في لقائي الأخير على قناة البي بي سي كانت الحلقة تدور حول الحكم
الذي صدر على السيد طارق الهاشمي، صعقت وأنا اسمع رأي مسؤول تركي كان
معنا في البرنامج وهو يقول أن تركيا لديها إعتقادٌ راسخ بأنها تدافع عن
الطائفة المظلومة في العراق، وأن وقوفها مع الهاشمي لا تقصد به شخصه بل
السنة.
هذا الرجل نسي أن السيد أوردغان يوجه إهانة الى السنة في العراق
ويعتبرهم قاصرين، ونسي أن من يقف مع الهاشمي السنه والشيعة ومن يقف ضده
من الطرفين كذلك، وربما يعلم أو لا يعلم ان كلامه مجرد هراء وخديعة،
وإعادة إنتاج للطائفية التي مارستها الدولة العثمانية العتيدة، كما
تناسى الرجل أن العلويين والاكراد في بلاده أكثر مظلومية ممن يدافع
عنهم في بلاد الرافدين.
فهناك خمسة وعشرون مليون علوي في تركيا ليس لهم تمثيل في مقاعد حزب
العدالة والتنمية الـ 325، واما حصة الاكراد الذين يُقصفون يومياً ويزع
عليهم الموت بطائرات واسلحة السلطان فهو 15 مقعد فقط، ناهيك عن منعهم
من التعليم والتحدث بالكردية، ومن بين 81 محافظة في تركيا لا يوجد أي
محافظ علوي، وهناك 81 مدير بلدية لا يشغل العلويون أي منها والحال
ينطبق على مديرات الأمن في المحافظات الواحد والثمانين، ناهيك عن
الاعمال الطائفية التي تمارس بحق العلويين وخصوصاً في القرى التي
يقطنها أناس بسطاء شبه أميين، لذلك يفاجأ الناس هناك بتغيير أسماء
مواليدهم، فبينما يذهب الرجل الى دائرة النفوس لتسمية مولده بحيدر يبدل
الاسم بأبي بكر أو عثمان!!!!.
اما على مستوى دور العبادة فأن الحكومة التركية ترفض ان تسجل بيوت
العبادة للعلويين والتي تسمى(جمع أيوي) أي بيت الإجتماع تحت هذا الاسم،
بل تصر على تسجيله في الدوائر الرسمية بالمركز الثقافي العلوي. وهناك
الكثير من التجاوزات الانسانية التي تمارسها حكومة اردوغان بحق
العلويين والاكراد، فبينما هي تدافع عن الهاشمي تتعامل بازدواجية مع
معارضيها كعبد الله اوجلان الذي اعتقلته، وهو على ارض دولة اجنبية (كينيا).
ودعونا نعود الى الإحصائيات الرسمية لحكومة أردوغان والطائفية التي
تمارسها بحق المختلفين معها مذهبياً ودينياً.
فرئاسة الشؤون الدينية وهي أعلى سلطة دينية في تركيا تقتصر على
المسلمين السنة فقط، ولا يسمح لغيرهم ان يدخلها، فضلاً عن عدم السماح
بإقامة أي مرجعية دينية أخرى للآخرين.
الدولة الأوردغانية تساهم في تمويل المساجد السنية فقط أما مراكز
العبادة للعلويين أو غيرهم فلا يسمح بأي إعانة مادية من قبل الدولة لها.
التعليم الديني في المدارس التركية الاسلامية العلمانية يقتصر على
المذهب الحنفي فقط. ويجبر الطلبة من غير الأحناف على الحضور والتعلم،
ولعل القضية التي رفعها احد المواطنين العلويين الأتراك الى المحكمة
الأوربية لحقوق الإنسان قبل مدة وطالب فيها منع إجبار بنته الطالبة من
حضور درس الدين الإجباري خير دليل على الطائفية المقيتة التي يمارسها
نظام أردوغان ضد غير الأحناف السنة. وبعد هذه الوقائع يقف المسؤولون
الأتراك ويرمون تهم الطائفية على الأخرين. ويراد لنا نحن العرب أن نأخذ
النموذج التركي كنموذج لنظام الحكم لدينا، طبعاً على طريقة مهند ونور
والحب الممنوع وهلم جرا، لأنها سلة واحدة إما أن تأخذها كلها، أو
تتركها.
وربما كنا سنقبل بذلك والحق يقال أن التجربة التركية تجربة رائدة
ومهمة في المنطقة لولا إنحرافها الأخير وإنزلاقها نحو هاوية الطائفية،
خصوصاً بعد وقوفها العلني مع الارهابيين في قتل الثورة السورية وتدمير
تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، والخلاص من الدكتاتورية.
وكنصيحة نقدمها الى الأخوة الأتراك ومن أجل الحفاظ على المنجزات
التي قام بها المخلصون من أبناء نجم الدين اربكان، أن يبتعدوا عن سياسة
الغرور والإستعلاء الاوردغانية، وإذا كان النظام العلماني قد فشل في
إرساء علمانية حقيقية، فإن حزب العدالة والتنمية مطالب بإرساء
ديمقراطية حقيقية وتقديم نموذج على أن التجربة التركية في ظل
الإسلاميين حقيقية وليست شعاراتية، وان الاعتراف بالآخر هو من أهم سمات
المجتمعات المتحضرة فضلاً عن أهم ركائز الديمقراطية، وان عدم التدخل في
شؤون الآخرين وإحترام سيادة الدول هو الركيزة الأساسية التي تجعل
التجربة التركية مقبولة ومحترمة. وأن تدافع عن الإنسان بما هو إنسان
وليس بما هو طائفي. |