تركيا ازدواجية السياسة واختيارية الغضب

مشروع الشرق الأوسط الأوسع ودور تركيا الخفي في العراق

 

شبكة النبأ: من خلال رصد الحراك الإقليمي لتركيا، يمكن ملاحظة حجم القوة الناعمة التي تتبناها تركيا في إطار استراتيجياتها في السياسة الخارجية، والتي أفضت إلى تصفير بعض من مشاكلها، لتبدأ بحرب جديدة سياسية وأمنية مع العراق، فمنذ اندلاع ثورات الربيع العربي، تمر تركيا بنقطة تحول في سياساتها. وفي حين تشهد البلاد نمواً اقتصادياً صعودا تدريجيا، إلى مكانة القوة الإقليمية، وظهرت تركيا باعتباره القوة السياسية المهيمنة على الساحة الاقتصادية وزجت نفسها  في اللعبة السياسية في المنطقة وبقوة. ربما تكون تركيا تفوق دول المنطقة في السياسة التي قد وصلت ذروتها.

ويواجه العراق سياسة تركية صعبة للغاية وتدخلا في الشؤون الداخلية، حيث وجود مشاكل ترتبط أساساً بالاقتصاد والأمن والسياسة. فالرؤية السياسة الخارجية لتركيا هي ليست ببساطة سياسة مزدوجة، لكنها ترتكز على غضب اختياري، وازدواجية في التعامل مع الاحداث وهنا يكمن الخطر الحقيقي.

ويرى محللون أن تركيا زجت نفسها في لعبة أكبر من حجمها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأنها تتخبط على مستوى السياسة الخارجية والأداء العسكري، مشيرا الى أن قوى الممانعة هي قوى رصينة اقتصاديا وأمنيا وعسكريا وصاحبة بعد أيديولوجي لا تمتلكه تركيا كنموذج بديل عن محور الممانعة.

وتركيا لا تستطيع أن تلعب دورا ربما دفعتها الولايات المتحدة للعبه حينما انتدبتها لتكون ذراع أميركا في تمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد، وبسبب دورها هذا فهي تتخبط على مستوى السياسة الخارجية والأداء العسكري.

فعلى الصعيد الاقتصادي، إذ يرتبط البلدان بعلاقات تجارية واسعة النطاق تأخذ شكل استيراد العراق للبضائع التركية بكميات كبيرة، بما جعل نقطة العبور بين البلدين من أهم المناطق التجارية التي تشهد حركة دخول الشاحنات التركية إلى العراق بشكل يومي وكبير، وبالمقابل فأن العراق يصدر نفطه المستخرج من كركوك عبر أنبوب النفط الذي يمر بالأراضي التركية وصولاً إلى ميناء جيهان حيث يصدر إلى أنحاء العالم، ومع زيادة قدرة العراق على التصدير وضرورة فتح منافذ جديدة، فقد تقرر فتح خط أنبوب نفطي آخر وأنبوب نقل الغاز عبر تركيا ليكون عاملاً من عوامل توثيق الروابط الاقتصادية بين البلدين الجارين وبما يعود بالمنفعة المشتركة عليهما.

وطالبت الحكومة العراقية انقرة بوقف الصادرات النفطية غير القانونية من منطقة كردستان العراق عبر اراضيها، محذرة بان ذلك سيضر بالعلاقات العراقية التركية خصوصا على الصعيد الاقتصادي.

الموارد المائية

المعروف أن دجلة والفرات ينبعان من تركيا، والموقف التركي من هذين النهرين يتناقض مع الموقف القانوني الدولي. وشهد ملف الموارد المائية بين العراق وتركيا تقلبات وأزمات تمثلت في بناء تركيا لسدود ومشاريع على منابع نهري دجلة والفرات في داخل أراضيها، ما أدى إلى نقص شديد في كميات المياه الداخلة إلى العراق وانعكاس ذلك سلبياً على الزراعة والري والسقي، وزيادة مساحات التصحر والملوحة وانعدام الزراعة في مناطق كبيرة ما جعل القطاع الزراعي يعاني من نقص كبير في الإنتاج والاضطرار إلى استيراد أكثر احتياجات العراق الزراعية من الخارج. ولاشك أن هذا الوضع لا يمكن القبول به لما يمثله من مخاطر حقيقية على الواقع الزراعي والمعيشي في العراق، وذلك يستدعي اتفاقاً منصفاً مع الجانب التركي يؤمن حصة مناسبة للعراق من مياه النهرين ويجنبه مواجهة مواقف مماثلة في المستقبل. صحيح ان على الحكومة العراقية اتخاذ اجراءات عملية من جانبها لإقامة السدود الصغيرة واستثمار المياه في موسم الوفرة، ولكن أي أتفاق مع تركيا سيضع الامور في نصابها ويرتب التزامات تدخل ضمن المصالح المتبادلة ومبادئ حسن الجوار.

في 25 مايو 2011 رفضت الحكومة العراقية التوقيع على اتفاقية الاقتصادية مع تركيا حتى تضمن لها حصة مائية محددة حسب اتفاق رسمي. وقالت الحكومة العراقية إن تركيا لا تزال ترفض توقيع اتفاقية تزود بها العراق بنسب محددة.

مشكلة الأكراد

المشكلة الكردية ستظل قائمة في كل من تركيا والعراق وسيكون لها دورها المؤثر في العلاقات العراقية التركية وكما كانت دائماً، خاصة أن الأكراد في العراق -بدعم أميركي- يلعبون الآن دورا مؤثرا في السياسة العراقية ويمكن أن يكون لهم أوراق جديدة ستؤثر في طبيعة العلاقة المستقبلية على المشكلة الكردية في كل من إيران وتركيا. ولكن مثل هذا التأثير لن تظهر مؤشراته الأولية وانعكاساته إلا بعد فترة طبقا لحسابات ترتبط أساسا بأهداف وخطط الولايات المتحدة وإسرائيل الخاصة بالمنطقة أكثر منها بالقضية الكردية نفسها واهتمامات الأكراد بمستقبلهم.

كما ان حزب العمال الكردستاني المتواجد على الاراضي العراقية يعد مشكلة للنسبة للأتراك ويقوم كلا الطرفين بعمليات كر وفر وهجومات عسكرية، اما على الصعيد السياسي والأمني فقد طالبت الحكومة العراقية بتسليم نائب رئيس الجمهورية والمدان بعمليات ارهابية أما الجانب التركي يرفض ذلك وقد قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إن تركيا لن تسلم طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي الهارب الذي يواجه عقوبة الاعدام في بغداد مضيفا أن بإمكان الهاشمي البقاء في تركيا طالما يريد. وأضاف اردوغان أقولها بوضوح للغاية نرحب باستضافة السيد الهاشمي طالما يريد ولن نسلمه.

والخلاصة أن الدور التركي في المنطقة تغير منذ بدأت الاستعدادات لجلاء القوات الأمريكية عن العراق، إذ زادت اللقاءات بين مسؤولين أتراك وأمريكيين، وجرى تفعيل الدور التركي داخل حلف الأطلسي. وبعد أن كانت تركيا تعمل ضمن مجموعة دول جوار العراق للحفاظ على وحدة التراب العراقي، وتؤكد تعاون دول المنطقة لحل مشكلاتها بعيداً عن أي تدخل خارجي، ولم تسمح بمرور قوات أمريكية على أراضيها لغزو العراق، باتت اليوم تنسق مع الإدارة الأمريكية وحلف الأطلسي لاستكمال مشروع الشرق الأوسط الأوسع وفرض تغييرات لأنظمة بلدانه بالقوة أو بأساليب أخرى، واستغلال حراك الشعوب السلمي المشروع دفاعاً عن حقوقها، للدفع باتجاه تغييرات بنيوية تخدم الأهداف الأمريكية والتركية، كما جرى في ليبيا، أو كما يحضر لإجرائه في سورية. إذ آوت تركيا مجموعات الجيش السوري الحر وسمحت لها بالتسلل عبر الحدود إلى سورية لشن هجمات داخل سورية، كما استضافت على أراضيها لقاءات ومؤتمرات لقوى معارضة باسم المجلس الوطني السوري أو ما بات يعرف بمجلس إسطنبول وقوامه الأساسي من الإخوان المسلمين وتنظيمات راديكالية عداؤها قديم للنظام. ويطالب هؤلاء بتدخل خارجي لتغيير النظام في سورية بالقوة، ويرفضون دعوات الحوار أو الالتزام بخطة عنان التي أقرها مجلس الأمن، كما استضافت تركيا واحداً من مؤتمرات أصدقاء سورية الذي تشارك فيه دول أطلسية وخليجية، وبحثت في هذه المؤتمرات سبل تسليح المعارضة، وسيناريوهات التدخل في الشأن السوري دون تفويض من مجلس الأمن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/أيلول/2012 - 24/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م