شيء من الخوف... عن (ابو طبر) وجرائمه الملعونة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: احد الاصدقاء من مواليد الثمانينات العراقية، ابوه احد شهداء الحرب العراقية الايرانية، وهو حمل هذا اللقب (الشهيد) طيلة اعوام طويلة، وبعد العام 2003 انتزع من ابيه هذا اللقب، لا تسألوني عن السبب.

صديقي واسمه يونس، كان يتناول طعام عشاءه وحده، وحوله والدته واخوته واخواته، كان القائد الضرورة يحتل شاشة التلفاز على القناة الرئيسية من قناتين للتلفزيون العراقي، كان يدردش مع ضيوفه من وزراء واعضاء قيادة، صديقي يونس كان يسب ويشتم القائد الضرورة، ثم فجأة الرئيس القائد حفظه الله ورعاه يقول لاحد ضيوفه (انهض يا يونس) لينتصب صديقي ابن الشهيد او القتيل واقفا على قدميه مصفر الوجه امام ضحك عائلته.

تذكروا هذة الحكاية وانتم تستمرون في القراءة.

كنت مع احد الاساتذة الافاضل نقف على رصيف احد الشوارع المجاور لنفق الشرطة في بغداد، كان قد اخبرني قبل ايام عن اعلان لاحد المدارس التي ترفع شعار (تميز في الاداء وكفاءة في العطاء) وقد راهنت هذا الاستاذ ان المبالغة في هذا الاعلان سر من اسرار فشل هذه المدرسة وكان له راي مختلف.. ونحن واقفان اشرت اليه الى العنوان الذي ذكره لي وهو على احد الجدران قريبا حيث نقف، ثم اشرت اليه الى دار من الجهة الاخرى للشارع الذي يقابلنا، وكانت هناك لافتة كتب عليها(روضة سلا ودانة)، كنت اريه ان هذه الروضة لاتضع حتى جهاز تكييف واحد في غرفها فكيف يا ترى كان الاعلان عن مميزاتها؟ لم يجبني عن سؤالي لكنه قال لي هل تعرف ان هذا المنزل قد ارتكب فيه ابو طبر احدى جرائمه ومنه اخرجوا جثث ضحاياه، وهي جريمة قتل عائلة بشير السلمان يوم 4/9/1973.

من هو ابو طبر؟ وهل كان مرحلة من مراحل صناعة الخوف العراقي في زمن البعث السابق؟

بدأ الذعر ينتشر في نفوس الناس بعدما عثرت الشرطة على عائلة مغدورة بأكملها، تمت بطريقة الذبح، ثم تلتها في الأيام المقبلة عدة عوائل في حوادث مماثلة، وحين شاع الخبر عم الذعر بين الناس وفي عموم أحياء بغداد، وخصوصاً بعدما تأكدت السلطات بأن القاتل يتبع الاسلوب ذاته في الذبح، ويستخدم الوسائل عينها باستخدامه سلاحاً واحداً في جرائمه وهو آلة (الطبر) وهي نوع من الفؤوس الحادة، يقطع بها رؤوس ضحاياه، ثم يكتب بدم الضحايا داخل جدران منازلهم اسم (أبو طبر)،

تختلف الروايات عنه بين الشخصية والرسمية فهو تحدر من عائلة تتمتع بثراء ممتاز وكان يعيش في بغداد بيسر ويعرفه الكثير من ابناء منطقة البياع يومذاك، فيما اكدت تقارير رجال الامن والمخابرات على ان الجرائم التي كان ينفذها لم تكن دوافعها السرقة او الجنس وهذا ما كان يزيد في حيرتهم عندما كانوا يبحثون عنه ويلاحقون مسلسل جرائمه وكان على مخرج المسلسل الاطلاع على سجلات مديرية الامن العامة المنحلة والمخابرات العامة.

لقد كان (ابو طبر) مقربا من اركان النظام في تلك الحقبة وخاصة نائب رئيس الجمهورية وسعدون شاكر في البدايات الاولى لتشكيل الجبهة التقدمية الوطنية وعملية تأميم النفط، وللمفارقة ان حاتم كاظم الهضم كان يرافق عناصر من حزب البعث في الحراسة والبحث عن (ابو طبر) لانهم يثقون به ويعرفون مدى قربه من بعض اركان النظام انذاك.

لم يكن حاتم كاظم الهضم مجرما حقيقيا يتلذذ بمنظر دماء ضحاياه، ولو كان كذلك لترك بعض الآثار في ساحات جرائمه، حتى ولا بصمات اصابع، وهذا ما اعلنه الكثير من ضباط التحقيق ورجال الامن وخبراء الجريمة.

ابو طبر كان ينفذ اوامر السلطة لاشاعة الرعب في مدن العراق لمدة عام وخاصة العاصمة منها، لاشغال الناس وصرف انظارهم عن وقائع سياسية تآمرية كانت تحاك ضد القوى الوطنية وما يجري في كردستان في سبعينيات القرن المنصرم، كنت اتمنى ان يكون المسلسل دقيقا في معالجة مثل هكذا احداث توخيا للحقيقة التاريخية وكشف اسرارها للمشاهد العراقي.

وكنتيجة متوقعة تم تصفيته هو وشقيقه وابن شقيقته وزوجته قانونيا على وفق قاعدة "كص رأس وضيّع خبر".

وهناك رواية رسمية على لسان ضابط التحقيق وهي قبل أن يذهب (أبو طبر) إلى ألمانيا كان مفوض شرطة وكان احد أقاربه مديراً للأوقاف فعينه في مديرية أوقاف كركوك جابياً للمال فأختلس مبالغ كبيرة وقبض عليه وقدم إلى المحكمة، وحكم عليه بالحبس سنة واحدة، وبعد إطلاق سراحه سافر إلى ألمانيا إذ عمل بتهريب الخمور إلى السعودية بوساطة سيارة سرقها من ألمانيا، واصطدمت سيارته في المانيا بسيارة أخرى، فنزل (أبو طبر) وضرب سائق السيارة التي اصطدمت بسيارته وأسقطه أرضاً مغمياً عليه وهرب عائداً إلى العراق.

ولعل أحد الجيران، قد يفز من نومه مذعوراً، اثر دوي طرقعة باب لمدخل منزله، أو يرعبه صوت صراخ طفلة حالمة أو صوت امرأة أو رجل استيقظا من كابوس تراءى لهما فيه خيال لضل السفاح (ابو طبر) وهو ينقض على ضحية جديدة من ضحاياه!، وعندما يدرك الصباح وجهه، يطلق الجيران العنان لأنفسهم ويهمون لتبادل الحوارات الصباحية الساخنة لوقائع الليلة الماضية بكل تفاصيلها، وربما ينبري أحدهم ويعلن عن شجاعته واقدامه على مواجهته البطولية للسفاح قبل أن يقبل على ضحيته وربما أقسم الرجل بأنه أجبره على الفرار في حينها!!

وقد أشيع لدى العراقيين في يومها ان شخصية السفاح أبو طبر، قد ظهرت في هذه الفترة بالذات كانت بتخطيط من المخابرات العراقية لتنفيذ عدد من الاغتيالات والاعتقالات لعدد من الشخصيات السياسية المعارضة لنظام حكم البعث وخصوصاً انها جاءت بعد فترة من حادث الانقلاب الفاشل الذي تزعمه السفاح ناظم كزار مدير الأمن العام، للاطاحة بنظام حكم البكر وصدام، ما دعا غالبية المقاهي والنوادي الليلية والأسواق التجارية أن تقفل محالها في أول الليل خوفاً من مداهمة الأجهزة الأمنية وادعائها بأن السفاح متواجد في هذا المكان أو ذاك.

وتشير احدى تقارير الشرطة السرية لمكتب مكافحة الاجرام، بأن المجرم حاتم كاظم هضم الملقب بـ(أبو طبر) وزوجته ساجدة ينحدران من محافظة بابل/ قضاء المسيب، وكان يعمل المجرم في القوة الجوية ونقل الى احدى الدوائر الادارية في سلك الشرطة بسبب سلوكه السيء وعدم انضباطه وقد أصيب بمرض نفسي مزمن، وقد ثبت في التحقيق انه كان يستخدم (هيم حديدي) كأداة لجريمته وليس أداة (الطبر) بالرغم من شيوعها، وكونه يتمتع بقامة ضخمة وقوة عضلات تمكنه من الاجهاز على ضحيته بضربة واحدة لا أكثر بواسطة أداة (الهيم) وهذا ما ذكره تقرير خبراء الأدلة الجنائية، بعد فحص المبرزات الجرمية من خطوط وبصمات دماء من مخلفات جرائمه التي انتهت بالقاء القبض عليه في منطقة الكرادة حي (52) واعترف حاتم كاظم بجرائمه وتم تشكيل لجنة مشتركة من الشرطة والأمن والمخابرات تولت التحقيق معه، كان مقرها في حاكمية المخابرات للوقوف على صحة اعتقاد السلطات البعثية بأن أبو طبر ربما يكون عميلاً لاحدى دوائر المخابرات الأجنبية ولم يثبت صحة ذلك -على حد ما جاء في التقرير الأمني- وقد أصدرت المحكمة الجنائية قراراً باعدامه شنقاً حتى الموت وقيل آخرون انه أعدم بواسطة الكرسي الكهربائي وشاهد العراقيون على شاشة تلفزيون العراق عام(1974) السفاح أبو طبر يقدم اعترافاً بجرائمه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/أيلول/2012 - 29/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م