العائدون للجريمة وغياب البرنامج الحكومي

رياض هاني بهار

تسعى المجتمعات في وقتنا الحاضر إلى العمل على مكافحة الجريمة بشتى صورها وأشكالها، وذلك بتلمس أسبابها وبداياتها للعمل على القضاء عليها في مهدها، بل وقبل حدوثها بوسائل وقائية احترازية، ولعل أبرز المظاهر في ذلك هو الاهتمام بالمجرم الصغير وتداركه بالعلاج قبل أن يتمادى في انحرافه وبالتالي تحوله إلى مجرم محترف يهدد أمن المجتمع.

 والصغير قد يقع في زلة أو يمارس انحرافاً ما، فتجتمع الجهود الإصلاحية لتقويمه، ويسلك طريق الصلاح، إلا أن عودته إلى الانحراف مرة أخرى تضع علامة استفهام كبيرة عن مدى فاعلية الجهود الإصلاحية التي بذلت معه خلال فترة عقابه في المرة الأولى وكذلك تضع علامة استفهام عن حقيقة هذا الفرد الصغير الذي عاد مرة أخرى إلى الانحراف، مما يحتم دراسة هذين الجانبين بشيء من التأني لمعرفة أيهما له الأثر الكبير في عودة ذلك الصغير إلى الانحراف، لا تتوفر معطيات رقمية وإحصائيات بخصوص العائدون للجريمة بالعراق بسبب غياب مؤسسات البحث العلمي في هذا المجال ومعاهد متخصصة في علم الإجرام.

 لكن الأكيد أن معالمها بارزة في نستقي جملة من المعطيات كتقارير المؤسسات الاصلاحية ومؤشرات التسجيل الجنائي وراصدي الظواهر الاجرامية تطرقت لهذه الظاهرة واهتم كثير من المتخصصين والمحللين والأمنيين بانتشار وتطور الجريمة في العراق، إلا أن بلادنا ما تزال تفتقر إلى دراسات علمية وأبحاث ميدانية تهتم بهذه الظاهرة انطلاقا من أسس وقواعد علمية، كما أننا بحاجة ماسة إلى معاهد ومراكز أبحاث متخصصة في علم الإجرام الكفيلة بتتبع هذه الظاهرة لتساهم في توفير المعطيات القادرة على تسهيل بلورة سياسة إجرامية وإستراتيجية أمنية مجدية.

لقد حظيت ظاهرة العود بإهتمام كبير من طرف علماء الإجرام والعقاب، باعتبارها تشكل معضلة الماضي والحاضر في مختلف المجتمعات، ولعل التعاريف التي توصل إليها علم العقاب وكذا علم الإجرام تكاد لا تختلف، لذلك إرتأينا أن نعطى تعريفا شاملا له دون الدخول في تفاصيل الظاهرة وأبعادها. فما المقصود بالعودة؟

إن المشرع العراقي وعلى غرار التشريعات الأخرى نظم أحكام العود في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل بالمواد(193و140) من دون أن يعطي تعريفا له، وإكتفى بذكر الحالات القانونية التي يعتبر فيها الجاني عائدا، تاركا بذلك مهمة تعريفه للفقه بناءا على ما توصل إليه علماء الإجرام والعقاب من الدراسات المعمقة لظاهرة العود إلى الجريمة، العود العام: هو قيام الفرد بارتكاب جريمة ما ويعاقب عليها بأي عقوبة كانت، ثم يعود لارتكاب جريمة أخرى ولكنها تختلف في نوعها عن الجريمة السابقة، كأن يسرق فيعاقب، ثم يتعاطى المخدرات، وهكذا يطرحها أن يتم التعريف به، وبيان ماهيته، حتى يسهل فهم تفاصيله والتعمق في أحكامه، وبما أن الموضوع الذي نحن بصدد معالجته، محل غموض وإلتباس للعديد من الشرطة والقضاة.

في تعريف علم الإجرام للعودة أنه يشترط صدور حكم سابق على المجرم، أما من وجهة نظر علم العقاب، فلا يختلف الأمر عمّا سبق كثيراً إلا أنه لا يشترط تنفيذ العقوبة الصادرة في الجريمة السابقة، بل إن بعض المتخصصين في علم العقاب يشترط في تلك العقوبة التي تم تنفيذها أن تكون هي الحبس، أما عند علماء الاجتماع فالعود هو تكرر الخروج على القواعد الاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع، ومن هنا يغطى هذا التعريف المجرمين الذين لم يسبق لهم الوقوع في يد رجال الشرطه، على الرغم من تكرار ارتكابهم للجرائم.

أما علماء الشريعة الإسلامية فالعود عندهم، ارتكاب جريمة أخرى بعد التنفيذ الفعلي لعقوبة ما في جريمة سابقة.

بمراجعة سريعة لانمتلك التخطيط والبرامج لإصلاح العائدين للجريمة ولا توجد رؤيه حكومية ازاء هذا الموضوع والاتجاه السائد للقسوة وغياب برامج الاصلاح والتقويم لان اغلب المسؤولين مشغولين بصراعات تافهة واهتمامات اخرى ولم يسلط الضوء من الاعلام على المشاكل الاجتماعية واهتمامهم بالشأن السياسي.

وخلاصة القول:

بات من الضروري التفكير بجدية باستحداث مجلس اعلى للوقاية من الجريمة وتكون مهامه السلطة العليا التي تشرف على كافة أنشطة المجالس الفرعية وتقوم بصياغة السياسات وتحديدا لأهداف العامة. ويتشكل المجلس الاعلى للوقاية من الجريمة في العراق من وزير الداخلية رئيسا وعضوية عدد من الوزراء ذوي العلاقة في تحقيق الأمن وثلاثة من المختصين ببرامج الوقاية من الجريمة والمهتمين بالعلوم الجنائية (كعلم الاجتماع الجنائي وعلم الاجرام والتربية) ومن ممثل عن كل منطقة من مناطق العراق يتم انتخابه من قبل مجلس المحافظة ومن رؤساء المجتمع المدني في الميدان الأمني ويتم انتخاب أمين عام للمجلس على أن يكون من المختصين بالعلوم الجنائية والمهتمين ببرامج الوقاية من الجريمة. ويهدف المجلس الأعلى للوقاية من الجريمة إلى تحقيق جملة من الأهداف منها:

1. رسم السياسة الوقائية لمكافحة الجريمة في العراق.

2. اقرار الخطط والبرامج في مجال الوقاية من الجريمة التي تصدر عن المجالس الفرعية أو الجمعيات الأهلية وتحديد مهامها وطرق عملها.

3. دعم العمل المشترك بين الأجهزة الأمنية والمواطنين والتوجيه بما يحقق ذلك الهدف.

4. الإشراف على المجالس الفرعية للوقاية من الجريمة.

5. حث الأجهزة الحكومية والأهلية على تبني الاطروحات التي تحقق المشاركة المجتمعية للمواطن في العمل الأمني والوقاية من الجريمة.

6. ترفع الى المجلس الاعلى عن أي مشكلات أو ظواهر سلبية تواجه المنطقة وتتطلب حلولأ من قبل المجلس الاعلى للوقاية من الجريمة.

7. توفير الامكانات و الدعم من قبل الأجهزة الحكومية لإنجاح برامج المشاركة المجتمعية وتذليل كل الصعوبات امامها.

مجلس المحافظة للوقاية من الجريمة

يتألف مجلس المحافظة من المحافظ رئيسأ وعضوية كل من مندوبي الإدارات ذات العلاقة ورؤساء مجالس الاقضية والنواحي التابعين للمحافظة ورؤساء فروع الجمعيات المجتمع المدني في المحافظة بالإضافة إلى ثلاثة من المختصين ببرامج الوقاية من الجريمة ويتم انتخاب أمين عام للمجلس ويتولى مجلس المحافظة المهام التالية:

1. الإشراف على مجالس والتنسيق فيما بينهما.

2. الموافقة على برامج المناطق وإقرار خططها.

3. رسم السياسة الوقائية في حدود المحافظة.

4. تشجيع اسهام المواطنين في مجالات الوقاية من الجريمة ومكافحتها.

* العراق-بغداد

riadhbahar@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/أيلول/2012 - 29/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م