هل التهديدات التركية حقيقية؟

علاء الخطيب

في الأعراف الدولية يعتبر التفويض الذي يمنحه البرلمان للحكومة بمثابة التمهيد للدخول في الحرب. يصاحب ذلك تصعيد في لهجة الخطاب الحماسي لتهيئة الشعب، هذا ما فعلته الحكومة التركية بعد سقوط قذيفة هاون على اراضيها. فهل سنشهد حرباً قادمة في المنطقة؟

رئيس الوزراء التركي وبرغم لغة التهديد التي استعملها من أجل إثارة الشارع التركي إلا أنه ربَط أي تحرك نحو الحرب بتفويض دولي. حيث قال أن التفويض لا يعني الحرب بل هو الردع الفاعل، وهذه رسالة واضحة للداعمين والمناوئين للنظام السوري على حدٍ سواء، مفادها أن تركية مستعدة لدخول الحرب ضد سوريا ولكن ليس قبل ان تقبض الثمن.

مما حدا بنائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي أن يحزم حقائبه ويطير نحو إسطنبول على عجل من أجل لملمة الأوضاع وتهدئة الموقف، وليذكر تركيا بالتبادل التجاري بينهما الذي بلغ نحو 30 مليار دولار. وفي خطوة مماثلة أصدرت الخارجية الروسية بياناً دعت فيه تركيا للتهدئة وضبط النفس وعدم إتخاذ قرارات أحادية، فيما جاء الدعم الأمريكي والغربي في البيان الذي أصدره الناتو معتبراً أن الإعتداء على تركيا هو إعتداء على دولة من دول الحلف قائلاً ان تهديد الحدود الجنوبية الغربية لحلف الناتو تهديد لدول الحلف كافة.

لقد جاءت القذيفة السورية كطوق نجاة للدول الداعمة لسقوط الأسد بعد طول إنتظار، فمن المعروف أن الولايات المتحدة وقطر والسعودية باتت عاجزة عن الوصول الى حل، أو تمرير أي قرار في مجلس الأمن يوصل الى الحل في الأزمة السورية، وذلك لوجود اللاعب الروسي والصيني دولياً واللاعب الايراني إقليمياً، فبعد فشل المطالبة المصرية بتدخل عربي بالتعاون مع قطر وتركيا، ورفض الأردن الدخول في حرب مع سوريا رغم الإغراءات والضغوط السعودية، وعدم قدرة المجاميع المسلحة على حسم المعركة، وتحقيق نتائج على الارض، رغم الدعم اللوجستي والبشري لهم. كل هذه الأسباب جعلت أعداء النظام السوري في وضع صعب.

فقد بدت تركيا متذمرة من طول الأزمة، وخطورتها على الوضع الداخلي، وإنعكاساتها على الصراع الكردي التركي. فتركيا تعلم جيداً ان حلم التمدد الكردي الى البحر بدا أكثر واقعية مع بداية الأزمة في سوريا وان حزب العمال الكردستاني الكردي قد صعد من نشاطه ضد القوات التركية، وان الوضع الكردي بعد الأسد ليس هو الوضع قبل الأسد.

ولكنها تعلم في الوقت نفسه أن الدخول في الحرب ينذر بتطور الأوضاع، وقد تتحول الى حرب إقليمية وربما دولية، فهناك أطراف تدعو تركيا للحرب، وقد جرت محاولات لتوريطها، وتركيا التي لا تخفي دعمها للمجاميع المسلحة المناوئة للنظام السوري، وتدعم المجلس الوطني للمعارضة، وترفض كل الحلول السياسية، ولن ترضى إلا برحيل الرئيس السوري، لكنها في الوقت ذاته لا تريد أن تخرج من المولد بلا حمص وأن تكون هي في وجه المدفع كما أنها لا تريد أن تزعج إيران، الجار والشريك الاقتصادي الكبير لها. ما لم تجد بديلاً عنها. ولربما ستفقد مصالحها في العراق أيضاً.

فايران التي تحملت ولا زالت تتحمل الضغوط تلو الضغوط، كالحصار الإقتصادي وقطع العلاقات مع الدول وإغلاق السفارات، وأخيرها إنهيار عملتها الوطنية، تعتبر معركة سوريا معركة وجود وقضية رئيسية بالنسبة لها. فلن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما وقعت الحرب.

 وروسيا هي الأخرى التي وقفت ومازالت مع النظام في سوريا لن تخسر المعركة بهذه الطريقة التي تريدها أمريكا.

أما الداعمين لمشروع إسقاط الأسد. السعودية وقطر ورغم إندفاعهما نحو إسقاطه، إلا انهما غير مستعدين لتمويل الحرب وتغطية نفقاتها المالية، فقطر التي بدت تشكو من تراجع استثماراتها في إيطاليا واسبانيا، والوضع الحرج للسعودية مع تدهور حالة الملك عبد الله الصحية والنزاع العائلي الخفي على السلطة وامريكا وأوربا لا يسمح وضعها الاقتصادي بذلك. فهل ستتحمل تركيا لوحدها نفقات الحرب؟

ناهيك عن المعارضة الشديدة التي يواجهها حزب العدالة والتنمية في الداخل من قبل أحزاب المعارضة، فقد كتبت صحيفة (جمهوريت) بالعنوان العريض وعلى صفحتها الأولى، قبل أول من أمس (التاريخ لن يغفر.. الشعب قال لا للحكومة)، وفي صحيفة (بوكين) جاء العنوان التالي (دعوة أبنائنا إلى الموت)، أما صحيفة (أيدنليق) فوصفت مذكرة التفويض بالجريمة (مذكرة الجريمة).

فكل هذه الأسباب مجتمعة تجعل تركيا تحسب الف حساب قبل أن تدخل ونتزلق في هذه اللعبة، وسيكون هذا المنزلق على حساب حزب العدالة والتنمية أولاً وعلى التجربة الإسلامية التركية ثانياً، فحينها سيقال ان الإسلاميين كلهم طلاب حرب حتى المعتدلين حينما تسنح الفرصة، وهذا ما يريده الإعلامي الغربي لأفشال التجربة التركية التي كان لها صدى مهم وطيب في الدول الإسلامية، على أنها تجربة الإسلام المعتدل المتصالح مع الآخرين.

وبعد كل هذا هل نأخذ التهديديات التركية على محمل الجد؟ برأيي لا، ولكن تبقى الأيام القادمة حبلى بالمفاجئات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تشرين الأول/2012 - 27/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م