انتفاضة البحرين... سلطة تتخبط ومقاومة تستبسل

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: ابسط ما توصف به الانتفاضة البحرينية وهي تضرب يوميا امثلة مبينة للعالم في تصديها السلمي لسلطة استبدادية غاشمة، بالانتفاضة الباسلة، سيما وابناءها يقارعون على مدى عامين قمع وتنكيل مفرط غير مسبوق، يصاحبه ادانة دولية صامتة اقتضت المصالح الجيوسياسية ان يتخذ هذا الموقف المعيب لأغلب الحكومات في العالم.

وأبرز ما يلفت لتلك الانتفاضة الباسلة هو ردة فعل مواطني تلك الدولة على اجراءات النظام المتعسف الاخذة بالغلو والتطرف غير المسؤول، مما اسهم في تنامي انتشارها وتزايد مؤيدها داخليا وخارجيا.

ويشكل ملف حقوق الانسان انعطافه خطيرة على السلم الاهلي والاجتماعي في البحرين، خصوصا بعد تسجيل اعداد كبيرة من الانتهاكات واعمال القتل والتعذيب على يد قوات الجيش والسلطة وقوات درع الخليج السعودية التي اجتاحت البلاد لقمع المحتجين.

ويطالب الشعب البحريني ذو الاغلبية الشيعية من النظام السني الحاكم اصلاحات تتناسب وادارة الدولة بعد ان تفشت مظاهر الفساد السياسي والاقتصادي في اغلب مرافقها ومؤسساتها الرسمية.

نبيل رجب يضرب عن الطعام

اذ بدأ الناشط البحريني في مجال حقوق الانسان نبيل رجب اضرابا عن الطعام في السجن احتجاجا على منعه من حضور عزاء والدته التي توفيت الخميس، كما افاد محاميه محمد الجشي.

وقال الجشي في حسابه على "تويتر" ان "نبيل رجب اضرب عن طعام، وهو رد فعل متوقع احتجاجا على مصادرة حقه القانوني والانساني في المشاركة في عزاء والدته". ووجهت زوجته سمية رجب نداء انسانيا عبر "تويتر" ايضا قالت فيه "اتصل بي نبيل رجب وابلغني انه سيضرب عن الطعام والماء والدواء لحين السماح له بحضور عزاء والدته". واضافت "تحدثت مع أطباء فقالوا لي بسبب الإضراب عن الماء سينهار نبيل رجب بعد 24 ساعة وتبدأ أجهزته بالتوقف بعد ثلاثة أيام فقط".

واعلن رئيس النيابة العامة الكلية البحرينية وائل بوعلاي في بيان بأنه على إثر خبر وفاة والدة النزيل نبيل رجب، أصدرت النيابة العامة قرارا بتمكينه من حضور دفن وحضور مراسم العزاء، وذلك وفقا للإجراءات المتبعة في هذا الشأن ومراعاة منها للحالات الإنسانية في مثل هذه الظروف".

وعادت والغت النيابة العامة قرار السماح لرجب بحضور عزاء والدته، وقال بوعلاي في بيان انه رغم تمكين المحكوم عليه نبيل رجب حضور مراسم عزاء والدته الا انه اصر على الاخلال بالقانون وارتكاب مخالفات وقام بالقاء خطاب تحريضي. وصرح بوعلاى لوكالة انباء البحرين ان "السماح لنبيل رجب كان خطوة انسانية وكان يشكل خطرا أمنيا ويعرض قوة الشرطة المرافقة للخطر".

واشار الى أن "رجب خالف القواعد المقررة قانونا مستغلا ذلك الاذن في القاء خطاب تحريضي على مسامع المعزين". وأوضح أن "الخطاب تضمن التحريض على الخروج في التظاهرات الغير قانونية وانتهاك القانون واصفا ذلك بالواجب الشرعي".

وافاد شهود عيان ان المئات من البحرينيين من الرجال والنساء شاركوا في تشييع جثمان والدة الناشط نبيل رجب، ورددوا شعارات "الشعب يريد اسقاط النظام" و"يسقط حمد" في اشارة للعاهل البحريني حمد بن عيسى ال خليفة.

وفي نهاية مراسم التشييع، قال رجب مخاطبا المشاركين "اوصيكم بمواصلة التظاهر السلمي في العاصمة". وقضت محكمة بحرينية في 16 آب/اغسطس بسجن رجب (48 عاما) ثلاث سنوات بتهمة التظاهر غير المرخص، وحددت محكمة الاستئناف البحرينية 16 تشرين الاول/اكتوبر موعدا للجلسة المقبلة.

دوار اللؤلؤة

في السياق ذاته افاد شهود عيان ان مواجهات اندلعت حين منعت قوات الشرطة البحرينية مئات المتظاهرين من الوصول الى دوار اللؤلؤة الذي شكل مركز حركة الاحتجاجات التي قادها الشيعة العام الماضي. وحصلت هذه المواجهات بعد ختام عزاء شاب شيعي توفي في المستشفى، وكان يقضي عقوبة بالسجن على خلفية تلك الاحتجاجات.

وذكرت وزارة الداخلية البحرينية على حسابها في موقع تويتر أنه "بعد الانتهاء من ختام فاتحة متوفى وفاة طبيعية بجد حفص (قرية شيعية)، قامت مجموعة من الارهابيين باستهداف الشرطة بقنابل المولوتوف ومحاولة ازهاق ارواحهم، كما قام الارهابيون باغلاق عدد من الشوارع، ما استجوب اتخاذ الاجراءات القانونية حيالهم".

وذكر الشهود ان التظاهرة جاءت تلبية لدعوات اطلقها ائتلاف شباب 14 فبراير المناهض للحكومة، وردد المتظاهرون من الرجال والنساء شعارات "يا ميدان الشهادة كلنا عدنا ارادة"، و"الشعب يريد اسقاط النظام"، و"يسقط حمد" العاهل البحريني حمد بن عيسى ال خليفة.

واوضح الشهود ان اعدادا كبيرة من رجال الشرطة البحرينية طوقت قرية جدحفص الشيعية التي تبعد كيلومترا واحدا عن المنامة، وذلك لمنع وصول المتظاهرين للدوار الذي تفرض عليه الشرطة حراسة مكثفة منذ 16 اذار/مارس 2011. وسبق ان ازالت السلطات الدوار وحولته الى تقاطع.

وافاد الشهود ان الشرطة اطلقت الغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية واعيرة من خرطوش الشوزن (الخاص بالصيد) لتفريق المتظاهرين، كما استخدمت خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين.

واكدت النيابة العامة البحرينية وفاة شاب شيعي مسجون على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها المملكة العام الماضي، وذلك في المستشفى متأثرا بمرض السكلر.

وذكر رئيس النيابة مهنا الشايجي في بيان ان الشاب "تعرض لنوبة سكلر حادة"، وهو من امراض الدم الوراثية، مشددا على ان "الوفاة طبيعية ناتجة عن مرض السكلر وعدم وجود اى آثار اصابية تشير إلى عنف أو شبهه جنائية". الا ان انصار المعارضة اعتبروا ان الشاب المتوفي (محمد مشيمع - 23 عاما) توفي نتيجة سوء معاملة مفترضة واهمال.

الاحكام بحق اعضاء الكادر الطبي

من جهتها دعت منظمة هيومن رايتس ووتش حمد بن عيسى ال خليفة الى ابطال احكام السجن الصادرة بحق اطباء واعضاء في الكادر الطبي في البحرين على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها المملكة العام الماضي.

وقالت المنظمة في بيان انه "يتوجب على ملك البحرين ان يأمر بالافراج عن الاطباء والافراد العاملين في القطاع الطبي الذين تم سجنهم في 2 اكتوبر/تشرين الأول 2012، في أعقاب عدم قيام محكمة الاستئناف بابطال الادانات التي صدرت بحقهم من قبل محكمة عسكرية خاصة في عام 2011".

ودعت هيومن رايتس ووتش الملك حمد بن عيسى آل خليفة الى "ابطال الادانات والسجلات الجنائية لتسعة من الافراد العاملين في المجال الطبي، تلك الأحكام التي صدرت بحقهم وقامت محكمة الاستئناف بتأييدها، وذلك لاستناد الاتهامات جزئيا الى اعترافات تم الحصول عليها عن طريق التعذيب وبناء على اجراءات كانت غير عادلة بشكل أساسي" على حد قول المنظمة.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، في البيان "نحن مترددون في دعوة الملك الى ابطال حكم قضائي، ولكننا رأينا مرارا وتكرارا محاكم في البحرين تؤيد اتهامات ذات دوافع سياسية تجاه أولئك الذين يشكلون معارضة سلمية. لقد فشلت المحاكم في دعم التزام البحرين بحماية حرية التعبير والتجمع السلمي".

وافاد محامون ان السلطات الامنية البحرينية القت القبض في 2 تشرين الاول/اكتوبر على ستة من اعضاء الفريق الطبي التابع لمجمع السلمانية غداة تاييد محكمة التمييز احكاما بالسجن بحقهم على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها المملكة العام الماضي. وتم الافراج عن احد هؤلاء الستة.

وكان الستة من بين 20 طبيبا وممرضا يعملون في مجمع السلمانية في المنامة حوكموا على خلفية الاحتجاجات التي قام بها الشيعة في شباط/فبراير 2011. وصدرت في حزيران/يونيو احكام بالسجن بحق من المجموعة. وكان حكم على هؤلاء بالسجن بين شهرين وخمس سنوات بتهمة تأييد حركة الاحتجاجات.

قلق امريكي

فيما قالت الولايات المتحدة إنها تشعر بقلق بالغ بسبب قرار أعلى محكمة في البحرين تأييد أحكام بالسجن ضد الأطباء التسعة، واصفة القرار بأنه انتكاسة لجهود المصالحة في المملكة.

وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي "نشعر بقلق بالغ لأن محكمة التمييز أيدت الأحكام الصادرة ضد تسعة من العاملين في مجال الخدمة الطبية الذين تم الربط بينهم وبين احتجاجات العام الماضي." ومضت تقول "نشعر أيضا بقلق من أن هذه الأحكام تساعد على فرض مزيد من القيود على حرية التعبير وتضر بالمناخ الضروري بشدة من أجل المصالحة الوطنية في البحرين."

وأثارت القضية انتقادات دولية للملكة الخليجية التي تعاني من الاضطرابات منذ أن شهدت احتجاجات مطالبة بالديمقراطية بقيادة الشيعة أخمدتها الأسرة السنية الحاكمة.

وقالت نولاند "نفهم أن الحكومة بدأت في نقل هؤلاء الأشخاص إلى الحبس. وكانت محكمة التمييز قضت في أبريل نيسان الماضي بسجن علي العكري وهو جراح كبير سابق في مجمع السلمانية الطبي في المنامة بالسجن خمس سنوات وعلى ثمانية آخرين بالسجن لفترات تتراوح بين شهر واحد وثلاث سنوات. وبرأت المحكمة تسعة آخرين.

وحكم على طبيبين آخرين بالسجن 15 عاما ولم يستأنفا الحكم ويعتقد أنهما مختبئان أو غادرا البلاد.

ويقول الأطباء والممرضون وجميعهم من الشيعة إنهم أصبحوا ضحايا بسبب علاجهم المحتجين ومساعدتهم على لفت أنظار العالم لعمليات قتل لمحتجين على يد قوات الأمن.

الافراج عن زينب الخواجة

الى ذلك افرجت السلطات البحرينية عن الناشطة زينب الخواجة، وهي ابنة الناشط المحكوم بالمؤبد عبدالهادي الخواجة، بعد قضائها عقوبة بالسجن شهرين بسحب محامي الدفاع. وقال المحامي محمد الجشي "لقد تم الافراج عن زينب الخواجة وقد التحقت بعائلتها".

وكانت زينب اعتقلت في الثاني من اب/اغسطس وحكمت في 26 ايلول/سبتمبر بالسجن شهرين بتهمة تخريب ممتلكات وزارة الداخلية. وقالت منظمة العفو الدولية ان تهمة تخريب ممتلكات الوزارة تتعلق بتمزيق "صورة للملك" اثناء وجودها في الاعتقال. واشار محامون الى ان الخواجة تواجه 13 تهمة في قضايا مختلفة.

واوضح المحامون ان المحكمة اصدرت خلال هذا العام حكما على زينب الخواجة يقضي بتغريمها 200 دينار بحريني (530 دولار) بتهمة "اهانة الذات الملكية وعلم البحرين"، كما حكم عليها بالحبس لمدة شهر واحد في قضية اهانة موظف عام وتجمهر عند باب البحرين في العاصمة المنامة.

كما صدر حكم بحبس زينب الخواجة ثلاثة أشهر وكفالة 300 دينار بحريني (800 دولار) في قضية تجمهر وشغب في قرية عالي الشيعية، وتمت تبرئتها من قضية اهانة موظف عام في المستشفى العسكري التابع لقوة دفاع البحرين.

كما تم تأجيل قضيتين مرفوعتين ضدها الى تشرين الثاني/نوفمبر للدراسة، تتعلق الأولى بتعطيل الحركة المرورية بالقرب من المرفأ المالي في المنامة، والثانية تتعلق باتهامها بالتجمهر والتحريض على كراهية النظام في دوار أبوصيبع. وعبدالهادي الخواجة، والد زينب، محكوم بالسجن المؤبد مع ستة اخرين من قيادات الحركة الاحتجاجية التي قادها الشيعة في 2011.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/تشرين الأول/2012 - 23/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م