أعرف... وتعرفون تماماً أن الغرب، ومنذ البدايات الأولى لكتابة
تاريخه وتدوينه رسمياً، كان غرباً سياسياً انتهازياً مشدوداً للمصالح
أياً كانت درجة وضاعتها وخسّتها ونذالتها، ولم يكن في يوم من الأيام
مشدوداً إلى القيم النبيلة أو الأفكار السامية أو العقائد الروحيّة.
كان، ومنذ كياناته السياسيّة الأولى، لا يؤمن إلا بالوقيعة، والتهديد،
والنهب، والإخافة، والإيذاء، والبطش، والاستعباد، ولم تكن له من صفات،
ومنذ كياناته السياسيّة الأولى أيضاً، سوى الوغدنة، والخداع، والظلم،
وانتهاز الفرص، والتباهي بالقوة، والغدر، ولم تكن له من آثار باقيات،
ومنذ كياناته السياسيّة الأولى، سوى التدمير، والقتل، والمجازر،
والسرقة، والأحزان، والمآسي، والويلات الثقال... وذلك لأن الغرب
السياسي قائم منذ كياناته السياسيّة الأولى وحتى ما شاء الله من أزمنة
على مقولة (السيد والعبد)، فالغربيون يؤمنون بأنهم السادة، أصحاب العرق
الآري، وأصحاب الأبدان التي يجري فيها الدم الأزرق، والآخرون، كل
الآخرين، عبيد، عبيد وحسب.
يستل الغربيون أدوات ضغطهم السياسي، مقابل إشهار أميركي واضح لسياسة
الابتزاز، ويأخذ التقاطع بينهما سيلاً جارفاً من المواقف المتلاطمة
التي تدخل في سباق محموم للمزاودة السياسية. الغيرة الغربية على الشعوب
العربية وحرياتها تطرح أكثر من سؤال... وترسم عشرات علامات الاستفهام،
وهي تدفع إلى الذاكرة العربية فصولاً من التخمة المفرطة في عدوانيتها
التي تجاهلت على مدى عقود خلت الإرادة العربية وتطلعاتها. وإذا كان
الأمر لا يحتاج إلى جهد كبير لقراءة تلك التقاطعات، فإنه في الإجابة
على الأسئلة المطروحة يواجه إشكالية الخلط الواضح لجهة الأبعاد
والأهداف التي تتخفى خلفها تلك الحماسة الغربية وهي تحاول أن تعيد رسم
دورها المشبوه في المشهد الدولي.
فالاندفاع الأميركي نحو سياسة الابتزاز بذرائعه التي يدركها القاصي
والداني... تواجهها أسباب غربية غامضة ومبهمة؟! ورغم أن الأمر لا يقف
هنا... ولا يقتصر على هذا البعد، فإنه بهذا المعيار يفتح الباب على
خلفيات ودوافع ترسم ملامح أكثر وضوحاً لحالات الاستهداف. فالمسألة
ليست في الخشية على الشعوب العربية... ولا هي في إطار الحرص على هذه
المصالح... ولا تندرج لأي سبب من الأسباب تحت بند الدفاع عن إرادة هذه
الشعوب. فقد تجاهلتها طوال عقود خلت... ومارست حيالها سياسة مراوغة لا
أحد يجادل في فوقيتها ولا في تراتبية المصالح التي زاغت عنها الأعين
الأوروبية إرضاء لإسرائيل وأميركا. لكن كل ذلك ربما لا يقدم تفسيراً
كافياً لتلك التفاصيل التي تشهدها أروقة الغرف المغلقة... ولا تعطي ما
يكفي من شروحات لتلك الأجندة التي يعاد تدوير زواياها لتكون أكثر قدرة
على التكيف مع متطلبات التموضع الجديد للعلاقات الدولية.
لا نعتقد أن أحداً لديه الشك بأن صلاحية اتفاقيات سايكس بيكو وما
أنتجته قد شارفت على الانتهاء... وأن السعي إلى إنتاج جديد لتموضعات
المشهد العربي لم يخفِ أدواته ووسائله. فما عجزت عنه أميركا على مدى
العقد الماضي في رسم ذلك المشهد ليكون وفق التفصيلة الأميركية، تحاول
تمريره عبر الغربيين واندفاعتهم المحمومة، وما فشلت في فعله يمارسه
الغربيون وهو أبعد من شبهة وأكثر من تهمة ويصل مستوى الوقائع. وبين
هذه وتلك ترتسم الملامح... وتأخذ طريقها إلى فهم أوضح للكثير من
الالتباسات الحاصلة... فالمسألة مرة أخرى تبتعد بالضرورة عن المصالح
العربية... وتفترق حكماً عن إرادة الشعوب العربية...
أن يكون الغرب بمجمله، محطّ أحلام مَنْ لا يعرفه، لا تاريخاً ولا
مجتمعاً، من العرب وسواهم، أمر طبيعي جداً، ولا يثير أي تساؤل أو دهشة.
أما أن يكون محط آمال بعض العرب، ممّن عرفوا تاريخه وواقعه الاجتماعي
وتطوره السياسي، فأمر يدعو للدهشة، بل للقلق... إلا أن هذه الدهشة،
وهذا القلق يبلغان مداهما الأقصى، عندما يتضح أن من هؤلاء العرب مَنْ
يرجون خيراً من الغرب لأوطانهم، أياً كانت.
والغرب السياسي اليوم، وبسبب أخلاقه الفاسدة، يحتل فلسطين، ويشرد
شعبها ثم (يتصدّق) عليهم بالإعاشة، ويحتل العراق، وأفغانستان، ويدمّر
الصومال، وباكستان ويدّعي حماية الحريات، وحقوق الإنسان... ناهيك عن
النفوذ الإجرامي الذي يفرضه الغرب السياسي على الكثير الكثير من الدول
العربية وغير العربية... عبر قواعده العسكرية، وسفاراته الدبلوماسية،
وتجارته الامتصاصية، وثقافته العولمية... وبالرغم من ذلك يريد لنا أن
نصفق لـ(أساطير اليونان)، و(مطبعة نابليون بونابرت) وأفكار (شوبنهاور)،
ومقولات (هنتغتون) وآراء (غوبلز)، وسياسات (هتلر، وموسوليني،
وفرانكو...).
أقول هذا... بكل المرارة وأنا أرى، في هذه اللحظات الراهنة، بعيون
الشعوب الحرة، العيون اليواقظ، ما الذي يحمله لنا الغرب السياسي في
سلاله المكتوب عليها بخط عريض وبلون فسفوري (حقوق، حريات، ديموقراطية)
أرى، كما يرى الشعب العربي الحر، كما ترون سادتي... أن لا شيء في سلال
الغرب سوى أمور ثلاثة: مسدس، وثعبان، وحقد... لأننا عرفنا، من قبل،
سلاله المسمومة التي لم يكن فيها سوى: مسدس، وثعبان، وحقد. ومع ذلك
ينخدع بعض أهلنا (دولاً، وجماعات، وأفراداً...) بكلام الغرب المعسول...
فيصيرون له قواعد، وتبعاً، وعملاء، بعدما أصابتهم لعنة الفيلة العمياء
التي تأخذها سلاسة المياه إلى الأعماق الأعماق خطوةً خطوةً كيما تموت
دفناً... في المياه الموحلة.
ونرى أيضاً، حين نتقدّم في التاريخ، ما فعله الغرب السياسي قبل ألف
عام من وقتنا الراهن، أي في أثناء حروب الفرنجة في بلادنا، حين اشتدت
عليه وحوله ضائقته الاقتصادية (كما هي الأعراض الاقتصادية الراهنة التي
تشتدّ على الغرب السياسي وحوله)، فدُفع الشعب الغربي دفعاً إلى احتلال
بلادنا، وتخريب حضارتها، وسرقة علومها ومعارفها، ونهب خيراتها، وقتل
أهلها في الكنائس، والمساجد، (وقد قُتل من المسيحيين لأنهم شرقيون أكثر
مما قُتل من المسلمين على الرغم من أن دماء الطرفين، أهل الديانتين،
وصلت في بعض المواضع إلى حدّ الرُكب، وأين؟ داخل المساجد والكنائس) ولم
يكن ذلك إلا بسبب فساد الغرب السياسي الذي دفع أبناءه إلى مثل تلك
الجريمة الإنسانية التي استمرت في القتل، والظلم، وفرض الأذيات
والكواره على أبناء شعبنا زمناً قارب القرنين وأزيد، والسبب الذي
ابتدعته الأخلاق الغربية السياسيّة الفاسدة، هو أن قبر سيدنا المسيح
يتعرّض للخطر، والمسيح سيدنا، ونبينا، وابن أرضنا، والثائر على
المفاسد، والمنادي بالمحبة، والكائن الحميم الذي يسكن مهج أرواحنا،
وقبره تمرُّ به أيدينا مسحاً مثلما تمر أيدي الأطفال مسحاً على ريش
الحمام.
وتأتي لحظة يحلّ فيها الغضب محلّ الدهشة والقلق، عندما تعرف أن ثمّة
عرب يعرفون الغرب، مجتمعاً وتاريخاً وتطوراً سياسياً، ويستقوون به على
وطنهم. ويبلغ الغضب ذروته عندما يتضح لك ولكل إنسان مطّلع وصادق، أولاً
من خلال شهادات لا تُحصى ولا تُدحض، لمثقفين وباحثين غربيين، مرموقين
وشجعان، وثانياً من خلال الممارسة السياسية الغربية، المعلنة والخفية،
أن هذا الغرب كله، أجل كله، وبكل ما لديه من مسؤولين وعلوم وقدرات
وإعلام وأموال ومؤسسات، بات عبداً ـ أجل عبداً ـ للصهيونية! حسبي
اليوم الاستشهاد بباحثين غربيين، فلديهم ـ كما لدى الكثيرين غيرهم ـ ما
يقولونه لنا ـ نحن العرب ـ بشأن هذا الغرب، ''رائد الحرية والديمقراطية
والحقوق الإنسانية''.
الفرنسي هو ''اينياسيو رامون''، الذي تولى سنوات طويلة إدارة مجلة
''العالم الدبلوماسي'' الشهيرة. له مؤلفات عديدة، منها كتاب بعنوان
''حروب القرن الحادي والعشرين''، وقد صدر في باريس عام 2002، وهو يقول
فيه، عن الاستعمار الجديد، منذ السطور الأولى، ما حرفيته: ''إن
الولايات المتحدة تسيطر على العالم على نحو لم يُتح لأي إمبراطورية
أخرى في التاريخ. وهي تمارس هيمنة ساحقة في الميادين التقليدية الخمسة
لكل سلطة: السياسي والاقتصادي والعسكري والتكنولوجي والثقافي. إنها
المرة الأولى في تاريخ البشرية، التي يخضع فيها العالم لقوة واحدة
متفوقة... ثمة ظاهرة مركزية أخرى: وهي أن جميع الدول تُساق مدفوعة في
دينامية العولمة. وأننا، على نحو ما، إزاء ثورة رأسمالية ثانية. وبذلك
تدخل الأرض في حقبة جديدة من الفتوحات، كما حدث في الحقبة
الكولونيالية. ولكن، في حين كانت الدول آنذاك، هي التي تقوم بالأدوار
الرئيسة في الفتوحات السابقة، فإن الشركات الكبرى والتجمعات الصناعية
والمالية الخاصة، هي التي تسعى اليوم، للسيطرة على العالم. فسادة الأرض
لم يكونوا يوماً بهذا القدر من القلة ومن السيطرة في آن واحد. وهذه
التجمعات تقوم أساساً في مثلث الولايات المتحدة ـ أوربا ـ اليابان،
ونصفها يقوم في الولايات المتحدة... فإن العولمة لا تهدف إلى احتلال
البلدان، بقدر ما تهدف إلى احتلال الأسواق. وإن هاجس هذه السلطة
العصرية، ليس، في الواقع، احتلال الأراضي، كما كان يحدث إبان الفتوحات
الكبرى، بل هو السيطرة على الثروات''.
أما الباحث السويسري ''جان زيغلر''، فله أيضاً ما يقوله بشأن
النظام العالمي الجديد الذي بنته هذه الشركات الكبرى عابرة القارات.
والمعروف أن ''زيغلر'' شغل في السابق منصب مستشار اقتصادي للأمين العام
للأمم المتحدة. وقد قال في مقدمة كتاب له صدر في باريس عام 2007، تحت
عنوان: ''إمبراطورية العار''، ما حرفيته: في إمبراطورية العار، التي
تحكمها سياسة التجويع المنظم، لم تعد الحرب حالةً طارئة، بل هي حالة
دائمة. وهي لا تشكل أزمة وحالةً مَرَضية، بل وضعاً طبيعياً. وهي لم تعد
تُعد تغييباً للعقل، بل هي مسوغ وجود هذه الإمبراطورية تحديداً. فإن
سادة الحرب الاقتصادية قد أخضعوا الأرض كلها لتقسيم مدروس: فهم يهاجمون
السلطة الناظمة للدول، ويشككون في سيادة الشعوب، ويفسدون الديمقراطية،
ويخربون الطبيعة، ويدمرون البشر وحرياتهم. أما مرتكزهم الفلسفي، فهو
تعميم هذا الاقتصاد ودسّ ''اليد الخفيّة'' التي تحرك السوق، فيما
الزيادة القصوى في الأرباح هي قاعدتهم العملية''.
إني أسمّي هذه الفلسفة وهذه الممارسة عنفاً بنيوياً... إن الدَّين
والجوع هما سلاحا التدمير الشامل اللذين يستخدمهما سادة العالم، من أجل
استعباد الشعوب، وسرقة قوّة عملهم، وموادهم الأولى، وأحلامهم... في
العالم اليوم، 192 دولةً، تقوم (122) منها في النصف الجنوبي من الكرة
الأرضية، وإن مجموع ديونها الخارجية (2100) مليار دولار. للدَّين
الخارجي فعل حبل المشنقة... ولمصارف الشمال الدائنة، فعل العَلَق مصّاص
الدماء... والبلد المدين يصاب بفقر الدم. والدَّين يحول دون أي
استثمار اجتماعي معقول، في مشروعات الري والبنى التحتية، من طرق ومدارس
ومستشفيات، وبالطبع، في أي مشروع صناعي. والبلدان الأكثر فقراً يستحيل
عليها تحقيق أي تطور دائم.
إن مذبحة الجوع اليومية تتواصل على نحو عادي وببرود جليدي. فكل خمس
ثوان، يموت جوعاً طفل دون العاشرة، وكل أربع دقائق، يصاب بالعمى طفل،
نتيجة نقص الفيتامين A لديه. في العام 2006، كان ثمة (854) مليون
إنسان ـ أي بنسبة واحد إلى ستة من سكان الأرض ـ يعانون على نحو خطير
ودائم، من سوء التغذية، في حين كانوا عام 2005، (842) مليوناً.
إن تقرير منظمة الغذاء العالمي (FAO) وهو الذي يدلي بهذه الأرقام،
يؤكد أن الزراعة العالمية، في الوضع الراهن لتطور قواها الإنتاجية،
يمكنها أن تغذي (12) مليار إنسان. ونحن اليوم (6.2) مليارات على وجه
الأرض. النتيجة: ليس هناك أي قدر محتوم، وإن كل طفل يموت جوعاً، هو
طفل قُتل قتلاً.
فالنظام العالمي، الاقتصادي والسياسي، الذي بنته الرأسمالية الغربية
النهّابة، ليس قاتلاً فحسب، إنه أيضاً عبثي، إذ هو يَقتل، ولكنه يَقتل
من دون ضرورة. هذا النظام يجب أن يُواجَه بمقاومة جذرية. وكتابي هذا،
يريد أن يكون سلاحاً في سبيل هذه المعركة.
أما الباحثان الأميركيان، فهما أستاذان جامعيان معاصران، وقد أصدرا
كتاباً مشتركاً عام 2007، تحت عنوان:'' اللوبي الإسرائيلي والسياسة
الخارجية الأميركية''. إنهما ''ستيفن والت'' من جامعة هارفارد، و''جون
ميرشايمر''، من جامعة شيكاغو. يقع كتابهما في ترجمته العربية في (693)
صفحة من القطع المتوسط، وهو إدانة منتظمة وموثّقة لجميع المسؤولين في
الإدارات الأميركية من دون استثناء، على اختلاف مراكزهم، من حيث
تبعيتهم المطلقة والعمياء لما بات معروفاً باللوبي الإسرائيلي. حسبي
الاستشهاد بفقرتين من كتابهما، تشيران بكل وضوح إلى حتمية ضغط اللوبي
الإسرائيلي على الإدارة الأميركية.
وإذا ما عدنا إلى كتاب (ديالكتيك التحرر) نجد شرحاً للتجربة التي
قام بها الدكتور ستانلي ملغرام ـ في جامعة بيل الأميركية ـ على البشر،
بهدف الوصول إلى جواب عن السؤال التالي: إلى أي مدى يمكن أن يصل
الإنسان في إيقاعه الأذى بإنسان آخر، لا تربطه به أي رابطة سلبية أو
إيجابية أو حتّى معرفة مسبقة أو حب أو حقد أو مصلحة؟
وقد وصل إلى نتيجة مفادها: (إنّ ثلثي السكان في مجتمعنا المتحضّر
الذي يدّعي الديمقراطية، مستعدّون لتنفيذ أي أمر مهما كان شنيعاً).
وهنا يحضرني اعتراف أحد الضباط الأميركيين الذي أعطى الأوامر بقتل
لواء من جنود عراقيين منسحبين في حرب الخليج 1992، وشارك هو بنفسه في
التنفيذ، حين قال: إنه شعر أن الأمر شبيه بلعبة (الغيم) التي يمارسها
الأولاد على الأتاري.
وفي تقديم كتاب (معذبو الأرض) للكاتب (فرانز فانون) يقول سارتر:
(بما أنه لا يستطيع أحد أن يسلب رزق أخيه الإنسان أو أن يستعبده أو أن
يقتله، إلا ويكون قد اقترف جريمة، فقد أقرّ المستعمِرون المبدأ القائل:
إن المستعمَر ليس شبيهاً بالإنسان، وعُهد إلى قواتنا ـ الأوروبية ـ
بمهمة تحويل هذا اليقين المجرد إلى واقع. ولقد صدر الأمر بخفض سكان
البلاد الملحقة إلى مستوى القرود الراقية من أجل تسويغ أن يعاملهم
المستوطنون معاملة الدواب....) مضيفاً: (إنّ العنف الاستعماري لا يريد
المحافظة على إخضاع هؤلاء البشر المستعبَدين، وإنما يحاول أن يجرّدهم
من إنسانيتهم...). إلى أن يقول: (ولم تكن النظرة العرقية، في البدء،
تجعل الجلادين يُحسّون بأنّهم يُؤذون بشراً، بل هم يُخلّصون البشرية من
أنصاف البشر الضارّين، فالنصف الآخر في كل منهم شرير وحقير وغير إنساني
ومُؤذٍ للإنسانية، أو هم يُروّضون أنصاف البشر هؤلاء، كما يُروضون
الجياد والبغال والحمير، لكي يصبحوا صالحين لخدمة البشر الأسوياء...).
وهو القائل: (ومع ذلك لم يتحقق الهدف في أي مكان، لم يتحقق في
الكونغو، حيث كانوا يقطعون أيدي الزنوج، ولم يتحقق في أنغولا، حيث
كانوا يثقبون شفاه المتذمرين ليقفلوها بأقفال. ولست أدّعي أنه من
المستحيل أن تبدّل إنساناً فتجعله بهيمة، وإنما أقول: إنك لن تصل إلى
ذلك إلا بإضعافه إضعافاً كبيراً... لا بد من المبالغة في التجويع....).
وهكذا فإنهم ينظرون إلى (الشعب الآخر، القومية الأخرى، الدين الآخر...)
على أنهم حيوانات. ومن هذه النظرة الفوقية الاحتقارية للآخرين تتولد
نظرية (الامتياز العرقي، الامتياز القومي، شعب الله المختار...).
ولم يتوقف هذا الأمر لدى أنظمة هذه الدول ''الديمقراطية'' عند تركيع
وتصفية الشعوب الأخرى، بل تعداها إلى القيام بالشيء نفسه بحق شعوب هذه
الأنظمة نفسها.
لقد نشرت الغارديان البريطانية تحقيقاً عن هذا الموضوع ورد فيه:
(إنّ جميع الدول المتقدمة تجري تجارب تحسين النسل على مواطنيها، فمثلاً
منذ عام 1935 حتى عام 1976، هناك أكثر من600 ألف مواطن سويدي جرى
تعقيمهم ''إصابتهم بالعقم المتعمد''، دون أن يعرفوا ما كان يجري لهم،
وهؤلاء هم غير المرغوب فيهم اجتماعياً، إضافة للنساء اللواتي لديهن عدد
كبير من الأولاد ويعشن حياة سيئة، والنساء اللواتي يُحسَبن غير قادرات
على تربية الأولاد، أو غير قادرات على اختيار طريقة صحيحة في الحياة،
إضافة للمشردين والغجر الذين هم ليسوا من العرق السويدي الأصل).
ويضيف ''ويليم بلاف'' في (ملحق نيويورك تايمز) الخاص بالكتب: إن هذه
الإجراءات الهادفة إلى تنقية العرق والتخلص من ـ الدم الفاسد ـ ليست
وقفاً على السويد، بل هي شائعة في الدول الإسكندنافية جميعاً، وفي
سويسرا واليابان وفرنسا، وفي بريطانيا كانت مسألة تحسين النسل إشكالية
مطروحة أيام حرب البوير حتى عام 1950، وظلت بعض الجمعيات الخيرية ترسل
الأطفال الفقراء وغير الشرعيين إلى أستراليا كي يصبحوا خدماً من دون
عقود أو أجور. كما كان وزير المستعمرات البريطانية ''تشرشل'' يرسل
الجنود الأستراليين مع بعض البريطانيين إلى سنغافورة من أجل الحرب،
قائلا: إنه من الممكن التضحية بهم لأنهم ذوو دم فاسد.
وفي أميركا خلال عام 1972 وحده، تم تعقيم 24 ألف إنسان بينهم ثمانية
آلاف امرأة بالقوة، وتصرُّ جمعيات التعقيم الأميركية على ضرورة تعقيم
10 في المائة من السكان لإنقاذ العرق الأبيض. ولم يُلغَ قانون التعقيم
إلا عام 1973. كما لم يتوقف الأمر عند عمليات التعقيم هذه في البلدان
المتقدمة، بل كان يتم التعامل مع بعض الناس مثلما يتم التعامل مع فئران
المخابر وحيوانات التجارب.
يقول المفكر الأميركي فيليب سلاتر: (لدينا نحن ـ الأميركيين ـ ميل
لرؤية غير البيض، والشرقيين بخاصة، على أنهم غير بشر، وفي السنوات
الأخيرة توسعت هذه النظرة لتشمل شعوب الدول الاشتراكية عامة، بحيث إنه
في الوقت الحاضر أصبحت أغلبية سكان الأرض مرشحة للإبادة لسبب أو لآخر).
إنّ المضطهِد يريد أن يجعل من المضطهَد سخرة تمتد من العمل اليدوي
إلى جندي مسلح لخوض الحروب التي يدفعه إليها، وكثيراً ما تكون ضدّ
أبناء قومه أو ضدّ من يشبهونه، ولنتذكر أن الجيش الفرنسي الذي احتل
سورية، مثلاً، قد ضمَّ إلى صفوفه عدداً كبيراً من السنغاليين والجنود
المغاربة العرب الذين وظّفوا ضد الشعب السوري، كما هي عليه الحال الآن،
عندما يُسَخّر أولئك العرب من جنسيات مختلفة تحت راية الجهاد لعبور
الأراضي السورية والقتال فيها ضد الشعب والجيش العربي السوري، أو عندما
تُسَخَّر بعض الفئات الضالّة من السوريين أنفسهم لقتل أبناء وطنهم تحت
الذريعة نفسها، أو حين توظّف قنوات الإعلام المعدّة مسبقاً والناطقة
بالعربية لسفك الدم السوري من أجل تحقيق أهداف صهيو ـ أميركية.
إن الإنسان الغربي (أو الجماعة البشرية الغربية) تعتبر وفق ما سبق
كنايةً عن ''شعب العقل المختار''، وهذه الصيغة هي الصيغة البديلة عن
نظرية التميز العرقي، وهي الكفيلة باستمرار التمييز العنصري، فهي تنعتق
نظرياً من الأعباء الأخلاقية والسياسية التي باتت تثقل نظرية التفوق
العرقي والداروينية الاجتماعية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية
الثانية، وتحافظ في الوقت ذاته على جوهر ومفاعيل فكرة التمييز العنصري.
وكما منح ''يهوه'' أتباعه مزايا استثنائية فيما يتعلق بالتعامل مع سائر
شعوب الأرض، فإن ''العقل المؤلّه'' يمنح شعبه المختار مجموعة من
المزايا التي لا تقل غرابة وقبحاً، وهو حاضر (أو مُستحضر) ليمنح
الغفران على جرائم القتل ونهب الثروات والحروب العالمية واستخدام
الأسلحة النووية وذبح إنسان العالم الثالث ما دام كل ذلك يتم تحت شعار
نشر الحضارة، ومضامينها الشكلانية في ''الديمقراطية والليبرالية وحقوق
الإنسان''.
وتتجسد هذه الفكرة أكثر ما يكون في قصة ومسيرة الغرب الاستعماري مع
العرب، فالملايين العربية هنا ليست إلا سوقاً استهلاكية لتصريف المنتج
الغرائزي الغربي وهي مجرد كائنات بشرية ولا تملك من ثروتها حق
الاستثمار ولا تملك من أمرها حق البناء، والعرب بأرضهم وما فوقها وما
في باطنها إنما هم مجموعات متناقضة مقتتلة لا تجيد التآلف فيما بينها
ولذا فإن الحجز بين جيوشها العنترية وحكامها ''المشايخ'' هو من مهمة
الغرب وإذا ما كانت هناك تعديلات في هذه النظرة فلا يتعدى ذلك الشكل
ولا يصل ذلك إلى المضمون، أركب أيها العربي أحدث موديلات السيارات أو
أركب ناقة هرمة فأنت كما أنت متخلف في نظرهم عابر سبيل ولا تجيد سوى
الاستمتاع بالغرائز، أسكن قصراً منيفاً مجهزاً بتكنولوجيا الغرب فوق
الماء أو تحت الماء فأنت في نظر الغرب مجرد ساكن منفتح الشهوة والشهية،
مغلق الفكر والتفكير وهناك من يحميك في كل العصور ويأتي في هذا الزمن
من الغرب بأساطيله وطائراته وبوسائل اتصالاته ليمارس هذا الدور في
حمايتك، أما أنت أيها العربي الشيخ، كن أميراً أو كن وزيراً أو كن
ملكاً أو كن رئيساً (مودرن) فاقعد واستمتع فأنت الطاعم الكاسي كما قال
جرير الشاعر ذات مرة.
ونسارع لالتقاط اللوثة الثانية في مسيرة الغرب الاستعماري وهي
القائمة على فكرة الاستخدام للبشر وأداء الخدمات للمركز الغربي، وهذه
فكرة دائمة الحضور عبر النهب الاستعماري للثروة وعبر نزعة التبذير التي
صارت غريزة عند الأثرياء العرب، وهذه النزعة في الاستخدام العربي تملك
خاصية التجدد وتتحول مع الريح وتندفع حسب الحاجة الغربية، فإذا ما أخذت
هذه النزعة شكل الاقتتال بين العرب حتى ولو كان هذا الاقتتال على منطقة
محايدة في الصحراء أو على قرية مثل حلايب أو على صخرة مثل (فيشت
الديبل) والتي أرخت لصراع دموي انفجرت فيه النخوة فإذا العقال العربي
والكوفية العربية تلقى في الأرض وقد هاجت النفوس ودبت همجية قتل الشقيق
في كل مفاصل هذه العائلات والمشايخ والممالك المصطنعة، وهؤلاء الأشاوس
الأعراب باعوا النفط والسواحل وعلى البيعة المقدسات الإسلامية وتراث
العرب وذاكرتهم بحفنة من الدولارات وبمصاغات هي من نوع الاكسسوار
وبزجاجة ويسكي معتق وبقدر بخس رخص لغانيه سمراء أو شقراء قادمة من بلاد
(النور والجمال).
وتحركت هذه الوظيفة لتتأكد بعد ذلك في دور الإدارات العربية لكي
تؤمن للكيان الإسرائيلي عوامل وجوده وأسلحة عدوانه ولتنشر تيارات
عقائدية تبشر بالزمن اليهودي في المضمون والزمن العربي عبر العباءات،
ولكي تتوضح هذه اللوثة كان لابد أن يمر الطريق إلى واشنطن وباريس ولندن
عبر الكيان الإسرائيلي عبر تل أبيب العاصمة السياسية وعبر النظرة للقدس
على أنها مجرد شبح من ذكريات عفا عليها الزمن وقد آن الأوان ليعترف
(الشيوخ العرب) بأن فلسطين كل فلسطين هي مقر ومستقر لليهود، وأخذ
الأعراب دوراً وقطعوا شأواً وأعجبتهم اللعبة وهاهم اليوم حطوا الرحال
لكي يتحشدوا في المهمة الجديدة عبر إسقاط سورية الوطن والشعب والدور
والنظام السياسي، هاهم المشايخ الأعراب قد أفصحوا عن نزعتهم الخبيثة
بلا تردد وبفجاجة وصلت إلى حد الوقاحة وصدق قول الله فيهم إنهم يقولون
بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، إنه الدور وقد زين الغرب للأتباع في
المنطقة أنهم الحكام الجدد والزعماء الذين لا يدانيهم أحد في الفهم
والذبح والتعدي على الحرمات، وفهم هؤلاء الأعراب بخبثهم الفطري أنه لكي
تنبعث إسرائيل لابد أن تسقط سورية، وماذا في ذلك عندهم، فلتذبح سورية
ولتدمر مسيرتها مادام الذبح والتدمير يلبي الأمر القادم من وراء
المحيطات ومادامت إسرائيل تمتلك من خلال الذبح والتدمير العربي عوامل
مضافة لكي تشعر بالأمان وهي تدمر وتذبح هناك في فلسطين، وتبقى القضية
الجوهرية هي خصائص الغرب فيما انطلق منه من أحقاد ونهم بالاستغلال
وشعور بالتفوق والنظرة لسورية الآن على أنها الموقع الذي يجب أن يزال
لكي تمر المؤامرة الكبرى.
لهذا بمقدوري القول إن تاريخ العلاقة ما بين الغرب والعرب تحديداً
هو تاريخ من العداء الطويل، والاستلاب، والمشاريع الاستعمارية العسكرية
منها وغير العسكرية منذ ألف سنة وحتى يوم الناس هذا، وربما إلى ما شاء
الله من أزمنة قادمات، والكلام نفسه يقال أيضاً حين نتحدّث عن علاقة
الغرب بالأفارقة والآسيويين وأهل أمريكا الجنوبيّة... لأن أذيات الغرب
ومنذ ألف سنة وأزيد متواصلة ضد شعوب العالم وبلدانه، وليس من يد سوداء
سوى اليد الغربية الآثمة التي استعبدت الأفارقة، ومحقت حضارة (الأنكا)
والهنود الحمر...
هنا أخصّ الحديث بـ نابليون بونابرت لأقول إن أول وعد أطلقه ساسة
الغرب من أجل إسكان اليهود في فلسطين بالقوة الباطشة.. كان وعداً من
نابليون بونابرت، والقوة الباطشة هنا تعني اقتلاع أهل فلسطين من
أراضيهم وبيوتهم وقراهم ومدنهم عنوةً، وإسكان اليهود في أمكنتهم، كي
ينهبوا خيرات حقولهم، ويمشوا في ظلال زيتونهم وبرتقالهم، ويناموا في
فرشهم، ويجولوا في الدروب التي مشاها سيدنا المسيح عليه السلام... وهم
من صلبه!. ذلك الوعد النابليوني لم يكن سوى بداية دغدغة للأحلام
اليهودية، لأن وعوداً كثيرة أطلقها الغربيون طوال عهودهم السياسيّة
المترادفة من أجل كسب رضا اليهود، لكن الأدبيات السياسيّة الغربيّة...
أغفلت الكثير منها كي لا يبدو الاحتشاد الغربي وراء هذه المسألة كبيراً
وفجّاً على هذا النحو المأساوي الكريه، فالوعود الغربيّة بعودة اليهود
إلى فلسطين محتشدة داخل أشعار شعرائهم، وداخل مدوّناتهم الروائيّة، وفي
وثائقهم السياسيّة.
نابليون بونابرت أطلق وعده لليهود عندما حالت أسوار عكا بينه وبين
اقتراف مذبحة فلسطين كبرى بسبب الحقد والغضب اللذين تملكاه، لأنه لم
يكن يتوقع بأن مدينة صغيرة مثل مدينة عكا ستوقف طموحاته وتعيده مهزوماً
إلى بلاد الغال، أما الوعد ففحواه نداء مجروح في كبريائه، يقول:
''من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية
الفرنسيّة في إفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين، أيها
الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن
تسلبه نسبه ووجوده القومي، وإن كانت قد سلبته أرض الأجداد فقط، إن
مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين، وإن لم تكن لهم مقدرة الأنبياء
مثل إشعياء، قد أدركوا ما تنبّأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع أن عبيد الله
سيعودون إلى صهيون وهم ينشدون، وسوف تعمّهم السعادة حين يستعيدون
مملكتهم دون خوف.
انهضوا بقوة أيها المشردون في التيه. إن أمامكم حرباً مهولة يخوضها
شعبكم بعد أن اعتبر أعداؤه أن أرضه التي ورثها عن الأجداد غنيمة تقسّم
بينهم حسب أهوائهم... لا بدّ من نسيان ذلك العار الذي أوقعكم تحت نير
العبودية، وذلك الخزي الذي شلّ إرادتكم لألفي سنة. إن الظروف لم تكن
تسمح بإعلان مطالبكم أو التعبير عنها، بل إن هذه الظروف أرغمتكم بالقسر
على التخلي عن حقكم، ولهذا فإن فرنسا تقدّم لكم يدها الآن حاملة إرث
إسرائيل، وهي تفعل ذلك في هذا الوقت بالذات، وبالرغم من شواهد اليأس
والعجز. إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهيّة به، ويمشي بالنصر
أمامه وبالعدل وراءه، قد اختار القدس مقراً لقيادته، وخلال بضعة أيام
سينتقل إلى دمشق المجاورة التي استهانت طويلاً بمدينة داوود وأذلتها.
يا ورثة فلسطين الشرعيين إن الأمة الفرنسية التي لا تتاجر بالرجال
والأوطان كما فعل غيرها، تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل
الدخلاء. انهضوا واظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تخمد شجاعة أحفاد
هؤلاء الأبطال الذين كان تحالفهم الأخوي شرفاً لأسبارطة وروما، وأن
معاملة العبيد التي طالت ألفي سنة لم تفلح في قتل هذه الشجاعة.
سارعوا، إن هذه هي اللحظة المناسبة، التي قد لا تتكرّر لآلاف السنين
للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم بتلك الحقوق التي
سُلبت منكم لآلاف السنين وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم
الطبيعي المطلق في عبادة إلهكم يهواه طبقاً لعقيدتكم، وافعلوا ذلك في
العلن، وافعلوه إلى الأبد".
ذلك هو وعد نابليون لليهود، وفيه استعلاء استعماري بأنه قادم بجيشه
إلى القدس والشام، لكن عكا بصمودها ذوّبت هذا الاستعلاء وطحنته، وفيه
أيضاً محاولة للتمسّح بقداسة المعتقدات... تماماً مثلما نسمع اليوم ما
يقوله قادة الغرب، وعلى رأسهم الأمريكان، بأن بقاء (إسرائيل) وحمايتها
حق مقدّس، من دون النظر إلى ما حلّ بالفلسطينيين من إذلال ومهانة
وتشريد، وهم صناّع الحضارتين في البر والبحر...
وبهذا فإن تاريخ الكراهية والعداء الغربي لنا لم يتغيّر... لأن
الكراهية هي الكراهية ولأن العداء هو العداء، لذلك ولأنهم يمشون في
مسار عدائي واحد... علينا نحن العرب أن نمشي في الطريق الذي مشته عكا،
أعني طريق المواجهة... حتى ولو كان في الضفة الأخرى نابليون... نابليون
بونابرت.
إن التمييز العنصري في السلوك السياسي والاجتماعي الغربي ظاهرة
متجذرة تستند إلى بنية متشعبة من المصالح المادية والأنماط الاستهلاكية
والأطر النظرية، وما دام الغرب لا يزال يعتبر نفسه مرجعاً معيارياً
لقيم الحق والخير والجمال، فإن العنصرية الغربية ستستمر بصيغ وتجليات
متنوعة، وستعبر عن نفسها بكم متزايد من الاضطهاد والاقصاء والتهميش
لشعوب العالم الأخرى.
هل كل ذلك يحتاج إلى مزيد أو إلى تعليق؟ بلى، تعليقي الوحيد هو:
أيها العميان أو المتعامون، من زعماء عرب أو أناس عاديين، إن كنتم قد
نسيتم أو تناسيتم المحرقة الفلسطينية المروّعة، التي تتواصل من دون
هوادة منذ مائة عام تقريباً، بدعم مطلق من الغرب المستعبَد للصهيونية،
أفما ترون أن العراق وليبيا، وقبلهما لبنان، ومن ثم أفغانستان وباكستان
والصومال و… و… هو ما ستنتهون إليه بدوركم، إذا ما أخذكم الغرب في
شباكه؟
هامش:
في 15 ـ 10 ـ 2002 كتب ''رونالد اسموس'' و''كينث بولاك'' (محافظون
جدد) في مقالة بعنوان ''دمقرطه الشرق الأوسط'': لقد أدى الفشل الذي
أصاب الأنظمة العربية إلى نشوء أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية،
ونشوء أنظمة و أفكار مازالت تؤمن بالعنف ضد إسرائيل، لذلك يجب أن نعتمد
على استراتيجية حازمة قادرة على تغيير المنطقة وإيجاد أنظمة أكثر
اندماجاً وأقل تكلفة، والترويج لأشكال جديدة من الديمقراطية ـ على
طريقه ''برنارلويس'' وذلك بدمج ملايين العرب والمسلمين في العالم
المعولم... إستراتيجيتنا القادمة يجب أن تعي خوض معركة العقول والقلوب،
وهي المعركة التي لا يمكن فرضها من الخارج إنها معركة الداخل ـ مرة
أخرى ـ معركة العقول والقلوب. |