تتعالى الأصوات في دول الخليج من أجل كبح جماح التيارات السلفية
والتجمعات الإخوانية المتطرفة، التي باتت تشكل تهديداً حقيقياً على
الأنظمة القائمة وعلى وحدة النسيج الإجتماعي هناك، وستنقلب يوماً على
حاضناتها الرئيسية، وستصدر الفتاوى مستغلةً منابر المسلمين معلنةً فسق
الحاكم وجوره وبالتالي خلعه. وسيفتك بالجسد الخليجي ولو بعد حين.
هذه هي دورة حياة السلفيين، الذين لا يقرُ لهم قرار إلا بفرض
إرادتهم على الجميع، ولا يعترف السلفيون بالألوان غير الأسود والأبيض.
لذا يعتبرون سكوتهم على الحكام في الخليج، مرحلة تكتيكية، وسيتخلصون
منهم بعد التخلص من بشار الأسد والمالكي وايران.
إن خطر الإخوان السلفيين وهي التسمية الأكثر واقعية من تسمية
الإخوان المسلمين، قادم لا محالة وما هي إلا مسألة وقت، ولعل الحكام في
الخليج قد استشعروا الخطر، وفتحوا نار المواجهة، فقد بدأتها دولة
الامارات العربية المتحدة، على لسان قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان
في مؤتمر الأمن الوطني بالبحرين حينما وصفهم (بالتنظيم الاجرامي).
وبالأمس طالعنا تصريح وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد
آل نهيان فقال: يجب على دول الخليج التعاون لمنع جماعة الإخوان
المسلمين من التآمر لتقويض الحكومات في المنطقة، وان فكر الإخوان لا
يؤمن بالدولة الوطنية ولا يؤمن بسيادة الدول ولهذا السبب ليس غريبا أن
يقوم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بالتواصل والعمل على اختراق
هيبة الدول وسيادتها وقوانينها.
وهذا التصريح عكس وجهة النظر الرسمية للإمارات، وأن ما صرح به
خلفان لم يكن وجهة نظره الشخصية كما قيل، بل هو تخوَّف حقيقي من
النشاطات المتظرفة. لذا دعى وزير الخارجية الإماراتي الدول الخليجية
كافة للتعاون من التخلص من هذه الجماعات المتطرفة والتي تتحول يوماً ما
الى جماعات مسلحة، عندها تكون الدول عاجزة عن السيطرة عليها.
وكانت الإمارات قد ألقت القبض على نحو 60 إسلاميا العام الحالي،
ينتمون الى جمعية الإصلاح الإماراتية واتهمتهم بالانتماء لجماعة
الإخوان المسلمين المحظورة في البلاد والتآمر للإطاحة بالحكومة. وهذا
الصدام بين الحكومات الخليجية والمواطنين السلفيين هي أولى مراحل
الصدام والمواجهة.
وليس بعيداً عن الإمارات فهذه دولة الكويت المتسامحة والمثال
للتعايش منذ عقود، يتسلل السلفيون الى مجلس الأمة عبر الآلية التي لا
يؤمنون بها ( الإنتخابات) ويثيرون الشارع على الحكومة، ويمنعون ملتقى
النهضة من الإنعقاد، الذي يهدف إلى الجمع بين الليبراليين والإسلاميين
والشيعة والسنة من أنحاء العالم العربي في مارس/اذار لبحث شؤون دينية
وسياسية. فأخرجوا المظاهرات واقاموا الدنيا ولم يقعدوها حتى ألغي
الملتقى.
وليس الحال أفضل في السعودية فهناك حركة مناوئة للعائلة الحاكمة
تنشر دعاتها في المساجد والمجالس الخاصة وتعتبر آل سعود حكاماً لا
يحكمون بما انزل الله.
لكن السكوت عليهم مرحلياً كما اسلفت، لذا تجبر الدول الخليجية في
كثير من الأحيان على إتخاذ مواقف طائفية، لإرضاء الجماعات المتطرفة
هناك. ولعل دعم السعودية وقطر للمقاتلين في ليبيا وللسلفيين في تونس
ومصر وللمعارضين المسلحين في سوريا، والتغاضي عن التصريحات الطائفية
للمشايخ وغيرها، يصب في تجنيب بلدانهم غضبة المتطرفين والسلفيين.
فقد إتهم إيف بونيه، المدير السابق لوكالة الاستخبارات الفرنسية،
بصريح العبارة، كلاً من السعودية وقطر بتمويل الإسلاميين المتطرفين في
بلاده على خلفية عملية تفكيك خلية إسلامية بشرق فرنسا، وما نقلته
الاندبندت اللندنية من تسليح القطريين والسعوديين للمتطرفين الاسلاميين
في سوريا عن طريق تركيا يؤكد أن دول الخليج تدعم المتطرفين ليس حباً
بهم بل لتتجنب المواجهة معهم.
لكن المواجهة قادمة وبدت تظهر الى العلن، ولا يمكن للإخوان السلفيين
أن ينتظروا الى الأبد على حكام بلدان البترول الخليجية، والتي لو تسنى
لهم السيطرة عليها فأنهم سيسطرون على العالم بأكمله وهذا حلمهم.
فالأدبيات السلفية تقول أن هذه الخيرات ويقصدون بها النفط، لابد
وأن تكون في خدمة الدين (الدين الذي يفهمونه بالطبع) وأن ولاة الأمر
الذين يمالئون الكفار يجب خلعهم.
ويبقى هاجس الصراع قائماً والخطر يقترب أكثر بين دول المنظومة
الخليجية والإخوان، خصوصاً بعد صعود الإخوان السلفيون في بلدان عديدة
من دول الربيع السلفي.
ولعل التصريحات الأخيرة لقادة الإخوان في مصر وغيرها، تعكس جانباً
من التخوف الخليجي، فقد طمأن الرئيس مرسي السعودية في أول زيارة خارجية
له بعد إنتخابه، أما محمود حسين الأمين العام لجماعة الاخوان المسلمين
صرح بعد فوز مرسي قائلاً: إن أفراد الجماعة يحترمون الدول التي
تستضيفهم ولا يدعون للاطاحة بأي نظام حكم في الدول التي يعيشون فيها.
لكن المواجهة تبقى قائمة، لكنها مؤجلة الى ما بعد المعركة السورية.
فهل جنت على نفسها براقش؟؟؟؟ |