ضعف المنظومة الامنية وغياب المعالجات

ناجي الغزي

ان مشاهد التفجيرات المروعة التي يشهدها العراق كل يوم واستهداف ضباط الأجهزة الأمنية ومؤسساتهم تبرهن على ضعف المنظومة الامنية بشكل واضح وجليّ، كما تدلل على أن المنظومة الامنية مخترقة من قبل أجندات سياسية داخلية وخارجية لتمرير مشروعها السياسي. وبعض المراقبين يعزون السبب في تلك الاختراقات هو تفرد رئيس الوزراء نوري المالكي بإدارة الملفات الامنية وهي الاشكالية التي تسببت بخلق أزمات متسارعة في المشهد السياسي العراقي. مما دفع بعض الفرقاء السياسيين لممارسة ضغوط سياسية منها سحب الثقة عن حكومة المالكي لإغراق البلد في فراغ أمني كبير.

فالتداخل الأمني والسياسي يلحق ضرر كبير في طرح المعالجات الامنية وحماية أرواح المواطنين مما يدفع بعملية الاصلاح والمعالجات بعيدة عن مظلة الحكومة صاحبة السلطة التنفيذية والمعنية بحفظ الامن.  رغم ان الاصلاح الامني يحتاج الى تشريع برلماني يعتمد الى قوانين رادعة وتثقيف أمني يعتمد العقيدة والولاء للوطن أساساً في بناء منظومة أمنية قادرة على حفظ الامن وتحقيق تنمية شاملة في المجتمع فضلا عن اختيار القادة والمسؤولين على اسس مهنية ووطنية وليس ضمن صفقات سياسية.

ومن المؤشرات الهامة في ضعف المنظومة الأمنية والاختراق المتكرر لصفوفها هو تسييس بعض القيادات العسكرية التي تستجيب الى رغبات وأجندات مرجعياتهم السياسية بدلاً عن مرجعياتها العسكرية وتسريب معلومات أمنية خارج المنظومة الامنية ربما تتجاوز حدود الوطن كما حدث مع اللواء آيدن وكيل وزير الداخلية لشؤون الشرطة. وهذا التداخل خلق حالة من التعاطي السلبي مع القيادة الأمنية العليا وأضعف الإنصهار والانتماء الوطني في المنظومة الأمنية كما سبب في تحجيم الدستور وتفريغ القوانين من محتواها مما أفرزت تلك المعادلة خراباً أخلاقياً ونفسياً وفوضى أمنية ومدنية وإنهيار لمنظومة القيم في المجتمع.

وعلى الرغم من أن المنظومة الأمنية هي المسؤولة الفعلية عن أمن الدولة والتي تؤمن للمواطن جميع الفعاليات الأمنية وتضع التدابير والإحتياطات اللآزمة لحماية المجتمع من الاعتداءات الداخلية والخارجية. الا أن ظروف الصراعات السياسية المستمرة تضعف قدرة المنظومة الأمنية  على التعاطي مع الاحداث والوقائع وتهدد استقلالها وتطورها. لذا نجد ان الحكومات الناجحة والواعية لمسؤولياتها هي التي تمنع الاستقطاب السياسي داخل صفوف القوات الامنية وتزيد من وحدة الولاء والانتماء للوطن والقيادة العسكرية.

وهذا الفهم الاصلاحي يحتاج الى إعادة تعريف هوية الأجهزة الأمنية وحصر مسؤولياتها ودورها الأساسي في القضاء على الجريمة والوقوف ضد أي تهديد للأمن الوطني والقومي. وذلك من خلال توطيد وتمتين العلاقة التكاملية بين الاجهزة الأمنية الميدانية والاستخباراتية وتنسيق العمل المشترك بينهما. وهذا يجب ان يتم من خلال اطار إصلاحي متكامل لجميع مفاصل المؤسسات الامنية ضمن معايير قانونية وإعادة هيكليتها على أسس مهنية وعلمية.

وكما يقول الخبير الامني الامريكي أرنولد ولفيرز "يمكن ردع الخصم بامتلاك القوة دون الدخول في صراع مسلح معه". ومن هنا تكمن نقطة التطور الامني وحصر العمليات الارهابية ودحرها خارج اطار المدن من خلال:

1- رفع الكفاءة المهنية لرجال الامن واتباع الخطط الأمنية الاستراتيجية التي تعتمد على القدرة الوطنية قبل القوة في تأمين الاهداف المعدة.

2- فهم المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية للتنظيمات الارهابية ﻭﻭﻀﻊ ﺍﻟخطط الميدانية ﺍﻟﻤﻼﺌﻤﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎﻤل ﻤﻌﻬﺎ ضمن أطر زمنية معينة، واشراك الجهد الاستخباراتي مع القدرة العسكرية التي تعتمد المعلومة كماً وكيفاً.

3- اشراك المواطن في مسؤولية حفظ الامن وتقديم المعلومة الى الجهات الأمنية والتعامل معها بجدية تامة مع الحفاظ على سرية الشخص وتقديم الحواز والثناء.

ولكن كيف تعيد السلطة إنتاج المنظومة الأمنية وإصلاح هياكلها في ظل التقاطعات والصراعات السياسية والولاءات الخارجية التي تكبل حرية أطراف الصراع  في الوصول الى مشتركات وطنية قادرة على تجاوز عقد الخوف من خلال الابتعاد عن محاذير الخلاف السياسي واستبداله بالإرادة الوطنية القادرة على الاصلاح والمعالجات. وهنا يجب ان تكون المعالجات والاصلاحات جذرية لاترقيعية لمواجهة التحديات والمشاكل الامنية التي تعصف البلاد، وذلك من خلال وضع أطر قانونية ومحددات إدارية ومعايير مهنية للتعامل مع العناصر والاحداث والوقائع .

والمؤسسات الأمنية تبدأ بتطوير عملها وإصلاح كيانها من خلال وضع محددات إدارية تتعلق بسهولة الاجراءات وابتعادها عن البيروقراطية والفساد الاداري الذي يمنع الوصول بسهولة الى الهدف، كما تتأثر المحددات الادارية بمدى توفر الكفاءة الادارية في التنسيق بين الاجهزة الامنية المختلفة وكذلك بتوفر المعلومة التي تزيد من احترافية العمل المهني وايصالها بسرعة كبيرة من خلال الاعتماد على تكنلوجيا الاتصالات المتعددة  وربطها بقاعدة بيانات حديثة تقلل من الروتين وتكشف المقصر وتحدد الهدف من حيث الزمان والمكان.

ولايقف مفهوم المعالجات الامنية على المحددات الادارية بل يتعداها الى الاطر القانونية وضرورة وضع إطار قانوني لتنظيم العلاقة بين المؤسسات الامنية المتعددة ومنح الصلاحيات تراتبياً حسب نوعية وحجم الحدث وحفظ المعلومة وحماية رجال الأمن وتسهيل مهامهم الميدانية في الحركة والمتابعة والتعقيب، مع الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال.

كما أن المعايير المهنية تعتبر من اهم مقومات رجل الامن التي تعتمد على مستوى التدريب والتسليح والروح المعنوية وتنمية المهارات القيادية وتعلم أساليب وطرق تدقيق المخاطر الأمنية، وطرق اخلاء الطوارئ ومواجهة الكوارث والتدريب على الإسعافات الأولية والتفتيش الامني المحترف والتدريب على اهمية الحس الامني واساليب جمع المعلومات.

هذه المعالجات والاصلاحات في المنظومة الامنية تساهم في تصحيح مساراتها المنحرفة وتساعد على ترميم هياكلها المتآكلة وتغلق الثغرات والاختراقات في جدران المنظومة الامنية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/أيلول/2012 - 1/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م