|
تخبرنا كتب التاريخ انه بعد قيام قوات التحالف الاوروبي بقيادة
بريطانيا بالعدوان على جيوش محمد علي وهزيمتها واكراهه على توقيع
معاهدة (كامب ديفيد الأولى) المشهورة باسم معاهدة لندن 1840 والتي نصت
على انسحاب الجيوش المصرية من الشام والجزيرة العربية وغيرها ما عدا
مصر والسودان، وتخفيض الجيش المصري الى 18 ألف جندي فقط..
نقول بعد ذلك، بدأت فورا قصة الاستغلال المالي لمصر التي انتهت
باحتلالها عام 1882، ذلك الاحتلال الذي استمر 74 عاما، وفيما يلي ملخص
الحكاية التي يجب ان نتعظ منها ونحفظها عن ظهر قلب:
• في 1838 وقعت تركيا مع انجلترا معاهدة تجارية تعطي امتيازات كبرى
للإنجليز، وفي 1842 تم تطبيق هذه المعاهدة على مصر وبموجبها حرمت
صناعتنا الوطنية من الحماية الجمركية وكان هذا هو المسمار الاول في نعش
الاستقلال الوطني.
• وفي 1851 اعطى عباس باشا للإنجليز امتياز مد السكك الحديد في مصر
• وفي 30 نوفمبر 1854 أعطى سعيد للفرنسيين امتياز شق قناة السويس
• ثم قام سعيد بعقد اول قرض اجنبي تجاوز 6 ملايين جنيه استرليني حين
اصدر سندات على الخزينة بيعت في البورصات الاوروبية لأنه لم يكن من حق
مصر في ذلك الوقت حق عقد قروض خارجية دون موافقة الباب العالي.
• وفي عام 1864 اقترض اسماعيل من مصرف فروهلنغ وغوشن مبلغ مقداره
5.7 مليون جنيه استرليني، الا انه لم يدخل الخزينة المصرية في الواقع
سوى 4.86 مليون جنيه فقط
• وفي 1865 عقد اسماعيل قرضاً خاصاً مع البنك الانكلوـ مصري، واستلم
نقداً 2.75 مليون جنيه استرليني من اصل 3.38 مليون جنيه قيمة القرض
الاسمية.
• وفي 1866 عقد اسماعيل مع مصرف فروهلنغ وغوشن قرضاً لمد سكك حديدية
بضمان السكك الحديدية المصرية. ولم تستلم الخزينة المصرية الا 2.64
مليون جنيه استرليني من المبلغ الاسمي للقرض وقدره ثلاثة ملايين جنيه.
• وفي 1867 عقد قرضاً " شخصياً " مع البنك الامبراطوري العثماني
(الانكلوـ فرنسي)، واستلم منه 1.7 مليون فقط من اصل 2.08 مليون وهو
المبلغ الإسمي للقرض.
• وفي 1868 عقد قرضاً مع رجل الاعمال الدولي اوبنهايم بمقدار 11.89
مليون ولم تستلم مصر منه سوى 7.195 مليون جنيه.
• في 1870 عقد قرضاً جديداً شخصياً مع صاحبي البنوك بيشفسهايم
وغولدشمدت بمبلغ 7.143 مليون، استلم منه 5 ملايين جنيه فقط.
• واخيراً، وقع اسماعيل في 11يونيو1873 اتفاقية مع اوبنهايم لمنحه
قرضاً لتسديد اقساط الدين الجاري. وبلغت كمية هذا القرض الهائل 32
مليون جنيه لم تستلم منه مصر نقداً إلا 20 مليون جنيه بينما الزمت بدفع
3.5 مليون جنيه سنوياً الى اوبنهايم على شكل فوائد.
***
وبذلك تمكنت البنوك الانكليزية خلال 11 عاماُ من ربط مصر بدين تبلغ
قيمته 68 مليون جنيه استرليني، دفع منه نقداً في الحقيقة 46 مليون جنيه
فقط واغتصب ما يزيد عن 20 مليون جنيه كفرق تسعير ونفقات عمولة، وبلغت
سندات الدين الجاري لهذه السنوات 26 مليون جنيه، دفعت عليها مصر فائضاً
سنويا قدره 15% وحتى 25%.
وهكذا بلغت كمية دين مصر الخارجي الاجمالي قبيل عام 1876 اربعة
وتسعون مليون جنيه استرليني.
هذا بالاضافة الى مصر قد انفقت فعليا على مد السكك الحديدية 75
مليون فرنك بينما دفعت الى المقاولين الاجانب 325 مليون فرنك. كما دفعت
الخزينة المصرية ما يربو على 2.5 مليون جنية استرليني لشركة البناء
الاوربية لغرض تشييد ميناء الاسكندرية بينما كلفته الفعلية 1.5 مليون
جنيه فقط
***
اي انه في النهاية قد نشأ في ذمة مصر للبنوك الاوروبية دين مقداره
حوالي 100 مليون جنيه ! تراكم في اقل من ربع قرن من عام 1854 حتى 1876،
وتبدد كالتالي:
1) دفعت الحكومة المصرية 16 مليون جنيه على تشييد قناة السويس.
2) تسرب الى جيوب اصحاب البنوك كـفرق تسعيرة (سعر الصرف) ونفقات
عمولة وغيرها 22 مليون استرليني لم تستلمها مصر ولكنها اضيفت الى
دينها.
3) دفعت مصر حتى عام 1876 ليس أقل من 50 مليون استرليني كفوائد على
القروض الاصلية وسندات الدين.
4) لم ينفق في الحقيقة سوى مبلغ يتراوح بين 5: 6 ملايين استرليني
على تشييد منشآت تعود بالفائدة على مصر.
وهكذا نشأ القسم الأكبر من دين الدولة المصرية نتيجة المكائد
الاجرامية التي دبرتها المصارف الانجليزية والفرنسية، ولم يستلم الشعب
المصري في الواقع شيئاً من ذلك الدين الذي أثقل كاهله والذي أرغم على
تسديده فيما بعد بثلاثة اضعاف قيمته الأصلية.
ناهيك عن القروض الداخلية كالمقابلة والروزنامة في عامي 1871و1874
ولقد ساعدت عوامل اخرى على تفاقم هذا الاوضاع ومن ذلك انه:
• في عام 1863 قرر إسماعيل تحريم العمل الاجباري في حفر قناة
السويس، فثار خلاف حاد مع ديلسبس، فقام الخديوي، وياللعجب، بتفويض
نابليون في هذا الخلاف وكانت النتيجة هي الحكم على مصر بغرامة، تبعها
لجوءها إلى مزيد من الاقتراض لسداد الغرامة
• وكانت تركيا في 1873 قد وافقت، تحت الضغط الاوروبي، على اعطاء مصر
حق الاقتراض المستقل، وهو ما تم توظيفه اسوأ توظيف.
***
وكانت النتائج الوخيمة كما يلي:
• في 25 نوفمبر 1875 تم بيع اسهم مصر في قناة السويس لبريطانيا
لسداد الديون، وكانوا 176 الف سهم، وبيعت بـ 4 ملايين جنيه استرليني
اقترضهم رئيس وزراء بريطانيا دزرائيلي من صديقه روتشيلد.
• فقط 4 ملايين رغم انه كلف مصر 16 مليون جنيه وأغرقها بديون بلغت
100 مليون جنيه وفوائد 300 مليون جنيه، وقد بلغت قيمة الأسهم المبيعة
في عام 1910 مبلغ قدره 35 مليون.
• وفي 1875 تم إعلان إفلاس تركيا، وهو ما انعكس على مصر فورا، ففرضت
بريطانيا عليها لجنة لفحص شئونها المالية
• وفي 8/4/1876 توقف إسماعيل عن دفع سنداته المالية وأعلنت مصر
إفلاسها
• وفي 2/5/1876 تشكلت لجنة لمراقبة دين الخديوي من فرنسا والنمسا
وايطاليا، وقررت توحيد الدين المصري
• وفي 1876 تشكلت لجنة ثنائية انجليزية فرنسية لمراقبة مصر ماليا
• وفي 1878 تشكلت اول وزارة اوروبية في تاريخنا برئاسة نوبار باشا
الارمني الاصل وثيق الصلة ببنوك لندن وباريس وكان وزير المالية فيها
انجليزي ووزير الاشغال العامة فرنسي
• ففرضت زيادة في الضرائب على المواطنين، وامتنعت عن دفع اجور
الضباط المصريين، ثم قامت بتسريح 2500 ضابط وتخفيض الرواتب الى النصف
• ووضعت خطة مالية لإدارة مصر عرفت باسم خطة ويلسون، نزعت من
الخديوي اي صلاحيات مالية وتم منح الوزيرين الانجليزي ولسن والفرنسي دي
بلينيير حق الفيتو ضد اي مشروع حكومي وكان اهم ما تضمنته الخطة هو رفع
ضرائب الارض الخراجية والعشرية والغاء القروض الداخلية من اجل القروض
الخارجية
• فغضب اسماعيل وقام في 7/4/1879 بحل الوزارة الاوروبية وتأليف
وزارة وطنية برئاسة شريف باشا التي قام بعزل عدد من الموظفين
الاوروبيين وزيادة عدد الجيش الى 60 الف ووضع اول دستور لمصر
• و في 17مايو1879 عرض مشروع اللائحة الاساسية وقانون الانتخاب على
مجلس النواب، وفي 8 يونيو1879 وافق المجلس ووضع خطة مالية وطنية،
فاعترضت بريطانيا وفرنسا والمانيا والنمسا على الخطة المالية
• وقامت انجلترا وفرنسا في 19يونيو1879بتوجيه انذار انجليزي فرنسي
لاسماعيل بالتنازل عن العرش دعمته المانيا والنمسا وروسيا وايطاليا
وضغطت على السلطان عبد الحميد الذي اقال اسماعيل في 25 يونيو ليغادر
الى ايطاليا ويعين الخديوي توفيق بدلا منه.
• وفي 4/9/1879 تم اعادة الرقابة المالية الثنائية واقالة الوزارة
الوطنية، وكلف رياض باشا بالوزارة الجديدة الذي امر بتخفيض الجيش الى
18 الف فقط، كما تم الغاء فرمان 1873 فحرمت مصر مجددا من حق عقد قروض
خارجية، وفي يناير 1880 طبقت خطة ولسن المالية التي حددت الدين المصري
بـ 98 مليون وزادت الضرائب على الفلاحين، وامتنعت عن دفع مرتبات الضباط
بالاضافة الى ترقية الضباط الشراكسة دون المصريين، فثار الجيش وتمت
إقالة رياض وتكليف شريف باشا بالوزارة الجديدة
• وفي 9/9/1881 قامت الثورة العرابية
• وفي 26/12/1881 أصر مجلس النواب المصري على حقه في التصويت على
الميزانية المصرية
• فقامت انجلترا وفرنسا بتوجيه انذار الى مصر في 26/12/1881 تعلنا
فيه رفضهما لأي صلاحيات مصرية تخص الميزانية، وقبل شريف باشا الانذار
وغضب المجلس فاستقالت الوزارة، وتم تعيين وزارة وطنية جديدة بقيادة
البارودي وكلف عرابي بالحربية في 5 فبراير 1882
• وفي 5 فبراير تم نشر اللائحة الاساسية وابطال المراقبة الثنائية
وإعداد قانون انتخابات جديد فثار الفلاحون ضد ملاك الاراضي وخاف
الاقطاعيين من الحركة الجارية وتصاعدت الثورة، فبعثت انجلترا وفرنسا
بأساطيلها الى الاسكندرية في 20 مايو وطلبت من الخديوي ابعاد عرابي
وعلى فهمي وعبد العال واقالة وزارة البارودي فقبل الخديوي الذي هرب الى
الاسكندرية في 13 يونيو
• وانعقد في 23 يونيو مؤتمر للدائنين ضد مصر في القسطنطينية من كل
من فرنسا وانجلترا وروسيا والنمسا والمانيا (مؤتمر النزاهة)
• وفي 6 يوليو وجه الأميرال سيمور انذار اول الى رئيس حامية
الإسكندرية بتوقيف أعمال التحصينات، ثم انذار ثاني في 10 يوليو، وبدأ
قصف الاسكندرية في 11 يوليو الذي انتهى بوقوع مصر تحت الاحتلال
البريطاني لمدة 76 سنة.
• وقام الانجليز فورا بعد استسلام عرابي بنزع سلاح الجيش المصري
وتسريحه وارغام مصر على دفع 9 مليون جنيه استرليني تعويضا للإنجليز،
وتم الغاء الرقابة الثنائية، وتحويل مصر الى مزرعة قطن لبريطانيا.
• وفي 1885 وقعت اتفاقية دولية لديون مصر، وفي1888 وقعت اتفاقية
القسطنطينية بشان قناة السويس من كل من فرنسا وروسيا والمانيا والنمسا
والمجر وايطاليا واسبانيا وهولندا وتركيا.
***
وناضلت أجيال كثيرة من الشعب المصري الى ان نجحت في تحرير مصر
1954/1956، ولكن بعد ان كان الاستغلال الاستعماري الطويل قد أنهك مصر
وتسبب في تأخرها وتخلفها عن نظرائها، وهو التخلف الذي لا تزال آثاره
ممتدة حتى اليوم.
ومنذ ذلك الحين، استقر في الضمير الوطني المصري ان الاقتراض هو
اقصر الطرق الى التبعية.
[email protected] |
