نووي إيران... قضية مبدأ تقلق الغرب

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يبدو أن مسلسل الجدلية والازدواجية بين أجندة دول القوى المتخاصمة بشأن الملف النووي الإيراني، اصبح محرك رئيسي لتصاعد التوترات والاتهامات بين إيران وأميركا وحلفاؤها، فلا يزال هذا الملف مصدر أساسي لهواجس القلق في نفوس الدولة الغربية من جهة، واسرائيل من جهة اخرى، إذ تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى وقف البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم، والذين يخشون أن يؤدى فى النهاية إلى إنتاج أسلحة نووية، في المقابل تقول ايران ان برنامجها النووي مخصص للإغراض المدنية فقط، وهذا ما لا يصدقه خصومها، فمع تزايد المخاوف لدى الغرب من طموحاتها النووية، لا سيما بعد إعلان إيران اعتزامها تصنيع غواصات النووية، هذا بدوره اذكى تكهنات الغرب بأن ايران قد تستخدم ذلك ذريعة لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب وتقترب أكثر من إنتاج مواد قد تستخدم لإنتاج قنبلة نووية، في المقابل تنفي الدولة الإسلامية ان يكون لديها في الوقت الراهن اي مشروع لبناء غواصات نووية، ومن جانب أخر اتهمت إيران كلا من فرنسا والمانيا وبدعم إسرائيلي وأمريكي بالوقوف وراء اغتيال علماءها النوويين، وفي ذات الوقت اعلنت الدولة نفسها عن تفكيك خلايا لاغتيال علماء في المجال النووي، وذلك في إطار جهودها المستمرة ضد من تقول انهم يعملون على تخريب برنامجها النووي، ومن جهتها تسعى الأمم المتحدة لإيجاد حلول الدبلوماسية، بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكن هذه الحلول ستكون مرهونة بمدى قناعة إيران بمساومات العفو أو التخفيف من وطأة العقوبات، خصوصا وانها تخضع لعقوبات اقتصادية دولية صارمة حول برنامجها النووي الذي تعتقد الدول الغربية انه يخفي مساع لتصنيع سلاح نووي على الرغم من النفي المتكرر لطهران.

وعليه فأن ملف النووية الإيراني مازال يتأرجح بين صراع الأجندات المفتوحة والمناورات السياسية بسبب معضلة فقدان الثقة بين أمريكا وإسرائيل وإيران، وعدم نجاح المفاوضات العالمية سواء التي كانت بالترهيب ام الترغيب، وخلاصة القول بأن هذا الملف النووي سيبقى مضمارا لسباق الأنفاس الطويلة ومشروعا لحرب النوايا وشيكة مكلفة الخسائر.

خطط الاستخبارات البريطانية

فقد صرح رئيس الاستخبارات الخارجية البريطانية في مقابلة نشرتها صحيفة "ديلي تلغراف" ان عملاءه تمكنوا قبل سنوات من منع ايران من امتلاك السلاح النووي الا انها ستحصل عليه في غضون سنتين تقريبا، وقال جون سويرز رئيس جهاز "ام آي 6" في تصريح نادر خلال اجتماع في لندن ان عملاء بريطانيين افشلوا محاولات ايران لصنع سلاح نووي قبل اربع سنوات، بحسب الصحيفة، ونقلت الصحيفة عن سايرز "كانت ايران ستمتلك السلاح النووي في العام 2008 لكنها لا تزال في العام 2012 بحاجة الى عامين لذلك"، لكن سويرز حذر من انه عندما ستمتلك ايران السلاح النووي في نهاية المطاف فان الولايات المتحدة واسرائيل "ستواجهان مخاطر كبيرة، واضاف "اعتقد انه سيكون من الصعب جدا لاي رئيس وزراء في اسرائيل او رئيس للولايات المتحدة ان يتقبل ان تملك ايران السلاح النووي"، وفرضت الولايات المتحدة مجموعة جديدة من العقوبات على ايران لتزيد بذلك الضغوط من اجل حمل ايران على الاخذ جديا بالمخاوف حول برنامجها النووي المثير للجدل. بحسب فرانس برس.

واعلنت وزارة الخزانة الاميركية تشديد العقوبات المالية على اكثر من 50 كيانا ايرانيا متهمة بدعم البرنامج النووي للجمهورية الاسلامية وتشمل بشكل اساسي شركات حكومية مرتبطة بالقوات المسلحة الايرانية والحرس الثوري، وغالبية الكيانات المعنية بهذه العقوبات تخضع اساسا لعقوبات فرضتها عليها وزارة الخزانة الاميركية منذ 2005 وابرزها هيئة امدادات القوات المسلحة الايرانية والهيئة الحكومية للصناعات الفضائية والشركة البحرية العامة والحرس الثوري، ولكن العديد من هذه الكيانات عمد بعد ادراجه على القائمة الاميركية السوداء الى تغيير اسمه او تم الحاقه بوزارات اخرى، ما دفع بوزارة الخزانة الى تحديث قائمتها وادراج هذه الكيانات باسمائها الجديدة.

القوة الأميركية

فيما اكدت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في القدس ان الولايات المتحدة ستستخدم "كل عناصر القوة الاميركية" لمنع ايران من الحصول على السلاح النووي، وقالت الوزيرة الاميركية "سوف نستخدم كل عناصر القوة الاميركية لمنع ايران من حيازة السلاح النووي"، في اشارة الى برنامج ايران النووي الذي تشتبه واشنطن ودول غربية كثيرة في انه يخفي خلف ستاره المدني شقا عسكريا سريا، واضافت "كما قال الرئيس (باراك) اوباما، فان العالم اجمع حريص على منع ايران من حيازة السلاح النووي. بفضل جهودنا لتوحيد صفوف المجتمع الدولي فان ايران تخضع لضغوط اقوى من اي وقت مضى. وهذا الضغط سيتواصل وسيتزايد ما دامت ايران لم تف بتعهداتها الدولية"، وتابعت كلينتون "نفصل حلا دبلوماسيا والقادة الايرانيون ما زالت لديهم امكانية القيام بالخيار الصائب. في النهاية الخيار يعود اليهم". بحسب فرانس برس.

كما صرحت كلينتون "قلت بوضوح ان الاقتراحات المقدمة حتى الان من ايران في اطار مفاوضات مجموعة 1+5 لم تكن مقبولة. على رغم ثلاث جولات من المحادثات، يبدة ان ايران لم تتخذ بعد القرار الاستراتيجي بالرد على مخاوف المجتمع الدولي والايفاء بتعهداتها"، وتعتبر اسرائيل، وهي القوة النووية الوحيدة في المنطقة لكن غير المعلنة، ان البرنامج النووي الايراني يشكل خطرا على وجودها وتستند في ذلك الى التصريحات المتكررة التي ادلى بها قادة الجمهورية الاسلامية الايرانية بشأن شطبها من الخارطة، ويلوح ابرز القادة الاسرائيليين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو باستمرار بشن عملية عسكرية ضد الجمهورية الاسلامية معربين عن شكوكهم في فعالية العقوبات ضد طهران التي تؤكد باستمرار ان برنامجها النووي محض مدني.

مخاوف الغرب

في سياق متصل يذكي إعلان إيران اعتزامها تصنيع أول غواصة تعمل بالطاقة النووية تكهنات بأن طهرن قد تستخدم ذلك ذريعة لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب وتقترب أكثر من إنتاج مواد قد تستخدم لإنتاج قنبلة نووية، ويساور الخبراء الغربيون الشك في أن إيران التي تخضع لحظر على الأسلحة تفرضه الأمم المتحدة ستمتلك قريبا القدرة على تصنيع ذلك النوع من الغواصات المتطورة الذي لا تملكه في الوقت الحالي إلا أقوى دول العالم، لكنهم يقولون إن إيران قد تستخدم هذه الخطوة لتبرير الاستمرار في النشاط النووي الحساس لأن الغواصات النووية قد تحتاج إلى يورانيوم مخصب لمستوى قد يكون مناسبا أيضا للمادة المتفجرة الأساسية لرأس حربي نووي، وقال أولي هاينونين الذي شغل منصب كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة "هذه الغواصات تستخدم غالبا يورانيوم عالي التخصيب" مضيفا أنه من غير المرجح أن تستطيع إيران الحصول على هذا اليورانيوم من الخارج بسبب الخلاف الدولي بخصوص برنامجها النووي، وأضاف هاينونين الذي يعمل الآن في مركز بلفر للعلوم والعلاقات الدولية في جامعة هارفارد إن إيران يمكن أن "تشير حينذاك إلى نقص إمدادات الوقود من الخارج كمبرر آخر للاستمرار في تخصيب اليورانيوم"، وأي خطوة من جانب إيران لتخصيب اليورانيوم لمستوى أعلى قد تثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها الذين يشتبهون في أن إيران تسعى لتطوير قدرة على صنع قنابل نووية ويريدون كبح برنامجها النووي. وتنفي طهران أن يكون لديها أي طموحات لإنتاج أسلحة نووية، ومن المرجح أن تزيد هذه الخطوة أيضا العقبات أمام الجهود الدبلوماسية لحل خلاف مستمر منذ عشر سنوات بخصوص برنامج طهران النووي وقد تزيد المخاوف من حدوث مواجهة عسكرية، وفشلت إلى الآن عدة جولات من المحادثات بين إيران والقوى العالمية الست عقدت هذا العام في إحراز تقدم كبير خصوصا فيما يتعلق بمطالبتهم الجمهورية الإسلامية بتقليص حجم أنشطة التخصيب المثيرة للجدل، وقال شاشنك جوشي وهو باحث كبير ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الملكي للدراسات العسكرية "إيران تستخدم هذ الإعلان عن تصنيع غواصات لاكتساب أوراق للمساومة، "يمكنها التفاوض على التخلي عن هذه "الخطط" مقابل تنازلات أو استخدام الخطط كذريعة مفيدة لأنشطتها لتخصيب اليورانيوم، ونقل عن الأميرال عباس زميني مساعد قائد القوات البحرية الإيرانية قوله الشهر الماضي "بدأت الخطوات الأولى لتصنيع غواصة نووية إيرانية، ولم يحدد المسؤول العسكري الايراني نوع الوقود الذي ستستخدمه الغواصة لكن خبراء قالوا إنها قد تحتاج إلى يورانيوم عالي التخصيب، وتعمل إيران الآن على تنقية اليورانيوم ليصل إلى درجة تركيز نسبته 3.5 في المئة الذي يصلح لمحطات الطاقة النووية وكذلك لدرجة تركيز نسبتها 20 بالمئة تقول إنها تحتاجه لمفاعل أبحاث طبي في طهران، وتحتاج الأسلحة النووية تخصيب اليورانيوم إلى نقاء 90 في المئة وهو مستوى النقاء نفسه تقريبا المستخدم في تشغيل الغواصات النووية الأمريكية. بحسب رويترز.

وقال مارك فيتزباتريك مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن "هذا مبرر صريح لتخصيب اليورانيوم لمستوى أعلى من 20 في المئة، وقال دبلوماسي غربي إن ذلك قد يوفر مبررا محتملا آخر لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب مضيفا أن إيران قد تستخدم أيضا إنتاج النظائر الطبية كمبرر، وقال الدبلوماسي "ما يعنيه ذلك كله بالنسبة لي أنهم يستطيعون التخصيب لنسبة تزيد على 20 في المئة أو حتى يعلنون وحسب أنهم يعتزمون ذلك ثم يشيرون إلى بعض هذه المبررات أو إليها كلها، ونقل تلفزيون برس عن نائب بمجلس الشوري الإيراني قوله إن البرلمان يعتزم مطالبة الحكومة بتزويد أسطول البحرية والأبحاث الإيراني بمحركات تعمل بوقود "غير أحفوري" في إشارة على ما يبدو إلى الوقود النووي.

وأشار إعلان إيران عزمها تصنيع غواصة نووية والتجارب الصاروخية التي أجرتها إلى استمرار التحدي الإيراني رغم تكثيف الضغوط الغربية من خلال الحظر النفطي الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على طهران، وقال جوشي من المعهد الملكي للدراسات العسكرية "أرى أن هذه محاولة من جانب إيران لإظهار تصميمها في وقت تزداد فيه وطأة العقوبات على نحو لم يسبق له مثيل، وتصنيع غواصات نووية أمر معقد ومكلف للغاية. وقال فيتزباتريك "لا تستطيع إيران أن تنتج غواصة تعمل بالطاقة النووية بأي حال، ويقول خبراء إنه يمكن لهذه الغواصات التي تمتلكها الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا أن تبقى في البحر دون إعادة تزود بالوقود وأن تبقى تحت المياه لفترات أطول بكثير من الغواصات التي تعمل بالديزل، وقال الاتحاد النووي العالمي وهو اتحاد للصناعة النووية مقره لندن على موقعه الإلكتروني إن المفاعلات المستخدمة في القطع البحرية تنتج قدرا كبيرا من الطاقة من كمية صغيرة ومن ثم تعتمد على يورانيوم عالي التخصيب ولكن درجة التخصيب تتراوح بين 20 في المئة أول أقل وحتى 93 في المئة وهو النوع المستخدم في أحدث الغواصات الأمريكية، وقال الخبير العسكري بيتر فيزيمان من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إن إعلان إيران عن تصنيع غواصة نووية دليل آخر "على أنهم قادرون على إنتاج تكنولوجيا عسكرية أكثر تقدما وتأثيرا وكالعادة هناك القليل من الحقيقة فيما يعلن."

الغواصات نووية

في المقابل اعلن رئيس البرنامج النووي الايراني فريدون عباسي دواني انه ليس لدى بلاده "في الوقت الراهن" اي مشروع لبناء سفن او غواصات تعمل بالدفع النووي ولو انها تتمتع بالقدرة على القيام بذلك، وقال عباسي دواني بحسب ما نقلت وكالة الانباء الطالبية "ليست لدينا اي خطة حاليا في هذا المجال". واضاف "لكن لدينا القدرة على تصميم مثل هذه المفاعلات للسفن"، وتابع "اذا كان ذلك ضروريا واذا قررته الحكومة، فليست لدينا مشكلة في المضي نحو مثل هذه الانظمة والتكنولوجيات"، وفي الاسابيع الاخيرة، اعلن عدد من النواب الايرانيين ان البرلمان يعد نص قانون يطلب بموجبه من الحكومة بناء سفن نووية، وتخصيب اليورانيوم هو موضوع الخلاف الرئيسي بين ايران والقوى الكبرى في مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين والمانيا) التي استأنفت مفاوضاتها في نيسان/ابريل الماضي بعد 15 شهرا من التوقف، وانما من دون تحقيق اي خرق، وتنتج ايران حاليا اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة للوقود الخاص بمفاعلها للابحاث الطبية في طهران. بحسب فرانس برس.

وترفض ايران اتهامات الدول الغربية التي تقول انها تسعى الى صنع القنبلة الذرية، ويبدو ان تصريحات النواب سياسية بشكل كبير مع التهديد بزيادة تخصيب اليورانيوم الى اكثر من 20 في المئة في حال تعزيز الضغوط والعقوبات الغربية على ايران، لكن عباسي دواني اكد انه قد لا يكون "من الضروري امتلاك وقود نووي مخصب بنسبة اعلى من مستوى 20 في المئة للسفن (لان) هناك مفاعلات تعمل بوقود مخصب بنسبة 3,5 في المئة او 5 في المئة"، واضاف "اذا اردنا يوما ان نقوم بمثل هذا الامر (بناء سفن تعمل بالدفع النووي)، فسنعمد الى التعاون الضروري مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن ليس لدينا اي خطة في الوقت الراهن في هذا المجال"، وقال ايضا "اذا احتجنا الى وقود مخصب بنسب اعلى، فسنبلغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، يذكر ان القسم الاكبر من السفن التي تعمل بمحركات نووية هي سفن عسكرية مع بضعة استثناءات ولا سيما منها كاسحات الجليد الروسية.

الأمم المتحدة

فربما يكون عرض العفو أو التخفيف من وطأة العقوبات السبيل الوحيد لإقناع إيران بإنهاء اعاقتها المستمرة منذ سنوات لتحقيق تجريه الأمم المتحدة في أبحاث للجمهورية الإسلامية يشتبه أن الغرض منها هو صنع أسلحة نووية، ومن المرجح أن تحتاج مثل هذه المبادرة أن يكون مصدرها القوى العالمية في إطار حملة دبلوماسية أوسع نطاقا لنزع فتيل نزاع حول البرنامج النووي الإيراني مما يجعل تحقيق الأمم المتحدة مرهونا بكيفية تطور تلك المحادثات، ولم تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إقناع طهران بالسماح لها بدخول المواقع ومقابلة المسؤولين والاطلاع على الوثائق التي تقول إنها تحتاجها للتحقيق المتعثر منذ فترة وذلك في سلسلة من جولات المباحثات خلال الاشهر الست الماضية، وأبرزت المفاوضات السلطات المحدودة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في جعل إيران تتعاون معها مما يشير إلى أن طهران لن تفعل ذلك إلا إذا حصلت على شئ في المقابل في مجال آخر وأدى هذا إلى إذكاء ريبة الغرب في أنها تكسب وقتا، وقال شانون كايل الباحث في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "يبدو بالنسبة لي الآن أن مسار وكالة الطاقة الذرية-ايران لن يتقدم إلا إذا حدث تقدم في المحادثات بين إيران والقوى، وفي بعض الأحيان تعزز إيران الآمال في التوصل لاتفاق ثم تتراجع تلك الآمال مما جعل هناك شكوك في أن إيران تستغل فيما يبدو مباحثاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في كسب ثقل في الاجتماعات المنفصلة التي تعقدها مع القوى والتي لم تحرز تقدما كبيرا منذ استئنافها في ابريل نيسان بعد توقف 15 شهرا.

وتريد القوى الست -وهي الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين والمانيا- من إيران التعاون الكامل مع وكالة الطاقة الذرية. لكن مطلبها الفوري هو أن توقف إيران النشاط النووي الذي يقربها من احتمال صنع مواد تستخدم في الأسلحة النووية، وقد تطلب طهران أيضا في حالة موافقتها على السماح لمفتشي الأمم المتحدة بحرية أكبر في مباشرة أعمالهم ألا يستخدم أي دليل يدينها ربما يتوصلون إليه ضدها. وتنفي إيران المزاعم الغربية بأنها تسعى للحصول على قدرة لصنع قنابل نووية، وقال بيير جولدشميت الرئيس السابق لمفتشي الأمم المتحدة النوويين إنه للمساعدة على كسر هذا الجمود يجب منح إيران "فترة سماح مع عدم وجود عواقب سلبية في حالة أن تسفر الشفافية الكاملة مع مفتشي وكالة الطاقة الذرية عن الكشف عن مخالفات سابقة، وقال جولدشميت وهو الآن في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إنه يجب أن تقدم القوى هذا العرض وتضمنه، وقال دبلوماسي غربي رفيع يتابع القضية النووية عن كثب لكنه لا يشارك في المفاوضات مع طهران "شخصيا أنا لا أرى غضاضة في منح الحصانة بالنسبة للماضي، وأضاف المبعوث "لكن لابد أن تكون هناك وسيلة للتحقق. النموذجان هما جنوب افريقيا وليبيا. أخشى ألا تقبل إيران مثل تلك الشفافية الحقيقية" في إشارة إلى قرارات اتخذها البلدان قبل سنوات للتخلي عن طموح حيازة أسلحة نووية.

وقال علي فايز من المجموعة الدولية للأزمات إن العلاقة بين إيران ووكالة الطاقة الذرية أصبحت "مرهونة بسياسة حافة الهاوية النووية" بين طهران وقوى العالم، وتطالب الدول الست بأن تقلل إيران من حجم برنامج تخصيب اليورانيوم وإغلاق منشأة نووية تحت الأرض حيث تمارس أنشطة نووية باليورانيوم عالي التخصيب، وتسعى إيران للاعتراف بما تقول إنه حقها القانوني في تخصيب اليورانيوم ورفع العقوبات الاقتصادية التي تزيد شدة والتي أصبحت تستهدف الآن صادرات النفط الحيوية بالنسبة لها.

وأظهر عرض لموقف إيران التفاوضي نقلته وسائل إعلام إيرانية أنها تتوقع تخفيف العقوبات مقابل "الشفافية" في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقال فايز "نحن في معضلة البيضة أم الدجاجة.. حيث لا يمكن حل الأزمة الإيرانية دون أن تمنح وكالة الطاقة الذرية إيران التبرئة لكن هذا لن يحدث ما لم تحل الأزمة."

وقال كايل من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إنه يعتقد أن إيران تحتاج "شيئا إيجابيا وملموسا في مقابل" التعاون مع الوكالة وربما يكون ذلك في مجال العقوبات.

وتستبعد الولايات المتحدة وحلفاؤها تقديم اي تخفيف للعقوبات قبل ان تتخذ ايران اجراءات ملموسة لتهدئة مخاوفهم. ويطالبون بأن توقف ايران تخصيب اليورانيوم لمستوى مرتفع واغلاق موقع فوردو تحت الارض دون ان تتعهد في المقابل بتخفيف العقوبات بصورة كبيرة.

وقال كايل "هناك مدرسة اخرى للتفكير وهي (ان) ايران تحاول كسب الوقت ... وهذا بالاساس سبيل لابقاء المحادثات مستمرة واحباط العمل العسكري والسماح بتقدم برنامجها النووي."

وبينما تعيق ايران طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية يقول دبلوماسيون غربيون ان صور الاقمار الصناعية تظهر ما يبدو انه تنظيف موقع بارشين العسكري حيث يعتقد مفتشو الامم المتحدة ان ايران قامت بتجارب تتعلق بتطوير اسلحة نووية.

وقال معهد العلوم والامن الدولي وهو مركز ابحاث امريكي "الانشطة الحالية لايران في موقع بارشين مستمرة في اثارة المخاوف بشأن الجهود الرامية لتدمير الادلة عن نشاط يتعلق بالاسلحة النوويةن وترفض ايران المزاعم المتعلقة ببارشين وهو مجمع عسكري ضخم في جنوب شرق طهران وتصفها "بالصبيانية" و"الهزلية" مثلما ترفض الشكوك الغربية في انها تسعى لامتلاك القدرة على صناعة قنابل نووية، وقال وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي لرويترز عندما سئل عن مزاعم التنظيف "ارفض تماما هذه المزاعم ... لا يمكن لاحد ان ينظف اي تلوث نووي، لكن رفض ايران الحد من نشاطها النووي الذي يمكن ان يستخدم في الاغراض المدنية والعسكرية وافتقارها الى الانفتاح والصراحة مع مفتشي الامم المتحدة من الامور التي ادت الى تعرضها لاربع جولات من العقوبات بقرارات من مجلس الامن منذ 2006 واجراءات غربية منفصلة، وصعد الغرب ضغوطه بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية العام الماضي الذي كشف عن معلومات للمخابرات تشير الى انشطة بحث في ايران تستخدم في تطوير تكنولوجيات لازمة لتجميع الاسلحة النووية اذا قررت ان تفعل ذلك.

وتريد الوكالة التابعة للامم المتحدة من ايران ان تبدد الشكوك التي اثارها هذا التقرير مثل التجارب السابقة المزعومة في بارشين وبدأت جهدا ينطوي على تصميم هذا العام لضمان تعاون طهران بما في ذلك ثلاث زيارات لطهران منذ يناير كانون الثاني، لكن دبلوماسيون قالوا انه عندما كانت الوكالة الدولية تأمل ان تنتهي من اتفاق بشان كيفية اجراء التحقيق الشهر الماضي اقترحت ايران بدلا من ذلك تعديلات من شأنها تقييد التحقيق، وقال مبعوث غربي "عادت الامور الى المربع الاول"، وقال سفير ان ايران "خدعت" الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اشارة الى زيارة حظيت بتغطية اعلامية كبيرة لكنها فشلت في اخر الامر لمدير الوكالة يوكيا امانو لايران في مايو ايار والتي اعرب بعدها عن تفاؤله بشأن توقيع اتفاق مع البلاد قريبا.

وقال دبلوماسيون ان اصرار ايران على الا تعيد الوكالة فتح التحقيق بعدما ينتهي كان من القضايا القائمة المهمة، وقال دبلوماسي آخر عن فرص اجراء المزيد من المحادثات ان مسؤولي الوكالة الذرية "مروا بمثل هذه العملية المخيبة للامال والمحبطة في المرة السابقة وانهم لا يريدون تكرار ذلك، لكن ايران تصر على انه ستكون هناك المزيد من اللقاءات مع الوكالة، وقال صالحي ان مساعي التوصل إلى اتفاق مستمرة. واضاف "ربما تكون توقفت قليلا لكن ستمضي بسرعة."

اغتيال العلماء النوويين

من جهة أخرى اتهم وزير الاستخبارات الايراني وكالات مخابرات المانية وفرنسية بالضلوع في اغتيال علماء ايرانيين في المجال النووي في الوقت الذي تزداد فيه وطأة العقوبات التي فرضت على البرنامج النووي لطهران، واتهمت الجمهورية الاسلامية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا بالتخطيط لعمليات القتل بهدف عرقلة برنامجها لتخصيب اليورانيوم. وتشتبه القوى الغربية في أن هذا البرنامج يستخدم لتطوير قدرة على صناعة الأسلحة النووية، ووسع وزير الاستخبارات حيدر مصلحي دائرة الاتهام لتضم فرنسا وألمانيا بعد أيام من تصريحات قوية واختبارات صواريخ أجرتها إيران أدت الى رفع اسعار مزيج خام برنت فوق 100 دولار للمرة الأولى منذ يونيو حزيران، ونقلت كالة انباء الجمهورية الاسلامية الايرانية عن مصلحي قوله "في هاتين الشبكتين (الضالعتين في الاغتيالات) رأينا صلات مع وكالات المعلومات في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا واسرائيل والولايات المتحدة ووكالات مخابرات إقليمية". بحسب رويترز. 

ولم يذكر اسم البلدان الأخرى، وفي برلين قال متحدث باسم الحكومة الالمانية "نحجم عن الرد على مثل هذه الاتهامات الوهمية، واغتيل ما لا يقل عن أربعة علماء مرتبطين بالبرنامج النووي الايراني منذ عام 2010 آخرهم في يناير كانون الثاني هذا العام. ونفت واشنطن أي دور في عمليات القتل في حين رفضت إسرائيل التعليق، وتنفي ايران الاتهامات الغربية بأن لديها برنامجا سريا لتطوير سلاح نووي وتصر على أنها لا تريد تخزين اليورانيوم المخصب سوى لتوليد مزيد من الكهرباء لسكانها الذين يتزايدون بسرعة وللحصول على النظائر المشعة لأغراض طبية، وفشلت المحادثات بين القوى العالمية وايران في تحقيق انفراجة للأزمة حتى الان.

الى ذلك ذكرت وسائل إعلام حكومية ايرانية ان ايران اعتقلت بعض المسؤولين عن اغتيال عدد من علمائها العاملين في المجال النووي وذلك في إطار جهودها المستمرة ضد من تقول انهم يعملون على تخريب برنامجها النووي، ونقلت وكالة فارس للانباء عن وزير المخابرات حيدر مصلحي قوله ان ايران فككت شبكتين داخل وخارج البلاد كانتا ضالعتين في تدريب القتلة، واغتيل أربعة علماء على الاقل لهم صلة بالبرنامج النووي الايراني منذ 2010 كما أُصيب عالم خامس وهو فريدون عباسي دواني الرئيس الحالي لهيئة الطاقة الذرية الايرانية، ويعتقد الغرب ان ايران تخزن اليورانيوم المخصب بغرض استخدامه في صنع أسلحة نووية وتسعى لتطوير التكنولوجيا اللازمة لصنع قنبلة. وتنفي ايران ذلك وتقول ان أنشطتها النووية مخصصة لانتاج الطاقة فقط، ولم يذكر مصلحي عدد الاشخاص المعتقلين ولم يحدد حوادث القتل التي يزعم مسؤوليتهم عنها كما لم يذكر الأماكن التي كانت تعمل بها الشبكتان وكيف تم تدريب من نفذوا الاغتيالات، وقال "لقد اتخذتا (الشبكتان) تدابير لعدم ترك أي أدلة لكنهما ارتكبتا أخطاء، وكان مصلحي يتحدث في مراسم بمناسبة مرور عام على اغتيال داريوش رضائي نجاد. وذكرت تقارير اولية لوسائل اعلام ايرانية ان رضائي نجاد كان مشاركا في البرنامج النووي الايراني لكنها ذكرت بعد ذلك انه كان طالب هندسة. بحسب رويترز.

ونقل عن مصلحي قوله "تمكنا من اعتقال الفاعلين الرئيسيين في هذا العمل الارهابي، وتلقي ايران باللائمة في الاغتيالات على اجهزة المخابرات الأمريكية والاسرائيلية والفرنسية والبريطانية والألمانية وخاصة جهاز الموساد الاسرائيلي، وفي مايو ايار اعدمت ايرات شنقا شابا يدعى جمال فاشي (24 عاما) بتهمة اغتيال العالم مسعود علي محمدي في يناير كانون الثاني 2010 وقالت ان فاشي ذهب الى اسرائيل لتلقي تدريبات، ونفت الولايات المتحدة أي دور في الاغتيالات فيما التزمت اسرائيل الصمت، وفشلت المحادثات بين القوى الدولية الست وايران في إحراز تقدم لانهاء الجمود المستمر منذ نحو عشر سنوات في أزمة البرنامج النووي الإيراني، وفي الأول من يوليو تموز بدأ تطبيق حظر فرضه الاتحاد الاوروبي على استيراد او نقل النفط الايراني في اطار عقوبات دولية موسعة تهدف الى اجبار طهران على وقف انشطة تخصيب اليورانيوم والسماح للامم المتحدة بتفتيش مواقعها النووية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/أيلول/2012 - 25/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م