العراق... المثقف والمصالحة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من المؤكد أن العراقيين يحتاجون للمصالحة فعلا، وذلك لتعجيل إلتئام مآسي الماضي، وهي كثيرة وعسيرة، ولكن ليس هناك مخرج آخر للعراقيين لكي يعيشوا بسلام، سوى أن يتصالحوا مع بعضهم، كما فعلت شعوب أخرى سبقتهم في هذه التجربة، مثل افريقيا الجنوبية ورمزها الانساني الكبير نلسن مانديلا، ودوره العظيم في تخليص شعبه من محنة التشرذم والضغينة والاقتتال تحت ضغط الماضي، فيما كان للثقافة وحضور مانديلا دورا اساسيا في خلق الفرص الملائمة للصلح.

وفي السؤال عن دور المثقف في المصالحة، فإننا نتفق على ضمور هذا الدور أو ضعفه، ولا يتحمل المثقف العراقي الاسباب كلها في هذا الجانب، بل هناك مسؤولية أكبر تقع على صانع القرار السياسي الذي أسهم بعزل المثقف، وتعويق دوره في التقريب بين مكونات الشعب العراقي وتذويب مكامن الخلاف المؤدي الى الاحتراب، والصراع بين مكونات الشعب، كما حدث في سنوات المحنة (2005-2007)، حيث كانت الطائفية في أوج حضورها وخطرها.

وقد عُقِد مؤخرا مؤتمر تحت مسمّى (المثقف والمصالحة) رعته الحكومة العراقية، وأكدت فيه ان مسؤولية الدولة والمثقف (هو التأسيس لثقافة مستدامة واشاعة ثقافة الالتقاء مع الآخر) كما ورد في بيان لمكتب رئاسة الوزراء، حيث دعا الى أن (يأخذ –المثقف- دوره الحقيقي في القيام بعكس الصورة الصحيحة للثقافة على جميع مواقع الحياة، والمساهمة في عملية إصلاح الواقع الإجتماعي)، وهذه الدعوة كما تبدو من مضامينها مهمة، وهي تؤكد الاهمية المشتركة بين المثقفين والحكومة و وزارة الثقافة وكل المؤسسات والمنظمات المعنية بالثقافة والفكر، وذلك لكي يتاح للمثقف والمفكر العراقي أن يقوم بدوره المؤثر فعلا، في الاسهام بتحقيق قفزات نوعية تنقل المجتمع العراقي الى ثقافة سلوكية متمدّنة.

ولكن سيبقى الامر معلّقا بما ستبادر به الجهات الرسمية بخصوص تفعيل دور الثقافة والمثقف، لأن الكلام وحده لا يصنع بنية ثقافية قادرة على نشر المشتركات الانسانية المطلوبة بين مكونات الشعب العراقي، ولا التمنيات قادرة أن تصنع شيئا، بل المبادرات العملية المخطط لها بعلمية وتخصص، ثم تنفيذها على الارض بصيغ صحيحة ودقيقة، وقد قال بعض المثقفين والمعنيين ان هذه الخطوة (مؤتمر المثقف والمصالحة)، جاءت متأخرة، وإن مبادرة الحكومة العراقية هذه كان يجب أن تتقدم هذا التوقيت بكثير، ومع ذلك لتكن هي البداية الصحيحة للتقريب بين المثقف والسياسي (صانع القرار)، ولتكن هناك قرارات حكومية فعلية تصب في صالح البنية الثقافية على المستويين المادي والمعنوي.

لذا من الواجب على الحكومة والجهات المخوّلة أن تبادر فورا للنهوض الحقيقي بالبنية الثقافية، اذا كانت النيّات والارادة السياسية صادقة في المساعدة على جعل الدور الثقافي للثقافة والمثقف العراقي متاحا، للاسهام في نشر قيم التصالح والاخاء والتسامح بين العراقيين، بالاضافة الى قيم الانسانية المتفق عليها.

وهكذا فإن الكرة ستبقى دائما في ملعب الحكومة، ترقّبا لما ستقوم به من خطوات تدعم الثقافة والمثقف على الارض. ولعل من حسنات مؤتمر (المثقف والمصالحة) انه افرز عددا من الخطوات الجادة، منها ما تم الاتفاق عليه بين وفديّ النجف والانبار اثناء المؤتمر، إذ جاء في بيان اصدره مثقفو النجف والانبار في مؤتمر المصالحة: (إن إعادة إعمار قطاعَيْ التربية والتعليم في العراق لن يكتب له النجاح الحقيقي ما لم يتم بالاستعانة بالمثقفين أفراداً ومؤسسات، وبخاصة الذين من خارج السلك الحكوميّ، وإشراكهم في هذا الإعمار. لما للمثقف من دربة ودراية وخبرة في مجال كتابة النصوص التي تخاطب نوعيات خاصة من الجمهور كالأطفال واليافعين والشباب، كما إن للمثقف تدرّباً روحياً معتاداً على تقبل الآراء المخالفة وأساليب المحاججة والردود المنطقية، وهو ما يجعلهم مؤهلين لصياغة المفاهيم المشتركة وكتابة قصص التاريخ الإسلامي في برامج التربية والتعليم، بصورة تجنبها أن تكون محطَّ خلافٍ مبكر بين براعم المجتمع. نقول هذا كله مع التأكيد على إن المثقفين الذين نقصدهم بالمشاركة بهذا المشروع هم أولئك المثقفون الحقيقيون، لا الطارئون ولا الموتورون ولا المتعالون ولا المرتزقون)-البند الثاني من البيان-.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/تشرين الأول/2012 - 15/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م