اليمن تنازع... شباب الثورة والحرس القديم

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: عانت دولة اليمن منذ ثورة العام الماضي ضد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي استمر 33 عاما رئيسا للبلاد، بسبب الاضطرابات والانقسامات الداخلية السياسية والانفلات الأمني والانتكاس الاقتصادي، فضلا عن سوء الخدمات وتفاقم الكوارث الإنسانية، فعلى الرغم من الاطاحة بحكم صالح وانتخاب حكم جديد للبلاد، مازال يتمتع الرئيس المخلوع بنفوذ كبير من خلال سيطرته على حزب المؤتمر الشعبي العام الشريك في الائتلاف الحاكم، ومن خلال اقاربه الأقوياء الذين يقودون وحدات عسكرية وأمنية خاصة، وهذا ما يزيد من هشاشة الدولة الجديدة ويفاقم من انهيارها سياسيا وامنيا، خصوصا وان مؤيدي الحاكم السابق يحاولون إفساد العملية السياسية بدعم من بعض الجهات الإقليمية والخارجية، إذ يشكلون ابرز المعوقات التي تغذي الصراع السياسي بفضل سيطرتهم على الجيش وقطاع الأعمال والاقتصاد، لكن الحكم الجديد يسعى لإعادة النظام إلى اليمن من خلال إعادة هيكلة الجيش وتقليص سلطات حلفاء الرئيس السابق، إذ على الرغم من التطورات الايجابية التي حققتها الحكومة الجديدة على صعيد الحياة السياسية، مازالت التهديدات الأمنية والصراعات السياسية والكوارث الإنسانية تلوح في الأفق، مما أتاح أرضا خصبة لانتكاسات جديدة على المستويات كافة، وبدورها تسعى المنظمات الحقوقية لرفع الحصانة عن الرئيس اليمني السابق، كما يريد اهالى قتلى من المتظاهرين اليمنيين محاكمة صالح المخلوع، لكن في ظل انقسام الدولة إلى فريقين احدهما مؤيد لصالح والاخر مناهض له يتعذر ذلك، فضلا عن هيمنة القاعدة واستمرار الأزمات الإنسانية، حيث تشكل العوامل آنفة الذكر، عقبات مستعصية تعرقل التنمية والاستقرار في البلاد اليمنية.

دور صالح في اليمن

في سياق متصل وبعد سبعة أشهر من تسليم علي عبد الله صالح الرئاسة على مضض أصبح نفوذه المستمر في اليمن مثيرا لقلق جيرانه الخليجيين والدول الغربية التي تخشى أن ينزلق التحول السياسي إلى حالة من الفوضى، وفي حين يحمل العديد من اليمنيين صالح المسؤولية عن مقتل أكثر من ألفي متظاهر في الانتفاضة التي شهدتها البلاد العام الماضي كان الهجوم على السفارة الامريكية هو ما دفع الدول الغربية إلى تغيير رأيها في الرجل الذي طالما اعتبرته واشنطن افضل من يمكنه احتواء المتشددين، وقال مصدر أمني يمني ودبلوماسيون غربيون إن جنودا من وحدتين تحت سيطرة أقارب لصالح سمحوا لمئات المحتجين باجتياز نقاط تفتيش حول السفارة. اقتحم المحتجون المقر إلى المبنى الداخلي بعد أن مزقوا لوحات وكتابات على الجدران الخارجية وحاولوا تحطيم الأبواب الزجاجية.

وتعهد الرئيس عبد ربه منصور هادي بالتحقيق في الواقعة التي أعقبت دعوات للاحتجاج من جانب رجل الدين السني عبد المجيد الزنداني الذي تتهمه الولايات المتحدة بالإرهاب منذ عام 2004 وجماعة انصار الله الزيدية التي يعرف أنصارها بالحوثيين، ونفى أحد أبناء صالح على صفحته على الفيسبوك اتهامات بأن حراس السفارة تعاملوا بشكل يثير الريبة. وقال إن وزارة الداخلية كان يجب أن ترسل قوات أمن للموقع، وقال دبلوماسي غربي بارز في صنعاء "نشارك في القلق من الدور الذي يقوم به حاليا الرئيس السابق وتلك العناصر القوية المحيطة به." وأضاف أنهم يقوضون الحكومة ويعطلون التحول، وتابع "لدينا مخاوف بالفعل بشأن مقاومتهم تنفيذ أوامر الرئيس هادي المشروعة."

وأصبح تحقيق الاستقرار في اليمن من الأولويات الدولية بسبب المخاوف من أن يكرس المتشددون الإسلاميون وجودهم بدرجة أكبر في دولة مجاورة للسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم وتقع على ممرات ملاحية حيوية، وتراخت قبضة الحكومة المركزية بدرجة أكبر وسط الانهيار الفوضوي لنظام صالح. ورفعت الانتفاضة الغطاء عن عدد ضخم من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها دولة فقيرة يقطنها 24 مليون نسمة، ووسط التعقيدات التي تواجه إعادة إرساء سيطرة الدولة ومن ذلك الحركة الانفصالية في الجنوب والحركة الزيدية الشيعية التي تواجه السنة وحرب سرية أمريكية بالصواريخ على المتشددين الإسلاميين ظهر دور رجل واشنطن القوي السابق في صنعاء كمشكلة ربما كانت الأكثر إلحاحا، ورغم الحصانة التي يتمتع بها بموجب اتفاق نقل السلطة مازال من الممكن أن يواجه صالح مصير الرئيس المصري السابق حسني مبارك إذ يسعى النشطاء لمحاكمته. وحكم على مبارك بالسجن مدى الحياة في يونيو حزيران لدوره في قتل متظاهرين اثناء الانتفاضة المصرية، ومازال صالح الذي تم تهميشه منذ فوز هادي في الانتخابات في فبراير شباط الماضي يتمتع بنفوذ من خلال سيطرته على حزب المؤتمر الشعبي العام الشريك في الائتلاف الحاكم ومن خلال اقاربه الأقوياء الذين يقودون وحدات عسكرية وأمنية خاصة، وحذر صالح في تعليقاته الأخيرة من أن عملية التحول في البلاد قد تنزلق إلى حالة من الفوضى مصورا نفسه على أنه عنصر حيوي لضمان وحدة أراضي اليمن، وفضلا عن ذلك تمردت قوات يقودها أقارب صالح مرارا على جهود هادي لإعادة تنظيم قوات الجيش وشنت هجمات على مبان تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع.

لكن الضغوط على صالح تنامت في الأشهر القليلة الماضية، فقد احتج ألوف على اتفاق نقل السلطة المدعوم من الولايات المتحدة والسعودية والذي يحمي صالح من المحاكمة في مقابل تخليه عن السلطة، ووافقت الحكومة على تشكيل لجنة للتحقيق في انتهاكات ارتكبت اثناء الانتفاضة العام الماضي ويمكن كذلك إقرار قانون للعدالة خلال الفترة الانتقالية في وقت قريب، وقال الدبلوماسي "الشعب عليه التزام بتنفيذ شروط (نقل السلطة) وعدم تغييرها... لكن ذلك لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي إذا ظهرت أدلة على ان صالح ينتهك قوانين اليمن الآن ولا يعني انه لن يتحمل تبعة ذلك."

ودفعت واقعة السفارة الدول الغربية الراعية للتحول إلى التحرك والعمل، واتفق دبلوماسيون بارزون من عشر دول منهم دول خليجية عربية وأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا في صنعاء قبل أسبوعين على توصية حكوماتهم بالبدء في إعداد إجراءات محتملة ضد "مفسدي" التحول، وقال أحد الذين حضروا الاجتماع "اتفقوا على ضرورة بذل جهد لجمع أدلة قد تشير بأصابع الاتهام للذين ربما يكونون قد انتهكوا قرار الأمم المتحدة رقم 2051"، ويدعو القرار الصادر في يونيو حزيران إلى تحول سلس وإلى محاسبة "كل المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان" و"إصلاح القطاع الأمني وتغيير قيادات بارزة في قوات الجيش والأمن"، وقال مصدر دبلوماسي من الأمم المتحدة في نيويورك "لا اعتقد أن هناك أي إجراء وشيك فيما يتعلق بفرض عقوبات." لكنه اضاف "إن عاجلا او آجلا سيصل الأمر إلى ذلك." وتابع ان روسيا والصين تسايران خطوات الأمم المتحدة. بحسب رويترز.

ويقول محللون إن صالح وحزبه وآخرين ربما يتمكنون من تجنب هذا المصير إذا شاركوا في حوار وطني يهدف إلى وضع نظام سياسي جديد هذا العام، وقال محمد المتوكل استاذ العلوم السياسية "هل يمكننا أن نجبر حزب المؤتمر الشعبي العام على قبول فكرة دولة ديمقراطية مدنية في الحوار وان التنافس تنظمه صناديق الاقتراع؟ نحتاج أن يتقبل الحزب ذلك"، وأمضى صالح -وهو رابع رئيس عربي يطاح به في انتفاضات الربيع العربي- بضعة اسابيع في الولايات المتحدة للعلاج قبل تركه السلطة مباشرة. وقال السفير الأمريكي في صنعاء قبل أسبوعين إنه لن يكون من الممكن منحه تأشيرة دخول الآن ولم يورد مزيدا من التفاصيل.

وإذا غادر صالح البلاد سيكون عرضة لالتماسات بموجب القانون الدولي او القوانين المحلية لأي دولة يقيم بها. ولكنه قال في الفترة الأخيرة إنه لا يعتزم ترك اليمن، وقالت حورية مشهور وزيرة حقوق الإنسان إن الثأر شائع في المجتمع اليمني مشيرة إلى ان من يشعر انه ظلم ولم ينصف سيحاول أخذ حقه بيده، واختفى 129 ناشطا على الأقل خلال الانتفاضة ومازال مكان مئات من "المختفين قسريا" في عهد صالح غير معروف ما دفع النشطاء لبدء حملة لرسم صور المختفين على الجدران العامة للمطالبة بإعادة فتح ملفاتهم، ومازالت العاصمة صنعاء تحمل آثار مواجهات العام الماضي من مبان مدمرة مثل مكتب شركة الخطوط الجوية اليمنية في الحصبة، وتبقى المخاوف من ان تندلع من جديد حرب شوارع بين الحلفاء السابقين في عهد صالح او من أن تمتد المواجهات بين الحوثيين والتجمع اليمني للإصلاح.

وقال المحلل السياسي عبد الغني الارياني إن هناك احتمالا ضئيلا لأن يعيد النظام القديم تثبيت أقدامه رغم ان صالح وكبار رجال الدين وشيوخ القبائل بالشمال سيحاولون مقاومة التحول إلى اللامركزية، وأضاف "هذا مستحيل. إذا نظرنا إلى الأنماط التاريخية سنجد ان نظامه قاوم على مدى فترة طويلة قانون الجاذبية."

رفع الحصانة

من جهتها قالت منظمة هيومن رايتس ووتش انه يجب على اليمن ان يلغي الحصانة من المحاكمة الممنوحة للرئيس السابق علي عبدالله صالح وأن يفتح تحقيقا جديدا في هجوم شنته قوات حكومية اثناء انتفاضة العام الماضي، وقالت هيومن رايتس ووتش في بيان إنها "تجدد دعوتها للسلطات اليمنية لالغاء قانون الحصانة الذي ينتهك الالتزامات الدولية لليمن لمقاضاة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان". بحسب رويترز.

ووافق الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي -الذي كان نائبا للرئيس السابق- على انشاء لجنة تحقيق ستحقق في انتهاكات ارتكتب منذ يناير كانون الثاني 2011 عندما انطلقت الانتفاضة، وقالت المنظمة الحقوقية التي مقرها نيويورك ان هناك حاجة الي ان يشمل التحقيق مسؤولين حكوميين كبارا واشارت الي ان تحقيقا أمر به صالح العام الماضي في اطلاق النار على محتجين في 18 مارس اذار كان تمويها يجب تفاديه. وكان نشطاء قالوا في ذلك الوقت إن 52 شخصا توفوا، وقالت ليتا تايلر كبيرة الباحثين في شؤون اليمن في هيومن رايتس ووتش "ينبغي لحكومة اليمن الجديدة ان تبرهن على التزامها بتحقيق العدالة في الانتهاكات الحقوقية الخطيرة وذلك باجراء تحقيق جديد."

محاكمة صالح

الى ذلك تقدم محامو اسر عشرات من المتظاهرين الذين قتلوا في هجوم على مسيرة مناهضة للنظام العام الماضي في اليمن بشكوى ضد العديد من مسؤولي النظام السابق بينهم الرئيس السابق على عبد الله صالح، ويتهم هؤلاء صالح وعددا من مسؤولي نظامه من بينهم ابن اخيه يحيى عبد الله صالح الذي لا يزال يتولى منصبا كبيرا في جهاز الامن، بالتحريض والاشتراك في قتل المتظاهرين الشباب في 18 اذار/مارس 2011، والذي كان من اكثر الايام دموية خلال الثورة التي استمرت لمدة عام، اقدم مسلحون يعتقد انهم "بلطجية" يعملون لحساب الرئيس السابق، على اطلاق النار من اسطح المنازل المحيطة بساحة الجامعة في صنعاء ما ادى الى مقتل 52 شخصا واصابة عدد كبير اخر، واثار الهجوم استنكار العديد من الدول الاجنبية ومن المدافعين عن حقوق الانسان، واكد المحامون امام القضاء نقلا عن شهود ان المهاجمين نقلوا الى المكان في عربات تحمل لوحات الرئاسة المعدنية. بحسب فرانس برس.

واضافة الى صالح وابن اخيه يشمل الاتهام وزير الداخلية السابق مطهر رشاد المصري والرئيس السابق لجهاز المخابرات عبد الملك الطيب، وقتل المئات خلال الثورة في اليمن التي انتهت باتفاق وضعته دول الخليج يقضي بتسليم السلطة، الا ان حركات شبابية رفضت هذا الاتفاق اعتراضا على الحصانة التي يمنحها لصالح والعديد من المقربين منه، وتواصل مع ذلك التظاهر بصورة متقطعة.

الانفصاليون اليمنيون

من جانب أخر عاد زعماء انفصاليون يمنيون استفادوا من ضعف السلطة المركزية في صنعاء وتحرر المناخ السياسي بعض الشيء بعد الانتفاضة الشعبية العام الماضي من منفاهم لحشد الدعم لإحياء دولة اليمن الجنوبي، واستفاد الانفصاليون في الجنوب وقبائل الحوثيين الإسلامية في الشمال ومقاتلو تنظيم القاعدة من الانتفاضة الشعبية في اليمن.

لكن تتصاعد الآن مخاوف دولية جادة من أن يستفيد أقوى جناح لتنظيم القاعدة من الاضطرابات في اليمن لتثبيت اقدامه في بعض المناطق خاصة في جنوب البلاد مما يهدد السعودية المجاورة أكبر مصدر للنفط في العالم والمصالح الغربية في الشرق الأوسط خاصة الممرات الملاحية لنقل النفط، ويقول زعماء انفصاليون في الجنوب إن القاعدة ستخسر جاذبيتها وسيتم تحييدها بشكل أسهل في جنوب مستقل لن يسود فيه استياء مما يصفونه بأنه نظام فاسد وقمعي وقبلي في الشمال، وعاد بعض الانفصاليين البارزين إلى جنوب اليمن في الفترة الأخيرة لحشد التأييد الشعبي عن طريق تنظيم احتشادات في الشوارع والقيام بجولات في محافظات الجنوب وتأسيس جماعات تضم حركات مختلفة، ويبدو أن القضية تمس قلوب وعقول المواطنين في عدن. وملأت رسوم الجرافيتي المؤيدة للانفصال جدران المدينة التي كانت يوما عاصمة دولة اليمن الجنوبي وهي ميناء قديم على سفح جبل وزينتها أعلام دولة الجنوب السابقة التي رفعت على العديد من أعمدة الإضاءة.

ومن ناحية أخرى تخطط الحكومة اليمنية المركزية المدعومة من الغرب ومقرها صنعاء في الشمال لحوار وطني يبدأ في نوفمبر تشرين الثاني بشأن إصلاح النظام السياسي وحسم قضايا مثل موازنة النفوذ واقتسام الموارد، وتعتقد الدول الغربية أن بعض زعماء الجنوب الذين يطلقون على حركتهم اسم الحراك لا يهتمون بالحوار الوطني قدر اهتمامهم بالانفصال ربما بمساندة إيران العدو اللدود للسعودية والولايات المتحدة، لكن الخلافات السياسية والشخصية السائدة داخل الحركة الجنوبية قد تعطل مساعي الانفصال. ولم يذكر الزعماء الإنفصاليون ما إذا كانوا سيشاركون في الحوار الوطني، ويقول المعلق السياسي اليمني مدين المقباس إن الحراك يواجه أزمة قيادة ووحدة صف، ويضيف أن هناك تيارا بداخله يريد دولة اتحادية مشيرا إلى أن هذا أمر يمكن تحقيقه غير أن تيارا آخر يريد الاستقلال لكن بدون تدخل من إيران أو الولايات المتحدة، ويقول دبلوماسيون غربيون في العاصمة اليمنية صنعاء إن إيران وجماعة حزب الله اللبنانية المتحالفة معها إقاما علاقات مع إنفصاليين جنوبيين في إطار صراع أوسع نطاقا مع السعودية للهيمنة على المنطقة، وأعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ان صنعاء كشفت ست خلايا إيرانية هذا العام في اليمن وهو ما دفع طهران لإستدعاء القائم بالأعمال اليمني للاحتجاج.

وقال دبلوماسيون ومسؤولون إن الدول الغربية والخليجية التي ترعى عملية الانتقال في اليمن بعد الانتفاضة تفكر في فرض عقوبات على شخصيات ترى انها تعطل قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادر في يونيو حزيران لدعم مسار الإصلاح. بحسب رويترز.

ومن الشخصيات التي تلفت الانتباه علي سالم البيض الزعيم اليمني الجنوبي المقيم بلبنان والذي فشل في حرب عام 1994 في تغيير اتفاق عام 1990 الذي نص على إعادة دمج شطري اليمن. ويدير البيض حاليا قناة تلفزيون فضائية تدعو للاستقلال، وقال دبلوماسي غربي بارز في صنعاء "نعلم أن إيران مهتمة بالترويج لبعض العناصر الأكثر تطرفا في الحركة الانفصالية وتقدم التمويل للبيض، واضاف "البيض يقيم في بيروت بنية زعزعة استقرار الأوضاع في الجنوب محاولا منع الحوار الوطني ووضع برنامج مناهض لليمن في جنوب اليمن، وأوفد البيض ممثلا له الى عدن العاصمة السابقة للجنوب في أغسطس آب الماضي وهو سفير سابق لليمن الموحد أعتقل لفترة وجيزة لدى وصوله، وقال أحمد الحساني مبعوث البيض إن مثل هذه التهديدات تتسبب في ظلم الجنوبيين ولن تكون فعالة موضحا أن الجنوبيين لا يملكون المال أو الملايين المودعة في بنوك أجنبية ليخشوا ضياعها، ونظم أنصار البيض بعض الاحتجاجات في عدن يقول الحساني إن السلطات قمعتها. وتنفي السلطات في عدن ممثلة في المحافظ وهو من حزب الإصلاح الإسلامي الذي يتخذ من صنعاء مقرا ذلك قائلا إن الاحتجاجات مسموح بها في أماكن معينة، وظهر الجنوب كدولة مستقلة عن اليمن عندما انسحبت بريطانيا عام 1967 من مناطق تسيطر عليها على امتداد الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، لكن الصراع بين الشمال القبلي والجنوب الماركسي قاد إلى حرب عام 1979. وعندما انهار الاتحاد السوفيتي الذي كان يرعى الجنوب عاد الجنوب للاندماج مع اليمن القوي عسكريا في عام 1990.

والآن يقول ساسة الحراك إن الوحدة مع صنعاء كانت خطأ تاريخيا أدى إلى استيلاء صالح ورجاله المقربون على أراض مملوكة للدولة وتفكيك مؤسسات جنوبية منها الجيش وفصل عشرات الألوف من قيادات الجهاز الاداري بالدولة، ويقولون إن صالح افسد دولة كانت تدار بشكل جيد تفخر بجهودها في التعليم وتمكين المرأة، ويقول ساسة الشمال انهم يقرون بالمظالم لكن يتعين معالجتها في إطار يمن موحد فيما بعد حكم صالح. وهدد البعض باستخدام القوة لمنع أي حركات انفصالية جديدة، وقال الحساني إنه لا يثق في الحوار الوطني الذي يعتزم هادي إجراءه وانه يعتقد أن الحل هو التفاوض بين "الجنوب المحتل" والنظام في صنعاء تحت رقابة ورعاية دولية بهدف واحد هو الاستقلال، وهناك ورقة تفاوض يقول زعماء الجنوب ان بامكانهم استخدامها لمصلحتهم مع القوى الدولية وهي تنظيم القاعدة الذي انتشر في الجنوب على الرغم من السياسات العلمانية الموروثة من العهد الاشتراكي. ويقولون إن عدن أكثر قدرة على تحجيم القاعدة من صنعاء، وقال الحساني أنه يأمل ان تفهم تلك القوى أن الدولة المستقلة ستكون عامل أمان واستقرار في هذا الجزء من العالم وأن الجنوب مستعد لإقامة دولة حديثة وإعادة التوازن للمنطقة بشكل يضمن الاستقرار.

الجوع بعد الثورة

على صعيد أخر قال برنامج الأغذية العالمي ان نصف اليمنيين تقريبا يعانون من الجوع في الوقت الذي يضاعف فيه عدم الاستقرار السياسي ارتفاعا عالميا في اسعار الغذاء والوقود مما يجعل اليمن يعاني من ثالث أعلى معدل لسوء التغذية بين الاطفال في العالم، وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي باري كيم إن اليمن الذي يضطر إلى استيراد معظم احتياجاته الغذائية بسبب ندرة الاراض الصالحة للزراعة يعاني ايضا من ارتفاع اسعار الغذاء والوقود العالمية، وقال كيم "لا يستطيع خمسة ملايين شخص أو 22 في المئة من السكان توفير الطعام لأنفسهم أو شراء ما يكفي لإطعام انفسهم...معظم هؤلاء من العمال الذين لا يملكون أراضي ولذلك لا يزرعون طعامهم ولا يستطيعون شراءه ايضا بسبب ارتفاع اسعار الغذاء"، وتابع "علاوة على ذلك هناك خمسة ملايين اخرين يتضررون بشدة من ارتفاع أسعار الغذاء وهم على حافة انعدام الأمن الغذائي. ولهذا فإن عشرة ملايين شخص يذهبون للنوم وهم جياع كل ليلة"، وارتفع عدد الاشخاص الذين يتسلمون الحصص الغذائية اليومية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي من 1.2 مليون في يناير إلى أكثر من 3.8 مليون لكن البنية التحتية الفقيرة والخوف من عمليات الخطف التي تقوم بها القبائل جعل توصيل المساعدات الغذائية أمرا صعبا، وقال كيم "هؤلاء متضررون في واقع الامر من ارتفاع اسعار الوقود والغذاء...ولكن هناك ايضا حالة عدم الاستقرار السياسي والصراع والانشطة الارهابية والنزوح الكبير للسكان." وأضاف "لن نستطيع حل المشكلة بدون توفير الامن السياسي والاستقرار"، وقال ان 13 في المئة من الاطفال اليمنيين يعانون بشدة من سوء التغذية نتيجة التوترات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد العام الماضي مما يجعل باليمن ثالث أعلى معدل في سوء التغذية بالنسبة للاطفال في العالم. بحسب رويترز.

وقال كيم ان عدد النازحين بلغ الان 500 الف شخص بعد المعارك التي دارت مع المتشددين في الجنوب والحرب التي شنها صالح عامي 2009 و2010 ضد الشيعة الذين يعرفون باسم الحوثيين شمالي صنعاء، وتعهد المانحون الدوليون بتقديم 1.46 مليار دولار كمساعدات لليمن خلال اجتماع في نيويورك حضره الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي قال ان هذا التعهد سيساعد اليمن في تجنب حرب أهلية، وكان المانحون الذين من بينهم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة بالإضافة إلى الدول الخليجية العربية قد تعهدوا بالفعل بتقديم مبلغ 6.4 مليار دولار شريطة ادخال المزيد من الاصلاحات السياسية والأمنية، واصبح استعادة الامن اولوية دولية خشية ان يعزز المتشددون الإسلاميون وجودهم في بلد مجاور للسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم ويقع على ممرات شحن عالمية رئيسية، وتواجه الحكومة المركزية ايضا حملة هجمات انتحارية واغتيالات ينفذها متشددون انتقاما من عمليات الجيش والضربات الصاروخية الأمريكية ضدهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/تشرين الأول/2012 - 29/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م