قطر وفرنسا... زواج مسيار قد لن يدوم طويلا

 

شبكة النبأ: اتاحت الازمة المالية في اوروبا لقطر المتخمة بأموال الغاز فسحة لتعزيز نشاطاتها الاقتصادية في فرنسا، خصوصا بعد ان شرع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ابواب بلاده امام الاستثمارات القطرية بشكل غير مسبوق، معززا ذلك دفئ العلاقات الدبلوماسية والصداقة الحميمة التي جمعت بينه وبين امير قطر وزوجته الشيخة موزة.

وبرزت ملامح المال القطري جلية في الاوساط الفرنسية، دون ان تستثني قطاع دون آخر، ابتداءا من قطاع تجارة التجزئة والفندقة مرورا بعالم الفن والثقافة، مثيرا في الوقت موجة تساؤلات تباينت بين مؤيد ورافض لهذا المد الاجنبي بحسب الرأي العام الفرنسي.

ويتهم البعض قطر بمحاولة خلق نفوذ سياسي داخل فرنسا لتمرير بعض الاجندات على حساب مصلحة الدولة الفرنسية، وهو ما اثار الاستياء الكثيرين، بعد ان لمس التغيير الجذري في السياسة الخارجية الفرنسية ازاء قضايا العالم العربي، والتي جاءت بالتوافق مع الرغبات القطرية.

الا ان بعض المحللين قللوا من شأن المساعي امير قطر معتبرين ما يجري حاليا اشبه بزواج مسيار لن تطول فترته الزمنية، ريثما تستنفذ باريس مكاسبها من امارة الغاز القطرية.

تساؤلات الطبقة السياسية

اذ تثير مشاريع الاستثمار القطرية في فرنسا سواء في القطاع الرياضي او لانعاش النشاط في الضواحي، تساؤلات داخل الطبقة السياسية حيث بدأت فكرة تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تشق طريقها.

فبعد الاستثمارات في القطاع الرياضي في نادي باريس سان جرمان (كرة القدم وكرة اليد) وفي شراء حقوق بث تلفزيوني وفي سوق الفن والدخول في رأسمال المجموعة النفطية توتال والمجموعة الفاخرة ال في ام اش، تهتم الامارة النفطية والغازية الخليجية الصغيرة منذ نهاية 2011 بالضواحي الفرنسية التي ارادت ان تخصص لها اولا خمسين مليون يورو.

لكن المبادرة ارجئت قبل الانتخابات في فرنسا لتجنب توظيفها في السياسة. وقد اتهمت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن خصوصا قطر "بالاستثمار بكثافة" في الضواحي حيث يعيش عدد كبير من المسلمين.

وتسعى الاغلبية الجديدة حاليا الى تعديل ملامح هذه المبادرة عبر التوجه اكثر الى اقامة "صندوق فرنسي قطري" تموله الدولة والقطاع الخاص ويخصص للمساعدة على ايجاد وظائف في مجمل المناطق الفقيرة. ولم تحدد قيمة الصندوق.

وقال وزير الموازنة جيروم كاهوزاك ان "شراكة استراتيجية تبنى حاليا بين البلدين". لكنه رفض الخوض في التفاصيل. واضاف "من حيث المبدأ، عندما يكون التفاوض جاريا، اقل الامور - من باب الادب وربما ايضا الحذاقة - الا يقول اي من الطرفين شيئا عما يفكر به". واضاف ان "هذه الشراكة الاستراتيجية لم نبدأها نحن لكن يمكن ان نواصلها تحت سلطتنا"، مؤكدا ان "اليسار مثل اليمين على الاقل، يملك حس الدولة ومصلحة البلاد".

وفي اليمين، طرحت شخصيات يمينية عدة الاحد تساؤلات وان كانت العلاقات بين فرنسا وقطر تعززت في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي. وقال الوزير السابق برونو لومير عن "تأييده" لفكرة تشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول استثمارات قطر في فرنسا، التي اقترحها زميله النائب ليونيل لوكا.

وصرح لومير ان الاستثمارات الاجنبية في فرنسا "موضع تساؤل، ليس امرا عاديا ان تتمكن قطر من الاستثمار بعشرات الملايين من اليورو في الرياضة والاحياء بدون ان نفهم الاستراتيجية على الامد لطويل".

واسهبت زميلته السابقة في الحكومة ناتالي كوسوسكو موريزيه في الحديث عن هذه المسألة لمحطة كانال بلوس. وقالت "يجب السعي الى الاستثمار الاجنبي لكن يجب ان يكون مؤطرا، وخصوصا في هذه الظروف التي نشعر انها غامضة قليلا". واضافت النائبة "اريد ان اعرف ما هي شروط توظيف هذه الاموال. هل سيكون هناك حق في مراقبتها؟ هل سنعرف الى اين تذهب الاموال وكيف تتم ادارتها؟".

لكن هذه التدابير الوقائية لا تكفي النائب السيادي نيكولا دوبون تينيان الذي يعارض بشدة توظيف اموال قطرية في الضواحي. وقال النائب اليميني "سواء كان بلدا فقيرا او قوة كبرى، ساقول الامر نفسه اذا جاءت الولايات المتحدة او اليابان لتتدخل في شؤوننا الداخلية. لكن الى اي حد انحدرت فرنسا لتقبل بذلك؟ هذا جنون".

المشروع القطري

وتم التخلي عن مشروع صندوق الاستثمارات القطرية في الاحياء الفقيرة بضواحي بعض المدن الفرنسية الكبيرة، بعد مشاورات مع الحكومة الفرنسية ليتم تخصيصها لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما افادت صحيفة "لوباريزيان".

واثار الخبر استياء شديدا من الجمعية الوطنية للتنوع للنواب المحليين (انيلد) التي انتقدت "السطو" على هذه الاموال من جانب الحكومة ورفعت عريضة الى الرئيس فرنسوا هولاند "تطالب بان تعود تلك الاموال الى الاحياء الفقيرة".

وقد اعلن السفير القطري في باريس محمد جهام الكواري في نهاية 2011، تخصيص صندوق بخمسين مليون يورو الى المستثمرين في الاحياء الشعبية.

صحيفة لوفيغارو

الى ذلك اعلنت صحيفة لوباريزيان ان قطر التي استحوذت على اربعة فنادق فرنسية فخمة، اشترت المبنى الذي يضم مقر صحيفة لوفيغارو في قلب باريس. وقالت الصحيفة ان "الامارة اشترت مقابل حوالى 300 مليون يورو مبنى نيو بمساحته البالغة 23 الف متر مربع ويضم خصوصا لوفيغارو في وسط باريس"، الا انها لم تحدد الجهة القطرية التي قامت بذلك. وتابعت لوباريزيان ان المبنى يضم ايضا مكاتب السفارة الاميركية.

وكانت مجموعة قطرية اشترت اربعة فنادق فرنسية بينها مارتينيز في كان وكونكورد لافاييت في باريس الشهيران، ما يعزز حضور الامارة في قطاع الفنادق الفاخرة. وقالت مصادر قريبة من الملف ان الفندقين الآخرين هما "اوتيل دو لوفر" في باريس و"باليه دو لا ميديتيرانيه" في نيس (جنوب شرق).

وتملك هذه الفنادق مجموعة "ستاروود كابيتال" الاميركية. وردا على سؤال لوكالة فرانس برس في باريس، رفضت هذه الشركة التعليق على هذه المعلومات. وذكرت صحيفة لوفيغارو السبت ان المجموعة القطرية المستثمرة دفعت بين 700 و750 مليون يورو.

واكد النقابي كلود ليفي لوكالة فرانس برس ان لجنة العاملين في ستاروود كابيتال ستعقد اجتماعا المقبل لمناقشة بيع فنادق "مارتينيز" في كان و"كونكورد لافاييت".

وذكر الموقع الالكتروني المتخصص "هوسبيتاليتي اون" احتمال ان تكون الجهة المشترية هي "بريسيجن كابيتال اس ايه"، مؤكدا انه في الحالتين يتعلق الامر بالعائلة الحاكمة في قطر.

وذكر الموقع الالكتروني نفسه ان العائلة الحاكمة في قطر "تقدم نفسها على انها المستثمر العالمي الرئيسي في قطاع الفنادق الفخمة". وتملك مجموعة قطرية اخرى هي الديار فندق رويال مونسو الذي تستثمره الشبكة السنغافورية رافلز التي اعادت فتحه في تشرين الاول/اكتوبر 2011 بعدما اغلق اكثر من عامين، الى جانب فندق بيننسولا الفخم الذي سيدشن في 2013 في باريس.

وتملك قطر ايضا كامل اسهم نادي باريس لكرة اليد (100%) وكامل اسهم باريس سان جرمان لكرة القدم الى جانب حصص في مجموعات لاغاردير وفيوليا وفينسي وتوتال ...

غزو سوق الفنون العالمية

في السياق ذاته تشن قطر حملة واسعة في سوق الفنون العالمية للاستحواذ على أعمال فنية ذات قيمة عالية، في مسعى منها لملء متاحفها بأعمال حديثة ومعاصرة مقابل أثمان مرتفعة، وفق ما أظهرت دراسة لمؤسسة «آرتبرايس».

و «آرتبرايس» مؤسسة فرنسية ترصد سوق الفنون، لاحظت منذ 18 شهراً «وجود عدد كبير من طلبيات الشراء مصدرها قطر»، وفق ما يقول تييري ارمان، رئيس هذه المؤسسة الرائدة عالمياً في سوق الفنون ومؤسسها.

ويوضح ارمان ان «قطر التي لا يزيد عدد سكانها عن 1.8 مليون نسمة، تصدر عدداً من طلبيات شراء يعادل ما يأتي من ألمانيا» التي يبلغ عدد سكانها 81 مليون نسمة، وبذلك تكون نسبة طلبيات شراء اللوحات الى عدد السكان تعادل 45 مرة تلك النسبة في ألمانيا. ويقول أرمان إن قطر تضع إمكانات ضخمة في مسعاها لتصبح «واحدة من صناع السوق»، مقراً أنه فوجئ بحجم هذا الشغف القطري بالفنون وسرعته!

ويضيف ارمان: «قطر لا تخاطر، انها تختار الأفضل وتدفع للحصول على النوعية الافضل... فهي تريد ان تجعل من الدوحة عاصمة عالمية للفنون». ويتابع المراقبون منذ مدة هذا الصعود لهذه الدولة الخليجية الصغيرة في مجال الفنون، لا سيما منذ مطلع العام الجاري، بعد شرائها لوحة «لاعبو الورق» لبول سيزان بمبلغ 250 مليون دولار، وهي أعلى قيمة مسجلة لعملية استحواذ في تاريخ سوق الفن.

لكن الدراسة التي نشرتها «»ارتبرايس»»، والذي ستنشر بالكامل في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، تؤكد هذه الملاحظات بالارقام «مع احترام مبدأ الخصوصية للعديد من مشتركيها القطريين».

والمؤسسات الثقافية القطرية كافة، وعلى رأسها «هيئة متاحف قطر» التي تشرف على كل المتاحف الرسمية في البلاد، «مشتركة في مجموعة «ارتبرايس»»، وفق ارمان، اضافة الى «الغالبية الساحقة من أفراد الاسرة المالكة، ولا سيما الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني، وابنة امير قطر الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني».

ووفق الدراسة، فان «قطر، وبفضل قدراتها المالية الضخمة، تُزايِد بأسعار تفوق الاسعار المحددة بنسبة تتراوح بين 40 و45 في المئة». ولا يوجد في قطر دور عرض لبيع اللوحات، لكن الجهات المعنية في هذا البلد فكرت في مرحلة سابقة بشراء دار كريستيز اللندنية العريقة للمزادات من صاحبها البليونير الفرنسي فرانسوا بينو. كما تحظى قطر بوجود خبراء دوليين ذوي مستوى رفيع يقدمون النصح والمشورة قبل شراء اللوحات، إنْ عبر اتفاقات ثنائية او في المزادات.

وتبحث قطر عن لوحات تجاوز قيمتها 100 الف يورو، وهي لا تبدي اهتماماً كبيراً بالاعمال الغربية القديمة وإنما تركز على الفنون الحديثة والمعاصرة، وفق ارمان، كما انها تولي اهتماماً خاصاً بالفنانين العرب الشباب.

وتركزت اهتمامات القطريين من خلال «»ارتبرايس»» على الفنانين الاميركيين ريتشارد سيرا وجيف كونز ومارك روتكو، والبريطاني داميان هيرست، والياباني تاكاشي موراكامي، والاميركية من اصل فرنسي لويز بورجوا، التي توفيت في العام 2010.

وفي العام 2008، افتتحت قطر متحفاً للفنون الاسلامية، وفي العام 2010 افتتحت متحف الفن العربي الحديث «متحف»، وأوكلت قطر الى المعماري الفرنسي جان نوفيل تصميم المبنى الجديد للمتحف الوطني القطري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/تشرين الأول/2012 - 17/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م