عالقون في الحياة

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا مهرب من جحيم الارض الا بفردوس السماء... مشاكلك لا تنتهي، تخلت عنك المرأة التي تحبها، فصلك مديرك من العمل، تخرجت وانت الان على ارصفة الانتظار، انتظار فرصة عمل او فرصة للتسكع المتكرر دون هدف او جدوى، انفجرت عبوة ناسفة وخطفت حياة ابنك الوحيد، فشلت في تحقيق النجاح في دراستك وتركك اصدقاؤك وحيدا الا من نفس الكتب تعيد مذاكرتها في سنة جديدة، اصابك المرض ولا تملك ثمن الدواء او العملية الجراحية، مشاكل، مشاكل تحيط بك من كل الجهات وانت عالق في الحياة، لاهي تغادرك وانت لا تملك تغييرها.

لماذا لا اغادرها انا تلك الحياة الكئيبة القاحلة الموحشة؟ لا بصيص من امل، لا ضوء في نهاية الافق، لماذا استمر في العيش هكذا؟ لست مجبرا بعد اليوم على الاستمرار في هذه المشقات المتواصلة، سأضع حدا لحياتي.

تلك الافكار كثيرا ما تراود الناس، نساءا ورجالا وفي مختلف الاعمار، وبمختلف المستويات التعليمية، فلا فرق بين جاهل او متعلم في ذلك، في طرح التساؤلات وفي محاولة وضع الحلول او الحدود لها.

نحن عالقون في الحياة، جميعنا كذلك، لكننا لا نملك الحرية في انهاء تلك الحياة، لانها ببساطة شديدة هبة من الخالق لنا، ونحن جديرون بالحفاظ على تلك الهبة حتى يستردها المانح الاكبر لها.

عالقون في الحياة، والحياة ليست عادلة، جميعنا نعرف ذلك، لكنها هكذا، دار بلاء ومكابدات وشقاء... وجميع صعوبات الحياة لا تمنحنا مبررا كافيا للتخلص منها ووضع حد لها عن طريق انهائها بايدينا.

الانتحار، سمة نفسية لعصرنا الراهن، عصر القلق والعذابات والاغتراب والوحدة والتوحش والانهيارات الكبرى، انهيارات القيم والاخلاق والضمائر.

الانتحار هو التصرف المتعمد من قبل شخص ما لإنهاء حياته. ويرى آخرون أنه قتل النفس تخلصا من الحياة، وقد اختلفت الآراء حول الانتحار هل يعكس شجاعة الشخص المنتحر أم جبنه وانعكاس لفشله وعدم الحاجة لاستمرار حياته.

بعض الشعوب لديها رمزية خالصة للانتحار كما هو عند اليابانيين. يحرم الإسلام قتل النفس بأي حال من الأحوال ويشير إلى أن حياة الإنسان ليست ملكا له وبالتالي لا يجوز التحكم بها من قبله.

حوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان. و65% يرجع إلى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية أو تجنب العار أو الإيمان بفكرة أو مبدأ كالقيام بالعمليات الانتحارية.

حلل فرويد الانتحار بانه عدوان تجاه الداخل ثم قام عالم آخر بتعريف ثلاث ابعاد للانتحار هي رغبة في القتل ثم رغبة في الموت ثم رغبة في أن يتم قتله... وعالم آخر وضح بان الانتحار يختلط به عدد من الأحاسيس منها الانعزال واليأس والاكتئاب ويشعر بألم انفعالي لا يطاق ولا يوجد حل سوى الانتحار.

أما المدرسة المعرفية فقد رأت الانتحار برؤيا النفق أو التفكير غير المرن حيث أن الحياة مريعة ولا يوجد حل سوى الانتحار والبعض رأى الانتحار أنه تعبير عن البكاء الرمزي أو للفت الانتباه.

ويوجد للانتحار أسباب عضوية منها الوراثة أو نقص السيروتونين وهناك أسباب اجتماعية فسرها عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم حيث فسر الانتحار بسبب تكسر الروابط الاجتماعية والانعزال، وقد تؤثر عوامل الضغوط النفسية وعدم القدرة على كبحها وخاصة الفقر والبطالة.

وقد تكون هناك أسباب أخرى مثل ضعف الضمير وعدم القدرة على التكيف مع المجتمع وهنا تظهر فكرة إريك فروم حول الانتحار حيث الصراع بين الداخل والخارج وعدم الالتفات للعوامل الحضارية الاجتماعية.

وقد تباينت الردود على الانتحار ففي الهند واليابان يكون الانتحار مصدر شرف عندما تحترق الزوجة بجانب زوجها الميت أو مثل طياري الكاميكازي الانتحاريين وبعض المجتمعات تجعل الانتحار كجريمة وخطيئة لا تغتفر، وعادة ما يشعر أقرباء المنتحر بالذنب والعار والهجر.

بشكل عملي تختلف رؤية الأشخاص وتقديراتهم لظروفهم الحياتية التي تواجههم..وبعضهم أكثر تكيفاً واحتمالاً للشدائد والصعاب وبعضهم لايتحمل درجات منخفضة من الإحباط والصعوبات. وتلعب التربية والظروف الأسرية وتاريخ الفرد وتكوينه الشخصي النفسي والجسمي والوراثي دوراً هاماً في تحديد قدراته على التكيف والتحمل وإيجاد المخارج والحلول لمختلف الصعوبات الحياتية.

ولاشك في أن الدلال المفرط وتلبية الرغبات دائماً يجعل الفرد ضعيفاً أمام الإحباطات والأزمات. كما أن الفردية والأنانية والنرجسية والتنافس الشديد مع الآخرين يلعب دوراً هاماً في تضخيم الإحباطات والأزمات.

وكذلك الاستغراق في التفكير المادي بعيداً عن الروحي، وعدم النضج الانفعالي، والفكري..كل ذلك يجعل الفرد ضعيفاً أمام الأزمات والإحباطات.

وتدل الدراسات والإحصائيات على أن الانتحار لايزال أقل انتشاراً في العالم العربي والإسلامي مقارنة مع الدول المتقدمة... ولكن الانتحار موجود في مجتمعاتنا وكثيراً مايتم الهروب من تسميته كسبب للوفاة لأسباب اجتماعية وأخلاقية وقانونية.

وهناك الانتحار الصريح الواضح المؤكد والذي تدل التقارير الصحفية وبعض الإحصائيات على ازدياده، وهناك الانتحار الغامض وغير المباشر، ومن ذلك الحوادث المتنوعة (السقوط من أعلى، الحريق، التسممات وغيرها) التي تؤدي إلى الوفاة أو الإصابات الجسمية المتنوعة، وأيضاً حوادث السيارات وقيادتها المتهورة والتي تعتبر شكلاً من أشكال العنف والأذى تجاه الغير وتجاه الذات أيضاً.. وهي نوع من قتل الآخر وقتل الذات، و تؤدي إلى الموت أو إلى عاهات وشلل وإصابات.

ومن النواحي النفسية العملية أيضاً، يمكن للضغوط النفسية المتنوعة والإحباطات والصدمات أن تؤدي إلى انفعالات سلبية شديدة وحزن وتوتر ويأس وغضب، ويمكن للغضب والعنف أن يرتد إلى الذات بدلاً عن المحيط والآخرين وأن تبرز الأفكار الانتحارية ثم تتحول إلى سلوك انتحاري.

والمعروف أن الإحباط والضغوط والانفعالات السلبية تحتاج إلى تفريغ وهضم ودعم معنوي مؤقت أو مستمر، مما يطرح أهمية الإنصات للآخر ولمشكلاته وانفعالاته عند مختلف الأشخاص وفي مختلف الفئات العمرية بما فيهم الأطفال والمراهقين، وذلك من قبل الأهل والمعارف والأصدقاء والخبراء والاختصاصيين.

وهناك نوع من محاولات الانتحار أو إيذاء النفس يهدف أصلاً إلى لفت الانتباه والحصول على مكاسب فورية.. وبعضهم يموتون ولو أنهم غير راغبين بذلك عن طريق الخطأ.. حيث يظن بعضهم أن وسيلة إيذاء معينة لن تميتهم ويكون ظنهم غير صحيح .

وفي الحالات المرضية الشديدة مثل الاكتئاب الأساسي أو الذهاني أو اضطراب المزاج أو مرض الفصام أو حالات الإدمان المتنوعة لابد من التشخيص الصحيح والعلاج المناسب والمتابعة . وأيضاً في الحالات التي لديها قصة عائلية في الانتحار، لأن المخاطر تكون أكبر .

ويبقى مرض الاكتئاب المسبب الأساسي للانتحار من خلال سيطرة المزاج الاكتئابي والأفكار السوداوية اليائسة وأيضاً الأفكار الانتحارية التي تراود المريض باستمرار وتدفعه لأن ينهي حياته بسبب الآلام النفسية التي لا تطاق . وبعضهم يتخذ قراره بالانتحار بشكل مسبق ويهيئ نفسه وأموره ويكتب رسالة توضيحية لسلوكه .

وبعضهم الآخر يتحدث إلى من حوله من الأهل أو الأصدقاء أو الأطباء حول نيته في إنهاء حياته.. وكل ذلك يستدعي التنبه والتصرف المناسب والعمل على علاج المريض ومراقبته وحمايته إلى أن تتحسن حالته .

وعموماً فإن الشخصيات المزاجية والاندفاعية والعنيفة والمضطربة مهيأة أكثر للسلوك الانتحاري وهي تتصرف عادة وفقاً للحظة دون تقدير وتمحيص للعواقب وتتحكم بسلوكها الانفعالات الشديدة دون التبصر والتأني.

وقد أظهر تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن مليون شخص يموتون سنوياً عن طريق الانتحار، أي أكثر من ضحايا الحروب وجرائم القتل مجتمعة، والمشكلة تتفاقم. وأشار التقرير إلى 20 مليون محاولة انتحار سنوياً، أي أن عدد محاولات الانتحار أكبر من عدد الوفيات الناجمة عنه، موضحاً أن نحو 5% من سكان العالم يحاولون الانتحار مرة واحدة على الأقل في حياته. وأعلن الدكتور شيخار ساكسينا في أثناء عرضه التقرير أمام الصحافة في جنيف أن المشكلة تتفاقم، وأن الانتحار «أصبح مشكلة صحية خطرة». وأضاف أن «الانتحار هو من أسباب الوفاة الرئيسة في العالم. وقد شهد ارتفاعاً في السنوات الأخيرة بنسبة 60% في بعض البلدان».

ويعد الانتحار السبب الثاني للوفاة في العالم في أوساط المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً، لكنه يسجل أيضاً نسباً مرتفعة في صفوف الأشخاص الكبار في السن. وأوضحت منظمة الصحة العالمية في تقريرها أن حالات الانتحار أكثر بثلاث مرات لدى الرجال منها لدى النساء، بغض النظر عن الفئة العمرية والبلد. ولكن محاولات الانتحار أكثر بثلاث مرات لدى النساء منها لدى الرجال. ويمكن تفسير هذه المفارقة بأن الرجال يلجؤون إلى وسائل أكثر فتكاً من تلك التي تعتمدها النساء كي يضعوا حداً لحياتهم. وأشار التقرير إلى أن نسبة الانتحار هي الأكثر ارتفاعاً في بلدان أوروبا الشرقية مثل ليتوانيا وروسيا. أما النسبة الدنيا فتسجل في أميركا الوسطى والجنوبية، في بلدان مثل البيرو والمكسيك والبرازيل وكولومبيا.

وتقع الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا في وسط السلم، فيما تغيب الإحصاءات في بلدان إفريقية عدة، وفي بعض بلدان جنوب شرق آسيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/أيلول/2012 - 22/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م