الدينار العراقي... على المدى القريب والبعيد

 

شبكة النبأ: فقد كثير من العراقيين الثقة في الدينار العراقي لكنه يعد بأرباح كبيرة بالنسبة لبعض المضاربين الأجانب. ويبرز هذا التفاوت عدم التيقن الذي يكتنف الاستثمار في العراق بينما يتعافى من سنوات من الحرب والعقوبات الاقتصادية.

ويعتمد المضاربون على صعود الدينار على منطق بسيط فقد ارتفعت صادرات النفط العراقية إلى 2.6 مليون برميل يوميا في سبتمبر أيلول مسجلة أعلى مستوياتها في ثلاثة عقود ويسعى العراق لتصدير ستة ملايين برميل يوميا بحلول 2017 وهو ما سيجعله يقترب من المستوى السعودي الحالي، وحتى لو حال عدم الاستقرار السياسي وعنف المسلحين والبيروقراطية دون تحقيق هذا الهدف فإن العراق مازال فيما يبدو على عتبة طفرة نفطية ستؤدي لتحول في أوضاعه المالية، وقد يمنح تدفق ايرادات النفط الجديدة العراق فائضا كبيرا في المعاملات الخارجية ويعزز أوضاعه المالية العامة في أواخر العقد الحالي.. وهذه هي الوصفة التقليدية للحصول على عملة قوية، وقال حسنين علي اغا رئيس شركة دينار تريد الأمريكية لتداول العملات مرتفعة المخاطر "حينما يشتري مستثمرونا الدينار العراقي فهم يعلمون أنه استثمار طويل الأجل. أنت تعرف أن اعادة اعمار الدول تستغرق وقتا"، ولأن البنوك خارج العراق لا تتداول الدينار بحرية فإن متعاملي النقد على الانترنت مثل دينار تريد هم السبيل الوحيد الذي يمكن للأجانب الاستثمار في العملة من خلاله. وتقول الشركة التي مقرها لاس فيجاس إنها تبيع ما قيمته مئات الاف الدولارات من الدينار العراقي يوميا وتشحن الدينار لآلاف العملاء في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وقال أغا إنه بفضل التفاؤل بشأن ثروة العراق النفطية فإن الشركة شهدت طلبا قويا على الدينار منذ تأسيسها في 2004 أي بعد عام من الغزو الأمريكي الذي أعقبته سنوات من العنف السياسي والاضطراب الاقتصادي. بحسب رويترز.

إلا أن العراقيين أنفسهم في بغداد ليسوا مقتنعين. ويستغل الكثيرون أي فرصة متاحة لتحويل ما لديهم من دنانير إلى عملة صعبة ويستخدمون الدولار الأمريكي في كل تعاملاتهم اليومية عدا الصغير منها، وقالت ايمان سعد الدين وهي ربة منزل وأم لطفلين "لا ثقة لدينا بالدينار العراقي.. نخشى أن ندخره. نثق أكثر في الدولار. الدولار لا يتقلب فسعره ثابت"، وشهد الدينار العراقي تقلبات حادة خلال العقود الثلاثة المنصرمة. في الثمانينيات كان الدينار يساوي ثلاثة دولارات لكن العقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق بالتزامن تقريبا مع حرب الخليج في 1991 دفعت العملة للهبوط وأججت التضخم الذي غذته الحكومة بطبع النقود. وفي أواخر 1995 بلغ سعر الدولار نحو ثلاثة آلاف دينار عراقي.

وبعد غزو 2003 تدخل المركزي العراقي في سوق الصرف لدعم الدينار واستخدم إيراداته من الدولار للتحكم في سعر الصرف، لكن على مدى السنوات الأخيرة وبالرغم من نمو انتاج النفط العراقي لم يرتفع الدينار كما كان يأمل المضاربون. ويبيع البنك المركزي الدولار حاليا في مزادات يومية بسعر ثابت 1166 دينارا وهو مستوى لم يطرأ عليه أي تغير يذكر منذ 2009، والواقع ان الدينار العراقي تعرض لضغوط نزولية في الاونة الأخيرة نتيجة العقوبات الاقتصادية الدولية على إيران وسوريا المجاورتين. وتدافع المتعاملون العراقيون لشراء الدولار لبيعه بطريقة غير قانونية للمقيمين والشركات في هاتين الدولتين المتعطشتين للعملة الصعبة، وهبطت العملة العراقية إلى 1280 دينارا للدولار في السوق المفتوحة هذا العام قبل ان تسمح السلطات العراقية لبنكين تديرهما الدولة وبعض البنوك الخاصة ببيع الدولار ما ساعد على اعادة سعر الصرف إلى 1200 دينار للدولار حاليا.

وهناك عامل آخر يؤثر على الدينار وهو أن أكبر فئة من الأوراق النقدية العراقية هي 25 ألف دينار. ويجعل ذلك العملة العراقية غير جذابة للاستخدام في اقتصاد به نظام مصرفي بدائي وتتم الصفقات غالبا نقدا، وتتذكر ايمان أنها دفعت نقدا لشراء منزل جديد في 2009، وقالت "لو كانت أموالنا بالدينار لكان من المستحيل ان نحملها. كانت بالدولار وحملناها في حقيبة صغيرة"، ويدرس البنك المركزي خططا لحذف ثلاثة أصفار من القيمة الاسمية لأوراق النقد لتبسيط المعاملات المالية. وسيؤدي هذا في حد ذاته لارتفاع القيمة الفعلية للدينار إذ سيجري تعديل الاسعار تمشيا مع الاجراء الجديد لكن الخبراء الاقتصاديين يقولون إنه قد يؤدي لتحسن الثقة في الدينار وهو ما سيعزز قيمته في نهاية المطاف.

وقال ماجد الصوري الخبير الاقتصادي المقيم في بغداد "سيؤدي لارتفاع الثقة في الدينار حتى رغم عدم تغير قيمته... بشكل غير مباشر عندما ترتفع الثقة ترتفع العملة"، إلا أن مجلس الوزراء قرر في وقت سابق من العام الحالي تعليق العملية المعقدة لإعادة هيكلة العملة حتى اشعار آخر قائلا إن المناخ الاقتصادي غير ملائم، وأكبر عقبة أمام صعود الدينار هي حقيقة أن السلطات العراقية تبدو راضية حتى الآن على الأقل بالنطاق الحالي لسعر الصرف، وقالت الحكومة العراقية في مذكرة إلى صندوق النقد الدولي بشأن السياسات المالية والاقتصادية في 2011 كتبت في مارس اذار من ذلك العام إنها ترى مزايا في ابقاء سعر صرف الدينار مستقرا، لكن اقتصاد العراق وماليته العامة قد يتحسنان في المدى البعيد بشكل يجعل السلطات تشعر بالارتياح للسماح بصعود الدينار مع تدفق أموال النفط على البلاد.

ويتوقع صندوق النقد أن يرتفع فائض الميزانية الذي بلغ 0.2 بالمئة فحسب من الناتج المحلي الاجمالي هذا العام إلى 12.1 بالمئة في 2017. ومن المتوقع أن يتحول ميزان التجارة في السلع والخدمات -الذي سجل عجزا حتى 2010- إلى تحقيق فائض كبير يبلغ 11.3 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي خلال خمس سنوات.

وأبلغ مظهر قاسم نائب محافظ البنك المركزي أنه يتوقع اعادة هيكلة الدينار في 2014 أو بعد ذلك وبحلول هذا الوقت سيكون حجم العملة العراقية المتداولة ارتفع بشكل كبير ما سيجعل التعاملات المالية أكثر صعوبة، وفي المدى البعيد يسعى المركزي العراقي لجعل الدينار مساويا للدولار من خلال عملية تتضمن إعادة هيكلة العملة وصعود قيمتها إلا أن ذلك سيستغرق أكثر من ثلاث سنوات بسبب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وقال قاسم "لولا أوضاع المنطقة لكنا قد أسرعنا أكثر بهذه الخطة."

ويرى بعض المحللين أن صعود العملة قد يصل لأبعد من ذلك. وقال كمال البصري مدير البحوث في المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي وهو معهد مستقل في بغداد إنه يتوقع ان يظل الدينار مستقرا في السنوات الثلاث المقبلة لكنه قد يرتفع بعد ذلك متجاوزا حد التعادل مع الدولار، وأضاف أن حدوث ذلك يتطلب استقرارا سياسيا وارتفاع مستويات التعليم والمهارات وتنويع الاقتصاد لتقليل الاعتماد الكبير على صادرات النفط، وقال أحمد عبد الرضا صاحب مكتب صرافة ببغداد إن استقرار الدينار في السنوات الثلاث الماضية أمر جيد لكنه لم يتوقع اتجاه العملة على المدى البعيد، وقال "نتمنى أن يرجع مثل قبل أي الدينار الواحد يساوي ثلاثة دولارات في السبعينيات او حتى الثمانينيات، "أتوقع أن يأتي مثل هذا اليوم. ولم لا؟ نحن الان نمر بحالة غير طبيعية... نحن بلد نفطي."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/تشرين الأول/2012 - 28/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م