احلام اليقظة عند العراقيات تختلف باختلاف يومياتها

بقلم: انتصار السعداوي

 

شبكة النبأ: "يخرج زوجي واولادي الاثنين الى محلهم الواقع في شارع الصناعة ويتركوني وحيدة في البيت اصارع قلقي وكوابيس يقظتي من شدة الخوف عليهم. وبين الفينة والأخرى يخترق سمعي صراخ النساء المفجوعات وعويلها في محلتنا على جثمان ضحية من ضحايا الاحتقان الطائفي الذي اشتد عام 2007 والمغطاة بالعلم العراقي دليل على ان المصيبة لا تستثني احدا من العراقيين. احتفظ بهذه الصورة كل يوم في ذاكرتي واعيشها احيانا في احلام يقظتي وينتابني الخوف والفزع واهرع الى باب الدار مرتجفة وافتح الباب فلا اجد شيئا. وأحيانا اخرى استمر في حلمي واستلم جنازة ابني وانكب عليها مقطعة ثيابي وشعري واشرع بالبكاء والحزن حتى يتعب جسدي وفكري وتبلل الدموع ثيابي قبل ان اصحو من حلمي هذا الذي يراودني في اليقظة.. وقد تراودني احلام الفرح والمستقبل الزاهر ولكن قلقي يوجه احلامي رغما عني". كان هذا حلم العراقية ام وسام (55 سنة) من حي الجهاد في بغداد.

ادمان

وهكذا هي احلام اليقظة عند العراقيات تراود النساء الطبيعيات كل يوم او اكثر من مره في اليوم وان اختلفت فأنها نختلف في نوع الاحلام وخلفيتها وشدتها على المراة وتاريخها وقد اثبتت دراسة نفسية اجريت مؤخرا من عيادة العلاقات الاسرية ونشرت في منتديات البرمجة اللغوية العصبية في مصر بان النساء تصرف اكثر من 10 % من وقتها في تلك الاحلام عندما تريد ان تحل مشكله او عندما تكون وحدها او تسير في الشارع او تمارس عملا يوميا كممارسة الطبخ او الجلوس في الحافلة او البقاء في الحمام او اداء الاعمال المنزلية خاصة تلك التي تتطلب الهدوء.

الى ذلك تختلف احلام اليقظة عند العراقيات باختلاف يومياتها وأوجاعها وبمقدار الظلم والكبت الواقع عليها، حيث ادمنت الشابة (نور محمود) ذات الخامسة وعشرين عاما احلام اليقظة مذ كانت في السابعة عشر من عمرها.. وقالت: "كنت ابذل قصارى جهدي للحصول على معدل جيد للدخول الى كلية محترمة وفي احلام يقظتي كنت انجح في امتحان البكلوريا وافرح كثيرا وابكي من الفرح وأمي تنثر الحلوى على الجيران وتستمر احلام يقظتي في الذهاب الى كليه ممتازة كان تكون في مكان بعيد عن الاهل وفي الكلية اتعرف على شاب وسيم وانيق، يصارحني بمشاعره، نتفاهم ونتفق على الزواج نخرج معا ويغازلني واخجل، واقرا رسائله الغرامية المشبعة بالعاطفة والشوق حد الجنون ويغار عندما يراني اتكلم مع زميل آخر..".

وتتابع، "كنا نتخاصم ونفترق وابكي بحرقة لفراقه وهكذا الى ان اكتشف ان دموعي قد بللت وجنتي.. واعود لكتابي وعملي مره اخرى. وفي الكلية انتظرت فارس الاحلام طويلا في احلام اليقظة او الغفلة او النوم ولم يأتي ولأسباب كثيره منها انه لم يأتيني رجل بحجم احلام يقظتي".

وتختتم، "بعد التخرج تحولت احلام اليقظة عندي باثر رجعي صرت استرجع دراسة السنوات الاربع واحلم بما كان يجب ان يكون والحديث الذي يجب ان يدور بيني وبين الطلبة والطالبات والاساتذه.. ولكن (لات حين مندم).. تزوجت زواجا تقليديا وسلمت امري للهزيمة. والى الان لم احصل على عمل ولم انجب الاطفال وصرت احلم بالوظيفة والأطفال حين يصرخون في الليل واصحوا لرعايتهم وينزعج زوجي من الصوت.. واحلم كيف سيمرضون واقلق عليهم حد البكاء الشديد. احلام كثيرة تنتهي ببكاء شديد او فرح كبير او وجع ذهني او ندم اوحسره.. يقال انها احلام اليقظة ولا اعرف كيف اتخلص منها".

هموم المرأة العاملة

وتختلف هموم سهيلة شمخي /40 سنه/موظفة، حين سالتها ماذا تشاهد في احلام اليقظة؟ قالت ساخرة: لا ادري ان كنت تسميها احلام يقظة؟ وانا ام لأربعة اولاد كبروا بدون اخت لهم او زوج يساعدني لانه عسكري واغلب وقته في العمل، وحين يأتي المساء وأنا مرهقة متعبة احلم ان اقوم الى المطبخ فأجده نظيفا واحلم بقدر على النار يغلي وبخاره يتصاعد وكثير ما احلم اني جالسة امام التلفزيون مثلا وتأتيني صينية طعام كامله وليس فيها نقص او يأتيني قدح ماء بارد مع استكان شاي دون ان اطلب!

وتتابع، ولا اريد ان انظر الى الغسالة فأرى عليها اكوام الملابس الوسخة بل انتظر منقذا من احلام يقظتي يساعدني ويقلل من المي، وفي النهاية استيقظ صباحا من فراشي بصعوبة بالغة وأوجاع الظهر والمفاصل قد اخذت مني مأخذا وأنا مضطرة لبدء رحلة الاشغال الشاقة في البيت واكملها في مقر عملي واعود لأستدرك الجزء الاخر في المساء، واستنجد بحلم آخر وانا اغسل الاواني على حوض الغسيل بعد العشاء.

الخيانة الزوجية

زهراء/ 29 سنة متزوجة ولها طفلان جميلان قالت: تزوجت بعد قصة حب طويله ومعروفة لدى الجميع. وزوجي كان وفيا بجميع وعودة المادية ولكنه لم يعد ذاك الشاب الذي طلبني من نفسي وأهلي بإلحاح وصبر اربعة اعوام لحين تخرجت من الجامعة، ولكوني بدأت اشم في طيات ايامنا الزوجية قصص الخيانة والأكاذيب التي نرافقها بدا الحزن اليأس يتسلل الى قلبي وبعدت بيننا المسافة حتى اصبح كل واحد منا ينام في غرفة ولكل اعذاره.. صارت تراودني احلام اليقظة وأنا وحيده اثناء النهار وكل يوم احلم بسيناريو كيف سأصارحه باني لم اعد احبه واني ارغب بالطلاق؟ وكيف سأصطحب اطفالي معي ويأتي لمصالحتي وأتمسك بكلامي ولا اعود اليه واصمم على الطلاق وابحث عن عمل بشهادتي الجامعية واعتمد على نفسي وأعيل اطفالي.. لن اعود اليه انا اشعر بالاهانة والذل والرخص لاني مضطرة للبقاء معه فقط من اجل اعالتي ومن اجل علاقته بالأولاد.. وهكذا اقرر الذهاب الى المحكمة في اليوم الثاني لرفع دعوى تفريق.. وفعلا اغضب واذهب الى اهلي مع اولادي. وماهي الا يومان اصطدم بواقع صعب ومر اولادي لم يتحملوا تغير المكان والبيئة ومرضوا وارتفعت حساسيتي تجاه زوجة اخي وأولاده وتبدأ الازمات وتمثليات اخي الاكبر واستعراضاته مع زوجي في التهديد والوعيد اذا اهانني او قصر معي وأحيانا يقول انه سيذهب الى السوق ويقتله امام عماله.. و. و وما ان يطرق بابنا ويدخل معتذرا ادخل لجمع ملابسنا وامضي الى سيارته دون نقاش.. ثم نعاود المأساة من جديد.

أرامل الشهداء

ولأرامل شهداء الحروب و الارهاب نوع آخر من الاحلام التي تتضمن فلسفة الحوار مع الموتى لاستدراك ما فاتهم من الحوارات في حياتهم القصيرة وأم فاطمة شابه لم تتجاوز التاسعة عشر من العمر فقدت زوجها الشاب في حادت تفجير سيارة كان يقترب منها لفحصها فانفجرت بوجهه تقول ام فاطمة: "كنت حامل في شهري الرابع عندما استشهد زوجي ولم يسمح لي بالضرب(اللطم) القاسي على بطني او رأسي خوفا علي من الاجهاض وفي لحظات شرودي وحزني في ايام المأتم الثلاثة كنت اسمع اخوات زوجي يتحدثن عن احلام يأتي فيها زوجي يسال عني وعن حملي وقالت احداهن يريد ان يسمي ابنه القادم(باقر) او ابنته (فاطمة)، جيراني حلموا به وقد كان شرطيا دمث الاخلاق ومتعاون مع الجيران.. اما انا فقد اخذ الحزن مني مأخذا عصبيا لامثيل له وقد ازداد حزني لاني لم اراه في احلامي وصرت ابحث عن المنجمات وأمهات الغيبيات والعشابون وكل شيء لأراه في احلامي ولم افلح واختلفت التفسيرات في سبب ذلك الى ان انفض المعزون بعد الاربعين واستقر حملي وصرت اجلس وحيدة في غرفتي واصرخ وابكي حتى صار يسمعني الجيران وعندما انتهي من بكائي استلقي واستحضر صوره وأحاديثه وحنانه في خيالي واقول له كل ماكنت اخجل من قوله وهو على قيد الحياة وأقول له وانا باكية انني احببته كثيرا وانني ضعيفة وبحاجة لوجوده وان حياتي ابتدأت معه وانتهت بموته. اتحدث معه كثيرا وأعاتبه وأحيانا كثيره احتضن خياله واغفوا.. وصرت اراه في نومي فتختلط اليقظة بالنوم وانظر بحقد وغضب لمن يناديني ويقطع سلسلة احلامي.

باحثة اجتماعية وطبيب نفسي

وهكذا فإن أحلام اليقظة تراود الفرد في كل زمان ومكان. كما تلعب درجة الانتباه دورًا مهمًّا في ذلك، أي كلما انخفض مجهود العمل وقلَّ الانتباه كلما زادت أحلام اليقظة. يتعلق هذا النوع من الأحلام بالمشاكل اليومية إن كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو غيرها. كما أن لأحلام اليقظة عند النساء علاقة بالمشاكل النفسية التي تتركها الحروب والازمات السياسية والعنف الذي تتعرض له المرأة والمشاكل التي يصعب عليها حلُّها في الواقع عندها تلجا إلى أحلام اليقظة. كما أن هناك من انساء من يمتزج لديهم الواقع مع الأحلام ولا يستطيعون أن يفرقوا بين أحلام اليقظة وأحلام النوم، ومن هنا تبدأ المشكلة النفسية. هذا ما قالته الباحثة الاجتماعية جمانة محمد علي مال الله والناشطة في مجال حقوق المرأة في كربلاء.

ويقول الطبيب النفساني الدكتور عامر الحيدري :"قد يكون لأحلام اليقظة فوائد، ولكن إن زادت عن الحد فتكون لها مضار ما عدا التخيل المبدع، أو التخيل التأمُّلي. تسيطر على الفرد هذه الأحلام بعد أن يشوبها نوع من تحوير الصور الحقيقية أو إعادة الصور النفسية اللاشعورية إلى الشعور، بحيث يكون بعيدًا عن الحذف والانتفاء وبشكل آلي وعفوي أحيانًا. هناك من الأفراد من يتخيل الأحداث الماضية ويستعرضها كأنها فيلم سينمائي، وينسجم ويسرح مع هذا الخيال، وقد تطول تلك الفترة بحيث تساعد الفرد على تحقيق وإشباع حاجاته التي لا يستطيع أن يشبعها في الواقع.

وحتى لا تستسلم المرأة لأحلام اليقظة السلبية المرضية، عليها ان لا تكون وحيدة وتحاول الجلوس مع افراد الأسرة والأصدقاء او الاشتراك في الجمعيات الخيرية. وان تشغل نفسها في الاعمال المنزلية التي ترغب بها او مطالعة الكتب والمجلات المسلية. وتحاول ان تحكي همومها لأقرب الناس اليها وتحاول الاستفادة من قدراتها ومهاراتها لممارسة هواية ما ومراجعة طبيب نفسي اذا استلزم الامر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/أيلول/2012 - 1/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م