الزراعة حول العالم... بين اهمال الانظمة وقسوة المناخ

 

شبكة النبأ: تسعى العديد الجهات والمؤسسات الدولية الى تنمية الواقع الزراعي باعتباره أهم القطاعات المؤثرة في الحياة العامة والذي يعاني الكثير من الإهمال والمشاكل التي أثرت سلباً على الاقتصاد المحلي للكثير من الدول واسهم بارتفاع أسعار المواد الغذائية، هذا بالإضافة الى اتساع رقعة التصحر وازدياد معدلات الفقر والمجاعة بحسب بعض المتخصصين الذين أكدوا على ضرورة الإسراع بوضع خطط طارئة في سبيل إنعاش هذا القطاع المهم خصوصا مع ازدياد معدلات النمو السكاني، وفي هذا السياق وافقت حكومات العالم على توجيهات جديدة بشأن قواعد استغلال الأراضي بهدف حماية الفقراء ومكافحة الجوع لكن جماعات مساعدات قالت إن التوجيهات أضعف من أن تمنع استيلاء الشركات الكبرى على مساحات كبيرة من الأراضي في الدول التي تفتقر للتنمية. ويجري إعداد التوجيهات التي أيدتها الأمم المتحدة منذ ثلاث سنوات بدافع من المخاوف من قيام دول مثل الصين ودول الخليج العربية بشراء اراض في افريقيا واسيا لتأمين مواردها على حساب السكان المحليين.

وقال ستيفان بارمنتير من منظمة اوكسفام الاغاثية "الغائب الأبرز فيما يتعلق بانتزاع الأراضي هو الادانة الصريحة لهذه الممارسة. كان هذا أحد المطالب الأساسية للمجتمع المدني. "كان من المستحيل ان تشمل التوجيهات هذا لأنه أمر حساس للغاية ومثير للجدل بشدة بالنسبة لعدد كبير من الدول." ويدعو ميثاق السلوك الطوعي إلى المساواة في الحقوق بالنسبة للنساء في امتلاك الاراضي ويقول إنه ينبغي للدول ضمان اطلاع الفقراء على سجلات شفافة وحصولهم على مساعدة قانونية خلال النزاعات بشأن الأراضي.

وقال جوزيه جراتسيانو دا سيلفا المدير العام الجديد لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في مؤتمر صحفي "إنها نقطة بداية ستساعد في تحسين الوضع المذري دائما للفقراء والجوعي." واضاف أن التوجيهات ينبغي أن تشجع على مراجعة القوانين الوطنية والدولية. وقالت جماعات مساعدات إن النص سيشكل معيارا مفيدا لتنظيم حملات لدعم المجتمعات الريفية لكنها اضعف من ان تحمي حقوق صغار المزارعين خلال عمليات الاستحواذ على مساحات كبيرة من الأراضي.

واثار الارتفاع الحاد في اسعار الغذاء في 2007 و2008 موجة من صفقات بيع الأراضي مع سعي الدول المستوردة للغذاء والشركات الزراعية الكبرى لتأمين امداداتها وحماية نفسها من تقلب الأسعار. وعملت 96 دولة مع منظمات غير حكومية وهيئات تابعة للأمم المتحدة وأخرى خاصة في إعداد هذه المباديء. بحسب رويترز.

في السياق ذاته قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن على افريقيا أن تعزز الإنتاجية الزراعية وتتصدى لمشكلة الجوع التي تؤثر على 27 بالمئة من سكانها لتحافظ على ازدهارها الاقتصادي. ونمت الاقتصادات الافريقية بأكثر من خمسة بالمئة في المتوسط على مدى السنوات العشر الماضية حيث استفادت دول عديدة من ارتفاع أسعار السلع الأولية ومن النمو في الخدمات والإنشاءات والزراعة.

لكن نسبة النمو لم تساعد كثيرا على خفض نسبة الفقر المدقع والجوع. وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن أكثر من 40 بالمئة من أطفال افريقيا تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية وهو ما يعني أنهم يواجهون إعاقات ذهنية وبدنية لا يمكن علاجها. وقال سباستيان لفين مستشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لشؤون افريقيا "الوضع بائس جدا هذا الازدهار الاقتصادي الذي نشهده لم يحدث الأثر المتوقع."

وافريقيا هي ثاني أسرع المناطق نموا بعد آسيا لكن نسبة الفقر بين سكانها بلغت 48 بالمئة عام 2008 مقارنة مع 14 بالمئة فقط في شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادي. ومازالت افريقيا مستوردا صافيا للغذاء بالرغم من وفرة الأراضي الخصبة والمياه. وفي أول تقرير يصدره برنامج الأمم المتحدة الائتماني بشأن التنمية البشرية في افريقيا حث البرنامج على تعزيز الاستثمار في الزراعة لضمان نمو مستدام ولخفض نسبة الفقر.

وقال بيدرو كونسيساو كبير الاقتصاديين المتخصصين في افريقيا لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "إذا لم تعالج الأمن الغذائي فلن تستطيع مواصلة هذا (النمو)." وتابع "على المدى البعيد ستحتاج سكانا أصحاء ومتعلمين وقادرين على الإنتاج." وقال التقرير إن غانا أصبحت أول دولة في افريقيا جنوبي الصحراء تحقق هدف الألفية للتنمية المتمثل في خفضة نسبة الجوع إلى النصف بحلول عام 2015 وذلك من خلال التركيز على سياسات شجعت مزارعي الكاكاو الصغار على زيادة الإنتاج. بحسب شبكة أليرت نت.

وقال التقرير إن الاستثمار في الإنتاجية الزراعية ليس مهما لخفض نسبة الجوع فحسب بل ولتوفير فرص العمل لسكان افريقيا الذين يتزايد عددهم بوتيرة متسارعة ومن المتوقع أن يتضاعفوا إلى المثلين ليصبحوا ملياري نسمة بحلول 2050. وقال كونسيساو "المتغيرات السكانية في افريقيا تتيح فرصة هائلة للقارة. رأينا في العديد من البلدان أن هذا عادة يؤدي إلى معدلات أسرع للنمو الاقتصادي." وقد توفر الزراعة فرص عمل للعديد من الشبان. وقال لفين "إذا أصبحت الزراعة أكثر فاعلية وأكثر إثارة للاهتمام من حيث توظيف مهارات الشبان والاستفادة منها في تقنيات جديدة فستجتذب جيلا جديدا من الشبان وستخلق فرص عمل."

بديلا عن الماء

من جهة أخرى أصبحت قضية شح المياه وتراجع نوعية التربة والتصحر من أبرز التحديات التي تواجه العالم بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص في الآونة الأخيرة، ومن هذا المبدأ، برزت عدة محاولات لإيجاد طرق جديدة لري المحاصيل الزراعية وزيادتها، كالأمطار الصناعية، وتكرير مياه الصرف الصحي، واستخدام الأسمدة. إحدى الطرق الجديدة التي تبحث في إيجاد خيارات إضافية للري كانت تجربة أجرتها شركة Agricell، والتي تستخدم تقنية تعرف بـ"الزراعة باستخدام شريط الجل،" التي وكما يقول القائمون على الشركة قد تحقق ثورة ستحول المسار الزراعي في العالم.

وقال يلمان خان، مؤسس شركة "أغريسيل" ومدير مجلس إدارتها: "بين أيدينا الآن طريقة جديدة تسمح لنا بالزراعة باستخدام ماء أقل بنسبة 90 في المائة، وسماد أقل بنسبة 80 في المائة. أما الشيء الأكثر أهمية هو أن كمية الحصاد تزيد بنسبة تصل إلى 50 في المائة." ويضيف خان بالقول: " المادة التي يصنع منها شريط الجل تحتوي على آلاف المسامات الدقيقة، وتتكون من غشاء يستخدم في مجالات طبية وبيئية عديدة، وتم تطويره بفضل البروفيسور الياباني يوشي موري. وما أدركه الفريق المشرف على التجربة أن هذه التقنية تسمح للمياه بالدخول في جذور النباتات ببطء، وهو ما يسمح لها بامتصاص المواد الغذائية على مهل، وبالتالي فإن النباتات لا تستخدم أكثر من 200 مليلتر من المياه يوميا، في حين نستخدم اليوم في الظروف الاعتيادية نحو ليترين من الماء لكل شجرة."

ويمكن استخدام هذه التقنية في زراعة جميع أنواع المحاصيل، بدءا من أشجار التفاح وانتهاء بالقمح، إذ يقول يلمان خان: "هناك نوعان من الأشجار التي يمكن أن تستخدم هذه التقنية، النوع الأول هو الأشجار المثمرة كالفراولة والطماطم والتفاح والبطيخ والأوراق الخضراء. أما النوع الثاني فهو الحبوب كالقمح والذرة والأرز التي تزرع على مساحات واسعة. النوع الأول يستخدم شريط الجل، أما النوع الثاني فيستخدم المادة نفسها في هيئة مسحوق ناعم يرش على الأرض الزراعية ليمتزج بالتراب ويوفر نحو 70 في المائة من المياه و50 في المائة من الأسمدة."

 ويؤكد القائمون على هذا المشروع أن كلفة تزويد الأرض الزراعية بهذه التقنية ليست مرتفعة، ولا تؤثر بأي شكل من الأشكال على أسعار المحاصيل، بل تجعلها أقل ثمنا. وحول ذلك، يقول كونال وادواني، عضو مجلس إدارة الشركة وأحد المؤسسين: "تتراوح كلفة إقامة البيوت الخضراء ما بين مليون ومليون ونصف المليون دولار، والأمر يعتمد على حجم المزرعة ... وبصورة عامة نحن نتحدث عن هكتار من الأرض ينتج 90 طنا من الأرز على سبيل المثال سنويا. بحسب CNN.

ولكن على عكس ما يعتقده البعض، فإن أسعار المحاصيل ستكون أقل من الموجود حاليا في الأسواق لسبب بسيط هو أن الكلفة العالية تحدث بسبب استخدام المياه والأسمدة بكثرة، أما في هذه الحالة فلا نستخدم المياه والأسمدة بكثرة لذا تنخفض الكلفة بشكل ملحوظ." وبعد الانتهاء من استخدام هذا الشريط، التخلص منه ليس بالأمر الصعب، إذ يقول خان: "الشريط يتحلل ذاتيا، لأنه مكون من عناصر صديقة للبيئة."

جينة مقاومة للجفاف

الى جانب ذلك و في مختبر بسيط في قلب المنطقة الزراعية في الأرجنتين، تمكنت الباحثة راكيل تشان من عزل جينة في زهرة دوار الشمس تقاوم الجفاف ووضعتها في حبوب الصويا، في خطوة قد تحدث ثورة بيوتكنولوجية.. تعتبر الأرجنتين ثاني مصدر عالمي للذرة وأكبر مزود دولي لزيت الصويا وطحينه وثالث مصدر لحبوب الصويا. وتزرع هذه المحاصيل في أغلب الاحيان في مناطق تجتاحها موجات من الجفاف. ترأست راكيل تشان (52 عاما) التي تدير معهد البيوتكنولوجيا الزراعية التابع لجامعة ليتورال الوطنية فريقا من الباحثين نجح في رصد الجينة "ايتش ايه ايتش بي - 4" التي تسمح لزهرة دوار الشمس بمقاومة الجفاف.

وعندما تضاف هذه الجينة إلى الصويا أو القمح أو الذرة، تسمح "بزيادة الانتاجية بصورة كبيرة"، على ما تشرح هذه الباحثة التي يصعب عليها إخفاء شغفها بالأباحث. وتضيف بكل فخر "يعتبر المزارعون أن زيادة الانتاجية بنسبة 10% أمر رائع، وهذا الاكتشاف يسمح بالتوصل إلى نتائج أكبر قد تضاعف النسبة في بعض الأحيان". وتابعت الباحثة "كلما ازدادت صلابة البيئة، ازدادت فائدة النبتة المعدلة جينيا"، لكن هذا لا يعني أنها تتحمل الجفاف، فهي "بحاجة إلى القليل من المياه"، مشيرة إلى أن 500 ملمتر في السنة تفي بالمطلوب.

وقد أطلقت راكيل تشان هذا المشروع المتمحور على "الجينات والبيئة الطبيعية" في العام 1993، عند عودتها من مدينة ستراسبورغ الفرنسية حيث حصلت على شهادة دكتوراه. وهذا الاكتشاف الذي يفترض أن يسوق ابتداء من العام 2015 هو ثمرة حوالى 20 عاما من الجهود. وتقر الباحثة "لو قصدنا العثور على الجينة المقاومة للجفاف، لما كنا عثرنا عليها يوما ... فنحن توصلنا إلى هذا الاكتشاف صدفة". بحسب فرنس برس

وتوضح الباحثة "لا تقضي الفكرة بتوسيع نطاق الأراضي الزراعية بل على العكس، تسمح بالحافظ على المستوى عينه من المردودية مع أراض أقل". لكن المدافعين عن البيئة يخشون أن يعزز هذا الاكتشاف الميل إلى الزراعة أحادية المحصول. ويقول كارلوس مانيسي نائب رئيس مركز حماية البيئة في سانتا فيه "يحتاج الإنسان إلى انتاج مزيد من المواد الغذائية وتطوير التكنولوجيا وحماية البيئة".

14 بليون دولار

على صعيد متصل يسعى معهد أميركي جديد إلى تغيير وجهة نظر المستهلكين حول الخسارة في الأغذية والعمل كمركز رئيس للمعلومات والتكنولوجيا الدولية، في سبيل التكنولوجيات والممارسات القابلة للحياة اقتصادياً، ويمكنها التخفيف من خسائر المحاصيل الرئيسة كالرز والذرة والقمح وبذور النباتات الزيتية، والبقول. ويخطط المعهد أيضاً لتوفير التدريب للناس الذين يعيشون من زراعة الأغذية وتصنيعها وتقديمها.

وأعلن مدير معهد «آرشر دانيالز ميدلاند» لمنع الخسائر في الأغذية بعد الحصاد (جامعة إلينوي في أوربانا)، شامبين ستيف سونكا، أن «ثلث الأغذية المنتجة للاستهلاك البشري في أنحاء العالم يُهدر». وحذّر من «التداعيات العالمية التي ترتّبها الخسائر ما بعد حصاد المحاصيل الأساسية على الأمن الغذائي وسوء التغذية، والفقر». وقدّرت قيمة هذه الخسارة بـ «أكثر من 14 بليون دولار سنوياً، ويمكن هذه الخسائر في الغذاء أن تلبّي الحد الأدنى من الحاجات الغذائية السنوية لما لا يقل عن 48 مليون إنسان».

ولاحظ سونكا، «بدء تلاشي الوعي حول خسارة ما بعد الحصاد، لكن وفي ضوء التركيز العالمي المتجدد على الزراعة الذي بدأ عام 2008، برز مجدداً الاهتمام بمنع خسارة الأغذية، استناداً إلى تقرير البنك الدولي بعنوان «الأغذية المفقودة: مسألة خسائر الحبوب ما بعد الحصاد في البلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى». وعلى رغم ذلك، «لا تزال خسائر ما بعد الحصاد تجذب نسبة لا تتجاوز 5 في المئة من تمويل الأبحاث الزراعية».

وسيسلّط سونكا الضوء على المسألة في الدورة الدراسية في بورلوغ التي ستُعقد في 17 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل في مدينة ديس مونيز في ولاية أيوا، وهو حدث يتزامن مع الاحتفالات باليوم العالمي للأغذية. وأعلنت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة، أن هذه الخسائر «تساهم في ارتفاع تكاليف المواد الغذائية، وتدهور البيئة وتغير المناخ. وتُهدر المياه والأراضي والجهود، والموارد غير المتجددة كالطاقة والأسمدة المستخدمة في إنتاج الأغذية التي لا يستهلكها أحد».

واستناداً إلى تقرير لـ «فاو» بعنوان «الخسائر العالمية للأغذية وإهدارها»، تُفقد السلع خلال الإنتاج بسبب الآلات المتضررة أو التسرب، وخلال النقل وسوء التخزين، ما يؤدي إلى خفض نوعية المحصول خلال التصنيع والتوزيع والاستهلاك. وأكدت «إهدار معظم المواد الغذائية في مرحلة الاستهلاك في البلدان ذات الدخل المتوسط والمرتفع». ويمكن أن تُهدر الأغذية في بعض البلدان بسبب الحصاد السابق لأوانه، في حال كان المزارع يحتاج بشدة إلى المال. كما يُحتمل أن تتلقى مثل هذه الأغذية خسارة أيضاً في القيمة الغذائية والاقتصادية، وربما تُهدر في حال عدم صلاحياتها للاستهلاك.

وتشمل الأساليب المحتملة للحد من فقدان الأغذية وإهدارها القيام بعملية الحصاد والتجفيف بطرق سليمة، ورصد نسبة الرطوبة في الحبوب، ونقل المحاصيل من الحقل بعناية عبر كل مراحل سلسلة الإمدادات. وأشارت «فاو» إلى تحسين أساليب إدارة مكافحة الآفات والفطريات والتخزين السليم، والتعاون بين المزارعين للحد من خطر الإفراط في إنتاج محصول واحد».

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/تشرين الأول/2012 - 16/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م