المالكي يتجه شرقا... صفقات وتحالفات مشروطة!

احمد الجنديل

 

شبكة النبأ: وصل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ظهر الاثنين الماضي إلى العاصمة موسكو، في مستهل زيارة رسمية لجمهورية روسيا الاتحادية، تستمر ثلاثة أيام، وقد كشف المالكي بأنه سيبحث مع القيادة الروسية آفاق توسيع التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والتسليح، و رافق المالكي في زيارته خمسة وزراء، هم وزير الدفاع وكالة، ووزير المالية، ووزير النفط، ووزير الكهرباء، ووزير الصناعة، إضافة إلى عدد من المسؤولين وأعضاء من مجلس النواب، وسيبحث الجانبان تسليح الجيش العراقي بمعدات وأسلحة، ونظام دفاع جوي ومروحيات، وأوضح المالكي عن طبيعة الصفقة، قائلاً: (إنّ حجم السلاح الذي نريد أن نتفق عليه يدخل ضمن العملية الدفاعية، أو التسليح الدفاعي للجيش العراقي، وليست فيها أسلحة ثقيلة ولا طائرات (سوخوي) ولا (ميغ)، ولكن هي أسلحة دفاع جوي وأسلحة مكافحة إرهاب).

ولكي تكون هذه الزيارة واضحة الصورة من حيث أسبابها ونتائجها، وما يتمخض عنها من انعكاسات وتغييرات في خارطة العلاقات السياسية الخارجية للعراق مع الدول الكبرى، لابدّ من تسليط الضوء على ما يلي:

1: إنّ الزيارة قد تمّت في ظروف سياسية بالغة التعقيد تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط، حيث الأزمة السورية تتصاعد بوتائر عالية، وحيث سخونة التهديدات بين إيران وإسرائيل حول الملف النووي الإيراني، والانقسام الحاد بين مواقف دول المنطقة حول الكثير من الأمور السياسية.

2: تكتسب زيارة نوري المالكي والوفد المرافق له، أهميتها البالغة في أنّ جمهورية روسيا الاتحادية تقف على قمّة هرم تحالف دولي، يضم الصين وإيران وسوريا ودولاً في منطقة الهند الصينية، وأمريكا اللاتينية وغيرها، وهذا التحالف يدخل ضمن الحسابات التقليدية في خندق المعاداة والتحدي للخندق الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، والاتحاد الأوربي، وتركيا، ودول الخليج، وغيرها.

3: لقد تمّ توقيت الزيارة في ظل أجواء انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بالانتخابات الرئاسية، وشدّة التنافس بين (باراك اوباما) و (ميت رومني)، واهتمام وسائل الإعلام والرأي الأمريكي والعالمي بهذه الانتخابات.

4: إنّ الوفد العراقي برئاسة رئيس الوزراء، يضّم العديد من الاختصاصات في مجال التسليح والاقتصاد والنفط والسياسة، ممّا يؤكد أنّ هدف الزيارة لا ينحصر في مجال واحد، ولا يتحدث عن صفقة التسليح فقط.

5: إنّ الزيارة قد تمّت بدون إثارة إعلامية، وبلا مقدمات، رغم خطورتها على مستقبل العلاقات بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، وقد وصلت إلى وسائل الإعلام وفق سياقي طبيعي، شأنها شأن الزيارات الاعتيادية التي يقوم بها رئيس الوزراء إلى دول العالم الأخرى.

6: إنّ الحكومة العراقية أوضحت أنّ الاتفاقيات المبرمة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية نافذة المفعول، وأنّ ما يحصل من اتفاقيات بين العراق وروسيا الاتحادية، لا يخرج عن حدود السلاح الذي يتعلق بالدفاع الجوي، وأسلحة مكافحة الإرهاب.

7: إنّ الزيارة تحمل أهميتها في كونها تأتي من بلد يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، وفي قلب دائرة الصراع الساخنة، والمنقسمة في ولائها بين الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية.

8: إنّ الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي، لم تكن الزيارة الأولى التي يقوم بهام مسؤول عراقي إلى موسكو، فقد سبقتها زيارات عديدة قام بها قادة عراقيون، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، ففي عام 2003 زار موسكو وفد لمجلس الحكم المؤقت، وقد جرت مباحثات بين الوفد العراقي برئاسة (عبد العزيز الحكيم)، والرئيس الروسي (فلاديمير بوتن) حول شطب الجزء الأكبر من الديون الروسية التي بذمة العراق، وفي عام 2004 حصلت زيارة من قبل وزير الخارجية العراقي (هوشيار زيباري) تركزت حول استئناف عمل الخبراء الروس في العراق، وفي العام نفسه (2004) قام رئيس الوزراء العراقي السابق (أياد علاوي) على رأس وفد حكومي بزيارة موسكو تمّ فيها مناقشة سبل التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتكررت زيارة وزير الخارجية العراقي (هوشيار زيباري) إلى روسيا الاتحادية عام 2007 وتمّ التوقيع مع وزير الخارجية الروسي على مذكرة التفاهم حول تأسيس القنصليات لكل من روسيا والعراق، إلى غيرها من الزيارات التي قام بها عدد من القادة العراقيين، إلا أنّ الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي، تكتسب أهمية كبيرة من حيث توقيتها وأسبابها، والأجواء التي تمت فيها، والنتائج التي ستتمخض عنها.

9: وإذا كانت زيارة نوري المالكي، تؤشر على واحدة من أهدافها، سبل النهوض بالتعاون الاقتصادي، وخصوصاً في مجال النفط، فقد سبقت هذه الزيارة عدة زيارات تمحورت على نفس الموضوع، وتناولت نفس الهدف، ففي عام 2004 تمّ توقيع مذكرة تفاهم بين شركة النفط الروسية ووزارة النفط العراقية تمّ بموجبها إيفاد مجموعة من الخبراء العراقيين لأخذ دورات في مجال استخراج النفط، وفي عام 2008 عقد الاجتماع الخامس للجنة الروسية والحكومة العراقية الخاصة بالتعاون التجاري والاقتصادي، وفي نفس العام (2008) تمّ التوصل إلى تشكيل مجموعة العمل الخاصة بتفعيل مشروع حقل (القرنة الغربية)، كما تمّ في العام نفسه اجتماع ضمّ وزير الطاقة الروسي ووزير الكهرباء العراقي، وقد اتفق الطرفان على تطوير التعاون في مجال الطاقة وموضوع إعمار المحطة الكهروحرارية في (الحارثة)، وفي عام 2009 جرت مباحثات بين القيادة العراقية والوفد الروسي برئاسة النائب الروسي (الكسندر تورشين) حول استئناف التعاون العسكري بين البلدين، لكنّ جميع ما حصل قبل هذه الزيارة، لا يخرج عن إطار الفعاليات الاعتيادية التي تقوم دولة تعيش انهيارا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وأمنيا، ولا تثير مخاوف أحد، ولا تعكس خطورة على طبيعة المواقف، أمّا زيارة رئيس الوزراء الأخيرة فإنها حصلت في أجواء اقتصادية بالغة التعقيد، فهناك ارتفاع حاد في عجز الميزان التجاري لمعظم الدول الأوربية، وهناك تصدع واضح في منطقة اليورو، وهناك صورة قاتمة يرسمها صندوق النقد الدولي للاقتصاد العالمي في العامين الجاري والقادم، وهناك اضطرار إلى إتباع سياسة التقشف، وهناك إرث كبير وخطير للديون التي تثقل كاهل الاتحاد الأوربي وأمريكا، إضافة إلى حالة الكساد التي تشهدها أسواق الكثير من الدول.

على ضوء ما تقدم، نستطيع أن نقرأ الزيارة بشيء من الوضوح، ففي قراءة أولية لها، نشعر أنّ هذه الزيارة كانت بمثابة رسالة هامة وواضحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتخبرها بأن الحكومة الحكومية لم تعد تحتمل لغة الاملاءات، وانّ العراق قادر على تجاوز هذه اللغة من خلال تعامله مع الطرف الآخر، كما إنّ عقد صفقات السلاح المشروطة من قبل الجانب الأمريكي يمكن تجاوزه بعقد صفقات من دولة أخرى، لها خبرتها وتاريخها في صناعة السلاح، كما أنّ الرسالة وصلت وهي تحمل محاولة للتخلص من البند السابع الذي يرزح العراق تحت قيوده الثقيلة، والزيارة أتت لتقول بأنّ خروج القوات الأمريكية من العراق منح الحكومة فرصة من الاستقلال في اختيار من يتعامل معه دون الإخلال بالاتفاقات المبرمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنّ رئيس الوزراء العراقي أراد أن يرسل نسخة من هذه الرسالة إلى الشعب العراقي، مفادها أنّ القيادة العراقية قادرة على دفع العراق نحو سواحل الاستقلال السياسي والاقتصادي، ونسخة منها إلى دول المنطقة، والتي حاول العراق فتح الأبواب أمامها لإقامة علاقات تعاون مبينة على الاحترام وحسن الجوار، وتبادل المصالح المشتركة، إلا انه لم يحصد من جميع محاولاته غير سياسة خلق الأبواب من جانب هذه الدول، ومحاولة الوقوف بالضد في مساعيه الرامية إلى تحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية، و الزيارة هذه إذا ما انعكست آثارها الايجابية على جوانب الحياة في العراق، فإنها ستحسب على الطرف الذي يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي.

هذه القراءة المتفائلة لزيارة رئيس الوزراء والوفد المرافق له إلى موسكو، تقابلها جملة من الحقائق التي لابدّ من أخذها بنظر الاعتبار، كونها تشكل قراءة ثانية لهذه الزيارة، وسنتحدث بإيجاز عن أهم هذه الحقائق:

الانتخابات الأمريكية:

تمّت زيارة رئيس الوزراء في وقت تتجه الأنظار فيه إلى مَنْ يفوز بكرسي الرئاسة الأمريكية، حيث الأنظار متجهة إلى نتائج هذه الانتخابات التي تختلف عن سابقاتها من حيث خطورتها وسخونتها ودرجة التنافس بين المرشحيْن، واهتمام اللوبي الصهيوني وتأثيره في حسم نتائجها، لقد أصبح مؤشر نجاح كلّ من المرشحيْن، هو قوّة كلّ واحد منهما على إلحاق الهزيمة بالنظام السوري، وإيران، واستقرار إسرائيل وفق مصالحها وطموحها في المنطقة، والقضاء على كلّ مَنْ له صلة بجبهة المواجهة مع إسرائيل.

المرشح (ميت رومني) يعلن عن استعداده لتسليح المعارضة السورية، ويتعهد بالقضاء على النظام السوري الذي يقوده (بشار الأسد)، كما انه سيقوم بتشديد العقوبات على إيران، وكرر خلال جولته الانتخابية قوله بأنّ (إيران تمثل أكبر خطر علينا أكثر من أي وقت مضى)، كما تعهد في حال فوزه بمواصلة نشر منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية، من دون تنازلات لروسيا.

والمرشح الآخر، الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) يرفع نفس الشعارات التي يرفعها منافسه، وأصبحت هذه الشعارات المدخل الرئيسي للجلوس على كرسي الرئاسة الأمريكية، ممّا يؤشر بوضوح على مستقبل المنطقة في حال فوز أي منهما، فالمنطقة قادمة على تغييرات كبيرة، وانعطافات خطيرة بعد الانتهاء من الانتخابات، ولابدّ أن ينتصر أحدهما على الآخر، وانتصار أي فريق سيكون بمثابة الزلزال الذي يأخذ المنطقة إلى نتائج من الصعوبة التكهن في نتائجها، قبل الانتهاء من فترة الانتخابات الأمريكية.

الاقتصاد العالمي:

يمّر العالم عموماً بأزمة اقتصادية حادّة، ظهرت بوادرها على مشهد الحياة اليومية في دول أوربا وأفريقيا وآسيا، وأصبحت الدول التي كانت تتمتع بموقع سياسي رائد، تتقهقر أمام الوضع الاقتصادي المتدهور، والذي انعكس على وضعها السياسي، فالتصدع الذي تشهده منطقة اليورو، وأزمة الديون، وانتشار ظاهرة البطالة، واللجوء إلى ممارسة أساليب التقشف، والإرباك الواضح في تعامل صندوق النقد الدولي مع الدول التي تعاني من أزماتها الاقتصادية، مؤشرات تنذر بخلق خارطة اقتصادية جديدة لدول العالم، وسوف تفقد بعض الدول مواقعها المتقدمة في الخارطة الجديدة، وسوف تقفز دول أخرى كانت في الخطوط الخلفية إلى صدارة الخارطة، ممّا يمهد الطريق لخلق عالم متعدد الأقطاب، يقوم على تغيير العلاقات التي كانت سائدة في ظل نظام عالمي يعتمد على القطب الواحد.

التحالفات الجديدة:

بعد التغيير الذي حصل من جرّاء ثورات (الربيع العربي) والذي أطاح بالكثير من الرؤوس الحاكمة، بدأت تحالفات واصطفافات جديدة تطفو على سطح الساحة السياسية العربية والإقليمية والدولية، وما حصل في تونس وليبيا واليمن ومصر، وما رافقها من تأييد ووقوف بعض الدول إلى جانبها، عكَسَ جانب العنف الذي اتسمت به هذه الثورات، والذي استطاع أن يطيح بالكثير من القناعات التي كانت بمثابة الثوابت الوطنية التي لا يمكن المساس بها.

وكانت هذه التحالفات نتيجة حتمية، لشراسة الصراع الذي يدور في عموم المنطقة، ولعل المناورات البحرية المشتركة بين مصر وتركيا شرق البحر المتوسط، والتي أطلق عليها (بحر الصداقة) لغرض الإطاحة بالنظام السوري، واحدة من هذه التحالفات التي ستظهر بصورة واضحة للجميع، وسيكون تأثيرها قوّيا على مجريات العملية السياسية لعموم المنطقة.

لقد أدلى رئيس الوزراء العراقي أثناء زيارته إلى روسيا الاتحادية، بتصريح قال فيه: (العراق لا يقف مع أي طرف في النزاع السوري، ويدعم الحل السياسي في إطار اتفاق جنيف)، وهذا التصريح وغيره يأتي من باب الاستهلاك السياسي، فرئيس الوزراء وغيره يدرك بأنّ هذا التصريح يدخل في باب الاستحالة، والحياد في عالم يزخر بالإحداث الساخنة، وينذر بالانفجار في أية لحظة، نوع من أنواع الفنتازيا السياسية، فكيف إذا كان العراق في قلب الصراع!؟ وكيف إذا كانت الدولة العظمى، صاحبة العصا الغليظة، تلوّح على الدوام بشعارها المشهور: (إذا لم تكن معنا، فأنت ضدّنا)!؟ وكيف إذا كانت الرصاصة هي التي تمتطي صهوة القيادة في حسم المواقف!؟.

لا أحد يظنّ أن رئيس الوزراء العراقي غافل عن هذه الحقيقة، ولا أظنه يستطيع رمي الحقائق وراء ظهره، فالزيارة التي قام تمثل الخطوة الأولى التي أقدم عليها لكي يتخلص من وضع البقاء داخل خندقين يختلفان في توجهاتهم من المنبع وحتى المصب.

بقي أن نقول: ما هي ردود فعل هذه الزيارة على المدى القريب!؟ وما هي النتائج التي ستعكسها الزيارة على مجمل علاقات العراق مع دول المنطقة والعالم!؟ وهل يستطيع المالكي أن يواصل خطواته بهذا الاتجاه!؟ وهل الزيارة ستكون غيمة عابرة، أم هي خطوة أولية على طريق الطلاق بين حكومة المالكي، وبين الدول التي لا تعجبها مثل هذه الزيارات!؟ وإذا كان ثمة طلاق يلوح في الأفق، فمن سيدفع فواتير هذا الطلاق!.

هذه الأسئلة وغيرها، سنتركها للأيام القادمة، فالقادم من الأيام سيحمل لنا الكثير من المفاجئات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تشرين الأول/2012 - 27/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م