يبدو أن الربيع العربي وما أثمر من تيارات اسلامية اعتمدت شعارات
دينية استطاعت بواسطتها الوصول الى السلطة أشعل الصراع بين الدين
والسياسة، وألقى بظلاله على الولايات المتحدة، فبدت حمى الدين تتسرب
الى مؤسسة الرئاسة الأمريكية، فظاهرة إستخدام العامل الديني في حملات
المرشحين واضحة. فعلى الرغم من عدم غياب الدين في الإنتخابات السابقة.
فالرئيس كارتر كان متدينا وحريصا على التدريس في الكنيسة خلال فترة
رئاسته، ووصف الرئيس كنيدي بأنه أول كاثوليكي يحكم الولايات المتحدة،
إلا أن هذا الأمر لم يشكل ركيزة اساسة في المعركة الإنتخابية، ولكن
العامل الديني هذه المرة أكثر حضوراً وإستقطاباً للناخبين.
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوكلاهوما ألين هيرتزك: أن
التيارات الدينية باتت أكثر انتشارًا وتأثيرًا من أي وقت مضى في تشكيل
النقاش العام بين الناس.
فالرئيس أوباما يُصنف على أنه مسيحي إنجيلي مشكوك في مسيحيته، فابوه
يدعى حسين وهو قد عاش فترة من حياته في إندونيسيا الدولة المسلمة
الأكبر في العالم، فلا يعقل ان يكون مسيحياً حقيقياً، وعلى الجانب
الآخر يوصف منافسه ميت رومني بالمسيحي المورموني المُشكك في عقيدته،
الذي كان مبشراً للمورمونية في فرنسا، وهي عقيدة مرفوضة مسيحياً، إذ
أنها لا تؤمن بالعهد الجديد من الكتاب المقدس، وتسمح بتعدد الزوجات،
لذا تتخذ المعركة الإنتخابية بين الاثنين بعداً دينياً واضحاً.
لم يشكل الدين عامل جذب للناخب الأمريكي العادي بقدر ما يستهوي
النخب من المتزوجين وزوار الكنائس في الولايات المتحدة، لذا يحرص
المرشحين على إصطحاب زوجاتهم في الحملات الانتخابية، فالحمى الدينية لم
تكن واضحة في الماضي بقدر وضوحها في الوقت الحاضر، فالمعروف ان
الجمهوريون يولون أهمية لهذا العامل، بعكس الديمقراطيين، ولعل الرئيس
بوش الأبن قد بدأها بشكل واضح. فما حدث في انتخابات الرئاسة لعام 2000
حيث صوّت الناخبون الملتزمون لبوش الأبن بنسبة أكبر مما صوتوا لمنافسه
آل غور الذي حصد اصوات غير المتدينين. يتحدث مانسفيلد صاحب كتاب (عقيدة
جورج دبليو بوش) فيقول: إن فكرة ترشيح جورج دبليو للرئاسة جاءته من
خلال حضوره مع والدته صلاةً في إحدى كنائس تكساس، وكان القس مارك كرايج
يتحدث عن قصة النبي موسى ويقول: أن موسى تردد بعض الشيء في قبول دعوة
الله له لقيادة المجتمع، في حين أن المجتمع في أشد الاشتياق لقيادة
تمتلك رؤية وشجاعة أخلاقية.
فالتفتت إليه أمه وقالت له إن القس كان يعنيك، وبعد فترة قصيرة اتصل
دبليو بوش بالقس جيمس روبيسون وقال له "لقد سمعت الدعوة. أعتقد أن الله
يريدني أن أرشح نفسي للرئاسة.
ولعل ماحدث بعد وصوله للرئاسة، وقيامه بغزو العراق على اثر حلم مقدس
خير دليل على عقيدته الدينية.
أما بوش الأب فهو الآخر قد فاز في انتخابات 1988 نتيجة دعم الجماعات
المسيحية المتدينة، لكون بوش الإبن أحد أعضائها، وذلك خلال فترة شهدت
صراعا سياسيا كبيرا على اجتذاب أصوات اليمين الأمريكي المتدين الصاعدة
سياسيا.
وعلى خلفية الدعم الأمريكي لإسرائيل نرى أن الدين يلعب دوراً مهماً
في هذه القضية، فيرى اليمين المتطرف من المسيحيين أن دعم إسرائيل هو
واجب ديني يفرضه الكتاب المقدس(العهد القديم) وأن إسرائيل الحالية هي
وريثة إسرائيل القديمة والتي هي أرض الميعاد التي تمتد من الفرات إلى
البحر المتوسط ومن سيناء إلى جنوب لبنان.
لذا نرى أن الرؤساء الأمريكان يعلنون ذلك في برامجهم الانتخابية
لكسب اصوات اليمين.
لقد تنبأ صموئيل هنتغتون صاحب نظرية (صراع الحضارات) بهذه الحمى
حينما قال: أن الصراع بات حتمياً نظراً للتغيير الذي تتسارع خطواته على
أساس المعادلات الدينية بين الكاثوليك والانجيليين.
إن الصراع الدائر في منطقتنا بين الشيعة والسُنة وبين المتدينين
والعلمانيين، هو ذات الصراع الذي تدور رحاه الآن في الولايات المتحدة،
حيث يتمحور بين الانجيليين والكاثوليك وبين المتدينين والعلمانيين،
فالكنائس الإنجيلية والكاثوليكية تحذر من عدم إكتراث العلمانيين
بالحرية الدينية. فنرى الرؤساء ينصاعون الى إرادة اليمين المتدين،
ويحققون رغبات الشارع الأمريكي كما هو الحال في منطقتنا.
فالجميع يخشى الحُمى ولكنهم أصيبوا بها جميعاً. |