المسلسلات التركية... ثقافة متضاربة

عصام حاكم

 

شبكة النبأ: أيسر في ريعان الصبا والشباب ألا ان اهتماماته الرياضية هي التي مكنته من اخذ زمام المبادرة ليبتاع التجهيزات الرياضية على الفرق الشعبية في محل سكناه، وله اهتمامات أخرى قد تتركز على متابعة القنوات الفضائية وما يستجد فيها من برامج ومسلسلات عربية وأجنبية وتركية وهذا هو محل الشاهد وبيت القصيد فيما لو اعتبرنا حضور المسلسلات التركية أمر واقع وأنها تهدف لرسم البهجة على وجوه المشاهدين ومعالجة القضايا الاجتماعية المهمة.

ويقول أيسر في هذا الشأن ان ذلك لم يتحقق بيسر وسلاسة ما لم نقدم الكثير من التضحيات المجانية على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي والأمني. حتى يكتمل حينذاك مشوار متابعتنا للمسلسلات المدبلجة ذات الهوية التركية خصوصا وان شركات الانتاج الفني تلك لها استراتيجيات متقدمة الى جانب مفهومها الفني والدرامي وهذا ما لمسناه تلقائيا من خلال متابعتنا اليومية لبعض تفاصيل تلك المسلسلات خصوصا وأنها تجري مسح ميداني للمناظر الخلابة والأجواء الساحرة التي تتمتع بها الجارة تركيا وهي تهدف من خلال ذلك الى سرقة روح ونظر المشاهد وتدعوه للسافر أليها وإنعاش اقتصادها.

ويضيف أيسر : الغريب في الأمر ان كل تلك الرسائل والحملات الدعائية مدفوعة الثمن بطريقة عكسية بفعل الاستهلاك الطائش لكل ما هو مستورد واجنبي غير ان ذلك لا يلغي الأضرار الأخرى التي تشتمل عليها تلك المسلسلات وهي اخطر وأعظم من الخطر الاقتصادي لاسيما عندما تتسلل تلك المشاهد اللاخلاقية وتصبح جزء لا يتجزءا من واقعنا الاجتماعي.

ليلى الملقبة نينا تصف واقع المسلسلات التركية المدبلجة التي تعرضها القنوات الفضائية العربية المختلفة بأنها ذات أسلوب رخيص وتعتمد على إثارة النزوات العاطفية والجنسية بل ربما هي تستثير الشذوذ الجنسي المنحرف في نفوس الشباب، وتؤكد نينا هذا المعنى من خلال متابعتها لبعض مشاهد المسلسل التركي الذي يحمل اسم(العشق الممنوع) وان تفاصيل ذلك العمل الدرامي تتشكل من خلال علاقة تقيمها زوجة العم مع ابن اخ زوجها.

وتضيف: تصور اي انحطاط اكبر من هذا الانحطاط خصوصا عندما تأتيك تلك الثقافة من بلد وشعب مسلم مثل تركيا فان الجريمة تكاد ان تكون مركبه لأنها تستغل فيك عامل القرب الديني والجغرافي وما الى ذلك لتمرر مأربها الخبيثة في إفساد الأجيال القادمة وحثهم على انتهاج ذلك الأسلوب المسخ. وتسترسل بالقول ألا أنني كنت على الدوام من المعترضين على متابعة مثل هكذا مسلسلات رغم كبر سني وهي داء وخيم ومعدي لا تحمد عواقبه في المستقبل.

رغم كل تلك الاعتراضات إلا ان ما يتم عرضه ألان من مسلسلات تركية مدبلجة يكاد ان يكتسح الساحة الفضائية العربية مقابل انحسار ملحوظ في عدد المتابعين للمسلسلات العربية ولأسباب يفسرها بعض المختصين بأنها ردة فعل طبيعية تدخل فيها حالة الانبهار بالثقافة الغربية وما تتضمنه المشاهد من تدرج طبيعي بالإحداث وفوق هذا وذاك هناك مؤثرات بصرية وصوتيه لها القدرة على استمالة المشاهد العربي المأسور بالجسد الأنثوي وما تفرزه من أثارات جنسية وغريزية.

جليل الكردي من جهته يصف نسبة مشاهدي المسلسلات التركية المدبلجة في تزايد مستمر وأنها لا تختص بأعمار محددة او جنس معين بل كل الأعمار تقريبا وكلا الجنسين على حد سواء، وهذا ليس اجتهادا شخصيا بل هو نتاج متابعتي اليومية لعدد الحاضرين للمقهى التابع لي وفي أوقات محدده يتم فيها عرض إحدى المسلسلات التركية وهذا احسبه انتصار حقيقي للدراما التركية لأنها استطاعت ان تستحوذ على اهتمام المشاهد العربي من خلال ما تطرحه من أفكار اقل ما يقال عنها بأنها قريبه من الواقع بنسب متفاوتة، إلا أنها في المحصلة تحرك فينا روح الإثارة والشد من خلال تسلسل الإحداث والطبيعة الخلابة لذلك البلد.

 ويضيف الكردي: ان مسلسل وادي الذئاب الذي شكل حضورا طيبا للفنان التركي صاحب شخصية مراد علم دار ومن معه حيث كان هناك تفاعل كبير مع ما يعرضه وهو يعالج قضية سياسية بأسلوب بوليسي شيق، رغم علمنا الأكيد بان الأحداث كلها مفبركة ولا تمس الواقع من قريب او بعيد الا في بعض التفاصيل الصغيرة، الا ان منتجي ذلك العمل والأعمال الأخرى كانوا حذرين جدا في التعاطي مع النفسية العربية وتحريك من يمكن تحريكه.

أراء أخرى

 راجح الكعبي حاصل على شهادة الماجستير في العلوم الإنسانية وهو غير متيقن من سلامة تفكير أولئك الذين يمدحون الدراما التركية كونها تمثل باعتقاده مخبئ للأمراض المسرطنه أخلاقيا ونفسيا، ولولا وجود تلك المسلسلات لما شهدنا أحداث تلك الكارثة الإنسانية ففي أحدى محافظات وسط العراق أقدم طفل على شنق ابن عمه ليتصور حينذاك بعض حيثيات مسلسل وادي الذئاب التركي.

ويضيف الكعبي: ان ما يزيد الطين بله ان يتحول ذلك المسلسل البوليسي من الواقع الافتراضي الى الواقع العملي خصوصا وان المجاميع الإرهابية في العراق تتفاعل بشكل ايجابي مع هكذا ثقافة تبيح لها استلاب أرواح الناس بدم بارد، والى جانب كل تلك الماسي فان هناك ثقافة يتعين علينا ان لا نمر عليها مرور الكرام ألا وهي التحلل الأخلاقي وان مضمون وفكرة التحلل هي نتاج ممارسات مشبوهة نمر بها وقد تتحقق أثناء او من خلال ما ترسمه تلك المسلسلات من أحداث قائمة على شحن الطاقات الجسدية والجنسية عند كلا الجنسيين.

 الاستاذ خالد العرداوي مدير وحدة البحوث في جامعة بابل هو الأخر لا يستبعد حالة التماثل الاجتماعي بين من تفرضه الدراما التلفزيونية من أحداث ليكون نسخه طبق الأصل على الواقع.

 ومن الجديد بالاهتمام في مثل تلك الحالة ان نعرج على بعض تفاصيل تلك القصص وما يجري على الواقع ألان وان من بين تلك الصور ان ينقل لك بان فلان او فلان ارتبط بعلاقة مع محارمه وهذا سلوك مشين في الأعراف العربية والإسلامية الا ان واقع الأحداث الحياتية يرصد مثل هكذا تصرفات. ويضيف العرداوي: ومن خلال ذلك نجد أنفسنا مضطرين الى بعثرة الأوراق من جديد لعلنا نجد ضالتنا المنشودة كي لا تتكرر تلك التجربة لما لها من أثار إنسانية واجتماعية خطيرة تهدد كيان الأسرة والمجتمع في ان واحد. وعند ذاك لابد ان نعترف بان قنوات الحوار لا زالت قائمة ومفتوحة بين الطرفين المؤيد منهم والرافض لوجود المسلسلات التركية خصوصا وأنها تحمل عناوين مشتركة بين متعة المشاهدة والتضاد الثقافي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/أيلول/2012 - 3/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م