عراقيات يتحدين السرطان ويتسلحن بالأمل

تحقيق: انتصار السعداوي

 

شبكة النبأ: (خالة منين إجاني الما يتسمى؟)، هكذا بدأت صفية ذات الستين عاما حديثها معي وهي تمسك بصدرها، بسؤال حير العلماء والأطباء أنفسهم: ما هو سبب الإصابة بالسرطان ؟؟، حيث اعتاد أهلنا الأولون على تسمية مرض السرطان (الما يتسمى) او (ذاك المرض) او (الخبيث) لا سامح الله، لجهل السبب الحقيقي والرئيسي وراء الإصابة بسرطان الثدي وغيره من أنواع السرطان.

وصفية هي الأخرى مستغربة! تقول: "أنجبت ستة أولاد وأرضعتهم رضاعة طبيعية وعشت في منطقة ريفية نقية الهواء وبعيدة عن إي مصدر من مصادر الإشعاع، ولم اذهب للفحص المبكر، كل ما حصل إني أحسست أن الثدي الأيمن صار اكبر من الأيسر وأحسست بفصوص شبه غضروفية انزلقت بين أصابعي"... وبعد إجراء الفحوصات اللازمة والتحاليل والاشعات، قيل لي إني مصابة (بذاك المرض)، ولا تزال صفية مصممة أن لا تسمعني تسميته العلمية، وتابعت "حين أخبرتني الطبيبة بحقيقة مرضي، أصبت بذهول واستغراب! وازدحمت في رأسي الاسئلة والتوقعات، هل سأنجو؟ كم ساحتاج للعملية؟، متى سأتعافى وما سيكون شعوري وأنا اتلمس صدري الى خصري؟؟ وزوجي، زوجي المصيبة كيف سيتعامل معي.. آه آه تلاطمت امواج الخوف والقلق والاستفهام برأسي، وبعد تفكير طويل ومساعدة اولادي واقربائي المادية والمعنوية  قررت ان لا استسلم وأواجه المرض واتعالج.

وأضافت: "قمتُ بمراجعة طبيب خاص بالأورام السرطانية، وأجريت لي عملية رفع الورم في مستشفى حكومي في البداية وبعدها استلزم الامر رفع الثدي الايمن بأكمله، وفضلت اجراءها في مستشفى خاص (ابن الهيثم)، ولكني كنت اعتمد على جميع الفحوصات والتحاليل والصور الشعاعية على مستشفى الحسين العام اختصارا للتكاليف وتدريجيا تأقلمت مع المرض وبدأت اهتم  بنفسي وصحتي وطعامي من جديد وابتعد عما يعكر مزاجي، وعلى الرغم من ان شعري بدا يتساقط مع جلسات العلاج الكيمياوي، إلا اني لازلت استعمل الحناء كما كنت في السابق". واستدركت صفية ساخرة: "يقولون إن صاحبة هذا المرض قد تعيش لاكثر من سبع سنوات.. ها انا وجدت ما اشغل نفسي به بعد الصلاة والتذرع بالدعاء".

 فيما تقول ام نور (36سنة) متزوجة ولها ابنتان، وهي احدى المراجعات على وحدة التسجيل السرطاني في صحة كربلاء، "ان الاطباء اخبروها بأن الورم حميد وليس خبيث وانها بحاجة الى عملية بسيطة لرفع الورم فقط وليس بحاجة لرفع الثدي".. ولكني لا اثق كثيرا بكلام الاطباء لان العامل الوراثي متوفر عندي كون عمتي اصيبت بسرطان الثدي سابقا وأجريت لها عدة عمليات وصلت الى رفع الثديين بأكملهما وبقيت تتعالج لمدة سبعة اعوام بكل انواع العلاجات الكيماوية والإشعاع ولم تتوقف يوما الى ان توفيت قبل عامين، وقد عايشت عمتي طول فترة الاصابة والعلاج... وأشارت ام نور هي الاخرى الى مخاوفها وقلقها في بداية الامر وشعورها بالنقص، وخوفها على مستقبل بناتها المراهقات وطبيعة علاقتها بزوجها، ولكنها اختارت الحياة ايضا لان (الحياة جميلة وتستحق ان نعيشها)، هكذا قالت ام نور وهي تمسك بضفيرتها المتدلية على عرش انوثتها المخلوع.

وسألتها هل تفكرين في مواصلة العلاج في المستشفى الحكومي ام تفكرين بالبحث عن فرص اخرى للعلاج؟، قالت وهي متحسره: "ياريت عندي ما يكفي لأسافر ولتعالج خارج العراق، ولكن اكتفي برعاية المستشفى الحكومي، واذا حصلت على متبرع لعلاجي في الخارج سأستانف علاجي في الخارج اكيد".

عروس السرطان

ولدينا ايضا زينب ذات العشرين عاما، إذ لا تزال عروسا في بداية زواجها، تقول "انها شعرت بألم في رقبتها في البداية وتحت ابطها وراجعت طبيب العظام والكسور وقال هذا تشنج بسيط، حدث هذا قبل زواجي بعام"، والآن احسست ان ثديي الايسر اكبر من الايمن مع ظهور ورم تحت الابط غير مصاحب للالم، قبل يومين فقط اخبرتني الدكتورة بوجود ورم في الغدد اللمفاوية ايضا وتقول انه ورم حميد... لم انم منذ يومين واصابني القلق والوسواس كيف سأستمر في حياتي الزوجية؟، وكيف سأرضع اطفالي؟، واكملت بعد حسرة: "زوجي متعاطف معي وقال لا تهتمي سنذهب الى ايران للعلاج رغم ان الطبيبة قالت ان الورم حميد... ندمت لاني لم اراجع اكثر من طبيب منذ البداية واكتفيت بطبيب واحد، وندمت لاني لم افكر يوما في الفحص المبكر او الذاتي. انشاء الله الورم حميد كما اظهر فحص المستشفى والحياة لا تتوقف سنفعل ما يجب ان يكون والله معنا".

شهر التحدي العالمي

الى ذلك قالت الدكتورة عبير عبد الحميد مديرة برنامج الكشف المبكر عن سرطان الثدي في وزارة الصحة، على هامش الفعالية التي أقامها مجلس السرطان واللجنة العليا لمكافحة سرطان الثدي في وزارة الصحة لمناسبة شهر تحدي سرطان الثدي، إن "نسبة الإصابة بمرض سرطان الثدي بلغت 32% من مجمل الإصابات السرطانية في العراق، وهو ما يوازي المعدل العالمي الموجود"، مؤكدة أن "نسبة الإصابة بهذا المرض في العراق اقل بكثير من دول الشرق الأوسط بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية". واضافت ان عدد الاصابات بسرطان الثدي بين العراقيات بلغ 2726 إصابة وفق معلومات نشرها مجلس السرطان العراقي عام 2008K وأوضحت الدكتورة عبير "ان معظم المصابات راجعن المراكز المتخصصة في مراحل متأخرة من المرض الذي لو تم اكتشافه في مراحل مبكرة لوصلت نسبة القضاء عليه إلى 90%K، واشارت مديرة برنامج الكشف المبكر عن سرطان الثدي الى ان هناك 27 مركزا متخصصا لتقديم خدمات الوقاية والتشخيص والعلاج لمرضى سرطان الثدي مزودة بكافة المعدات والمستلزمات والكوادر الطبية، 7 منها في بغداد، و3 في الموصل، و2 في البصرة ومركز واحد في بقية المحافظات.
وفي السياق نفسه، اكد الدكتور احمد مبارك الامين العام للمجلس العراقي للسرطان "ان عدد المصابات بسرطان الثدي وغيرها من السرطانات في العراق تزايد خلال العقدين الاخيرين بفعل انتشار الملوثات البيئية الكيماوية والاشعاعية والعادات الحياتية والغذائية السيئة"، لافتا الى وجود اسباب مكتسبة وذاتية ادت الى تصاعد نسب الاصابة بسرطان الثدي بين النساء في العالم وليس العراق فحسب.

واضاف الدكتور احمد مبارك "ان معدلات الاصابة بهذا المرض في العراق مازالت مقاربة لبلدان المنطقة ان لم تكن اقل منها بكثير"، موضحا "ان من بين اسباب تزايد عدد الاصابات بالمرض بشكل مقلق يعود الى ما شهده العراق خلال العقود الماضية من تلوث بيئي وتعرض للاشعاعات، وزيادة في معدلات النمو البشري، وتعاطي الكثير من النسوة لعقاقير منع الحمل، والتي تؤثر فسلجيا وهرمونيا على خلايا الثدي اضافة الى عدم الالتزام بانظمة غذائية صحية وممارسة الرياضة".

ردود الأفعال عند تشخيص المرض

تقول الدكتورة تقوى خضير رئيس قسم تسجيل الأمراض السرطانية في مستشفى الحسيني: "إن تشخيص الإصابة بسرطان الثدي يشكل ضغطا كبيرا على أي سيدة مع التأثير النفسي للتشخيص وردة الفعل الانفعالية تختلف من سيدة لأخرى وعندما تخبرها فنية الأشعة بذلك ردود فعلها الانفعالية تتمثل في "الذعر " "الصدمة " "الرعب" ويتبعها الإنكار وعدم التصديق  بعد التأكد من الفحوصات الطبية".

ومعظم السيدات التي كنّ يزرن مركز الكشف عن سرطان الثدي في كربلاء كن يصفن تلك المخاوف على الشكل التالي "قد أموت او أصبح عاجزة معتمدة على غيري، قد أورث المرض لبناتي، علي إخبار زوجي ان يتزوج باخرى، لن اتمكن من ممارسة علاقتي الزوجية بشكل طبيعي، سوف أكون غير قادرة على التنافس للحصول على ترقية في العمل.. ولكن في النهاية معظم السيدات قادرات على احتواء الإحساس بالألم والقلق الممتزج مع الاكتئاب، وهذا يختلف من سيدة إلى أخرى حسب المرحلة العمرية وقدرتها على التأقلم ومستوى ثقافتها ووضعها الاجتماعي والعائلي والدعم المعنوي والمادي المتوفر لها.

واكدت دكتورة تقوى "ان جميع مراكز الفحص المبكر لسرطان الثدي في العراق مستعدة لاستقبال النساء طول ايام السنة وليس في شهر التحدي فقط"، وهناك توجيه من وزارة الصحة لجميع مراكز الرعاية الصحية الاولية في القطر في المحافظات والقرى والارياف لفحص 20% من المراجعات في المراكز على اقل تقدير فضلا عن توفر اجهزة الفحص المبكر (المامو كرام) في جميع محافظات القطر، مع توفر الفحوصات والعلاجات الجراحية والكيماوية اللازمة مجانا، وليس على المرأة سوى ان تذهب مرة واحدة فقط في العام لأقرب مركز صحي للتأكد من سلامتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/تشرين الأول/2012 - 6/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م