أسس صحيحة للنظام إلاقتصادي عالمي

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: عولمة الاسلام سبقت عولمة الغرب بكثير، هذا أمر يعترف به الجميع، حيث تمكنت مبادئ الاسلام أن تساوي بين الجميع وتتيح الحرية للجميع، وتنقل الانسان من حالة الجهل والغيبوبة في توافه الحياة، الى الوعي والقدرة على الابتكار والانتاج الافضل، حتى غدت العلوم متاحة للجميع، فأخذها الغرب عن طريق التراجم ووظفها لصالح نفسه، لكن تبقى مشكلة الغرب واضحة وعميقة، كونه يعتمد في عولمته الرؤية المادية الصرفة، على العكس من الاسلام الذي يعطي للجانب الروحي والمعنوي حيز كبير من اجل بناء المجتمع السليم.

عولمة الغرب المادية

ان العولمة الغربية تستمد وجودها واستمرارها من الماديات، وتتنكر للروحانيات بصورة شبه تامة، وهذا مأزق كبير تعاني منه العولمة الغربية الآن، لا سيما في الجانب الاقتصادي، حيث الوفرة المالية عالميا تنحصر في ايدي شركات او افراد لا يشكلون سوى نسبة قليلة من سكان الارض، في حين يرزح ملايين البشر تحت وطأة الفقر والجوع والحرمان، بسبب الجشع والاحتكار والنزعة المادية التي تهيمن على معظم الانشطة الاقتصادية في عموم عالم اليوم.

يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: العولمة): إن (الغرب ـ عادة ـ ينظر إلى الأشياء كلها من الجانب المادي فقط كما إنه لا يهتم بالإنسان كمحور في هذا الكون، ولذلك جاءت عولمته التي طرح فكرتها وحاول تطبيق نظريتها في العالم خالية من المعنويات، ومن الاهتمام بالإنسان، وإنما تتمحور عولمته حول الاقتصاد والماديات، وترى التنمية والنمو الاقتصادي للبعض فقط هو كل شيء حتى وإن كان ذلك على حساب سعادة الإنسان بل وحياته أيضاً، فكانت عولمته ناقصة، فيها النمو والازدهار الاقتصادي في الجملة للبعض على حساب الآخرين، وليس فيها العدل والأخلاق في الجانب الإنساني).

وهكذا بات العالم اجمع مهددا بالعولمة المادية -اذا صح التعبير- خاصة ان الاستحواذ على مقدرات العالم لا تزال تنحصر بأيدي الأقلية، التي توظف الاحتكار من اجل تحقيق اهداف متعددة المسارات، منها وأهمها الاهداف السياسية، ثم صنع النموذج العربي وتعميمه على الجميع، ولعل أسوأ ما يمكن أن يتمخض عن حصر الثروات بأيدي الاقلية، يتمثل بانتشار المجاعات والتخلف والجهل والمرض، كما يحدث اليوم في أمكنة كثيرة من العالم، منها ما يحدث لسكان القرن الافريقي، والمجاعة المستمرة، والسبب الذي يتقدم الاسباب الاخرى دائما، هو النزعة المادية التي يتعامل بها المحتكرون العالميون في ادارة الاقتصاد العالمي، فيتم سحق القراء أكثر فأكثر، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي: (وعلى أثر ذلك نتج الفقر والحرمان، والجهل والمرض، والحرب والدمار، وملايين الجائعين، وملايين المرضى، وملايين الأميين، وملايين المعوّقين، وملايين المشرّدين والمهجّرين، وما إلى ذلك من المآسي والويلات المترتبة على مادية الغرب ومادية عولمته).

مزايا العولمة الاسلامية

من أهم مرتكزات العولمة الاسلامية انها لا تضع المادية أساسا لنشاطها، بل دائما يغلب عليها الجانب الروحي الانساني، فتقف بذلك الى جانب الانسان قبل الربحية، بمعنى هناك موازنة بين انسانية الفرد وبين حاجاته المادية، لذا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (بينما عولمة الإسلام تكون ناظرة إلى الجانب الروحي والمادي معاً، ومراعية للمعنويات أيضاً، ومهتمة بالإنسان كمحور أساسي، وقد جاءت كاملة شاملة تجمع بين النمو والازدهار الاقتصادي، وبين العدل والأخلاق في الجانب الإنساني، فهي وحدها الصالحة لإصلاح العالم ولإسعاد العالمين، لأنها تجمع بين النمو والازدهار، والعدل والأخلاق).

ومن أهم ميزات العولمة الإسلامية، كما نقرأ ذلك في كتاب (الفقه العولمة) للامام الشيرازي في مختلف الأصعدة والعديد من المجالات هي: (الإطار النظري: إن المفهوم الديني أو الوازع الإسلامي الإلهي، يهذب النفوس، ويطبع على القلوب محبة الآخرين، وإيصال النفع إليهم، ودفع الضرر والشر عنهم، لأن الإسلام دين سماوي جاء ليرسم سعادة الإنسان، وليس موضوعاً من الموضوعات البشرية. الإطار التطبيقي: من المؤكد واليقين أن العولمة الإسلامية قادرة على رفاهية وإرغاد حياة البشر، وإسعاد بني الإنسان دنياً وآخرة، فالعولمة الإسلامية هي وحدها من بين الجميع، الجامعة للنمو والازدهار، والعدل والأخلاق للبشرية جمعاء، وتاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام أمير المؤمنين عليه السلام، خير شاهد على ذلك. والإطار الاقتصادي والمعنوي والأخلاقي: إن عدم الاحتكار هو ميزة جوهرية للاقتصاد الإسلامي، وكذلك خضوع النظام الاقتصادي وتأطير العمل التجاري في الإسلام لأحكام الدين وقوانين الشرع الحنيف، وعليه فإن العولمة الاقتصادية الإسلامية حملت بين جوانحها كل مقوّمات الحضارة والسعادة والتقدم والرقي والازدهار والتطور، ونفي الفقر والحرمان، فهي تشتمل على الحكومة الشرعية والاقتصاد الأمين، والقوانين المالية العادلة، والوحدة العالمية بكل أبعادها الحضارية مضافاً إلى الآداب الإنسانية الراقية، والقواعد الأخلاقية التقدمية).

أسس الاقتصاد المتطور

لذلك نرى أن سماحة الإمام الشيرازي رحمه الله يؤكد على حتمية إرساء أسس لنظام اقتصادي عولمي إسلامي متطور، غايته الرفاهية والازدهار للمسلمين وهدفه العدل والأخلاق، فيحددها سماحته بالأسس التالية: (اولا: طرح أصول الاقتصاد الإسلامي المستنبط من القرآن والسنة النبوية الشريفة، ودعوة كل اقتصاديي العالم إلى مدارسته ومذاكرته، وإيجاد أفضل الطرق إلى تطبيقه وتنفيذه، وعليه فإن الاقتصاد الإسلامي قد أثبت جدارته في إنقاذ البشرية من الفقر، وإرغاد العيش للجميع، وهو اليوم قادر على تحقيق أمنيات الناس في الحياة لأنه قانون السماء الذي جاء به الوحي لإنقاذ أهل الأرض. ثانيا: لابد من وجود مركز إسلامي اقتصادي عالمي، يقوم بتقييم السبل التطبيقية واقتراح السياسات الاقتصادية الإسلامية، ويسعى هذا المركز على تحجيم وتحديد الاختلافات الموجودة، ويضم هذا المركز العديد من خبراء الاقتصاد الإسلاميين للتفكير في الأساليب والسياسات الاقتصادية الإسلامية في ظل المتغيرات الدولية والعالمية. ثالثا: العمل الجاد على تعديل السياسات المالية والنقدية والمصرفية التي تخالف القوانين والسياسات الإسلامية وجعلها تتوافق مع الاقتصاد الإسلامي القويم، وكذلك تحرير المبادلات التجارية من كل القيود والمضايقات، مثل انتقال عناصر الإنتاج والمنتجات والأشخاص، ورأس المال المؤطر بإطار الاقتصاد الإسلامي فيما بين البلدان الإسلامية، فلا جمارك ولا ضرائب، بالإضافة إلى حرية الملكية الشخصية وحرية جميع أنواع الكسب والتجارة في إطارها الإسلامي الصحيح. رابعا: التأكيد على قيام سوق إسلامية مشتركة لرأس المال وحركته على مستوى البلدان ووضع إطار تطبيقي يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة في الأسواق العالمية للاقتصاد، والارتقاء بالقدرات البشرية والإمكانات التقنية، وذلك على مستوى البلدان الإسلامية. خامسا: العمل على استشراف آفاق المستقبل، ورسم صورة مستقبلية لموقع البلدان الإسلامية في الخريطة الاقتصادية الدولية، وتحديد مفهوم معين للأمن الاقتصادي الإسلامي، والعمل الجاد على الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في البلدان الإسلامية، ووضع أسس لبناء القدرة التنافسية، علماً بأن التنافس التجاري والصناعي يعد كما هو معلوم من أهم عناصر التنمية الشاملة في البلدان الإسلامية، كما يلزم السعي للاستفادة من التجارب الاقتصادية العالمية في مجابهة العولمة، فإن العولمة الإسلامية هدفها ومحورها رفاهية وإسعاد حياة البشر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/أيلول/2012 - 7/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م