عقوبة الاعدام وحق المجرمين في الحياة

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في فلم (التجربة الدنماركية) لعادل امام، هناك مشهد في الملهى مع مجموعة من الشباب، يسال عادل امام احدهم عن عمل والده، فيجيبه بانه ثري جدا ولديه الكثير من الاموال التي حصل عليها نتيجة الفساد والرشوة، ويساله عادل امام: وفلوسه، يجيبه الابن: طبعا خارج السجن نتمتع بها حاليا.

في سياق اخر وفي احد افلام الممثل الامريكي صامويل جاكسون والذي حمل عنوان(Unthinkable) هناك مشكلة اخلاقية يطرحها هذا الفلم وهي هل يجوز تعذيب المتهم والذي ثبت تورطه في التخطيط لعمليات ارهابية ضد الابرياء؟ المتهم يعترف بجريمة التفجير الاولى، بعد القبض عليه، ثم يعترف بوجود قنبلتين معدتين للانفجار، لكن المحقق وهو صامويل جاكسون يعرف ان هناك قنبلة رابعة. احداث الفلم تطرح هذا السؤال: هل يجوز الاستمرار في تعذيب المتهم الذي ثبتت جرائمه من اجل ايقاف جرائم اخرى على وشك الحدوث كان قد خطط لها قبل القبض عليه؟ وهل تساوي كرامة هذا المجرم وحقوقه حياة ضحاياه المحتملين؟

قريبا من هذا الكلام، نقرأ ونسمع عن العديد من جرائم الاغتيالات بواسطة المسدسات الكاتمة للصوت، والتي يذهب ضحيتها العديد من الاشخاص، اكتشفت عن طريق الصدفة ان عقوبة حمل مسدس كاتم للصوت هي السجن ما بين ثلاثة الى ستة شهور. هل يتناسب مثل هذا الحكم مع خطورة الجرم اذا علمنا ان حمل مثل هذا السلاح ليس لغرض الدفاع عن النفس الذي تسمح به القوانين المرعية في ما يتعلق بحمل السلاح وحيازته؟

في هذه الامثلة التي ذكرتها، يمكن ايراد المثل الشهير حولها وهو من امن العقوبة اساء الادب، ومن امن عدم وجود عقوبة رادعة لافعاله فانه يوغل في الجريمة، سواءا كانت فسادا ماليا او جرائم قتل تحت دواعي ومبرات عديدة.

بعد صدور حكم الاعدام بحقه، رفض طارق الهاشمي ذلك الحكم واصفا اياه بالمسيس، وطالب العالم بايقاف عقوبة الاعدام في العراق ملقيا باللوم على منظمات حقوق الانسان لبطئها في التحرك. قبل ذلك طالبت القائمة العراقية وعبر مجلس النواب بتشريع قانون يلغي عقوبة الاعدام المنصوص عليها في الدستور العراقي، بعد ان وقفت كثيرا وهي تدافع عن منظمة مجاهدي خلق الايرانية وعن جميع القتلة في السجون العراقية عادة ذلك انتهاكا لحقوق الانسان.

الدعوات الى الغاء عقوبة الاعدام، هل فكر اصحابها بالضحايا وابناؤهم واخوانهم واباؤهم؟ ونحن نعلم ان اهل الضحايا تستعر النار في قلوبهم اذا شاهدوا القاتل يمشي مرفوع الراس وكانه لم يرتكب جرما بحقهم، وهذه المشاعر تبقى ملازمة لهم طيلة حياتهم، وخاصة الاباء منهم الذين لا يحتملون موت احد ابنائهم في حياتهم، فما بالك بقتله، والقاتل امامهم؟

كيف تنظّر المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الانسان لعقوبة الاعدام؟

لعل من أبرز حقوق الإنسان التي تسعى المواثيق الدولية إلى حمايتها هو حق الإنسان في الحياة. وقد أملى هذا الحق على المجتمع الدولي إصدار معاهدات وبروتوكولات وإعلانات وتوصيات ترمي إلى إلغاء القوانين والممارسات التي تناهضه وأهمها عقوبة الإعدام.

وقد تعرضت عقوبة الإعدام منذ منتصف القرن الماضي لإنتقادات شديدة من جانب القانونيين وعلماء الإجتماع والمفكرين في مختلف المجالات بحجة أنها عقوبة قاسية ونهائية لا رجعة عنها بعد تنفيذها، حتى وإن ثَبُتَ فيما بعد براءة من تمّ إعدامه بسبب خطأ في التحري أو حكم المحكمة. وتقيم القرارات والتوصيات الدولية مكانةً خاصاً للحق في الحياة وتحرّم صراحة المساس بهذا الحق حتى ولو كان الشخص المعني مجرماً موصوفاً.

والجدير بالذكر أنّ الحكم بالإعدام ليس السبب الوحيد الذي أثار سخط المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم، وإنما أيضاً الممارسات التي تتبع مثل هذا الحكم كالعلنية التي تتبع عملية تنفيذ الحكم وطريقة تنفيذ العقوبة. 

ماذا تقول الاديان حول عقوبة الاعدام؟

أوصت شريعة العهد القديم بعقوبة الإعدام لعدد من الجرائم: القتل بغدر، الخطف)، الإضطجاع مع بهيمة، الزنى، الشذوذ الجنسي، إدعاء النبوة، العهارة والإغتصاب، بالإضافة إلى عدد من الجرائم الأخرى. كل خطية نرتكبها يجب أن تكون نتيجتها الموت لأن أجرة الخطية هي الموت.

الله هو مَن أسس عقوبة الإعدام: "سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه. لأن الله على صورته عمل الإنسان". يسوع كان سيؤيد عقوبة الإعدام في بعض الحالات. كما أنه أظهر نعمة للناس في حالات كان حكم الإعدام مستحقاً فيها. وبكل تأكيد أدرك الرسول بولس سلطان الحكومة في تنفيذ حكم الإعدام حيث لزم.

كيف يجب إذاً أن ينظر المؤمن إلى عقوبة الإعدام؟ أولا، يجب أن نتذكر أن الله هو الذي أسس عقوبة الإعدام في الكتاب المقدس؛ لذلك فإنها جرأة منا أن نعتقد أننا يمكن أن نوجد قيماً أعلى من قيم الله.

عقوبة الإعدام تعادل القصاص في الشريعة الإسلامية، وهي ضرورة لردع الخارجين على القانون، وإلغاء العقوبة سيؤدي إلى انتشار الفساد والانحرافات في المجتمع. فبعض الدول الغربية ألغت عقوبة الإعدام، ومع تزايد الجرائم عادت إليها مرة أخرى.

وإلغاء عقوبة الإعدام ليس في مصلحة المجتمع، فالحكمة من القصاص هي توفير العدل، وفي القصاص رحمة، وقتل فرد واحد هو قتل للجميع إذا كان ذلك بغير حق، فالشريعة لا تنظر إلى القاتل والمقتول بشكل منفرد، ولكن الأمر يتعلق بالعدل وبالقصاص الذي هو أوسع بكثير من مفهوم القتل، فهناك القصاص في الجروح، وغيرها، القيمة العليا في الإسلام هي ميزان العدل، فلا حرية بلا حد، ومن مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النفس.

والشريعة الإسلامية تعتبر الجاني في الجرائم الكبرى مثل جرائم الحرابة التي من صورها المعاصرة الجرائم الإرهابية، معتدٍ على الأمة، بل على حق الحياة الذي أوجبت الشريعة احترامه، والله تعالى يقول: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 33، 34].

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/أيلول/2012 - 24/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م