امن العراق... تداعيات تؤشر على تقاطع الاجندات دولية واقليمية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يكاد لا يمر شهر حتى نسمع بخبر جديد عن موجة هجمات دامية في العراق، حتى أصبحت أعمال العنف مشهدا شبه يومي يتكرر على الأرض العراقية،  فيؤدي الى قتل المئات من الضحايا، سواء كانوا من العناصر الأمنية او من أفراد الشعب، فعلى الرغم من خروج العراق من براثن حرب أهلية طائفية كادت تفضي بالبلاد إلى حالة من الدمار الشامل. إلا أن العراق لم ينجح في شق طريقه والخروج من هذا المأزق المستدام حتى الأن، حيث باتت القوات العسكرية العراقية ليست قادرة على ضبط الامن كليا، في ظل الخروق الأمنية المستمرة بمختلف أنواعها، كالعجلات المفخخة والعمليات الانتحارية والقتل بالكواتم وتهريب السجناء، وللقاعدة او ما يعرف ب دولة العراق الاسلامية حصة الاسد في تنفيذها، وهو ما يقدم لنا عدة مؤشرات هامة حول أهم الأسباب التي تقف وراء ذلك العجز الأمني، إذ يرى الكثير من المحللين بأن التقصير الأمني مؤشر أساسي للضعف الأمني في البلاد، لأنه ناتج عن خلل لدى الاستخبارات وعدم كفاءة بعض القيادات العسكرية، بدليل انه وراء كل خرق امني كبير يتم إقالة او استبدال قائد عسكري او قائد من قوات الشرطة، وهذا ما يوحي بأن المؤسسة العسكرية غير متماسكة، في حين تضع الخلافات السياسية الداخلية والصراعات المستدامة بين السياسيين الكثير من العقبات أمام تحسن الأمن خاصةً في الآونة الأخيرة، إذ تشكل تلك النزاعات احد ابرز العوامل التي تغدي ديمومة هذه الأزمة، بينما تلعب الحسابات والتدخلات الإقليمية دورا كبيرا في هذا المجال، من خلال تحويل أزمات تلك الدول وتداولها داخل العراق، لكي تبعد الأزمات عنها، كون اغلب الدول تعيش نفس الهواجس والتحديات، على الصعيد الامني ومجالات اخرى ايضا، غير أنها تسيطر على تلك التحديات لامتلاكها مؤسسات عسكرية متماسكة ومنظمة، وضمن اطار الموضوع شكل اتفاق امريكي عراقي حول عودة قوات عسكرية أمريكية للتدريب والمشورة، خطوة هامة تطرح العديد من التساؤلات، مثلا هل ستكون عودة القوات الأمريكية للعراق ذريعة لتكوين سد بين إيران وسوريا، خصوصا بعدما طالبت السلطات الأمريكية من نظيرتها العراقية بمنع إيران من خرق مجالها الجوي وتقديم الدعم اللوجستي الى سوريا، ام هل ستكون هذه الاتفاقية ضمن اطار الحلول الوقتية للخروج من الأزمة الأمنية؟، بينما يرى محللون آخرون أن الوضع الامني في العراق صعب لكن الخروج من هذا المأزق يحتاج أولاً إلى رؤية، ثم سياسات وآليات تنفيذية. و أن هذه المرحلة من تاريخ العراق تحتاج إلى شخوص غير تقليديين لأنها في مرحلة غير تقليدية، وعليه فإن غليان الازمات وتكاثرها، تثير قلقا شديدا في نفوس الشعب العراقي، ليصبح عدم الاستقرار هاجسا مرعبا لهم، فهو يضع مستقبل العراق خلف قضبان العنف.

عودة القوات الأمريكية

فقد كشف جنرال اميركي عن ان العراق يتفاوض حاليا مع الولايات المتحدة لعودة فريق من القوات الخاصة في مهام تدريبية واستشارية، وقال كيسلين، الذي يشرف على مكتب البنتاغون في العراق الخاضع لسلطة السفارة الاميركية وينسق مبيعات السلاح الى العراق، "على الرغم من انهم (العراقيين) يريدون شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، الا انهم يعترفون بضعفها، وهم مهتمون بالذهاب مع البلد الذي يمكنه تزويدهم بالقدرات العسكرية ويلبي حاجاتهم بأسرع وقت ممكن". وقال الجنرال كيسلين ان "العراقيين يعترفون انهم لا يسيطرون على مجالهم الجوي، وهم متحسسون للغاية من هذا الامر". وقال انه في كل مرة تدخل الطائرات الحربية التركية الاجواء العراقية لقصف اهداف المتمردين الكرد، فان "العراقيين يرونها، ويعلمون بها، ويستاؤون منها". وكشف عن تفاوض العراق والولايات المتحدة حاليا على اتفاقية قد تسفر عن عودة وحدات صغيرة من العسكريين الاميركيين للعراق من اجل تولي مهام تدريبية. وعلى اساس طلب من الحكومة العراقية، طبقا لما يذكر الجنرال كيسلين، فان وحدة من جنود العمليات الخاصة في الجيش الاميركي نشرت مؤخرا في العراق لتقديم المشورة في مجال مكافحة الارهاب والمساعدة في توفير المعلومات الاستخبارية.

هجمات دموية

في سياق متصل قتل 365 شخصا في العراق في ايلول/سبتمبر بحسب حصيلة لوزارات الداخلية والدفاع، ما يجعله الشهر الاكثر دموية منذ اكثر من عامين، واوضحت الحصيلة ان 182 مدنيا قتلوا في اعمال عنف متفرقة الشهر الماضي، بينما قتل 95 جنديا و88 شرطيا، ما يجعل هذا الشهر الاكثر دموية منذ اب/اغسطس 2010 حين قتل 426 شخصا، كما اشارت الحصيلة الى اصابة 683 شخصا بجروح، هم 453 مدنيا، و120 جنديا، و110 عناصر في الشرطة، بينما قتل 64 "ارهابيا" واعتقل 242 شخصا، وقتل 33 شخصا على الاقل واصيب حوالى 104 اخرين بجروح في موجة هجمات اغلبها بسيارات مفخخة استهدفت مناطق متفرقة في العراق، بعد يومين من هروب عشرات السجناء المنتمي بعضهم الى تنظيم القاعدة من سجن شمال العاصمة، وشهد يوما التاسع والعاشر من سبتمبر/ايلول مقتل 88 شخصا على الاقل واصابة اكثر من 400 اخرين في هجمات بينها انفجار سيارة مفخخة قرب القنصلية الفرنسية في الناصرية جنوب البلاد. بحسب فرانس برس.

كما قتل سبعة اشخاص على الاقل واصيب 24 بجروح في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة استهدف احد مداخل المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد، ويمثل عدد ضحايا ايلول/سبتمبر ارتفاعا كبيرا عن الشهر الذي سبقه حين قتل 164 شخصا وفقا لارقام الوزارات الثلاث، علما ان 325 عراقيا قتلوا في تموز/يوليو الذي كان حينها اكثر الاشهر دموية منذ نحو عامين.

هروب السجناء

فيما قتل 16 عنصرا امنيا عراقيا في هجوم على سجن في تكريت شمال بغداد تمكن خلاله نحو 100 سجين بينهم محكومون بالاعدام ينتمون الى تنظيم القاعدة من الهروب، قبل ان تستعيد القوى الامنية السيطرة على السجن، وذكرت وزارة الداخلية العراقية في بيان نشرته على موقعها ان "القوات الامنية في المحافظة (صلاح الدين) قدمت في اطار مواجهتها مع الارهابيين" في سجن تكريت (160 كلم شمال بغداد)، واوضح البيان ان "عدد النزلاء في موقف تسفيرات مديرية شرطة صلاح الدين هو 303 موقوف"، وان "47 موقوفا منهم ينتمون الى التنظيم الارهابي المسمى +دولة العراق الاسلامية+ وقد سبق وان صدرت عليهم احكام بالاعدام"، من جهته اعلن رئيس اللجنة الامنية في مجلس محافظة صلاح الدين محمد حسين العطية في تصريح ان "جميع هؤلاء السجناء عراقيون"، وكان نائب محافظ صلاح الدين احمد عبد الجبار اكد ان السلطات العراقية "استعادت السيطرة على السجن"، بينما اعلنت وزارة الدفاع في بيان ان "الوضع عاد لطبيعته" في السجن وفي المحافظة.

وفيما اكدت مصادر امنية ان الاشتباكات في السجن بدات عقب اقتحامه على ايدي مجموعة اتت من الخارج وفجرت سيارة مفخخة يقودها انتحاري عند بوابة السجن الرئيسية، شددت وزارة الداخلية على ان المواجهات بدات باستيلاء سجناء على اسلحة، وتحدثت عن "تواطؤ ملحوظ من بعض عناصر الحماية لان الاسلحة التي استخدمها الارهابيون كانت قد دخلت الى الموقف اثناء اوقات الزيارات العائلية"، واوضحت ان "ضابط الخفر في التسفيرات عندما قام بواجب التفتيش هجم عليه الموقوفون الارهابيون وقاموا بقتله بطريقة وحشية واستولوا على سلاحه وعلى الاسلحة الموجودة" في مخزن قريب. بحسب فرانس برس.

وقد اعلنت وزارة الداخلية العراقية انها قررت "عزل قائد الشرطة اللواء الركن عبد الكريم الخزرجي وتكليف اللواء الركن غانم القريشي بدلا عنه بالوكالة لحين اختيار قائد جديد للشرطة في صلاح الدين"، كما اكدت "فرض حضر للتجوال في المدينة للعثور على الجناة الهاربين"، ولم تتضح الجهة التي تقف خلف الهجوم، علما ان تنظيم دولة العراق الاسلامية، الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، سبق ان تبنى عمليات مماثلة تم فيها اقتحام سجون وتهريب سجناء، وشهد اب/اغسطس الماضي عدة محاولات لاقتحام سجون في بغداد ومحيطها بهدف اطلاق سراح معتقلين، وبينها سجن التاجي (25 كلم شمال بغداد) في هجوم قتل فيه عنصران من الشرطة من دون ان يتمكن المهاجمون من اقتحامه، وفي نيسان/ابريل تبنى تنظيم دولة العراق الاسلامية عملية تهريب 22 سجينا بينهم محكومان بالاعدام من سجن في كركوك (240 كلم شمال بغداد)، وقبل ذلك استطاع 11 سجينا بينهم محكومون بالاعدام في السابع من كانون الثاني/يناير من الفرار من سجن في دهوك (410 كلم شمال بغداد) بعدما حفروا نفقا بطول 80 مترا.

وكان زعيم تنظيم دولة العراق الاسلامية، الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، ابو بكر البغدادي اعلن في تسجيل صوتي في تموز/يوليو الماضي شن عملية جديدة اطلق عليها اسم "هدم الاسوار" تستهدف اطلاق سراح سجناء التنظيم، وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اعتبر في اب/اغسطس ان المعركة مع الارهاب انتهت في العراق، وقال امام الضباط الذين احبطوا محاولة لاقتحام سجن التاجي ان هذه الخلايا "تقف خلفها ارادات من دول اخرى تستغل الظرف الحاصل في المنطقة، لكن ذلك لن يحصل في العراق مع استمرار الضربات لحين القضاء عليهم من خلال تفعيل الجهد الإستخباري والتعاون مع المواطنين".

القاعدة

من جهة أخرى تبنى تنظيم ما يسمى ب"دولة العراق الاسلامية" التابع للقاعدة في العراق 131 هجوما استهدف معظمها قوات الامن العراقية في انحاء مختلفة جنوب مدينة بغداد ومحافظة ديالى، شمال شرق بغداد، واشار التقرير المفصل حول هذه الهجمات ونشر على موقع "حنين" الى قيام ما يسمى "دولة العراق الاسلامية" بتنفيذ 131 هجوما بين الاول حتى 28 من شهر رمضان"، وبدأ شهر رمضان في 21 تموز/يوليو وامتد حتى 19 من اب/اغسطس الماضي، واشار التقرير الى قيام التنظيم بتنفيذ 66 اعتداءا بينها تفجير 45 عبوة ناسفة وتسع سيارات مفخخة وتنفيذ اكثر من 15 هجوما مسلحا، في مناطق متفرقة جنوب بغداد، خلال الفترة ذاتها، كما اشار الى تنفيذ 65 هجوما في محافظة ديالى، بينها تفجير خمسين عبوة مفخخة وعشر سيارات مفخخة وشن نحو 15 هجوما مسلحا، استهدف اغلبها قوات الجيش والشرطة و عناصر الصحوة. بحسب فرانس برس.

وتعد محافظة ديالى وكبرى مدنها بعقوبة (60 كلم شمال شرق بغداد)، من المناطق المتوترة وتشهد اعمال عنف شبه يومية، وكان التنظيم اعلن في 29 اب/اغسطس الماضي، تبني 163 اعتداء استهدفت مناطق في شمال العراق وجنوبه واخرى في محافظة ديالى خلال الفترة من 21 حزيران/يونيو حتى 19 تموز/يوليو، واعلن تنظيم "دولة العراق الاسلامية" اخيرا شن حملة تهدف الى اعادة السيطرة على الاراضي التي كان انسحب منها في ذروة اعمال العنف التي شهدها العراق بين العامين 2006 و2008.

القاتل الجوال

الى ذلك اعلنت السلطات العراقية انها اعتقلت "قاتلا جوالا" نفذ اكثر من ثلاثين عملية اغتيال في بغداد، في هذا الوقت، قتل ثلاثة اشخاص بهجمات متفرقة في العراق ما يرفع عدد ضحايا اعمال العنف في انحاء البلاد خلال ايلول/سبتمبر الى نحو 200 قتيل، وقال المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد ضياء الوكيل في تصريح انه "تم اليوم اعتقال الارهابي الملقب بالقاتل الجوال بعد مطاردة وجهد استخباراتي"، واكد المتحدث ان "الارهابي اعترف بتنفيذ اكثر من ثلاثين عملية اغتيال وتفجير في بغداد"، واضاف ان "التحقيقات لا تزال جارية معه"، مشيرا الى "جهود تبذلها القوات لاعتقال بقية افراد المجموعة التي تقدم له الدعم". بحسب فرانس برس.

وشهدت بغداد مؤخرا سلسلة من عمليات الاغتيال بالاسلحة الرشاشة والمزودة بكواتم للصوت استهدفت نقاط تفتيش للشرطة والجيش، وبحسب مصدر في وزارة الداخلية، فان القوات العراقية تمكنت من القبض على مسلح "هاجم حاجز تفتيش للشرطة في شارع الربيعي في منطقة زيونة (شرق) وتبين انه منتسب في وزارة الدفاع"، وقتل مدني بانفجار عبوة الصقت بسيارته شمال بعقوبة (60 كلم شمال بغداد)، بحسب ما افاد مقدم في الشرطة وطبيب في مستشفى بعقوبة، كما قتل شخص واصيب آخر بانفجار عبوة في المحمودية (30 كلم جنوب بغداد)، فيما اغتال مسحلون ممرضا يعمل في مستشفى الكندي في منطقة الشعب في شمال بغداد، وفقا لمصدر في وزارة الداخلية ومصدر طبي رسمي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/تشرين الأول/2012 - 16/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م