ايران وعصا العقوبات... اقتصاد يتوجع ونظام لا يركع

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدو ان العقوبات الاقتصادية على ايران باتت تؤتي بعض ثمارها، على الرغم من نجاح الحكومة في التخفيف من الاضرار التي نجمت عنها على مدار الفترة الماضية، اذ شهدت الاسواق الايرانية موجة احتجاجات غير مسبوقة بعد تدني سعر صرف الريال مقابل الدولار الامريكي، وهو اثلج صدر الغرب خصوصا واعادة بسمة التشفي الى امريكا واسرائيل التي طالما راهنتا على تلك العقوبات لـ (إركاع ايران).

وأخضعت ايران الى عقوبات فرضتها الامم المتحدة بسبب برنامجها النووي المثير للجدل، وتم تشديدها بعقوبات نفطية ومصرفية اميركية واوروبية والهدف من ذلك هو حرمان ايران من مواردها النفطية لدفعها الى وقف نشاطاتها النووية الحساسة، واعتبرت الحكومة الاميركية انهيار الريال مؤشرا على تأثير العقوبات الغربية الكبير على اقتصاد الجمهورية الاسلامية.

وعلى الرغم من مبادرات الحكومة الايرانية للتخفيف من وطئ العقوبات داخليا، الا ان ذلك لم يحول دون انهيار جزئي للعملة الايرانية متسببا في خسائر مالية فادحة في القطاع الخاص على وجه الخصوص، مما افضى الى ارتفاع وتيرة التذمر ووقوع حركة احتجاجات عنيفة ابركت الوضع الامني والاجتماعي على حد سواء.

الا ان بعض المراقبين يجمعون على قدرة ايران في تجاوز ازمتها الخانقة بمرور الوقت، مع بعض التأثيرات الجانبية المستمرة، مرجحين قيام السلطات الاقتصادية بحسب التجارب التي سبقتها في التملص من تداعيات الوضع الراهن، سيما انها ترى في الازمة الاخيرة مجرد خرق اقتصادي سيتم معالجته كما تعلن.

فهل ستكون ايران قادرة فعلا على ذلك، او ان الامر بات كرة ثلج متدحرجة؟ أم ان ما شهدته الاسواق الايرانية كما يروج البعض مجرد دعاية سياسية تقف وراءها اقطاب السلطة لخداع الغرب وايهامه؟

احتجاجات وصدامات

فقد اندلعت صدامات بين محتجين ورجال الشرطة في وسط طهران في اول مؤشر على الاضطرابات الشعبية على خلفية ازمة العملة الايرانية التي تسجل انخفاضا تاريخيا حيث خسرت اكثر من نصف قيمتها مؤخرا.

واقتحم مئات من رجال شرطة مكافحة الشغب حي الفردوسي الذي تنتشر فيه محلات الصرافة، واعتقلوا عددا من الصرافين غير القانونيين وامروا باغلاق مكاتب الصرافة المرخصة وغيرها من المتاجر، بحسب وكالة فرانس برس.

وشوهد رجال شرطة يرتدون الزي الرسمي والملابس المدنية وهم يقومون باعتقال العديدين. وارتفعت اعمدة الدخان من موقعين في المنطقة. وبدا ان الدخان يتصاعد من حاويتي قمامة كانت احداهما بجانب السفارة البريطانية التي اخليت العام الماضي بعد ان اقتحمها متظاهرون مؤيدون للحكومة.

ولم يكن بالامكان تحديد المصدر الثاني للدخان، حيث قامت الشرطة بابعاد المشاة والسيارات عن المنطقة. وبحسب شهود عيان فقد القى بعض المحتجين الحجارة على رجال وسيارات الشرطة ثم فروا من المكان.

واندلع احتجاج في البازار الكبير التاريخي في طهران والذي يضم عددا من المتاجر المهمة للمدينة، الا ان الشرطة سارعت الى اخماده. وقال صاحب احد المتاجر "اغلقنا محلاتنا لاننا لا نعرف ما الذي سيحدث" في سوق العملة.

وصرح الكولونيل خليل هلالي القائد في قوات الامن لوكالة مهر الاخبارية ان الشرطة "ستتحرك" ضد التجار الذين اغلقوا محلاتهم بسبب "تعكيرهم" الاجواء. ونقلت وكالة فارس عن الجنرال اسماعيل احمدي مقدم، قائد الشرطة الوطنية قوله ان وحدة خاصة مؤلفة من قادة الشرطة ومسؤولين اقتصاديين من الحكومة قد تشكلت "لمواجهة من يشيعون الاضطراب في سوق العملة".

واضاف ان "تقييم البنك المركزي يفيد بان الناس يحتفظون بكمية كبيرة من العملة والذهب في منازلهم ما ينعكس سلبا على الاقتصاد". وتابع "مع الاسف يظن البعض ان راسمالهم سينهار (بسبب انهيار العملة) ويهرعون الى اسواق العملة والذهب، الامر الذي يتسبب في ارتفاع الاسعار".

وقال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ان العقوبات الغربية هي المسؤولة عن تدهور العملة. الا ان منافسيه قالوا ان سوء ادارته للاقتصاد هي السبب الرئيس في ذلك. وتعهد المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية اية الله علي خامنئي مرة اخرى بان لا تذعن بلاده للضغوط الغربية التي تهدف الى اجبارها على التخلي عن برنامجها النووي. وقال في كلمة نقلتها وكالة ايسنا الطلابية للانباء "الهدف من الضغط على الشعب الايراني هو اجباره على الاذعان. ولكنه لن يذعن ابدا. وهذا ما يثير غضب عدونا".

وذكر صرافو العملات ان جميع التعاملات تقريبا توقفت في السوق ما يجعل تقييم قيمة العملة الايرانية غير اكيد، الا ان سعر الدولار يقدر بنحو 36 الف ريال. وتخضع المواقع الالكترونية التي ترصد سوق الصرف الى الرقابة حيث لم تكشف اي منها عن سعر الريال مقابل الدولار.

ووصل سعر الريال قبل اسبوع الى نحو 22 الف ريال للدولار، بينما كان سهره 13 الف ريال قبل عام. وادى انهيار سعر الريال الى زيادة التضخم في ايران بشكل كبير، والذي يعتقد انه اعلى بكثير من نسبة 23,5% الرسمية التي يتحدث عنها البنك المركزي.

فيما ارتفعت اسعار الغذاء بشكل كبير ما اثار مخاوف العائلات الايرانية. ويقول التجار الذين خسر بعضهم ملايين الدولارات خلال يوم واحد، ان المعاملات التجارية اصبحت شبه مستحيلة.

الا ان احمدي نجاد قال انه حتى رغم "الحرب النفسية على سوق العملة" فان ايران لن تذعن للضغوط لوقف نشاطاتها النووية. وقال "لسنا شعبا يتراجع في المسالة النووية".

مخطط عدائي

في السياق ذاته قالت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية إن رابطه الاتحادات الاسلامیه للتجار نددت بشدة بالاحتجاجات ووصفتها بانها مؤامرة معادية مشيرة الى ان التجار تمكنوا من التعامل مع ما وصفوها " بالممارسات الخائنة."

وذكرت رابطه الاتحادات الاسلامیة للتجار في بيان بحسب ما نقلته الوكالة الرسمية ان "مجموعه من المنافقین والعناصر المشبوهة العمیلة لاعداء الاسلام حاولت اغلاق سوق طهران عبر خلق اجواء من الخوف الا انه ولحسن الحظ تمكن التجار المسلمون والملتزمون من التصدی لها وافشال مخططها." واضاف بيان الرابطة "التجار ینددون بهذه الممارسات الخائنة... ولن یسمحوا ابدا لاعداء الاسلام وخاصه المنافقین من تحقیق اهدافهم." بحسب رويترز.

وألقى البيان باللائمة ايضا على جماعة مجاهدي خلق الايرانية عن هذه الاضطرابات التي شهدها سوق طهران والتي سرعان ما انتشرت الى الشوارع المجاورة قبل ان تستخدم الشرطة الغاز المسيل للدموع لفض المحتجين. وكانت وزارة الخارجية الامريكية قد رفعت اسم منظمة مجاهدي خلق من قائمة رسمية تضم منظمات ارهابية. وتطالب مجاهدي خلق بالاطاحة برجال الدين في ايران.

وتأسست رابطه الاتحادات الاسلامیة للتجار في اعقاب الثورة الايرانية ويقول محللون إنها عملت كجهة رقابية للتصدي للتجار الجشعين والعناصر المناهضة للحكومة في السوق.

اجراءات فورية

الى ذلك نقلت وكالة مهر للأنباء عن وزير الاقتصاد الإيراني قوله إن إيران تعمل على تقليص السوق الحرة للريال المتراجع وإنهاء نشاطها في نهاية المطاف وذلك في ظل مؤشرات على أن تداولات العملة الأجنبية بدأت تقل خارج مركز أنشأته الحكومة.

ونقلت الوكالة عن الوزير شمس الدين حسيني قوله "يكتمل مركز الصرف الأجنبي خطوة بخطوة وسيؤدي تطوره في نهاية المطاف إلى القضاء على سوق المحتالين" مشيرا إلى السوق غير الرسمية.

وتوقع وزير الصناعة الإيراني أن تتصدي الأجهزة الأمنية لأنشطة المضاربين الذين قال إنهم تسببوا في هبوط العملة لمستويات قياسية إذ فقد الريال نحو ثلث قيمته.

وتحمل الحكومة المضاربين مسؤولية الهبوط المتسارع للعملة وحاولت دون جدوى وقف أنشطة التجار في السوق السوداء. ونقلت وكالة فارس للأنباء عن مهدي غضنفري وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني قوله "لدينا توقعات كبيرة بأن الأجهزة الأمنية ستسيطر على أفرع وجذور الاضطراب في سوق الصرف." وأضاف "يدفع الوسطاء في السوق أيضا باتجاه ارتفاع السعر لأن هذا سيكون مربحا لهم ولا أحد يردعهم."

وفي تصريحات نقلتها وكالة مهر للأنباء أكد محمد رضا باهونار نائب رئيس البرلمان الإيراني أن السلطات لديها الإمكانات المالية الكافية لتحقيق الاستقرار في سعر الريال. وقال "لا تعاني الحكومة من نقص في العملة ويمكنها ضخها في السوق لفترة طويلة."

ولكن بعض المحللين خارج البلاد يعتقدون أن احتياطيات ايران من العملة الأجنبية بدأت تنكمش ما قد يزيد من صعوبة تمويل البلاد لوارداتها وربما يفسر ما بدا من إحجام البنك المركزي عن إمداد السوق بمزيد من الدولارات.

ارتياح غربي

من جانبه قال البيت الابيض ان الايرانيين يحملون قادتهم مسؤولية تدهور اوضاعهم الاقتصادية نتيجة العقوبات الاميركية والدولية المفروضة على طهران لثنيها عن برنامجها النووي. وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني ان التدهور السريع في الوضع الاقتصادي الايراني الذي تسبب بارتفاع حاد في اسعار المواد الغذائية الاساسية يشير الى ان حكومة طهران تخضع ل"ضغط شديد".

وقال "لا شك بحسب ما رأيناه في الساعات ال36 الاخيرة في ان نظام العقوبات الذي تم فرضه كان له تاثير سلبي كبير على الاقتصاد الايراني طبقا للهدف منه". واضاف ان "الرئيس (باراك اوباما) وشركاءنا واثقون من ان نظام العقوبات هو النهج المناسب". وقال ان "الشعب الايراني يدرك من المسؤول عن الظروف التي تعصف بالاقتصاد الايراني نتيجة تعنت النظام في رفضه الالتزام بواجباته".

وقال ديفيد كوهين مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب والمخابرات المالية للصحفيين في روما "يهبط الريال بشكل مطرد خلال العام الماضي وما رأيناه في الأيام القليلة الماضية هبوط حاد للغاية. وأضاف "ولتوضيح ذلك فإن العقوبات ستظل قائمة وستشتد مادامت إيران ترفض الدخول في محادثات مجدية بشأن برنامجها النووي."

وقال كوهين إن العقوبات تتسبب في ضغوط كبيرة على الاقتصاد الإيراني لكن اللوم يقع على الحكومة فيما يتعلق بالأضرار التي نتجت عن العقوبات التي قلصت قدرة إيران على بيع نفطها في الأسواق العالمية. وأضاف "أي تأثير يشعر به المواطنون الإيرانيون عموما جراء العقوبات هو بالكامل نتيجة لاختيارات الحكومة الإيرانية."

كما قال وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتز إن الاقتصاد الإيراني في طريقه للانهيار بسبب العقوبات الدولية المفروضة على طهران بسبب برناجها النووي. واضاف، لراديو إسرائيل "تقدمت العقوبات على إيران في العام الماضي إلى مستوى أعلى" مبينا، أنه كوزير للمالية يتابع الاقتصاد الإيراني. وتابع، أن الاقتصاد الإيراني "لم ينهار لكنه على شفا الانهيار. ستبلغ خسائر ايرادات النفط هناك نحو 45 مليارا إلى 50 مليار دولار بنهاية العام."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/تشرين الأول/2012 - 21/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م