ثمن الالم في الولايات المتحدة... صورة من العمق

 

شبكة النبأ: في التحليلات السياسية التي تندلع على الفضائيات العربية، يشكل الصراع على الشرق الاوسط وعلى مواقع البترول العربية الهاجس الاكبر للمحللين السياسيين العرب، وهم يتحدثون عن السياسات الامريكية للمرشحين في الانتخابات الامريكية، لكن ما تطرحه الصحف الامريكية وما تكشف عنه المناظرات التلفزيونية بين اوباما ومنافسه الجمهوري رومني هي غير ذلك.

فالسياسات الداخلية هي التي تتصدر المشهد التنافسي للحملات الانتخابية لكلا المرشحين، والتي تحاول استمالة الناخب الامريكي وجعله يصوت للمرشح المناسب والذي يحاول تقديم وعود انتخابية لها علاقة بالبطالة والرعاية الصحية والهجرة والمزيد من الوظائف والضرائب.

في العام 2008 ردد اوباما في حملته الانتخابية الاولى جملة (الحق في العلاج مرتبط بالحق في الحياة)، ولهذا جعل قطاع الصحة على رأس قائمة أولوياته كرئيس بعدما تسلم السلطة أوائل سنة 2009.

وقد أثمرت جهوده خطة ضخمة لإصلاح قطاع الصحة في أميركا أطلق عليها خصومه إسم (أوباما كير) وتم إقرارها في 23 مارس/آذار سنة 2010.

وخطة (أوباما كير) هي ما يسمى رسميا بقانون حماية المريض وتوفير الرعاية الصحية بأسعار معقولة، وتقوم تلك الخطة على الرفع من عدد المستفيدين من التغطية الصحية في أميركا مع تقليص النفقات الخاصة بهذا القطاع عبر عدد من المحفزات الضريبية والمالية والقانونية المخصصة للأشخاص العاديين ولأرباب العمل من أجل تشجيعهم على توفير التغطية الصحية لموظفيهم.

وتهدف الخطة إلى زيادة عدد المستفيدين من التغطية الصحية بشكل عام بواقع 30 مليون شخص وتحسين جودة الرعاية الطبية في البلاد، كما تفرض على شركات التأمين الصحي القبول بجميع الطلبات بغض النظر عما إذا كان الشخص المتقدم بالطلب مصابا بمرض قبل الاشتراك.

وقتها رفض الجمهوريون ما جاء في تلك الخطة وحاولوا عرقلة تمريرها في مجلسي الكونغرس، وعندما فشلوا في ذلك تعهدوا بإلغائها خلال الحملة الانتخابية الحالية.

فقد تعهد المرشح الجمهوري ميت رومني بالعمل على إلغاء (أوباما كير) منذ أول يوم له في البيت الأبيض إذا ما فاز بانتخابات الرئاسة.

في ظل هذا الواقع السياسي الذي جعل من قضية الرعاية الصحية قضية انتخابية بامتياز وجردها من جوانبها الإنسانية، ترسم الإحصاءات الرسمية صورة قاتمة عن الواقع الصحي في أميركا يرى المراقبون أن المرشحيْن يمرّان عليها مرور الكرام.

فقد أفادت أرقام لمكتب الإحصاء الأميركي أن نسبة الوفيات في صفوف الولادات الحديثة في أميركا تعد من بين الأعلى في الغرب، كما تحتل الولايات المتحدة المرتبة 42 عالميا بالنسبة لمتوسط الأعمار خلف دول نامية مثل تشيلي (المرتبة 35) و كوبا (المرتبة 37).

وانتقدت منظمة الصحة العالمية الولايات المتحدة في دراسة مفصلة نشرتها سنة 2004 قالت فيها إن نظام الرعاية الصحية الأميركي هو الأغلى في العالم وإنه لا يوفر الرعاية للمرضى المحتاجين الأمر الذي يتسبب في موت 18 ألف شخص سنويا، فيما قدرت دراسة أخرى أجرتها جامعة هارفارد عدد الذين يموتون سنويا بأكثر من 44 ألف شخص.

وأفادت منظمة الصحة العالمية أن معظم دول العالم (باستثناء أميركا والمكسيك وتركيا) توفر الرعاية الصحية لغالبية مواطنيها (نسبة 98 في المئة منهم) وأن هذه التغطية تعد (حقا إنسانيا يجب أن يتمتع به كل إنسان على وجه البسيطة وليس امتيازا يحتكره أفراد طبقة دون أخرى).

ويعاني ملايين الأميركيين من مشكل غياب التغطية الصحية، فقد خلصت دراسة لمعهد بيو للأبحاث سنة 2010 إلى أن نحو 16 في المئة من سكان الولايات المتحدة ليس لديهم أي نوع من التأمين الصحي، كما أكدت منظمة الصحة العالمية في تقرير رسمي سنة 2008 أن أميركا تنفق أكثر من أي دولة أخرى في العالم على مواطنيها في مجال الصحة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي (7146 دولارا لكل شخص) لكنها مع ذلك تعد من أكثر دول العالم تأخرا في مجال توفير الرعاية الصحية لجميع مواطنيها.

وتتسبب تداعيات عدم توفر ملايين الأميركيين على التأمين الصحي في آثار مدمرة بعدد من الولايات، حيث أفادت دراسة ميدانية حكومية أن العجز عن دفع تكاليف العلاج يعد سببا رئيسا في إعلان آلاف الأميركيين إفلاسهم، وأوضحت الدراسة أن أكثر من 62 في المئة من الأميركيين الذين أعلنوا إفلاسهم سنة 2007 قالوا إن ارتفاع تكاليف العلاج كان سببا في انهيار ثرواتهم أو اندثارها.

وكانت جمعية القلب الأميركية قد أفادت ضمن مجلة (الدورة الدموية) الصادرة عنها، بأن التكلفة المادية المباشرة وغير المباشرة لأمراض القلب والسكتة الدماغية تتجاوز 503 مليارات دولار سنويا في الولايات المتحدة.

وضمن عدد سبتمبر (أيلول) الماضي لـ(مجلة الألم) الصادرة عن المجمع الأميركي للألم ورد أن التكلفة المباشرة وغير المباشرة التي ينفقها الشعب الأميركي على الألم المزمن تتجاوز سنويا 635 مليار دولار.

وضمن عدد الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي نشرت مجلة «أرشيفات طب النفسية العام» دراسة لباحثين في كلية طب هارفارد حول تأثيرات الأرق وقلة النوم على أداء العاملين، وأفادت بأن التكلفة المادية لحوادث مكان العمل والأخطاء فيه تتجاوز 31 مليار دولار سنويا. وكانت مجلة «النوم» الصادرة عن المجمع الأميركي لطب النوم قد نشرت في سبتمبر 2011 دراسة أخرى للباحثين من جامعة هارفارد حول الأرق، وأفادت بأن التأثيرات السلبية للأرق على الأداء الوظيفي وإنتاجية العاملين في أماكن العمل بالولايات المتحدة تكلف الاقتصاد القومي أكثر من 63 مليار دولار سنويا.

و«سقوط كبار السن» مثال آخر، إذ تفيد «المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها» بأن الكلفة المادية لسقوط كبار السن تتجاوز 30 مليار دولار سنويا في عام 2010. وتفيد تلك المراكز بأن الكلفة المادية الوطنية الكلية لإصابات الأمراض الروماتزمية هي 353 مليار دولار في عام 2005.

وفي تقريرها الصادر في 25 أغسطس (آب) 2010 أفادت بأن تكلفة الرعاية الصحية وتكلفة «فقد الإنتاجية» الناتجة عن إصابات حوادث عربات السير تتجاوز 99 مليار دولار. وأفادت أيضا بأن الكلفة المادية للتبعات الصحية المباشرة وغير المباشرة لـ«الإفراط في شرب الكحول» تجاوزت عام 2006 مبلغ 223 مليار دولار في الولايات المتحدة، وأن كلفة معالجة مرضى السكري في الولايات المتحدة لعام 2007 تجاوزت 175 مليار دولار. كما أفادت بأن التكلفة المادية المباشرة وغير المباشرة للربو تجاوزت عام 2007 مبلغ 56 مليار دولار.

وفي فبراير (شباط) الماضي نشرت احدى المجلات أن التكلفة المادية للإساءة للأطفال وهو ما يشمل الإيذاء البدني والجنسي والنفسي والإهمال تتجاوز 124 مليار دولار في العام الواحد.

اهم الجوانب الذي تشير اليه تلك الاحصائيات هو أن تكلفة الرعاية الصحية هي تكلفة باهظة، والتكلفة الباهظة تتطلب العمل على «ضبط المصروفات»، وهو ما يتطلب أن تنال كل الأركان الثلاثة لتقديم الرعاية الصحية العناية اللازمة كي تكون فاعلة وبكلفة مادية محسوبة. ومعلوم أن أركان تقديم الرعاية الصحية هي:

أولا توفير وجود منشآت يسهل الوصول إليها ذات تجهيزات طبية لتقديم الرعاية الصحية.

وثانيا توفير الكوادر البشرية لتشغليها وخدمة المرضى فيها ومن خلالها.

وثالثا وضع نظام عملي للتشغيل يحقق الاستفادة الأمثل من المنشأة الصحية ومن كوادرها الطبية بغية تقديم خدمة المرضى بما يضمن جودة تقديم الرعاية الصحية لهم وضمان سلامتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/تشرين الأول/2012 - 5/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م