الاقتصاد المصري... بين فتاوى الاخوان ومتطلبات النهضة

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: لاتزال الأزمة الخانقة والخطيرة التي يتعرض لها الاقتصاد المصري محط اهتمام وترقب للعديد من خبراء الاقتصاد والمتخصصين الذين أكدوا على ان سوء الإدارة في المؤسسة المصرية وقلة الخبرة التي يتمتع بها بعض القادة الجدد المنتمين لبعض التيارات والأحزاب السياسية والذين يخضعون لسياسة تلك الجهات وقراراتها هو ما أسهم بزيادة تدهور الأوضاع الاقتصادية وتأخير الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية المهمة العاجلة التي عقبت ثورة 25يناير كانون الثاني، مشيرين في الوقت ذاته على ان الرئيس الحالي محمد مرسي احد الأفراد المرتبطين بحركة الأخوان المسلمين لايزال يطبق بعض الأفكار المتشددة لتلك الجماعة التي ترفض إجراء بعض التعاملات الاقتصادية التي لا تخضع لفتاوى بعض العلماء وهو ما سيسهم بتفاقم المشكلة وسيؤدي الى خلق انتكاسة اقتصادية خطيرة خصوصا وان هناك64مليون مصري يستفيدوا من الدعم الحكومي قد تضرروا كثيرا من هذه الأزمة التي قد تتسبب بإشعال الشارع المصري مرة أخرى إذا ما أسرعت الحكومة الى تغير سياستها الحالية وإيجاد حلول سريعة وعاجلة لتفادي هذه المشكلة. وفي هذا الشأن طمأن الرئيس المصري محمد مرسي الأوساط المحافظة في مصر بان طلب قرض بحوالى خمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي يتطابق مع المبادئ الإسلامية وهو ما عدة بعض المراقبين تنازل أولي من قبل جماعة الأخوان المسلمين في سبيل تفادي الانتقادات المتزايدة التي تتعرض لها. وطلبت مصر التي تعاني من ازمة اقتصادية خطيرة، نهاية اب/اغسطس مساعدة صندوق النقد الدولي من خلال قرض قد يصل الى 4,8 مليارات دولار على الاقل، حسب السلطات المصرية في حين ان المحادثات الاولية تناولت مساعدة من 3,2 مليار دولار.

وقال الرئيس مرسي أنه لا يقبل أبدا أن "يأكل المصريون من الربا". واكد امام عشرات الاف الاشخاص في ستاد القاهرة بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين للحرب العربية الاسرائيلية عام 1973 "نجوع ولا نأكل من الربا ..ولا يمكن بعد ثورة 25 يناير أن يملي علينا أحد أرادته". وكانت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد اكدت في الرياض خلال اجتماعات مع وزراء المال في الدول الخليجية "عدم وجود شروط مسبقة" لحصول مصر على قرض من الصندوق، لكنها اشارت الى ضرورة ان تكون هناك "بيئة سياسية راسخة قوية". بحسب فرنس برس.

وقالت لاغارد خلال مؤتمر صحافي "لا شروط مسبقة امام اي دولة عضو نحن مستعدون لعلاقة شراكة لكننا بحاجة الى بيئة سياسية قوية لنستطيع التحدث معهم، والرئيس (المصري محمد) مرسي وحكومته يوفران الاطار اللازم لذلك حاليا". وتابعت لاغارد ان "دورنا كصندوق النقد هو مساعدة الدول لاجتياز المتاعب عن طريق القيام بإصلاحات مالية وهيكلية"، مشيرة الى ضرورة "المواءمة بين الإرادة السياسية والإصلاحات الاقتصادية".

المستثمرون والعودة لمصر

من جانب أخر يبدو أن النذر اليسير من المساعدات الأجنبية هو أفضل ما يمكن أن تعول عليه مصر لتفادي أزمة بميزان المدفوعات في الوقت الحالي لأن كثيرا من المستثمرين الذين انسحبوا من البلاد العام الماضي لا يريدون العودة قبل أن تبرم الحكومة اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي. ومن شأن التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي ان يمنح المصداقية للحكومة الجديدة التي يقودها الإسلاميون والتي تسعى جاهدة لانعاش الاستثمارات الأجنبية التي توقفت تماما عقب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحسني مبارك العام الماضي.

وقال أنتوني سايموند من أبردين لإدارة الأصول التي لا تستثمر في مصر "إلى أن يتم توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي فسيستمر إحجام الكثيرين انتظارا لذلك الختم بالموافقة والدعم للسياسات. ويريد صندوق النقد من الحكومة المصرية إصلاح نظام الدعم واتخاذ إجراءات أخرى قد لا تحظى بقبول شعبي لكبح عجز الميزانية المتزايد قبل أن يوافق على إقراضها.

لكن الأمل يتضاءل في أن تتحرك حكومة الرئيس محمد مرسي سريعا لفرض الاصلاحات المعقدة التي تنطوي على مخاطر قبل شهور قليلة من انتخابات برلمانية متوقعة ثم تشرف على تطبيقها بكفاءة في ضوء تفشي البيروقراطية بالجهاز الإداري الضخم. وقال إتش.اس.بي.سي في مذكرة في الآونة الأخيرة "في ضوء أن الاحتياطي (الأجنبي) لا يغطي سوى أكثر قليلا من واردات ثلاثة أشهر فإن أي تأخر كبير في اختتام المحادثات من المرجح أن يؤدي لتدهور سريع في الثقة وعودة الضغط النزولي على العملة سريعا."

ومعظم المستثمرين الذين مازالوا يتجنبون مصر وهو ما يرجع جزئيا لمخاوف من خفض كبير في قيمة العملة فاتتهم فرصة اغتنام قفزة بنسبة 55 بالمئة في أسعار الأسهم وهبوط العائدات على الأدوات المالية الحكومية منذ تشكيل الحكومة. وجاء ذلك في الوقت الذي بدأت فيه دول خليجية تنفيذ وعودها بتقديم الدعم ما أوقف نزيفا في احتياطي مصر من النقد الاجنبي وبعدما أظهرت الحكومة عزما جديدا على جذب المستثمرين.

ولم يسفر اندلاع الاحتجاجات مجددا في شوارع القاهرة ردا على فيلم مسيء للرسول عن موجة طويلة من أعمال العنف الدموية من النوع الذي كانت تشهده البلاد عادة خلال العام الذي أعقب الاطاحة بمبارك في فبراير شباط 2011. وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري أن الاجانب الذين صفوا حيازاتهم من أذون الخزانة المقومة بالجنيه المصري بين الانتفاضة ومايو ايار الماضي أصبحوا مشترين صافين مرة أخرى في يونيو حزيران.

وكان مديرو أصول مثل شركة أبوظبي للاستثمار وسيلك انفست يستثمرون بالفعل في الأسهم المصرية خلال الفترة المضطربة التي تولى فيها الجيش إدارة البلاد بعد الاطاحة بمبارك. وتحوز سيلك انفست سندات شركات بالعملة المحلية وأسهما في شركات مثل بنك الاستثمار المجموعة المالية هيرميس الذي يحصل رسوما بالدولار وهو ما يجعله أقل تعرضا لمخاطر العملة المحلية.

وقال دانييل بروبي مدير الاستثمارات في سيلك "بغض النظر عن الجلبة الدائرة فإن البلاد تمضي في الاتجاه الصحيح" مشيرا إلى الانتخابات وتحرك مرسي للحد من سلطات الجيش وانحسار الفساد وتخصيص أفضل لموارد الدولة. وأضاف "صندوق النقد الدولي لم يقم بدوره بعد لكن التمويل القادم من مصادر اخرى يظهر أن بإمكانهم تدبر الأمر حتى الان."

وقال محمد الهاشمي رئيس ادارة الأصول في شركة أبوظبي للاستثمار إن الشركة كثفت حضورها في مصر منذ بداية العام بالتركيز على الاسهم المرتبطة بالسلع الاستهلاكية في ضوء آفاق النمو طويلة الاجل التي يعززها النمو السكاني السريع. وتراجع العائد على سندات مصر الخارجية التي تستحق في 2020 إلى مستويات ما قبل الانتفاضة دون 5.2 بالمئة بعدما صعد إلى 8.3 بالمئة في يناير كانون الثاني.

وقال متعاملون في أدوات الدخل الثابت في القاهرة إن مشاركة المستثمرين الاجانب ومعظمهم غربيون في مزادات أدوات الديون ارتفعت في سبتمبر وسط تفاؤل متزايد بارتفاع العائدات لمستويات قياسية تاريخية قبل تعيين الحكومة الجديدة. وقال محلل لأدوات الدخل الثابت بالقاهرة "اعتدنا أن يشتري الأجانب من السوق الثانوية. الفارق هذه المرة هو انهم يستهدفون المزادات الأساسية." وقال المتعاملون إن الاجانب يستهدفون في الغالب الأدوات التي أجلها ستة وتسعة أشهر لعلمهم أن البنوك المحلية تفرض علاوات سعرية كبيرة على أدوات الدين في السوق الثانوية. بحسب رويتر.

وقال إتش.اس.بي.سي "أي تأخر (في التصدي للعجز الكبير في الميزانية والميزان التجاري) قد يعرض دعم صندوق النقد للخطر وهو ما سيؤدي لتجدد الضغوط على الفائدة والعملة ويبدد سريعا تحسن الآفاق على المدى القريب الذي شهدناه مؤخرا."

الدين المصري

في السياق ذاته نقل تقرير نشر على موقع التلفزيون المصري أن الدين العام للجمهورية والذي يشمل الدين الداخلي والخارجي تجاوز 130 مليار جنيه (نحو 21 مليار دولار.) وجاء في التقرير الذي أستند على تدوينة المتحدث باسم الرئاسة المصرية، ياسر علي، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر،" أن تسديد هذا الدين يستهلك ما نسبته 25 في المائة من إجمالي المصروفات للميزانية العامة للجمهورية المصرية كل عام.

وأضاف التقرير توضيح المتحدث باسم الرئاسة أنه "بنظرة سريعة علي أرقام الموازنة العامة للدولة المصرية تشير إلى أن جملة الإيرادات لا تتجاوز393 مليار جنيه مصري في الوقت الذي تصل فيه المصروفات إلى 533 مليارًا. ونوه علي الى أن رواتب العاملين بالجهاز الإداري للدولة تصل إلى 136 مليار جنيه وبنسبة 25 في المائة، أما ما يصرف علي الدعم والمعاشات فيصل إلى 146 مليار جنيه وبنسبة 27 في المائة. بحسب .CNN

وتأتي هذه الأرقام في الوقت الذي تتهافت فيه المساعدات والقروض الدولية لدعم الاستقرار السياسي والاقتصادي لمصر، وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري أن الاحتياطي النقدي ارتفع إلى 15.127 مليار دولار مدعوما بوصول الدفعة الأولى من الوديعة القطرية البالغة ملياري دولار، وذلك بعد هبوط هذه المعدلات إلى 14.42 مليار دولار خلال العام الماضي وأحداث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

على صعيد متصل قال مسؤول رفيع بالاتحاد الأوروبي إن من المرجح أن تحتاج مصر إلى أكثر من عشرة مليارات دولار تمويلا خارجيا لمساعدة اقتصادها على العودة إلى المسار الصحيح. وقال المسؤول إن الاتحاد الأوروبي وعدة بلدان ومؤسسات أخرى يدرسون تقديم دعم مالي لمصر إضافة إلى قرض من صندوق النقد الدولي. وأبلغ المسؤول مؤتمرا صحفيا قبيل "ستحتاج مصر لما هو أكثر من هذه الخمسة مليارات دولار تقريبا ومن المرجح أن تحتاج لزيادة هذا الرقم لأكثر من مثليه إلى أكثر من عشرة مليارات دولار." وأضاف ان الاتحاد الأوروبي "سيعزز" حزمة صندوق النقد بدعم من جانبه لمصر لكنه مازال يدرس حجم الدعم الذي سيقدمه.

الى جانب ذلك نقلت وكالة انباء وزير المالية المصري انه "تمت الموافقة خلال مباحثات الرئيس محمد مرسي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على التوقيع على قرض بمليار دولار من تركيا". وأضاف السعيد ان "القرض يأتي ضمن حزمة المساعدات التي أعلنت عنها تركيا لمصر وهي قرض بملياري دولار".

ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر علي ان فائدة هذا القرض "لا تزيد على 1%" وان المليار دولار الاخرى ستكون في صورة استثمارات تركية في مصر وشراكة في مشروعات البنية التحتية. ويبلغ العجز المتوقع في الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2012-2013 اكثر من 130 مليار جنيها (21,6 مليار دولار) اي اكثر من 7% من اجمالي الناتج القومي.

نظام الكوبونات

من جهة أخرى قال وزير البترول المصري إن الحكومة تواجه تحديا صعبا لتطبيق خطة كوبونات تهدف إلى خفض دعم الطاقة الذي يستنزف ربع الإنفاق الحكومي. وأبلغ الوزير أسامة كمال صحيفة الوطن أن دعما سنويا قيمته 114 مليار جنيه مصري (18.7 مليار دولار) يصب في صالح الأغنياء بدلا من مستحقيه من الفقراء. وقال كمال إن تنفيذ البرنامج سيتطلب "إرادة سياسية قوية" وهو ما لم يتوافر لحكومات سابقة أحجمت عن إجراءات تقشف غير شعبية. ومن المتوقع التصويت على نظام الكوبونات بعد إقرار الدستور وهي عملية قد تستغرق شهورا. كان رئيس الوزراء هشام قنديل قال في وقت سابق هذا الشهر إن الحكومة تريد معالجة مسألة دعم الوقود وسلع أخرى عن طريق نظام للكوبونات أو البطاقات الذكية لضمان وصول اسطوانات الغاز المدعمة للفقراء فقط.

وقال قنديل إن الدعم سيرفع عن البنزين 95 أوكتين وإنه سيعاد النظر في دعم أنواع أخرى من الوقود. وتكافح الحكومة لخفض عجز الميزانية البالغ 11 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وسيتعين عليها إقناع 83 مليون مصري بإعادة هيكلة الاقتصاد وسط معاناة الكثيرين من فقر مدقع وتطلعهم إلى قطف ثمار انتفاضة شعبية أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط 2011.

وقال وزير البترول في تصريحاته للوطن إن الحكومة أعدت قاعدة بيانات لنحو 65 مليون شخص أي 12 مليون أسرة ستحصل على كوبونات لاسطوانتي غاز شهريا بالسعر الحالي المدعم. وقال إن الاسطوانات المشتراة بدون كوبونات ستباع بسعر أقرب إلى الأسعار العالمية. وقال "لدينا أيضا قاعدة بيانات بالأسر التي قامت بتوصيل الغاز الطبيعي لمنازلها لاستثنائها من الكوبونات وهذا النظام سيوفر نحو 80 مليون اسطوانة بوتاجاز على الدولة لأن الدولة ستطرح 280 مليون اسطوانة مقارنة مع 360 مليون اسطوانة حاليا."

ويدفع معظم المصريين نحو خمسة جنيهات فقط للاسطوانة حاليا. وقال كمال إن السعر غير المدعم سيبدأ بثلاثين جنيها بينما يبلغ السعر العالمي 68 جنيها. وقال إن دعم البنزين 95 أوكتين الذي تبيعه الدولة بسعر 2.75 جنيه للتر سيلغى ليباع بسعر السوق البالغ 4.85 جنيه.

كان مسؤولون آخرون استبعدوا خفض سعر البنزين 80 أوكتين الذي يستخدمه الفقراء والذي قال كمال إنه يباع بسعر 0.90 جنيه للتر في حين أن تكلفته 3.35 جنيه. بحسب رويترز.

وقال إن الديزل المدعم سيباع بالسعر الحالي البالغ 1.10 جنيه للتر باستخدام الكوبونات التي ستوزع على سائقي النقل والأجرة وبعض مستخدمي الديزل الآخرين مثل المزارعين. وعدا ذلك سيباع الديزل بسعر 4.75 جنيه للتر. وسيوفر هذا 12 مليار جنيه من فاتورة دعم الديزل البالغة 48 مليار جنيه سنويا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/تشرين الأول/2012 - 23/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م