الحرب... عن البشاعة اللامتناهية

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: (لقد شكلتنا الحرب جميعاً فشوهتنا، لكن يبدو أننا ننسى) دوريس ليسينج... يمكن اعتبار العراقيين اكثر شعوب المنطقة العربية تخمة بصور الحرب ومآسيها وخسائرها على المستويات كافة.. فمنذ العام 1979 وبداية الحرب العراقية الايرانية مرورا بغزو الكويت وحرب

تحريرها ثم سنوات الحصار الاقتصادي التي كانت نتيجة لذلك الغزو وانتهاءا بالحرب الاخيرة في العام 2003، كل ذلك يجعل من العراقي انسانا مسكونا بالفجيعة والخسارات والفقد المتواصل..

تشترك بعض الدول العربية في تجربة الحرب، مثل فلسطين، وان كانت الحيثيات والتفاصيل مختلفة. ثم لبنان وتجربتها في الحرب الاهلية والغزو الاسرائيلي، ثم حرب العام 2006..

في ما عرف بالربيع العربي هناك حرب واحدة لحقت باحدى دوله وهي ليبيا الا انها كانت قصيرة ولا تقارن باي حرب خاضتها دولتان عربيتان، وهما العراق ولبنان.. كما لا يمكن عقد مقارنة مع التجربة المصرية او السورية او الاردنية، فذاكرة الحرب تعود بها الى العام 1973 وهي حرب اكتوبر باستثناء سوريا التي كانت في نزاع مستمر مع بعض الفصائل اللبنانية ومع الاسرائيليين ولكن على الارض اللبنانية وليس على ارضها، وهي الان تشرب من كأس حرب جديدة، حرب الداخل.

العراقي وحده تقريبا يمتلك تلك الذاكرة الممتلئة بالبشاعة عن الحروب التي خاضها قائده الاوحد، وهي بشاعة ملعونة ومدمرة ومكلفة.. رغم اني لم اخدم في المواقع الامامية للجيش العراقي في حربه مع ايران او الكويت بسبب طبيعة صنفي العسكري وهو مقاومة الطائرات الا اني ايضا في بعض الفترات كنت اعيش حالات الرعب واقصى درجات الخوف وذلك التشتت في التفكير وتلك اللاجدوى من الحياة وذلك العبث الذي يضحك على العقول، ان كان ثمة عقول باقية..

كان ازيز الطائرات المغيرة شديد الرعب، وكنا يجب ان نتصدى لها وهي قادمة باتجاه مدافعنا او وهي تحاول تفادي نيرانها.. كان ذلك الصوت مدويا يجعل احشاءك تكاد ان تخرج من حلقك، وحتى اليوم لازلت ارفع يداي لاسد اذاني اذا سمعت صوتا مدويا، انها من بقايا الحرب الملعونة تلك.. ماهي الحرب تلك الطفلة الملعونة لجنوننا وفقدان صوت التعقل في داخلنا؟

الحرب هي البديل عن عدم وجود تشريع قانوني قوي قادر على حل النزعات بين الجماعات والدول, وبالتالي فالحرب مسعى (غير واع ربما) لفرض قوانين بعض الجماعات (الدول) على أخرى أو لفرض قوانين جديدة.

الحرب هي النزوع إلى العنف النفسي, فالعنف أو الميل إلى السلوك العنيف كما هو في الأفراد يوجد في الجماعات والأمم. الحرب هي العقد العنيف لتحويل بعض الدول والأمم إلى سوق تجارية لدول أخرى, أو لجعلها مصدرا لمواردها الخام.

الحروب هي صوت مرتفع في مقابل عجز صوت الحكمة.

الحرب هي أعلى صور العنف/ الصراع الشرس/ المقاتلة/ التعبير عن النزعات الشريرة/ التعبير عن عجز القانون المنضبط الضابط/ الرغبة في فرض إرادة على إرادة أخرى/..

كتب ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في اخر كتابه (الأزمة العالمية): ان قصة الجنس البشري هي الحرب ومن المؤكد انه يصعب على اي شخص اليوم تأييد الاعتقاد الحر القديم الذي يعود الى القرن التاسع عشر بأن الحروب مقاطعة مؤسفة لتطور الحضارة الانسانية السلمي المألوف ولأن نمو الديمقراطية رافقته ايضاَ على ما يبدو حروب اكبر واكثر دموية يصعب التمسك

بالرأي القائل ان الحروب لا تسببها سوى شرور الاثرياء او سوء تقدير السياسيين.

الحروب تمثل تعبيرا عنيفا عن تناقض القوى المحركة للإفراد والمجتمعات المؤطرة ماديا أو عقليا والحروب في العادة تبدأ عند تناقض المصالح المادية أو القومية ولكنها قابلة للحدوث أيضا بسبب تناقض المفاهيم الشمولية والأخلاقية أو تعارض الفهم العام لأسس المجتمع، والحروب تحتاج إلى تجمعات بشرية تشترك ببعض المفاهيم والمصالح- ضد مجتمعات أخرى تختلف معها. ويمكن لأساس واحد تفجير الحرب مثل الصراعات الطبقية والاستعمارية أو الصراعات القومية والقبلية أو الفكرية الأيدلوجية.

كيف صور الادب العالمي والعربي منه تلك الحرب؟

يكتب الشاعر عبد الوهاب عزاوي من قصيدة طويلة حملت عنوان (يوميات على جدار الحرب)

هرولت الطلقات كالقطط/ قالت الطفلة: أمي.. هل يشيخ الموتى حقاً..؟

صمتت الأم.. ثم قالت: هنا.. يقاس العمر بعيون أحبابنا/ الحاضرين بيننا/ أو الغائبين في الحياة/ دمعت عيناها..وغطت وجهها بالكفن.

وللشاعر بلند الحيدري من قصيدة (طفل من الحرب الأولى) يقول فيها:

في عالم الخبز الأسمر/ في عالم ليال نهمات كجراد اصفر/ ودلت أمي/ وجهي المدمي/ وكبرت مع الحرب الأولى جرحا/ ولعقت دمي/ وكبرت… كبرت… وصار أسمي/ رقما لا يعرف ما اسمي/ وعرفت الحرب الأولى/ في الخبز الأسمر/ في عيني ميت لم يقبر/ وبألف ذراع صلبت في دفتر/ وحزنت لأمي/ ولوجهي المدمى الملفوف بخبز أسمر/ والملقى وعدا لجراد أصفر.

وللشاعر شابير بانوباي من جنوب افريقيا يقول في قصيدة له:

من نعزي حين يموت الأطفال/ في أحضان امهاتهم؟ من نؤاسي حين نضيء شمعة/ في أرض مشى عليها إنسان ذات مرة؟ كيف نملأ الفراغ/ كيف نردم المساحات الخالية/ التي تولد/ كلّما اشعلنا ناراً لنعتّم الأرض؟ تحت اي ظلال نرقد/ حين يدهمنا النعاس/ بعد أن يدمروا عالمنا/ في حرب باسم السلام؟

 ولا يقتصر تصوير الحرب وبشاعتها على الشعر وحده بل يمتد الى القصة والرواية والمسرح وهو مايعرف على الاجمال بادب الحرب الذي يعرفه السيد نجم بانه (التعبير عن هول التجربة ذاتها: يكفى القول بأن النفس البشرية جبلت على حب الحياة, بينما يخوض الأفراد التجربة الحربية مدفوعا بأمر الجماعة (المجتمع) وبناء على رغبتهم, وقد يباركون موته. فالتجربة الحربية ليست ذاتية بالكامل , وتحمل بين طياتها التناقض, فالمقاتل يسعى لاثبات الوجود وتحقيق الأهداف السامية , بينما الواقع المعاش فظ وقاس).

ولا يقتصر تصوير موضوعة الحرب على الادب بانواعه المتعددة بل يتعدى ذلك ايضا الى السينما حيث الافلام العديدة التي جعلت ثيمتها الرئيسية الحرب.

ليس من نزاع مسلّح بين طرفين متخاصمين لم ينقل الى الشاشة الى حدّ ان الفيلم الحربي بات صنفاً سينمائياً في ذاته. هذه السينما قدمت تحفاً، بعدما وجدت في الحرب انعكاساً لذروة التراجيديا الانسانية وعنواناً لافتاً لجماليات الخراب والدمار ونهاية البشرية المنتظرة. معظمها أظهر ان التناقض سمة آدمية بامتياز وكيف ان العقل يعمل حيناً للخلق والبناء والتطوير، وحيناً آخر للارهاب والقتل والتدمير.

كثيرة هي الحروب التي استوحت منها السينما، فلكل حرب أفلامها، ولكل حرب متخصصوها من مخرجين تداركوا حقيقة الامر عبر اللغة السينمائية، خدمة للذاكرة الجماعية، لذا لا نشاهد فلما من أفلام الحروب 0 إلا ويكون معه موضوع اخر. يعد الفيلم العنصري «مولد أمة» من أهم الأفلام التي ظهرت في بدايات القرن العشرين وتحديدا عام 1915، وكان يدور حول الحرب الأهلية الأمريكية وحرب تحرير العبيد، الأمر الذي كان يذمه مخرج الفيلم «دي دبليو غريفيث»، ظهر خلال تلك الفترة فيلم (كل شيء هادئ على الجبهة) الذي يعد من الافلام المناهضة للحروب، وبهذا يجب ان نعتبر السينما جاءت لتعرض لنا بشاعة الحروب واثارها النفسية والاجتماعية باعتبار ان اثارها تمتد لسنوات ونذكر هنا رائعة السينما العالمية، ذهب مع الريح عام 1939 الذي يؤرخ كذلك حرب تحرير العبيد في أمريكا، ويحضر فلم المراسل الاجنبي لهتشكوك عام 1940 لياتي شارلي شابلن في فلم( الدكتاتور العظيم» عام 1940 الذي قلد فيه شخصية هتلر بسخرية لدرجة جعلت هتلر يمنع الشعب الألماني من مشاهدته. وتوالت افلام الحروب العالمية الاولى والثانية وحرب البوسنة والهرسك حتى اخر ما انتجته السينما في حرب الصحراء وغيرها، لذا فان السينما وان كانت قد اخذت من الحروب مادة لها الا انها كانت توجه رسائل لوقفها وتصور حياة الجنود وهم يذهبون الى الحروب وهم لا يعرفون مصيرهم.

ولطالما إرتبطت الأعمال الحربية بقيم كشجاعة والتضحية والوفاء وأيضا الخيانة والخداع على طرف نقيض في البداية قبل أن يظهر تيار من الأفلام يناهض الحرب ويدينها ويدعو إلى نبذها وخاصة في حقبة السبعينيات التى تعتبر أزهى فترات السينما الحربية وأيضا التسعينيات التي وصلت فيها الأعمال الحربية إلى أوجها تقنيا. ولعل أبرز الحروب التي تطرقت إليها السينما بشكل عام الحربين العالميتين الأولى والثانية وحرب الفيتنام التي تلقى فيها الأمريكيين هزيمة نكراء ! والحرب الباردة وكذلك الحرب الأهلية الأمريكية وحروب أخرى كحرب العراق مثلا.

وفي مقدمة تلك الأفلام يأتي فيلم المخرج الأسطورة فرانسيس فورد كوبولا القيام الأن الذي يدين بشدة حرب أمريكا على الفيتنام وصنف كواحد من أعظم الأفلام الحربية في التاريخ وفي صفه هناك أيضا تحفة أوليفر ستون الفصيلة ونذكر أيضا فيلم المخرج الأسطورة ستانلي كيوبريك السترة المعدنية اللذان يتقاسمان مع فيلم كوبولا نفس الموضوع.

وبعيداَ عن حرب الفيتنام نجد مجموعة من الأعمال السينمائية التي عالجت الحرب العالمية الأولى والثانية بكل تفاصيلها وأبرزها فيلم المحرقة الشهير لائحة شندلر للمبدع ستيفن سبيلبيرغ الذي له عمل أخر لا يقل شأن هو الأخرعن فيلمه الأول وهو إنقاذ الجندي رايان. وعلى غرار السينما الأمريكية ساهمت السينما الأوربية بدورها في صنع أمجاد سينما الحرب وقدمت أعمال مهمة جدا من أمثلتها العمل الألماني الرائع السقوط و نظيره السفينة ثم عازف البيانو للقدير بولانسكي. هذا وتوجد عدة أفلام تناولت حروب أخرى كالفيلم الحديث الإنتاج المنطقة الخضراء الذي يدين سياسية البيت الأبيض تجاه العراق ويكشف خدعة السلاح النووي المزعومة. ولم يتوقف موضوع الحرب عند حد الأفلام الروائية و الوثائقية بل تجاوز ذلك إلى أفلام الأنمي كالفيلم الياباني الصادم قبر لليراعات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/أيلول/2012 - 12/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م