فضائح... تسحب البساط من تحت الكنيسة وتحرج الكرسي البابوي

 

شبكة النبأ: لاتزال الكنيسة المسيحية تواجه الكثير من الانتقادات بسبب الفضائح الغير أخلاقية المتكررة التي يقوم بها بعض رجال الدين او اتباع الكنيسة والتي أخذت تزداد وتتنوع بشكل كبير بحسب بعض المتخصصين الذين أكدوا على ان تلك الفضائح قد تسببت بإحراج الكرسي البابوي الذي قد أصبح ضعيفا أمام تلك التجاوزات المستمرة، وفي ما يخص أخر تلك الفضائح فقد حكمت محكمة الفاتيكان على باولو غابرييلي، كبير الخدم السابق للبابا، بالسجن لمدة عام ونصف العام بعدما ادانته بسرقة وثائق سرية وتسريبها الى وسائل الاعلام، وذلك في ختام محاكمة خاطفة دامت اسبوعا واحدا. وانزلت المحكمة بالمدان عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات الا انها خفضتها على الفور الى النصف. وبرر رئيس المحكمة جيوسيبي دالا توري تخفيض الحكم "بالخدمات" التي اداها المدان على مدى سنوات خدمته للبابا و"لاقتناعه -الذي اعتبره القاضي خاطئا- بأنه يخدم الكنيسة" و"بتصرفه خلال المحاكمة" و"ادراكه انه خان البابا". وحكم على المتهم ايضا بدفع نفقات المحاكمة. واعتبرت محاميته كريستيانا ارو ان "الحكم جيد، متوازن". واضافت "سنقرأ الدوافع ونقيم" امكانية رفع دعوى استئناف.

وضبطت اكثر من الف وثيقة مهمة بعضها مرسل او موقع من البابا بنديكتوس السادس عشر في شقة كبير خدمه السابق باولو غابرييلي في الفاتيكان. وجاء في محضر اعدته مجموعة من ثمانية صحافيين كانوا موجودين في القاعة الصغيرة للمحكمة، ان المفتش سيلفانو كارلي احد عناصر الدرك الاربعة الذين خضعونا للاستجواب في اليوم الثالث من محاكمة كبير الخدم السابق، قال "عثر على اكثر من الف وثيقة مهمة، اصلية او مصورة" خلال تفتيش شقة غابرييلي في 23 ايار/مايو، مشيرا الى انها كانت مخبأة تحت مئات الاف الاوراق المختلفة.

واضاف "كان ثمة وثائق مكتوبة باللغة المرمزة (المستخدمة في المراسلات بين امانة سر الدولة والسفارات البابوية). كان ثمة وثائق تفوق بكثير تلك التي نشرت في كتاب" قداسته للصحافي الايطالي جيان لويدجي نوتسي الذي صدر في ايار/مايو وكشف عن فضيحة التسريبات. وشدد المفتش كارلي على القول "كان هناك عشرات وعشرات الوثائق المتعلقة بقداسة البابا وامانة سر الدولة والمجامع الاخرى وكذلك حول الحياة الخاصة والحياة العائلية لقداسة البابا". وضبطت ايضا وثائق موجهة الى البابا تتعلق بكرادلة ورجال سياسة.

وتحدث الشهود الاربعة عن "مئات الاف الوثائق" التي عثر عليها في شقة رئيس الخدم السابق. وهي كناية عن قصاصات لمقالات منشورة في الصحف ووثائق منقولة عن الانترنت حول مواضيع مختلفة كالمحفل بي2 والماسونية والتجسس وبنك الفاتيكان ومذهب الباطنية واليوغا والبوذية وعلاقاتها بالمسيحية. وقد استدعى الدفاع هؤلاء الشهود الذين شاركوا جميعا في تفتيش شقة غابرييلي.

واكد جميع الشهود ان الوثائق المتعلقة بالبابا كانت "مخبأة بمهارة" وسط هذه الاوراق المبعثرة. واكد الاب فيديريكو لومباردي المتحدث باسم الكرسي الرسولي ان "القسم الاكبر من هذه الاوراق لا يتعلق بقضية فاتيليكس". لكنه اوضح ان "عددا كبيرا" من الوثائق التي تمت مصادرتها والمرتبطة بقضية فاتيليكس، يتعلق بشخص البابا والمراسلات بينه وبين كبار مسؤولي الكنيسة.

واضاف ان "بعضها اصلي، وثمة الكثير من النسخ المصورة".

وكان كبير خدم البابا الذي طلب المدعي العام انزال عقوبة السجن به ثلاث سنوات، اكد انه تصرف مدفوعا "بحبه للكنيسة" وانه "لم يكن سارقا". وقال غابرييلي في تصريح مقتضب قبل المداولة والنطق بالحكم ان "ما اشعر به بكل قواي هو اقتناعي بأني تصرفت مدفوعا بحب حصري واقول حتى بحب عميق لكنيسة المسيح ولرئيسها على الارض. واذا كان علي ان اكرر القول، فانا لا اشعر اني سارق".

وكان المدعي العام قال في مرافعته خلال الجلسة الاخيرة من المحاكمة حول التسريبات التي كشفت عن الدسائس والتوترات في اعلى دوائر الفاتيكان "نطلب انزال عقوبة السجن ثلاث سنوات (بالمتهم) ومنعه نهائيا انما بشكل محدود" من تولي مسؤوليات في الادارات العامة. وكان المدعي العام رد احد التقارير النفسية الذي اكد ان باولو غابرييلي يعاني من "اضطرابات عقلية" تجعله غير مسؤول عن تصرفاته. واقر بأن التحقيق لم يقدم "دليلا على تواطؤ" اشخاص آخرين مع غابرييلي. وقال "لم يكن احد في الفاتيكان يعرف بوجود هذا الارشيف" في شقة غابرييلي، "وهو ارشيف يستأهل الحفظ في مكتبة بسبب تنوع مراكز التأثير" التي تكشف عنها الوثائق.

وكانت المحامية كريستيانا ارو طالبت من جهتها باعادة وصف الجنحة بأنها "سرقة"، وبأن يحكم على غابرييلي بالعقوبة الدنيا المقررة للسرقة العادية، اي التوقيف ثلاثة ايام، اذا ما تمسك القضاة بجنحة السرقة. وقالت "لقد قام فعلا بتصرف مدان وغير قانوني لكنه كان يريد مساعدة الكنيسة وليس الاساءة اليها". واضافت "تصرف مدفوعا بايمانه العميق، وبالشر الذي كان يراه" في الفاتيكان، مكررة حجة غابرييلي خلال استجوابه. واوضحت "كان غابرييلي مدفوعا بحافز اخلاقي آمل ان يتم الاعتراف به وحتى مكافأته عليه". بحسب فرنس برس.

وقال المتحدث باسم الكرسي الرسولي الأب فيديريكو لومباردي ان المدعي العام تناول في تحقيقه "مسألة وجود متواطئين محتملين، لكن لم يتوافر اي دليل على ذلك" وخلص الى ان غابرييلي "تصرف على الارجح مدفوعا بالظروف السائدة".

تجاوزات جنسية

في السياق ذاته أقرت الكنيسة الكاثوليكية في ولاية فيكتوريا الأسترالية بوقوع تجاوزات جنسية بحق أكثر من 600 طفل على يد أساقفتها منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. ووصف أسقف ملبورن دينيس هارت هذه الأرقام "بالمفزعة والمخجلة". وصدرت هذه الأرقام في بيان رسمي قدم إلى لجنة تحقيق برلمانية في الولاية. ويقول نشطاء في حملة الدفاع عن حقوق الأطفال إن العدد الحقيقي ربما يصل إلى 10 آلاف طفل.

وقالت الكنيسة في بيانها إن 620 حالة يعود تاريخها إلى 80 عاما مضت، ووقعت معظم الحالات خلال الفترة بين الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وأوضحت أنها لا تزال تحقق في 45 حالة أخرى. وفي بيان له أكد الأسقف هارت أنه من المهم أن تكون هناك مصارحة "بشأن التجاوز (الجنسي) المفزع (بحق أطفال) والذي وقع في فيكتوريا وأماكن أخرى".

وأضاف "نأمل بأن يساعد هذا التحقيق في تضميد جراح أولئك الذين ارتكبت بحقهم تجاوزات، والنظر في السياق الأوسع لتعامل الكنيسة (مع هذه القضية) خلال ال16 عاما الماضية وتقديم التوصيات لتعزيز رعاية الضحايا والإجراءات العقابية المطبقة حاليا".

وتقول جماعات النشطاء المدافعين عن حقوق الأطفال إن العديد من حالات التجاوزات الجنسية لم يتم الإبلاغ عنها، معربة عن اعتقادها بأن العدد الحقيقي يقترب من 10 آلاف طفل في فيكتوريا وحدها. وكانت قضية الإساءات الجنسية بحق أطفال على يد قساوسة في الكنيسة الكاثوليكية قضية رئيسية في أستراليا خلال السنوات الأخيرة. وخلال زيارته إلى أستراليا في يوليو/تموز عام 2008، التقى بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر ببعض الضحايا وقدم اعتذارا علنيا عن الإساءات التي ارتكبت بحقهم.

الكاثوليك في المانيا

على صعيد متصل اصدر الاسقف الالماني مرسوماً رسمياً يقضي بمنع توفير خدمات الكنيسة والتي تشمل العمادة او الصلاة على الموتى للذين يمتنعون عن دفع الضريبة الخاصة بالكنيسة. واضاف الاسقف: "من لا يدفع ضريبة الكنيسة والتي تبلغ 8 في المئة من مدخولهم السنوي، فإنهم لا يعتبرون كاثوليكيين". وقال احد المحاسبين المختصين بالضرائب توماس زيتزليبيرغر انه " اذا بلغت الضريبة التي عليك دفعها 10 الآف يورو، فإن عليك اضافة 800 يورو عليها لتصبح الضريبة السنوية المفروضة عليك 10.800 يورو".

ويشكل الكاثوليك حوالي 30 في المئة من المواطنين الالمان الا ان اعداد المؤمنين الذين يقاطعون الكنيسة في ازدياد، إذ بلغت نسبتهم حوالي 181 الف في 2010. ويرى البعض ان سبب هجر الكثيرين الكنيسة الكاثوليكية هو الانتهاكات الجنسية التي قام بها القساوسة الالمان.

وارخت القضية الشائكة بين البروفسور الألماني المتقاعد هارتمت زاب والكنيسة بظلالها على هذا القرار، إذ أعلن البروفسور زاب في عام 2007 انه "سيمتنع عن دفع الضريبة الخاصة بالكنيسة الا انه سيظل كاثوليكاً"، مضيفاً "اريد الصلاة في الكنيسة رغم ذلك". وسينظر في هذه القضية امام محكمة "ليبزيغ" الفيدرالية.

وقال الاسقف الالماني خلال مؤتمر صحافي ان "هذا القرار يوضح للجميع انه لا يمكن لأي كاثوليكي ترك الكنيسة بشكل جزئي". وبحكم هذا المرسوم الرسمي، فإن من يمتنع عن دفع الضريبة الخاصة بالكنيسة "لن يسمح له بتناول القربان المقدس او العمل في الكنيسة او في مدارسها او مستشفياتها". بحسب بي بي سي.

وقال صاحب حملة "نحن الكنيسة" كريستان وينزير: "يعتبر توقيت هذا القرار خاطئ من قبل الأساقفة الالمان إذ ان الكنسية الكاثوليكية تعاني من ازمة كبيرة"، الا ان كاهن آخر من جنوب غرب المانيا، الاب لوكس غولكير قال ان "الضريبة الخاصة بالكنيسة تستخدم للقيام بأعمال ضرورية". واضاف الاب غولكير ان "اموال هذه الضريبة تصرف على رياض الاطفال والمراكز المختصة بكبار السن والعاطلين عن العمل، لذا فالمال يصرف لخدمة المجتمع الالماني".

دعوه الى المصالحة

من جانب اخر وقع بطريرك الكنيسة الارثوذكسية الروسية كيريلوس ورئيس الكنيسة الكاثوليكية البولندية المونسنيور يوزف ميشاليك نداء تاريخيا للمصالحة البولندية الروسية ونددا بعلمانية اوروبا، في ظل صدور حكم في موسكو بحق فرقة بوسي رايوت. وجاء في هذا النص الذي وقع خلال احتفال اقيم في القصر الملكي التاريخي في وارسو "ندعو المؤمنين الى الصلاة من اجل مغفرة الخطايا والظلم وكل الاذى المتبادل".

وقال رئيسا الكنيستين "نحن مقتنعون بانها اول خطوة، هي الاهم، نحو ارساء الثقة المتبادلة التي بدونها لا مصالحة تامة"، واعدين ب"الشروع في جهود جديدة ستقرب بين كنيستينا وشعبينا". ووعدا ب"الدفاع عن حق وجود الدين في الحياة العامة" في اوروبا ضحية العلمانية. واكدا "اليوم يواجه شعبانا تحديات جديدة. فبحجة حماية العلمانية او الدفاع عن الحريات يتم التشكيك في المبادىء الاساسية للوصايا العشر". واضافا "نشهد ترويجا للاجهاض والموت الرحيم والزواج بين مثليي الجنس والنزعة الاستهلاكية. القيم التقليدية مرفوضة والرموز الدينية ملغاة من الفضاء العام".

وقد اتسمت العلاقات بين بولندا وروسيا بالصعوبات على مدى تاريخهما مع الهيمنة الروسية على قسم كبير من بولندا في القرن التاسع عشر ومع فرض موسكو خمسين عاما من الحكم الشيوعي. وبعد الحرب العالمية الثانية فرض الاتحاد السوفياتي الشيوعية على بولندا. كما تضمنت ايضا نزاعات عديدة بين الارثوذكس الروس والكاثوليك البولنديين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/تشرين الأول/2012 - 29/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م