امريكا بين ضوضاء اسرائيل والتهدئة مع ايران... حديث يسبق الانتخابات

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يرى اغلب محللي شؤون السياسة الدولية ان الضغوط الاسرائيلية على الولايات المتحدة بشأن ايران تكمن فيها حقيقتها مجرد محاولات لابتزاز واستنزاف واشنطن ماليا وعسكريا لا اكثر، سيما انها تلك الضغوط تأتي في خضم صراع انتخابي ساخن بين الرئيس الديمقراطي الحالي باراك اوباما ومنافسه الجمهوري العتيد رومني.

اذ تشير معظم المعطيات الدلالية الى ان اسرائيل غير جادة فيما تعلنه من توجيه ضربة عسكرية لمنشآت ايران النووية، سيما خلال الظروف الاقليمية والدولية التي يعيشها المجتمع الدولي، الى جانب الازمة المالية التي تعيشها اسرائيل عينها، وهو ما يدركه الامريكان قالبين لرئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ظهر المجن، وقوبل التصعيد الاعلامي الاسرائيلي ازاء ايران بتجاهل البيت الابيض بشكل واضح وملموس مؤخرا، في سابقة لم تكن لتتوقعها تل أبيب، الامر الذي افضى انقسام داخل الحكومة الاسرائيلية ذاتها، بعد رفض جناح ايهود باراك ممارسات نتنياهو وعدم تأييده لها علنا.

ووصف باراك اوباما ان الضغوط التي تمارسها اسرائيل عليه لفرض "خطوط حمراء" على برنامج ايران النووي هي ضوضاء يحاول تجاهلها وذلك في تصريحات له. وقال اوباما في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة سي بي اس انه يتفهم ويوافق على اصرار نتانياهو بعدم السماح لايران بامتلاك اسلحة نووية لان ذلك يهدد البلدين والعالم بشكل عام ويطلق سباق تسلح.

الا ان اوباما اضاف "عندما يتعلق الامر بقراراتنا بشان امننا القومي .. فانني اهتم بما هو جيد بالنسبة للشعب الاميركي. وسوف اتجاهل اية ضوضاء خارجية".

وازداد التوتر بين اوباما ونتانياهو لدرجة ان لم يعقدا لقاء مباشرا في الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك. وقال البيت الابيض ان ذلك سببه مشكلة في المواعيد. الا ان المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني قال انه يجب ان لا يتم التعامل مع دولة حليفة بهذه الطريقة.

وقال في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" كذلك ان قرار اوباما عدم عقد لقاء مع نتانياهو "هو خطأ ويبعث برسالة في الشرق الاوسط باننا نبتعد عن اصدقائنا، واعتقد انه من الضروري اتباع نهج مغاير تماما".

وصرحت اندريا ساول المتحدثة باسم حملة رومني ان وصف اوباما لاسرائيل بانها "واحدة من اقرب حلفائنا في المنطقة" غير مقبول. واضافت "هذا هو احدث دليل على تجاهله المزمن لأمن اقرب حلفائنا الينا في الشرق الاوسط .. ورومني يعتقد بشدة ان اسرائيل هي اهم حليف لنا في الشرق الاوسط .. (وفي حال انتخابه) للرئاسة فان الحاكم رومني سيستعيد ويحمي التحالف الوثيق بين بلدنا ودولة اسرائيل".

انقسام اسرائيلي

فيما غذى الخلاف بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة الحديث بشأن انتخابات اسرائيلية مبكرة. وقال وزراء ان الخلاف بالاضافة الى مقاومة باراك للتخفيضات الدفاعية في محادثات الحكومة الائتلافية بشأن الميزانية وتصريحاته اللينة بشأن جهود السلام مع الفلسطينيين تمثل علامات على ضعف التحالف مع نتنياهو وعلى اجراء انتخابات عامة مبكرة في فبراير شباط المقبل على أقرب تقدير. وقال نائب رئيس الوزراء موشي يعلون لردايو الجيش الاسرائيلي "الخلاف ينذر بانتخابات على ما يبدو."

وشكل نتنياهو وباراك اللذان كانا زميلين في القوات الخاصة في الجيش قبل عقود جبهة موحدة الى حد بعيد فيما يتعلق بالتعامل مع ما يعتبرانه جهودا ايرانية للحصول على قنبلة نووية. لكن الصراع بدأ بشكل جدي بين نتنياهو زعيم حزب ليكود اليميني وباراك زعيم حزب الاستقلال الوسطي الصغير بعد ان لمح نتنياهو في خطاب بالامم المتحدة الى ان ضربة اسرائيلية ضد ايران ليست وشيكة.

ونقلت القناة الثانية بالتلفزيون الاسرائيلي في تقرير عن نتنياهو قوله لوزير المالية "هل تعرف ماذا فعل باراك بشأن الامور الدبلوماسية؟ لقد ذهب الى الولايات المتحدة لاثارة جدل بيننا وبين (الرئيس باراك) اوباما وترك انطباع باعتباره المنقذ المعتدل."

ويأتي في قلب الخلاف زيارة قام بها باراك الشهر الماضي للولايات المتحدة التي زارها كثيرا للقاء مسؤولين دفاعيين مع تصاعد الازمة مع ايران. وفي هذه المرة قام باراك بزيارة نادرة لشيكاجو والتقى سرا يوم 20 سبتمبر ايلول برئيس البلدية رام ايمانويل وهو معاون وثيق سابق لاوباما. وسربت انباء اللقاء لوسائل اعلام اسرائيلية.

واثارت محادثاتهما تكهنات في اسرائيل بأن باراك يحاول تهدئة التوتر بين رئيس الوزراء والرئيس الديمقراطي وطمأنة اوباما بأن نتنياهو لن يفعل اي شيء يمكن تفسيره على أنه دعم لمنافسه الجمهوري ميت رومني. بحسب رويترز.

واتهم اسرائيل كاتس الوزير بالحكومة عن حزب ليكود باراك بإضعاف نتنياهو بالتعبير خلال اجتماعاته في الولايات المتحدة عن مواقفه الخاصة وهي اكثر لينا بشأن السلام الفلسطيني الاسرائيلي من مواقف رئيس الوزراء. ورفض مكتب رئيس الوزراء التعليق بشأن انتقاداته المزعومة لباراك.

ودعا باراك الى انسحاب احادي من معظم الضفة الغربية اذا استمر تعثر جهود السلام مع الفلسطينيين وهو ما سلط الضوء على الخلافات مع نتنياهو. واعتبر اقتراح باراك على نطاق واسع محاولة لتحقيق مكاسب سياسية قبل انتخابات محتملة قد يختار نتنياهو الدعوة اليها في مسعى لبناء تحالفات جديدة بدلا من الدخول في معركة مع شركاء ائتلافه الحاليين بشأن الميزانية.

ويقاوم باراك نداءات وزارة الخزانة بخفض الانفاق الدفاعي وفرض اجراءات تقشفية جديدة. كما رفضت احزاب اخرى في الائتلاف التخفيضات في الانفاق التي قد تؤثر على المؤيدين لها.

وتوقع كاتس انه اذا كان التوصل لاتفاق بشأن الميزانية امرا بعيد المنال فإن "الانتخابات ستجرى في مطلع العام" قائلا ان منتصف فبراير شباط سيكون موعدا منطقيا. وينص القانون على وجوب اجراء انتخابات في موعد لا يتجاوز نحو عام من الآن. ويتوقع وزير الداخلية إيلي يشاي العضو بحزب شاس المتشدد اجراء انتخابات في يناير كانون الثاني او فبراير شباط وأرجع السبب إلى الخلافات بشأن الميزانية.

وتوقع استطلاع للرأي اجرته صحيفة هاأرتس ان يفوز حزب ليكود بزعامة نتنياهو باغلب الاصوات في انتخابات جديدة ويحصل على 27 مقعدا وهو نفس عدد المقاعد التي يشغلها حاليا في البرلمان المكون من 120 مقعدا وسيكون في وضع مريح يمكنه من تشكيل ائتلاف حاكم.

وردا على انتقادات ليكود قال مكتب باراك في بيان انه تصرف في زيارته للولايات المتحدة بما يتماشى مع سياسة الحكومة وانه كان يهدف الى "خفض التوتر وتعزيز الدعم الامريكي لأمن ومواقف اسرائيل".

وفي انتقاد واضح لنتنياهو الذي استقبل رومني استقبالا حارا خلال زيارة لاسرائيل في يوليو تموز قال مصدر مقرب من باراك ان الدعم الامريكي يجب الا تقوضه "افعال تصور اسرائيل على انها تميل إلى جانب معين في السياسة الامريكية".

وينفي نتنياهو تفضيل طرف على آخر في السباق الرئاسي الأمريكي. وكان نتنياهو قد صعد الضغط بصورة كبيرة في وقت سابق من الشهر الماضي على أوباما عندما قال ان الولايات المتحدة ليس لها "حق اخلاقي" في منع اسرائيل من التحرك ضد ايران لأن واشنطن لم تضع حدودا خاصة بها بشأن طهران.

وغضب معاونو اوباما من محاولة نتنياهو الضغط على الرئيس في خضم حملة الانتخابات الامريكية برغم الخطر الذي يواجهه اوباما من إغضاب الناخبين الموالين لاسرائيل في ولايات مرجحة مثل فلوريدا واوهايو.

معاهدات السلام

الى ذلك افادت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية ان مسؤولين اميركيين حذروا اسرائيل من ان مصر والاردن قد تقومان بالغاء اتفاقيات السلام وقطع كل علاقاتهما الدبلوماسية مع الدولة العبرية ان هي اقدمت على شن ضربة عسكرية على المنشآت النووية الايرانية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول اسرائيلي كبير طلب عدم الكشف عن اسمه ان واشنطن حذرت الدولة العبرية من ان الزعماء العرب لن يكونوا قادرين على السيطرة على رد فعل الجماهير الغاضبة في حال قيام اسرائيل بضرب ايران.

وشدد المسؤول الاميركي على ان "ضربة اسرائيلية هي بالضبط ما يحتاجه الايرانيون. سيخرج كل الشارع العربي والاسلامي الى التظاهر". واضاف ان "ما حدث مع الفيلم المسيء للنبي محمد هو مجرد عينة لما سيحدث في حال شن ضربة اسرائيلية"، في اشارة الى موجة العنف الاحتجاجات شهدها العالمان العربي والاسلامي وقتل فيها اكثر من 30 شخصا بينهم السفير الاميركي في ليبيا في هجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي (شرق).

وشدد المصدر بحسب الصحيفة على ان القادة المصريين والاردنيين "لن يكونوا قادرين على الصمود امام ضغط الجماهير وسيضطرون لاتخاذ اجراءات جذرية كقطع العلاقات الدبلوماسية والغاء اتفاقيات السلام على الرغم من معارضتهم شخصيا لايران نووية".

وبالاضافة الى امكانية التضحية بالعلاقات مع مصر والاردن فان الضربة ستكون لها "تداعيات خطيرة على العلاقات بين اسرائيل ودول اسلامية اخرى حول العالم"، بحسب المصدر نفسه.

بغداد وتفتيش الطائرات الايرانية

من جانب آخر اعلنت الولايات المتحدة انها لا تنوي ربط مساعداتها للعراق بدعواتها المتكررة قيام بغداد بتفتيش الطائرات التي تحلق فوق اراضيها ويشتبه بانها تنقل شحنات اسلحة الى النظام السوري.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند "لا نريد ربط مساعدة الولايات المتحدة للعراق بمسألة الطائرات الايرانية تحديدا لان مساعدتنا تهدف في قسم منها الى تعزيز الامن في البلاد ومساعدة العراقيين على بناء قدراتهم الجوية".

ودعت واشنطن مرات عدة حليفها العراقي الطلب الى جميع الطائرات الايرانية التي تعبر اجواء العراق والمتجهة الى سوريا الهبوط من اجل تفتيشها. واكدت طهران الحليف القوي لدمشق، لرئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بان طائراتها تنقل مساعدات انسانية الى سوريا التي تشهد انتفاضة شعبية منذ اذار/مارس 2011 للاطاحة بالرئيس بشار الاسد. بحسب فرانس برس.

ولكن الكثير من المسؤولين الاميركيين مقتنعون بان هذه الطائرات تنقل معدات عسكرية الى النظام السوري. واضافت نولاند "نحن قلقون جدا من فكرة ان ايران تسلح سوريا. هناك قرارات صادرة عن مجلس الامن تحث الدول على دعم الحظر على الاسلحة من ايران الى دول اخرى".

واوضحت "نطلب من العراقيين ان يكونوا حذرين حيال اي انتهاك لمجالهم الجوي من قبل ايران (...) التي يمكن ان تنتهك هذه القرارات".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/تشرين الأول/2012 - 20/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م