أكاد أجزم بأن أكثر الساسة والمثقفين العرب لا تعرف من قادة ''قطر
العظمى'' سوى ''أمير البلاد المفدى'' ''حمد بن خليفة آل ثاني''، وحرمه
المصون، ورئيس الوزراء وزير الخارجية ''حمد بن جاسم بن جبر'' الذي
يتصرف وكأنه ''بسمارك العرب''. ومع ذلك، لم تتورع أميركا عن دفع هؤلاء
الذين يحكمون دولة مجهرية، إلى صدارة المشهد العربي الملتهب، ومنحهم
تفويضاً لممارسة شتى أنواع الابتزاز والهجوم السياسي والمالي والإعلامي
على العديد من الدول العربية، واستخدامهم كرأس حربة لتمزيق وحدة
واستقلال هذه الدول، وذلك قبل تتويجهم، وكممثلين للممالك ومشيخات
الخليج العربي، زعماء كاريكاتوريين للجامعة العربية التي تحولت، ومنذ
زمن بعيد، إلى ''شركة خدمات سياسية قابضة'' تملكها الولايات المتحدة
وشركاؤها في الناتو.
ويحق لنا أن نستغرب أو نتساءل عن الأسباب التي تجعل بعض الأنظمة
العربية تتخذ مثل هذه السياسات المعادية لسورية، حيث تبرع أمير ''مشيخة
قطر'' بالجمعية العامة للأمم المتحدة، بتقديم اقتراح لإرسال قوات عربية
إلى سورية ''لوقف القتل''! وإيجاد حل للأزمة السورية. فبعد أن فشل فشلاً
ذريعاً في محاولة استجرار التدخل الأطلسي في سورية، ها هو حاكم قطر
يستجدي من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة التدخل العسكري
العربي. الدعوة ككل سابقاتها لا واقعية طبعاً، وتثير قدراً كبيراً من
السخرية، لكن صاحبها يفضل، كما يبدو، إثارة السخرية على الإقرار بفشله،
والانصراف بالتالي الى مراجعة موقفه من المسألة السورية. وإذا كنا لا
نستغرب هذا السلوك من حاكم غازيّ توهم، في لحظة سكر بنجاحه في استقدام
الأطلسي الى ليبيا، أنه أصبح عنتر زمانه، فتنطح لإعادة السيناريو ذاته
في بلد بحجم سورية الجيوسياسي، دون أن يحسب أي حساب للموانع الإقليمية
والدولية، فضلاً عن التركيبة الوطنية السورية ذاتها.
لا شك أن ما صدر عن ''حمد'' يؤكد حجم تورطه، ومدى انزعاجه من فشل
جميع مساعيه وجوقة التآمر من تحقيق أي هدف من مخططها الهادف لضرب وحدة
سورية، وبخاصة أنه لم يدخر وأمثاله من أمراء الموت أي شيء إلا وقدموه
للمجموعات الإرهابية المسلحة التي استقدموا معظم أفرادها من الخارج، من
مال وسلاح ودعم إعلامي كبير، لتعيث قتلاً وتدميراً في البلاد والعباد.
ويبدو أن الأمير القطري أخذته الحمية فدعا إلى تدخل عسكري في سورية عبر
قوة عربية أو ما شابه... إلا أن أحداً من حاشيته لم يعلمه بعدد جنود
جيشه الذي يقدر بأقل من 9 آلاف جندي، وبأن 70 في المائة من الأفراد
المؤهلين للخدمة بالقوات القطرية أجانب، وبأن من يحمي قصوره وحدود
بلاده قواعد أميركية... ويقيناً أن كشافة الشبيبة في سورية تملك من
القوة والشجاعة أكثر مما يملكه ما يسمى جيش قطر.
من بعد تقديم الشكر لهذا ''الأمير''، على حرصه على السوريين ودفاعه
عنهم، والعمل مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل لحقن
دمائهم، نسأل: هل كانت هذه الفكرة من بنات أفكاره وعبقريته، أم من ''صبيان''
المعارضة الخارجية المتأسلمين، أو السائرين وراء تجار الإسلام والدين
والدماء والجريمة والإرهاب؟!.
لا نريد جواباً، فالقضية ليست أحجية كي نبحث لها عن تحليلات
وتفسيرات وفلسفات، فالمطلوب منذ بدء الأزمة كان، وما زال، هو التدخل
الخارجي في الشأن السوري، وبأي شكل كان. فالاقتراح القطري جاء بعد فشل
دور الاستعمار الغربي في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يعطي الضوء
الأخضر للتدخلات الخارجية، ولاسيما من قبل حلف الناتو، في الشؤون
السورية وفق السيناريو العراقي أو الليبي. فالأمير القطري الذي جدد
دعوته للتدخل العسكري عبر إرسال قوات عربية، يحاول بسذاجة الالتفاف على
الفيتو والوصول إلى مجلس الأمن مرة أخرى من دون فيتو وهذا هو التطور.
يظن ''الأمير حمد'' أنه يتذاكى علينا، فهو يريد الدخول من النافذة
بعد أن أغلق الباب في وجهه بفعل وبفضل الموقفين الروسي والصيني
الرافضين للتدخل الأجنبي في الأزمة في سورية، ناسياً أو متناسياً أن
موقفي موسكو وبكين هما رفض التدخل من حيث المبدأ، سواء أكان أطلسياً أم
عربياً أم من أي جهة كانت في العالم! ثم يتجاهل هذا ''الحمد'' وهذه
المرة عن ـ قصد وإصرار موقف السوريين الذين فوض نفسه بالتحدث بإسمهم
وتمسكهم بسيادة وطنهم والمحافظة على استقلاله واستعدادهم للجهاد المقدس
دفاعاً عن هذا الوطن وعن المثل والأهداف النبيلة السامية التي تربى
عليها هذا الشعب. بعيداً عن هذه الأحلام الشيطانية ـ الإجرامية بحق
السوريين، من قبل ''شيوخ'' التدخلات الخارجية، و''أمراء الإرهاب''،
و''معلمي'' الفتنة والطائفية، بعيداً عن كل ذلك، ألا يحق للعاقل أن
يسأل عن سر هذه الكراهية الحاقدة والمسمومة لسورية ونظامها وشعبها
ورسالتها الحضارية والإنسانية والقومية لدى بعض مَنْ يقدمون أنفسهم على
أنهم حماة حقوق الإنسان، والمدافعون عن الحرية والديمقراطية، والحريصون
على مصالح الشعوب؟!
أحقاد وشهوات للمتاجرة بالدم السوري يفصح عنها ''حمد'' مجدداً في
سلسلة مواقف عدوانية درج على إعلانها وتصديرها خلال الأشهر الماضية
تجعله شريكاً في قتل السوريين وتجعل من المطالبة بمحاسبته عليها مطالب
محقة للشعب السوري إذ يصر تجار الدم السوري أمثال ''حمد'' على
الاستماتة بالدفاع عن المجموعات الإرهابية المسلحة باعتبارهما الحاضن
والداعم لها بالمال والسلاح مع استقدام مفردات خصّها بالأزمة السورية
أينما حلّ وارتحل والتي كانت أمواله وأسلحته سبباً أساسياً في نشوئها
وهذا ما يؤكده موقع ''فورين بوليسي'' الأميركي إذ جاء في مقال للمحلل
الاستخباراتي السابق في وزارة الخزانة الأميركية ''جوناثان شانزر'' أن
مصادر ما يسمى المعارضة السورية أكدت أن السعودية تقوم بإرسال الأسلحة
إليها عن طريق حلفاء لها في لبنان والعراق وأن دولاً خليجية أخرى وعلى
رأسها قطر تقوم بإرسال الأسلحة إلى سورية، حيث اعتبر رئيس الوزراء
القطري حمد بن جاسم علناً أنه من الواجب بذل كل ما يلزم لمساعدة
المعارضة السورية بما في ذلك منحها الأسلحة.
وإذا كنا لا نستغرب مواقف الدول الغربية المعادية لسورية، لمعرفتنا
المسبقة بنيّاتها استناداً إلى ماضيها الاستعماري الأسود المخزي،
ودورها القذر على مر العقود من القضايا العربية وانحيازها الأعمى
والمطلق إلى جانب إسرائيل، ولاسيما في السنوات القليلة الماضية، إن كان
في العراق أو ليبيا والسودان ولبنان وغيره، إذا كنا لا نستغرب كل ذلك،
أفلا يحق لنا أن نستغرب أو نتساءل عن الأسباب التي تجعل قطر الغارقة
بالنفط والغاز، تتخذ مثل هذه السياسات المعادية لسورية برمتها، وليس ضد
نظام الحكم فحسب؟! ومن غير مجاملات أو دبلوماسية نسأل: ما الفارق بين
سياسات ومواقف النظام القطري التي يتلطى خلف شعارات العروبة، والسياسات
الأمريكية وسياسات الدول الغربية الاستعمارية الأخرى، وحتى الصهيونية؟!
لوقت قريب لم تكن قطر سوى إمارة خليجية لا يعرفها أحد على المستوى
العالمي وحتى العربي سوى أنها ذكرت في خطاب الرئيس المصري الراحل ''أنور
السادات'' عندما قاطعته الدول العربية بسبب توقيعه اتفاقية كامب ديفيد
مع الصهاينة، مع أنه حصل بموجبها على ما يستجديه العرب الآن من الكيان
الصهيوني...
''قطر بتحتج ... إيه قطر؟، معزتين وخيمة''، هذا ما قاله ''السادات''
عن قطر آنذاك، وكم كان صادقاً في مقولته هذه. وبالرغم من ذلك وبقدرة
قادر أصبح إسم دويلة قطر أشهر من نار على علم ليس في منطقة الشرق
الأوسط وحدها، بل في كثير من المحافل الدولية... والسؤال الذي يطرح
نفسه: كيف حدث هذا...؟
في منتصف تسعينيات القرن المنصرم قام أمير قطر الحالي ''حمد بن
خليفة آل ثانى'' بانقلاب على والده وعزله عن الإمارة ونصّب نفسه حاكماً
على البلاد، وقد تلقت دول الخليج وباقي الدول العربية هذا الأمر بتردد
ولم تقم مباشرة بالاعتراف بالأمير الشاب الجديد، ولكن الأخير فهم أوراق
اللعبة فتوجه مباشرة الى أمريكا والكيان الصهيوني وكان له ما أراد، حيث
تم الاعتراف به ومن ثم اعترفت به باقي البلاد العربية. ومنذ ذلك الوقت
بدأت عملية التطبيع بين هذه الدويلة والكيان الصهيوني تسير على قدم
وساق الى أن وصل الأمر لفتح مكاتب للتنسيق المتبادل والزيارات الرسمية
أيضاً، وإن أراد الجانب القطري أن تكون سرية، إلا أن وسائل الإعلام
الصهيونية نشرتها بالصوت والصورة، وبخاصة تلك الزيارة التي قامت بها
تسيبي ليفني وزيرة خارجية الكيان الصهيوني وزعيمة حزب ''كاديما''
سابقاً.
نقول بأن الحديث قد عاد عن دويلة قطر بعد أن بدأت تبذل قصارى جهدها
لتكون ذات شأن كبير في العالم العربي مستغلة أحداث ما يسمى بالربيع
العربي، ومن هنا عمدت إلى تكثيف جهودها لملء الفراغ القيادي الذي كانت
تملكه بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر.
فالمشروع الامبريالي الأمريكي لم يعد يراهن على حصان واحد في
المنطقة، ولذلك بات يدعم دور قطري ينحاز الى قوى المعارضة في الأقطار
العربية لمحاولة احتوائها وتطويعها لصالح المشروع الأمريكي وتحديداً
قوى الإسلام السياسي، وبهذا الانحياز إلى قوى المعارضة يحاول إيهام
الشعوب بأنه ينحاز إليها، ويدعم المشروع الامبريالي في الوقت ذاته دور
سعودي ينحاز إلى الأنظمة الرجعية.
يحاول حكام قطر أن يأخذوا دوراً يتناسب وثقل أجسادهم تحت العباءة
الأميركية التي لم تعد تخفي عورات الأميركيين ذاتهم، وذلك لأن شعوب
العالم وصلت إلى درجة متقدمة من القرف بسبب سياسات الإدارات الأميركية
المتعاقبة التي لم تجلب إلا الفقر والخراب وازدياد الإرهاب وعدم
الاستقرار للشعب الأميركي ولشعوب العالم قاطبة.
فمن يتابع تصرفات وتصريحات حكام قطر ومن يلف لفهم هذه الأيام، لن
يجد صعوبة في كشف إصابتهم بهذه العاهة المزمنة وبعمق انخراطهم في
المؤامرة على أبناء جلدتهم ودينهم، متنكرين تحت مسمى ''الربيع العربي''
مسبق الصنع، وعباءة الدين على الطريقة الأطلسية والعثمانية الجديدة،
حيث يصدرون الإنذارات والتهديدات والتصريحات وكأنهم حكام دول عظمى،
وينظرون في مؤتمراتهم الصحفية واجتماعات الجامعة العربية إلى من حولهم
بغطرسة وعنجهية وتكبر، متناسين حجمهم الجغرافي والسياسي والعسكري
والقيمي والأخلاقي الصغير جداً، والذي نحتاج لمعرفته ورؤيته على خريطة
العالم إلى عدسة مكبرة، ومعتقدين أن المال الأسود النفطي الذي اشتروا
به بعض أصحاب النفوس الرخيصة، سيجلب لهم الكرامة والاحترام والهيبة
والزعامة والمكانة المرموقة في العالم التي يفتقدونها، فيتدخلون في
السودان وتونس واليمن وليبيا ولبنان وسورية والعراق ومصر وموريتانيا
لخدمة أسيادهم، وليرتقوا درجة أعلى في سلم الماسونية العالمية، ونراهم
ليل نهار ينسقون مع أعداء الأمة العربية ''كلينتون، وبرنار هنري ليفي،
وإسرائيل، وهولاند، وأردوغان، ودواوود أوغلو، وميركل، وكاميرون،
والمجالس الانتقامية في استطنبول وليبيا، وجوقة ''سعد'' البائسة في
لبنان، وأزلامهم الخدم الذين تم شراؤهم في سوق النخاسة الدولية بثمن
بخس''، ليدمروا بلاد العرب الآمنة، متجاهلين عشرات الآلاف من الضحايا
الذين سقطوا في البلدان التي بشروها بالربيع العربي، ربيع الفتنة
والتقسيم الدموي الصهيوني الأطلسي، ربيع يقتل فيه العربي أخاه العربي
بفتاوى ''يوسف'' وغيره من شيوخ الناتو، لتحويل الجهاد الحقيقي ضد
الصهيونية وقوى الغرب الغزاة والمحتلين لأراضينا إلى جهاد يقتل فيه
المسلم والعربي أخاه المسلم والعربي، وجعل إيران الدولة الإسلامية
الصديقة للعرب هي عدوتنا وليست إسرائيل!
قطر الغارقة حتى أذنيها في المنطق الآنف الذكر، وبعد تعريتها أمام
الشعب العربي كلاعب أساسي وممول في تمرير الخطط الغربية المشبوهة
تماهياً مع المشروع الأميركي ـ الصهيوني الرامي لتقسيم دول المنطقة
وإعادة هيكلتها تنفيذاً للشرق الأوسط الجديد، لم يعد لديها رادع
أخلاقي، ولا موقف عربي موحد وقوي يمنعها من التآمر هنا وهناك، ولو كان
الأمر غير ذلك لما تجرأت قطر بوقاحة غير مسبوقة على اختزال فلسطين على
مقاس الأطماع الإسرائيلية، وحسب الأذواق الأميركية. فهذه المشيخة
القطرية ترى نفسها كبرت إلى حد لم تعد قادرة على استيعاب حجمها وضبط
أفعالها نظراً لتضخمها بفعل تآمرها وانخراطها في سياسات الغرب
الاستعمارية، ومنها السعي لإنهاء الوجود الفلسطيني وإسقاط حقه
التاريخي، أعادت رسم خريطة فلسطين لتضم 22 في المائة فقط من الأراضي
الفلسطينية في خطوة مفضوحة لاعتراف واضح وصريح بمخططات الكيان
الإسرائيلي، ضاربة عرض الحائط بكرامة الشعب الفلسطيني ونضاله طوال
العقود الستة الماضية.
أي تبعية، وأي ارتهان، وأي ارتباط ملعون يجعل قادة قطر ينسلخون من
تاريخهم وجغرافيتهم، ويغيرون الوقائع ويزيفون الحقائق كرما لعين
إسرائيل وأميركا وحلفائهم، وأي ثمن وأي مصالح تبيح لهم أن يبيعوا قضية
العرب المركزية، ويعترفوا علانية وعلى مرأى ومسمع كل العرب بالكيان
الغاصب لأراض عربية، وأي دور مشبوه يعطي لقطر كامل الصلاحية في ترويض
الرأي العام وجعله يعتاد تدريجياً على خريطة سياسية جديدة للمنطقة،
تختزل فيها حدود فلسطين وتتقلص إلى جزء من أرضها التاريخية تنفيذاً
للمشروع الأميركي ـ الصهيوني بالشرق الأوسط الجديد!
دويلة قطر أو محمية النفط المرتدة على العروبة وبعد أن فشلت في
تسخير جامعة العرب وفق ما هو مطلوب منها قررت مواصلة دورها المتواطئ
على الشعب السوري عبر أموالها المسخرة لتمويل مجالس التدخل الخارجي
وأذرعها المجموعات الإرهابية وتنسيقيات التخريب على الأرض وعبر أدواتها
الإعلامية الأميركية الرسالة العربية اللغة.
فقناة الجزيرة تواصل ضرب مفاهيم السيادة والعروبة والوطنية لتبرير
مفردات التدخل والحماية والتدويل وتعميمها كجزء من منظومة الوعي العربي
بهدف تسهيل استباحة الأرض العربية أمام قواعد الغرب العسكرية كما فعل
ممولوها ومشغلوها بأرضهم منذ سنوات.
وعلى شاكلة قناته التلفزيونية، سار أمير محمية قطر المجهرية
''حمد''! فكيفما التفت المرء فسيصادف هذا الأمير، وعند كل أزمة في
المنطقة سنسمع بدور قطر، من الصومال إلى السودان، ومن بيروت إلى دمشق،
ومن طهران إلى بغداد، ومن صنعاء إلى غزة، ومن أنقرة إلى رام الله! في
كل مفصل سياسي أو عسكري، كان ''حمد'' يتقدم المشهد!
فبعد أن يزرع الأميركي الفتنة والأزمات ويشعل الحروب، كما حدث في
السودان والصومال، وبعد أن تقوم إسرائيل بصب أحقادها وحممها التوراتية
على ضاحية بيروت والجنوب المقاوم (2006) أو غزة (2009)، يتقدم السمسار
القطري إياه، حاملاً كيس النقود بيد، وقائمة الطلبات الأميركية
الإسرائيلية باليد الأخرى، يبتسم بطيبة وادعة وترتسم على وجهه ملامح
التأثر الشديد وهو يتبرع ببضعة ملايين من الدولارات، لإعادة إعمار
الحطام الذي خلفته الأحقاد التوراتية بوساطة الطائرات الأميركية، ثم
يتجهم بقسوة وهو يطلب من الضحايا تقديم تنازلات سياسية لأسياده هو...!
كنت أتمنى على أمير ''دويلة قطر''، دعوة العرب في هذا الزمن الذي
ينذر بموت أمة إلى تشكيل قوة عسكرية عربية لمواجهة الإرهاب الصهيوني
المستمر منذ أكثر من ستين عاماً، والممعن في قتل وتشريد وترويع
الفلسطينيين وأهلنا المحاصرين في غزة منذ سنوات، وفي اغتصاب المزيد من
الأرض الفلسطينية، وتهويد القدس والأقصى وكنيسة القيامة بدلاً من دعوته
إلى إرسال قوات عربية إلى سورية لمقاتلة الجيش السوري الذي يقف وحيداً
في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والطغيان الأميركي، وفي مواجهة تيارات
الاستسلام العربي الذليل الخانع... ولكنه لن يفعل، لأن ''حمد'' منذ وصل
إلى السلطة أصبح جزءً مهماً من المشروع الأميركي الصهيوني الذي يهدف
إلى تدمير أي موقف عربي يهدف إلى مواجهة المشروع الصهيوني...
كنت أتمنى على الأمير القطري ''حمد''، بعدما التقى أوباما، والوزيرة
''كلينتون'' أن يطالب الإدارة الأميركية بدفع إسرائيل إلى الانسحاب من
الجولان، ومن القدس ومن الضفة، وعدم التدخل في الشؤون السورية
والعربية، وأن يهدد بإرسال قوات عربية لمواجهة إسرائيل إذا ما استمرت
إسرائيل في إرهابها وعدوانها، فصبر العرب نفذ، والأمة العربية جادة في
مواجهة إسرائيل، وفي تحديد موقف من أميركا إذا ما استمرت في دعمها
للكيان الصهيوني.
كنت أود أن يتجرأ الأمير القطري ويطالب الرئيس أوباما بسحب أميركا
لقواعدها العسكرية من قطر التي تحتل نصف مساحة هذه الإمارة التي تعملقت
بدعم أميركي وإسرائيلي وغربي، ودعوة دول مجلس التعاون الخليجي إلى
الموقف نفسه، ليكون الخليج عربياً بامتياز.
كم كنت أتمنى على أمير مشيخة قطر، أن يصدر أوامره إلى قناة الجزيرة
بوقف تعاملها مع الإسرائيليين بدلاً من تحريض السوريين على بعضهم
البعض، والدعوة إلى بناء خطاب إعلامي عربي يجمع العرب ولا يفرقهم، يطفئ
نار المؤامرة ولا يشعلها، يجمع العرب والمسلمين، ولا يمزقهم بين سنة
وشيعة، وبين عرب وأكراد لإفشال المخطط الصهيوني الأميركي ''برنارد
لويس'' الذي رسم خارطة تمزيق الوطن العربي بحسب تقسيماتهم الطائفية
والمذهبية، ولجم تحرك الصهيوني برنار ليفي بطل ما يسمى بالربيع العربي
''الدامي''.
إن ما يفعله أمير قطر، في منظومة الاستسلام العربي التي أنشأتها
إدارة بوش قبل العدوان على لبنان عام 2006، وتابعتها الإدارة الحالية،
يصب في خدمة المشروع الصهيوني الذي رسمه ''برنارد لويس'' الذي يقول في
مقابلة مع وكالة الإعلام الأميركية في 20/5/2005 ''إن العرب والمسلمين
قوم فاسدون ومفسدون وفوضويون، والحل السليم معهم هو إعادة احتلالهم،
بتقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، وهذا
دور يجب أن يوكل إلى بعض زعمائهم''.
الأمير القطري، وآخرون من منظومة المشروع الأميركي الصهيوني، فرحون
بأدوارهم، ويرون بالتكليف الأميركي الإسرائيلي ما يمنحهم عظمة القوة
والتأثير في صناعة الأحداث في المنطقة، وخلق أنظمة ترى في قيادة قطر
البوابة إلى إسرائيل وأميركا.
كتب ''جورج فريدمان'' في كتابه ''المائة عام المقبلة'': ''كان
الاعتقاد أنها حقبة تتسم بالعظمة الأميركية، وهذه العظمة قاعدة
انطلاقها الشرق الأوسط، ولكن هذه العظمة منيت بهزائم مريرة، لأن سورية
هزمت مشروع الشرق الأوسط الكبير بدعمها للمقاومات العربية، هزيمة
إسرائيل في لبنان عام 2006 شكلت هزيمة للعظمة الأميركية، وبتعبير أدق
هزيمة للأحلام الأميركية الصهيونية''.
ويقول ''جورج فريدمان'': ظلت سورية خارج السيطرة الأميركية، ولأن
إسرائيل في هذه المرحلة تبحث عن مرتكزات لاستقرارها واستمرارها في
المنطقة من غير حروب وعداء، بخلق المحيط المسالم لها عبر الاتفاقيات
الاستسلامية كما حدث من خلال ''اتفاقية كامب ديفيد، اتفاقية وادي عربة،
اتفاقيات أوسلو'' وعبر علاقات اقتصادية وسياسية مع بلدان عربية، كان
لابد من تكليف أميركا لقادة دول عربية عديدة، ومنظومات سياسية مرتبطة
بأميركا والغرب بالعمل على إسقاط النظام في سورية الذي مازال يرفض
الاستسلام ويقاوم، وترى أميركا أن دور قطر مهم جداً، وهي اليوم تقود
القاطرة العربية المعادية لسورية.
هذه هي الحقيقة... أمير قطر أداة للموساد والـ (سي آي ايه) وخائن
للعرب والسلام، هكذا وصفت الكاتبة والشاعرة الفرنسية ''أدريانا
ايفانجيليست'' في مدونة لها على الانترنت الأمير النفطي مردفة: إنه خلد
كبير للموساد ولوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي ايه) وهذا كلام لا
يرقى إليه الشك بسبب مواقفه إزاء ليبيا وسورية.
الكاتبة والشاعرة الفرنسية ترى في أمير قطر أنه أكبر خائن يمكن أن
تحمله الأرض... خائن للعرب وخائن لكل أولئك الذين يحلمون بعالم السلام
وخيانته المزدوجة ستتم (مكافأتها) قريباً معربة عن قناعتها بأن سيف
العدالة الذي يدعي حمله سينقلب عليه وبخاصة في هذه الفترة التي يجب أن
يسلط فيها الضوء على كل شيء. واستهجنت الكاتبة الفرنسية سكوت العالم
على أفعال هذا الأمير النفطي بالقول: يجب أن نرى ما فعل في ليبيا وما
يستمر بالقيام به في سورية متسائلة: كيف يمكن له أن يكون غير ذلك
وبخاصة عندما نعلم أنه يزور بشكل سري ''إسرائيل'' للتنسيق مع
الصهاينة؟.
وقالت الشاعرة الفرنسية: إن قناة (الجزيرة) محطة هذا الأمير
التلفزيونية لم تبث أي مقطع فيديو يظهر زياراته إلى ''إسرائيل'' لأنها
تفضل أن تبث معلومات كاذبة حول ما يجري في سورية لدفع العالم للاعتقاد
أن الجرائم التي يرتكبها الإرهابيون الذين تمولهم قطر (هي من عمل
الحكومة السورية) ولكن الإسرائيليين نشروا ذلك المقطع لأنه من الواضح
أن الصهاينة لا يعرفون الاحتفاظ بالسر وبخاصة ما يتعلق بزيارات الأجانب
لهم وقد دفع الأمير الثمن.
وسخرت الكاتبة من تحليلات الأمير السياسية بالقول: إنه يروج لـ
''إسرائيل بأنها ترغب دوماً بالسلام'' وهذا الكلام ينطبق على جزء من
الإسرائيليين لا يؤخذ برأيهم، كما هي الحال في فرنسا، فهم مضطرون لتحمل
النظام الصهيوني الذي يريد الحرب دائماً... هذه هي الحقيقة.
النظام القطري فشل في سورية، لأنه لم يقرأ سورية بمكوناتها،
وخصوصيتها القومية والعربية، وبتاريخها الطويل في مواجهة كل المؤامرات
والدسائس التي قادتها جهات وقوى أكبر بكثير من دولة قطر ''القزم''...
الدولة القزم بكل شيء، لأن قطر لم تكن في التاريخ العربي، ولا في
التاريخ السياسي، ولا في التاريخ الإسلامي شيئاً، لم تكن سوى مشيخة
صنعها الإنجليز، وفيما بعد احتضنها الأميركيون، وأنشأوا فيها أكبر
قاعدة أمريكية في المنطقة والعالم تحتل نصف مساحة قطر، وها هي اليوم
بوابة إسرائيل إلى العالم العربي والإسلامي. لو قرأ النظام القطري
سورية، وخصوصية الشعب السوري، وتاريخ سورية، وقيم الشهادة التي يؤمن
بها الجيش السوري، والشعب السوري، لأدرك منذ البداية أن كل مؤامراته
ستسقط على شجاعة وصمود السوريين الذين لا ترهبهم التهديدات، ولا تغويهم
الإغراءات.
إذا كان النظام القطري في كل تحركاته يتظاهر بإيجاد حل للوضع
السوري، كان عليه أن يأتي إلى سورية، لقول قولها، لا أن يقول ما تقوله
إسرائيل وأميركا، أو العثمانيون الجدد والسلفيون، والتكفيريون المكلفون
بإسقاط المناعة السورية، والدولة السورية التي تشكل الخندق الأخير
للعروبة، والمقاومة الحقيقية. فالشعب السوري يعرف جيداً من تمثل قطر
اليوم، ومن تمثل الأنظمة العربية التي تتظاهر بالبحث عن حل للوضع في
سورية، ويعرف لماذا يحاربون سورية.
إن حماسة ونخوة وفحولة حكام قطر، لم نشاهدها عندما احتلت الولايات
المتحدة الأمريكية العراق عام 2003، ولا عندما اعتدت إسرائيل على لبنان
عام 2006، وعلى غزة عام 2008/ 2009، ولا عندما تهوّد إسرائيل القدس
وتقتل الفلسطينيين كل يوم، ونسألهم: لماذا لم يمر الربيع العربي الذي
صنعتموه مع الغرب والصهيونية على فلسطين ودولتكم الرجعية التي يتوارث
حكامها الخيانة والعداوة ضد الأنظمة المقاومة للمشروع الغربي
والصهيوني، علماً أن طريقه الجغرافي يجب أن يمر منها حتماً، أم أنها
محصنة بجرعات صهيونية ضد الشرف والكرامة والشجاعة والعروبة والمروءة
والدين الحق؟!
لقد أراد الغرب من قطر، كياناً شبيهاً بـ (إسرائيل)، فإن كانت هذه
الأخيرة تعتبر حاملة الطائرات للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن
قطر لديها أكبر قاعدة عسكرية لأميركا، فالتشابه يطاردنا في كل سطر وفي
كل كلمة... فالمطلوب وجدانياً من قطر أن تقاوم هذا الدور، وتعود إلى
الحضن العربي، وأن تعمل بهذه الإمكانات الهائلة لمصلحة العرب وليس
العكس، وأن تجعل قناة (الجزيرة) في خدمة الأمة الإسلامية والعربية لا
كما الحجر الذي يسقط في قارورة البيبسي كولا فتفور، فيصل فورانها إلى
حد السقوط على الأرض.
أما إذا استمر أمير قطر في نهجه المعادي للعروبة، فإن شعبه سيكون
أول من يقف له بالمرصاد، وإذا كان الأمير اليوم يتغنى بما يسمى (الربيع
العربي) فإن (الربيع) الحقيقي آت إلى قطر لا محالة، إن لم يكن اليوم أو
غداً فبعد حين، وعندها سيدرك الثمن الباهظ جداً الذي سيدفعه وزبانيته،
ولكن القطار يكون قد فاته في وقت لا ينفع معه الندم. ولا يظننّ أمير
مشيخة قطر، أن الولايات المتحدة ستدافع عنه أو عن عرشه، وأن القواعد
العسكرية الأمريكية ـ البرية والبحرية ـ سيتم استنفارها لمنع قدوم ربيع
العرب الحقيقي الذي سيعيد للشعب القطري حقوقه المنهوبة والمسروقة
الموجودة في المصارف الأمريكية والغربية. فعلى أمير مشيخة قطر، الذي
يريد دفع الجيوش العربية أولاً، تمهيداً لجيوش الأطلسي إلى سورية تحت
حجج وأكاذيب واهية، أن يتعظ من تجارب التاريخ البعيد والقريب، وأن
يتذكر الدروس العديدة التي قدمتها الشعوب، وتالياً، ينظر إلى الطريقة
التي تعاملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة معها وكيف تخلت عمن كانوا
يظنون أنفسهم أهمّ حلفاء أمريكا المدللين من فييتنام إلى إيران
(الشاهنشاهية) وصولاً إلى الأمس القريب جداً، عندما تخلت واشنطن عن
الرئيس التونسي أولاً ومن ثم عن ''حسني مبارك'' الذي عده ''بنيامين
نتنياهو'' (الكنز الاستراتيجي لإسرائيل). ولا نعتقد بأن أمير قطر
بطلّته البهية وبقوامه الممشوق وخصره النحيل وقدّه المياس، لا نعتقد
بأن مكانته أهم من ''بن علي'' أو ''مبارك'' أو ''الشاه'' وغيرهم من
حكام سادوا ثم بادوا، ورفضت الولايات المتحدة استقبالهم على أراضيها
حتى للعلاج... والتاريخ حافل بالأمثلة التي يصعب تعدادها، فهل يتعظ
حاكم مشيخة قطر قبل فوات الأوان أم أنه راسب في دروس التاريخ والسياسة
كرسوبه في دروس الحياة والعروبة والأخلاق؟!.
ومهما وصلت قطر الى ما وصلت اليه اليوم، إلا أنها ستعود الى حجمها
الطبيعي... حجم دويلة صغيرة مهمشة لا دور لها محلياً وإقليميا ودولياً،
وسيأتي اليوم الذي سيقوم فيه القطريون الشرفاء بالانتفاض على من أصابه
داء الغرور وإبعاده أو إرغامه على الفرار من بلاده كما فعل زين
''الهاربين'' بن علي... ونذكر من تولى إمارة قطر بالقوة بالمثل الشعبي:
''ما طار طائر وارتفع إلا على رأسه وقع''.
إن الاستثمار القطري في فائض القوة الأميركية وفائض المال والإعلام
يجب إيقافه ولجمه والحد منه وهذه مسؤولية قادة وشعوب المنطقة، بل كل
الدول المعنية بالأمن والسلم الدوليين لأن آثاره وتداعياته السلبية
ستنعكس راهناً ومستقبلاً على الجميع، ولن تحد منها كل الادعاءات
الكاذبة في وصف ما يجري في المنطقة بأنه حراك عربي داخلي لا قبل لأطراف
خارجية في دينامياته الداخلية، وإلا كيف لعاقل أن يفسر كل هذا السَّعار
الإقليمي والدولي المحموم حوله واللعب على حباله.
وأخيراً وليس آخر، الأمير ''حمد'' ومع فصائل الحمامدة من حوله، وهو
يواصل تطلعاته وسادية عملقته على حساب الدم العربي واضعاً المنطقة على
صفيح ساخن، قد آن له أن يدرك أن جزيرة قطر ستنوء بحمل مشاريعه، وأنها
لن تنجو من الحرائق التي يشعلها في الخليج وسورية الناهضة بقيامتها
الجديدة لتقلب السحر على الساحر، لن ينجو ''حمد'' ولا إماراته عندما
يتداعى الدومينو، ولاسيما الخليجي منه لأن المثل الإنجليزي يقول: (إذا
دفعتني يا جاك من الأرجوحة سأجرك معي). |