تصفيقات أم صفقات في الأمم المتحدة؟

توفيق أبو شومر

سألتُ أحد المعارف من الحاصلين على جنسية أمريكية سؤالا:

هل استمعتَ لخطاب أوباما في الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم أمس 28/9/2012؟

فرد وهو يقهقه:

 لقد خلصتْني جغرافيا هذا البلد من التقليد العربي البائد، وهو متابعة أقوال الرؤساء، في وسائل الإعلام!!

 فالرئيس عندنا موظفٌ، لا يهم الناس كثيرا إلا بما يجلبه من منافع لأبناء وطنه، أو بما يغضبهم حين يزيد عليهم الضرائب.

كما أننا نقيس رؤساءنا ليس بحساب عدد التصفيقات في المحافل الدولية، بل بعدد ما يُنجزونه من صفقات، تُثري الوطن وتعزز الاقتصاد!

أما أنتم فرؤساؤكم جلاَّدون طغاةٌ ديكتاتوريون، تُخرجونهم بذلكم من بشريتهم، وتمنحونهم ألقابا سماوية، وتُجرعون خطبَهم التافهة لأبنائكم في المدارس والمعاهد، وتجعلونها رمزا للبلاغة والفتوة والكرم!

ابتسمتُ وقلتُ:

رؤساؤنا أيضا مطربون شعبيون وشعراء ربابة، هم كشعراء سوق عكاظ، يفدون في العام مرةً لمقر الأمم المتحدة لإلقاء خطاباتهم، وهم يعتبرون خطاباتهم معلقاتٍ شعرية، يجندون لها نُقَّاد البلاط، ودهاقنة القصور الرئاسية لكي يمدحوها، ثم يجهزون الجماهير لسماعها، وكأنها حفلة غناء، ويزفون البشرى للرؤساء بانتصارهم بالخطبة العصماء، ويزيفون الواقع، بعد أن يكتبوا تقاريرهم قائلين:

إن الجماهير الشعبية أحست بالانتشاء والتجلي، وهي ترى طلعتهم البهية، وتسمع خطاباتهم البلاغية، أمام مايكرفونات المنظمات العالمية!!

وليتَ حكامَنا يشبهون شعراءنا!

 فمبعوثونا من الحكام إلى (سوق) الجمعية العمومية وإلى (محكمة) مجلس الأمن، هم من المغامرين السياسيين، ممن لا يملكون من موهبة الكلام وحلاوته وجمال تعبيراته، سوى التعبيرات السياسية الجافة، والمصطلحات التي تسبب مرض الحساسية والهرش لكثيرين، ممن يعانون من مرض الأحزاب العربية المزمن!

لقد مهدت الدول المتقدمة طريق مستقبلها برحيق أفكار مبدعيها، وركبتْ قطار المستقبل الذي صمَّمه علماؤها، واجتازتْ العقبات بعملها المنتج الخلاَّق، وأنتجتْ حضارةً تنافس بها غيرها من الحضارات الأخرى، لا بالخطابات البلاغية، بل بالخطط العملية، فأعزوا لغاتهم بعقولهم وعملهم وإنتاجهم!

ونحن عندما فشلنا في اللحاق بركب الحضارات، عمدنا إلى تشويه تلك الحضارات المتقدمة وواظبنا على التنفير منها، ولم نستفد من تجاربها، واعتبرنا تلك الحضارات مؤامرات على قسمات وجوهنا، وعلى أصالتنا وحتى على أسواقنا الأدبية وتقاليدنا!!

 ونظرا لهذا العجز، فقد طلبنا حق اللجوء إلى لغتنا، وصنعنا منها أسلحة نقصف بها أعداءنا، ثم استخرجنا منها مخدرا يهدئ روعَ شبابنا الطامحين، ومسكنا للآلام الفقراء الموجوعين، وغطاء يستر عورات الحكام الطغاة الجاهلين، ولم نكتفِ بذلك، بل أذبنا لغتنا العربية في أواني صدئة في مدارسنا وأهملناها قرونا، ثم جرعناها لأبنائنا في مدارسهم، ليمرضوا بها مرضا عضالا، وظللنا نُردد أغنيتنا العربية الشهيرة:

اللغة العربية أبلغ اللغات، فللأسد خمسين اسما أو أكثر، وللناقة والجمل أكثر من مائة اسم، أما عن أسماء الخيول فحدِّث ولا حرج!!

 ولم نقم بإثراء لغتنا المسكينة باختراعاتنا ونبوغنا في مجالات تكنولوجيا العصر!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/تشرين الأول/2012 - 16/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م