تناقضات أصحاب عبارة "الا رسول الله"!

مهند حبيب السماوي

الشرق الاوسط ينفجر مرة اخرى!... ولكن هذه المرة بسبب فلم " سيء ومبتذل " نُشر على موقع اليوتيوب يصور النبي محمد بصورة وقحة...انها لحظة منذرة بالشؤم...هذا هو تعليق استاذ الاعلام النفسي في لوس انجلس ستيورات فيشوف اثر ماحدث من مظاهرات وهيجان مازالت مستمرة أصدائه في انحاء متفرقة من العالم، وخصوصاً في دول شرق اسيا التي وصل بعض منها حد لامبرر له اطلاقا متجسدا في مقتل واصابة العديد من الاشخاص( 20 قتيلا و200 جريح) فضلاً عن الاعتداء على بعض سفارات الدول الغربية وتخريب الكثير من الممتلكات العامة والخاصة.

بالطبع ان مقام النبوة عند المسلمين امر مقدس لايقبل الشك، والاسائة له، سواء عن طريق النقد او السخرية والتهكم، أمر غير مقبول بتاتا، ويستوجب ايقاد الغضب عند اي مسلم.. لكن هنالك فرق فرق بين الغضب والهيجان ! كما يقول السيكولوجي ومن اشهر المعالجين في امريكا الدكتور باروتون كولدسمث، ومافعله الكثير من المسلمين في هذه التظاهرات هو الهيجان والصراخ غير المقبول متناسين أن الشديد هو من " يملك نفسه عند الغضب " كما يقول النبي الاعظم عليه الصلاة والسلام.

مبدئيا موقف رد الفعل من نقد الدين ليس بمقتصر على المسلمين فحسب، فكل من اتباع الديانة اليهودية والنصرانية لديهم مواقف واحدة ضد الكفر على حد تعبير الباحثة رينيه كارنفينكل، لكن هذا الموقف يتخذ له تمظهرات متعددة ووجوه مختلفة وتجسيدات متنوعة تعود في مجملها الى الشخصية التي يحملها كل فرد وكيفية تشكّلها ومدى فهمه بعد ذلك للشريعة والدين وكيفية دفاعه عنهما.

والمسلمون الذين تظاهروا ضد الفلم ومنتجه رفعوا شعار" الا رسول الله " في اشارة منهم الى ان الرسول خط احمر ولاينبغي التجاوز عليه وعلى شخصه من قبل الاخرين، وهو شعار وعبارة يبدو للوهلة الاولى صائبة ولاتشوبها شائبة ويخفي معنى شرعيا لا اعتراض عليه، الا ان التعمق في مضمونه والتدبر والتأمل في احوال من يحملوه واستقراء سلوكياتهم يؤدي بنا على الفور الى مراجعة اصحاب هذا لشعار وحقيقة حمله اياه عبر النظر لمنهج العمل الذي يحملوه وحركتهم الفعلية في حياتهم التي يجب ان تكون مرآة وتجسيدا حقيقيا لعبارة " الا رسول الله".

لكن من وجهة نظري ان هذا حملة هذا الشعار هم مخادعون وفيه مواقفهم الكثير من التناقض خصوصا اذا ما استقرأنا مافعلوا تجاه موقف اخرى كان ينبغي عليهم ان يكون لديهم موقف يكون منسجما مع شعار " الا رسول الله "، لكن هؤلاء على العكس من ذلك اسائوا لا الى الرسول فحسب بل الى الدين الاسلامي وسمعة المسلمين ايضا من خلال :

اولا: سلوكياتهم الغوغائية في هذه التظاهرات وما ارسلوه من رسائل سلبية للعالم الاخر حول همجية بعضهم وما مارسوه من عنف وتهور جعل الاخرين في الغرب يكرسون الصورة النمطية التي لديهم حول الاسلام والمسلمين فضلا عن تناسيهم القضية التي تظاهر المسلمين من اجلها.

ثانيا: سلوكياتهم قبل هذه التظاهرات من خلال مواقفهم التي أظهروها تجاه مجمل القضايا الدولية والعربية والاقليمية وخصوصا فيما يتعلق بتأييدهم للارهاب وقياداته في العالم، اذ يؤكد توماس فريدمان على ان 50% من المسلمين قد صفقوا لمن قاموا بتفجيرات 11 ايلول وكل اعمال القتل ضد الغرب، بينما 50% ادان العملية بقوة، وبحساب يقوم به فريدمان حول عدد المسلمين في العالم واعمارهم فانه يصل الى نتيجة ان "حوالي 120 مليون مسلم عبارة عن قنابل انتحارية" كما يقول الباحث الياباني ساتوشي كانازاوا.

وحتى لو فرضنا أن الرقم الذي قدّره فريدمان غير صحيح ومبالغ فيه، وهو امر ممكن ووارد، الا اننا لايمكن ان نتغاضى عن العدد الكبير من المسلمين ممن يؤيدون العمليات الارهابية وما يسمى بـ" الجهاد "، و"العمليات الجهادية" الكاذبة التي استهدفت الابرياء والاطفال والشيوخ والنساء كما حدث ذلك وما زال يحدث في العراق.

قبل ان نفحص حقيقة حملة هذا الشعار، علينا ان نؤكد على ان التظاهرات التي حدثت في العالم العربي والغربي لم تكن جميعها تخريبية ارهابية حمقاء، فالكثير من التظاهرات كانت سلمية وحضارية ولم تتجه للعنف او تقوم بتخريب الممتلكات العامة والخاصة ولا تطاولت يدها على الاخرين وقامت بقتل امريكي او اي مواطن غربي، لكن هنالك تظاهرات كانت اقرب للجنون منها للعقل والهدوء والتحضر، وقد أدت التظاهرات الاخيرة الى:

1. تقديم صورة سيئة عن الاسلام من قبل هؤلاء الذين استخدموا العنف في التظاهرات بينما كانوا يرفعون شعارات ولافتات اسلامية.

2. تأكيد الصورة النمطية عن المسلمين من قبل الغرب الذين يجدون فيه جماعات تمارس العنف ولاتتسامح مع غيرها.

3- توفير المادة الأولية لــ" نيقولا باسلي " ومن قبله " كيرت فيلدرزو " تيري جونز " وأمثالهما للطعن في الإسلام وتعاليمه التي قام هؤلاء المتظاهرين بالاسائة لها.

تعالوا معي الان نفحص ونحقق في اوضاع من يرفعون شعار" الا رسول الله " ماذا فعلوا للرسول الذي غضبوا من اجله، وماذا رسموا لدينه من صور اصبحت لدى الاخر المتلقي تشكل نمطا عاما لعامة المسلمين الذين يعيشون اوضاعا مأساوية من الناحية الاجتماعية والسياسية والحضارية والنفسية لايمكن ان نعزلها، مهما حاول البعض بشكل غير علمي ولامنهجي مدروس، عن التأثير على ثقافة وشخصية المسلم الذي يعيش في هذا البلدان وعلى سلوكياته وما هو متوقع منه من ردة افعال ازاء حوادث معينة تحاول استفزازه وتفجير مكبوتاته لأسباب عديدة ربما يكون الدين اخرها.

المسلمون في حقيقتهم كانوا المادة الاساسية التي يصنع منها هؤلاء النكرات افلامهم، وقبل اربعة سنوات قام النائب الهولندي اليميني المتطرف كيرت فيلدرز بانتاج وصنع فلم يسيء فيه للاسلام وهو الفلم التي ذكّرني مباشرة بعشرات بل مئات الأفلام التي بثها الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي في العراق وبرغم ذلك لم نر مظاهرة ضد الزرقاوي مثلما تظاهر المسلمين ضد فلم فيلدرز، ولم يهتز شعر وابدان الكثير من المسلمين من دناءة وهمجية افعال الزرقاوي والقاعدة في العراق مع العلم ان التظاهر السلمي الحضاري ضد تشويه سمعة الاسلام الذي اساء له اسامة بن لادن والزرقاوي وغيرهم من رؤوس الارهاب افضل من التظاهر ضد فلم فيلدرز او فلم " براءة المسلمين" وعلى النحو الذي صاحبه من هيجان رافق بعضه تخريب وقتل وتدمير.

اين حملة شعار " الا رسول الله " والعراقيون يقتلون يومياً بفعل العمليات الإرهابية التي تتم باسم الدين ؟...أطفال ونساء وشيوخ يقتلون يومياً، وتحت راية لا إله إلا الله، وتحت ضربات القاعدة وهي ترفع شعارات الإسلام عند كل ضربة "جهادية " لم يسلم العراقيون منها حتى في شهر رمضان الفضيل ذي الحرمة الكبيرة لدى الجاني والضحية !.

أين تنديد حملة شعارا " الا رسول الله " من افعال تنظيم القاعدة في العراق والعالم العربي وتفجيراتهم في دول اوربا ؟

ولماذا يصمت حملة شعار " الا رسول الله " ازاء احداث تسيء للاسلام من قبل بعض المسلمين وكان الاولى منهم التظاهر والتنديد بهكذا سلوكيات همجية لكي يقولوا للعالم ان هؤلاء الارهابيين ليسوا الا ثلة شاذة من المسلمين ؟

فيلم تافه رخيص لايخضع لأي معايير النقد الفني لحقارته وضآلة منزلته الفنية أشعل النار في المتظاهرين وصَّعد من غيرتهم على النبي وثاروا وصرخوا وكسروا ودمروا من اجله كما يحسبون ! ولم تثار غيرتهم ودينهم واخلاقهم على دين الاسلام ورسوله الكريم وهم يرونه قد تم تشويهه على يد التنظيمات الجهادية التي عاثت فسادا وقتلا وتخريبا في بلاد المسلمين والغرب على حد سواء!.

أين غيرة المتظاهرين في تونس ومصر والسودان وليبيا والأردن وفي باقي الدول الإسلامية على الدماء الزكية التي تهرق في العراق كل يوم ؟

لماذا لم تثر منظر الدماء والاشلاء المتطايرة بفعل العمليات الارهابية الانتحارية للجهاديين " الاسلاميين " حفيظة أولئك الذين يخرجون اليوم دفاعاً عن رسول الله...

وما هو معنى حب رسول الله من جهة وقتل محبيه واتباع اهل بيته الكرام من جهة اخرى ؟

اي نفاق وتناقض وامراض نفسية واحقاد مريضة يحملها هؤلاء ممن يرفعون بيد شعار " الا رسول الله " ويقتلون بيدهم الاخرى المسلمين من خلال رضائهم عمن يفجرون في العراق وفي بقية انحاء العالم.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/تشرين الأول/2012 - 15/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م