نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بتاريخ 3/10/2012م مقال للصحفي
الإسرائيلي شاؤول رحافي تحت عنوان (غولدا لم تقل لا)، يتناول فيه هذا
الأخير ما كتبه زميله الصحفي أمير أورن في مقال له نشرته نفس الصحيفة
بتاريخ 21/9/2012م تحت عنوان: الظلم الذي فعله الساسة، حيث يبدأ رحافي
في مطلع مقاله بالاستناد الى ما قاله حفيد غولدا مائير، من انه (ليس
صحيحا ان غولدا مائير لم توافق على اقتراح أمريكي - مصري للتسوية قبل
حرب 1973 بل السادات هو الذي رفض الاقتراح).
ونكتفي من المقال الذي يمكن الاطلاع عليه من موقع الصحيفة او من
خلال المواقع العربية التي تقوم " مشكورة " بترجمة الصحف الإسرائيلية
كل صباح بقوله في آخر مقاله: (ان أنور السادات لا غولدا مائير هو الذي
رفض الاقتراح الأمريكي – الإسرائيلي، بل لم يوافق على دخول تفاوض مباشر
أو غير مباشر مع إسرائيل على أساسه، وقد وافق على ذلك فقط بعد آلاف
الضحايا والانجازات النفسية في ميدان القتال).
طبعا المقترح الذي يتحدث عنه رحافي في مقاله السابق، هو مقترح نقله
اسحق رابين الذي كان آنذاك سفير إسرائيل في واشنطن لحافظ إسماعيل
مستشار الأمن القومي المصري حينها في زيارته السرية لواشنطن في نهاية
شباط 1973م، والتي التقى فيها مع الرئيس ريتشارد نيكسون ومستشاره هنري
كيسنجر والمقترح هو – بحسب ما ورد في كتاب " مذكرة خدمة " لإسحاق رابين
- ان تعترف إسرائيل بسيادة مصر على شبه جزيرة سيناء وان تنسحب منها
بالكامل في مقابل عدد من الترتيبات الأمنية الإسرائيلية المؤقتة، وبحسب
ما يقول رابين في مذكراته ان غولدا مائير أجازت هذه الفكرة رغم تحذيرات
كيسنجر.
- باختصار شديد - ان ذلك يعني ان الرئيس المصري أنور السادات هو من
رفض عملية السلام مع إسرائيل، وهو وحكومته من كان العائق أمام اعتراف
إسرائيل بسيادة مصر على شبه جزيرة سيناء والانسحاب الكامل منها، وهو ما
ادعته جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل – 1969 – 1974م، بقولها: انه
منذ حرب 1967م لم يحدث أي تغيير جوهري في رفض الحكومات العربية بزعامة
مصر للتوصل الى سلام متفق عليه معنا – أي – مع الحكومة الإسرائيلية.
على العموم فإننا هنا لسنا في صدد الدفاع عن الحق العربي أمام
الباطل الصهيوني، ولا في صدد كتابة التاريخ من جديد كحال أولئك اللصوص
والمزورين من الإسرائيليين للحقائق التاريخية، لذا سنكتفي بنقل بعض ما
كتبه السيناتور بول فندلي في كتابه الخداع – جديد العلاقات الاميريكية
الإسرائيلية – في الفصل الثامن، ص 71 – 75، وهو عضو سابق في الكونجرس
الأميركي، وقد دامت عضويته لمدة عشرين سنه، من الفترة 1962 – 1982م،
لذا فانه شاهد على عقود كاملة من الأحداث والتزوير وقلب الحقائق، ولا
اعتقد ان ما كتبه قابل للتفنيد او ان يقال انه من المغالطات التاريخية
او انه تحامل على الصهاينة ومعاداة للسامية.
يقول فندلي: انه بعد ان أصبح أنور السادات رئيسا لمصر عام 1970م
على اثر وفاة جمال عبدالناصر بنحو ثلاثة أشهر بعث رسالة سرية مستعجلة
الى الرئيس نيكسون يقول فيها: " أريد السلام، تحرك بسرعة "، إلا ان
البيت الأبيض تجاهل الرسالة لأسباب أهمها ان هنري كيسنجر مستشار الأمن
القومي وقتها كان متفقا مع التقييم الإسرائيلي بان السادات ليس زعيما
جادا ولن يبقى طويلا في السلطة.
وظل السادات طوال عام 1971م يكرر الدعوة الى انسحاب إسرائيل، محذرا
ان تلك السنة كانت سنة القرار، فعلى إسرائيل ان تنسحب سلميا او ستجبر
على ذلك، وهزئت إسرائيل علنا بتهديدات السادات وصرحت بكل وضوح بأنها:
لن تنسحب الى خطوط ما قبل 5 حزيران/يونيو عام 1967م، وهو الخط الذي يعد
العمق الاستراتيجي الذي حققته إسرائيل بعدوانها الذي دمر جزءاً كبيراً
من القوة الجوية المصرية، واحتلت على إثره القوات الإسرائيلية كل القدس
والضفة الغربية من الأردن ومرتفعات الجولان من سوريا وشبه جزيرة سيناء
وقطاع غزة من مصر.
كما يقول فندلي: من انه وفي أوائل عام 1973م شجع السادات المباحثات
السرية بين كيسنجر وبين مسؤول مصري كبير لإيجاد حل سلمي – طبعا المسؤول
المصري الكبير كان حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي المصري في زمن
السادات – لكن كيسنجر كان لا يزال يشك في قدرة السادات ولم يشأ ان
يتحرك إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية التي حدد تاريخها في
30/10/1973م، وكانت النتيجة بالطبع كما يشير الى ذلك فندلي هي حالة
اللاحرب واللاسلم، وهي ما كانت تريده إسرائيل كما يؤكده فندلي نفسه،
ويذكر كيسنجر ان احد أهداف جولدا مائير الرئيسية كان كسب الوقت ذاته
لأنه كلما طال بدون تغيير في الوضع الراهن، كلما قويت قبضة إسرائيل على
الأراضي المحتلة.
واستمر رفض الزعماء الإسرائيليون المتعاقبون للعودة إلى حدود ما
قبل عام 1967، بدءاً من رئيسة وزراء إسرائيل السابقة غولدا مائير التي
قالت: إن أي حكومة إسرائيلية تدعم مثل هذه الخطة ستكون غير مسؤولة، وفي
عام 1976م كتب وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، يغال ألون: إن إسرائيل
بحاجة إلى حدود يمكن الدفاع عنها وتتيح لوحدات صغيرة من قوات الدفاع
الإسرائيلية إبعاد الجيوش العربية الغازية إلى حين تعبئة معظم قوات
الاحتياط في البلاد.
خلاصة الأمر ان القول بان الرئيس المصري أنور السادات لا
الإسرائيلية الصهيونية غولدا مائير هو الذي رفض الاقتراح الأمريكي –
الإسرائيلي الذي يقضي باعتراف إسرائيل بسيادة مصر على شبه جزيرة سيناء
وانسحابها الكامل في مقابل عدد من الترتيبات الأمنية الإسرائيلية
المؤقتة هو فرية وادعاء تاريخي باطل لا صحة له ولا أساس، وما يثبت ذلك
أولا الشواهد والحقائق التاريخية على ارض الواقع، ومن ثم مئات الخطابات
الإرهابية العدائية لكل ما هو عربي، وعلى رأسها السلام مع العرب بوجه
عام، وقضية السلام مع مصر العربية في حينها.
وبالتالي فإننا بكل ثقة ومن خلال الأدلة التاريخية الموثقة نستطيع
ان نقول: بان الصهيونية غولدا مائير هي من رفض السلام مع العرب بوجه
عام، ومع المصريين على وجه التحديد، وليس العكس من ذلك كما يدعي لصوص
التاريخ ومزوريه، وهي من قالت لا للسلام، ولا للهدنة، ولا للانسحاب من
الأراضي العربية المحتلة والعودة إلى حدود ما قبل عام 1967م.
* رئيس تحرير مجلة السياسي
azzammohd@hotmail.com |