظيمات الإرهابية المتلاحقة التي لا تجد من يوقفها عن اللعب بمستقبلنا والى الأبد، شعبنا الذي يشعله الفقر وفيه سبعة ملايين فقير، شعبنا الذي يحرق عمره اليأس من تكامل الخدمات التي تقدمها الحكومات، مبرمجة، مقطعة، حسب رغبة الفساد وأهواء الكتل السياسية التي تتناقل تلك الكرة النارية، التي تكاد تنفجر، بين مؤسسات الدولة العراقية التننفيذية والتشريعية.

 فالكثير من القوانين باتت كالعبة تنتقل بين الكتل السياسية في البرلمان، منها قانون العفو العام وقانون البنى التحتية وقانون إعفاء المتوفي من ابناء الشعب، أسفي عليه، من أقساط السلف التي تمنحها الحكومة.. فهناك اليوم 120 قانوناً مطروحاً على طاولة البرلمان مع العشرات من القوانين التي تنتظر قراءتها وتشريعها.. لتؤجل الى ما بعد عطلة العيد.. ليتسنى لأغلب أعضاء البرلمان السفر والتمتع بالعيد بعيداً عن العراق وتلك الكرة النارية الملتهبة التي يلعبون بها بسبب التقاطعات السياسية وعدم الثقة التي بنيت عليها مؤسساتنا التنفيذية والتشريعية.

 قد لا يفقه الجميع أمر تلك الكرة النارية العراقية التي يلعبون بها ليختبروا مدى صبره.. والذي قد ينفذ يوماً.. فتلك الكرة قد تقع في أحد الأشواط في حضن أحدهم.. فتحرق..... فاحذروها!

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/تشرين الأول/2012 - 7/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م