شبكة النبأ: حين نشرت صور لأعضاء
أكراد في البرلمان التركي وهم يبتسمون ويحتضنون متمردين أكرادا يحملون
البنادق عند حاجز بمنطقة نائية في جنوب شرق تركيا ضغط هذا على وتر حساس
في الصراع الذي تشهده البلاد.
أدت هذه الصور التي نشرتها الصحف التركية في الوقت الذي كانت فيه
المعارك تستعر مع القوات الحكومية إلى إذكاء مناخ العداء الذي يقوض
الامل في إحياء محادثات سرية تهدف إلى إنهاء الصراع الانفصالي المستمر
منذ 28 عاما.
ويمكن أن يؤدي تصاعد العنف بدلا من ذلك الى رد فعل عسكري من جانب
أنقرة في مواجهة صراع أسفر عن سقوط أكثر من 40 ألف قتيل. وقتل تسعة من
أفراد الجيش والشرطة الأتراك في اشتباكات مع متمردين أكراد في مطلع
الاسبوع.
وجاء اللقاء الذي نشرت صوره الصحف التركية وتم على قارعة الطريق في
الوقت الذي كان فيه مقاتلو حزب العمال الكردستاني متشجعين بالنفوذ
المتزايد لجماعة كردية حليفة في سوريا يحاصرون منطقة شمدنلي الجبلية
بتركيا المتاخمة للعراق وإيران.
وقال سونير جاجابتاي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "إنها
دائرة مفرغة. كلما تصاعد العنف يضعف استعداد تركيا للتفكير في حل سياسي."
وترى أنقرة أن لدمشق دورا في تجدد مساعي حزب العمال الكردستاني
مؤخرا متهمة إياها بتسليح المتمردين والسماح لحزب مرتبط بحزب العمال
الكردستاني بالسيطرة على مناطق في سوريا لمنع السكان المحليين من
الانضمام إلى الانتفاضة المستمرة منذ 17 شهرا ضد الرئيس بشار الأسد.
وقال جاجابتاي "زادت حماسة حزب العمال الكردستاني بالتطورات الجارية
في سوريا وهو يحاول أن يثبت قيمته ومصداقيته من خلال محاولة السيطرة
على أجزاء من الأراضي التركية ولو مؤقتا."
وفي استعراض للقوة أقام حزب العمال الكردستاني حواجز طرق وخطف
مسؤولين أتراكا ويعتقد أنه وراء هجمات أسفرت عن سقوط قتلى على الساحل
الغربي لتركيا وفي مدينة غازي عنتاب قرب الحدود مع سوريا.
وقال الميجر جنرال المتقاعد ارماجان كول أوغلو وهو محلل في مركز
أبحاث بأنقرة "الهدف من تلك الممارسات هو إظهار أنه لا يوجد مكان آمن
في تركيا وأنهم قادرون على نشر الإرهاب في كل منطقة... وإثبات السيطرة
والنفوذ." وأضاف أن الهجمات كانت تستهدف زرع بذور الخلاف بين الأكراد
والأتراك. وليس هناك احتمال يذكر في أن يتمكن حزب العمال الكردستاني
-الذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة
إرهابية- من إعادة أنقرة إلى مائدة المفاوضات بمثل هذه الطريقة. بحسب
رويترز.
إذ إن التفاهم مع حزب العمال الكردستاني ظل مسألة غير مقبولة لدى
الرأي العام التركي. وفي حين أن تسجيلات سربت العام الماضي من اجتماعات
سرية عقدت في أوسلو بين ممثلي جهاز المخابرات وحزب العمال الكردستاني
أظهرت أن الزمن ربما تغير فإن فرصة التفاوض ربما بدأت تتراجع.
وسيتعرض رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان -الذي كان انفتاحه على
المتمردين غير مسبوق- لضغوط حتى يتبنى موقفا اكثر تشددا ازاء المشكلة
الكردية وهو يحاول الحصول على تأييد واسع من اليمين قبل سعيه المتوقع
لتولي الرئاسة عام 2014.
كانت تلك المحادثات خطوة جريئة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لأردوغان
بينما يرى كثيرون أنها تمثيلية. ولم تفلح هذه الصور التي التقطت لأعضاء
البرلمان الاكراد كثيرا في تحسين صورة الساسة الأكراد كمفاوضين محل ثقة
بل أذكت في واقع الامر المعارضة للتوصل إلى نهاية للصراع من خلال
التفاوض.
كما أن الانتقادات المتبادلة بين الأحزاب حول هذه القضية حالت دون
تحقيق تقدم نحو حل سياسي ودفع الحكومة إلى وقف مناقشة قضية العنف في
البرلمان هذا الشهر.
وفي محاولة فيما يبدو لإحياء المباحثات السياسية طرح جميل جيجك رئيس
البرلمان خطة يؤكد فيها على الحاجة إلى دستور أكثر ديمقراطية وليبرالية
واتخاذ إجراءات لتحسين التنمية الاقتصادية في جنوب شرق تركيا حيث يعيش
الاكراد.
وكتب جيجك في خطة من 11 نقطة لإنهاء الصراع يقول "هذه المشكلة ليست
مشكلة يمكن حلها بالإجراءات الأمنية فحسب... إنها تتطلب من كل الأحزاب
والمنظمات غير الحكومية وكل قطاعات المجتمع التصرف معا بمسؤولية وفي
تجانس."
وسارع بولنت ارينج المتحدث باسم الحكومة برفض خطة جيجك في حين أن
نائبا لزعيم حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له اردوغان ألقى باللوم
على أحزاب المعارضة في هذه الأزمة قائلا إنها ترفض مساعي الحكومة
لتضافر الجهود من أجل التوصل إلى حل.
وإلى جانب وقوع خسائر بشرية أعاق الصراع أيضا التنمية الاقتصادية في
واحدة من أفقر المناطق التركية وزاد من الاضطرابات في منطقة هشة أصلا
على حدود تركيا مع إيران والعراق وسوريا.
كما أن سياسة تركيا تجاه المشكلة الكردية لا تتوافق بسهولة مع
تقربها إلى منطقة كردستان العراق شبه المستقلة حيث تستورد أنقرة النفط
وحيث أصبحت شريكا مهما في الاستثمارات والتجارة.
وفي حين أن الفوضى في سوريا أذكت العنف يقول محللون إن حزب العمال
الكردستاني اكتسب جرأة من استياء الأكراد المتزايد من قمع النشطاء
الأكراد في تركيا. وألقت الشرطة التركية القبض على آلاف النشطاء بعد
اتهامهم بالتورط في اتحاد المجتمعات الكردية وهو دولة موازية مزعومة
شكلها حزب العمال الكردستاني.
وقال سادات ارجين وهو كاتب في صحيفة حريت اليومية "الاحتجاز
العشوائي الجماعي للنشطاء الأكراد خنق الحركة السياسية الكردية ولم
يترك مجالا يذكر لها في الساحة السياسية."
كما أن حزب العمال الكردستاني يستغل خيبة الأمل من تعثر مبادرة
الحكومة في السنوات القليلة الماضية لزيادة حقوق الأكراد الذين يتراوح
عددهم ما بين 12 و15 مليونا في تركيا خاصة الإصلاحات المتعلقة باللغة
والثقافة.
وقال هنري باركي وهو استاذ للعلاقات الدولية في جامعة ليهاي "قرر
حزب العمال الكردستاني زيادة الاستقطاب في الوضع من خلال استغلال خيبة
الأمل الشديدة في استراتيجية الحكومة."
ولم ترض الإصلاحات الساسة الأكراد الذين ازدادوا جرأة والذين
يطالبون بحكم ذاتي للأكراد ودعوا الشهر الماضي للإفراج عن زعيم حزب
العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان وهي فكرة من شأنها إثارة
غضب الأغلبية الساحقة للأتراك.
وأوجلان مسجون في جزيرة قرب اسطنبول منذ عام 1999 ولم ير محاميه أو
أفراد أسرته طوال العام الماضي. واتضحت جرأة الساسة الأكراد بترحابهم
بالمتمردين الذين استوقفوهم عند حاجز طريق شمدنلي. وتسببت صور هذا
اللقاء الذي لم يكن معدا له سلفا في فتح تحقيق رسمي ومطالبة المعارضة
برفع الحصانة البرلمانية عن النواب الاكراد.
وجميع أعضاء البرلمان الاكراد التسعة تقريبا من حزب السلام
والديمقراطية وهو الأكثر شعبية في جنوب شرق تركيا إلى جانب حزب العدالة
والتنمية. ومن الممكن أن تزيد هذه الواقعة من احتمال حظر الحزب شأنه
شأن أحزاب أخرى سبقته موالية للأكراد.
ودعا الاتحاد الأوروبي حزب السلام والديمقراطية إلى أن ينأى بنفسه
بوضوح عن حزب العمال الكردستاني. لكن في حين أن حزب السلام
والديمقراطية يرفض العنف أو أي صلة فعلية مع المتمردين فإنه مشترك معهم
في هدف واحد وهو الحكم الذاتي للأكراد ويبدو متعاطفا معهم.
وقالت جولتان كيساناك وهي من زعماء حزب السلام والديمقراطية
"احتضانهم (المتمردين) مسألة إنسانية تماما لأننا نعتبرهم مثل
أبنائنا." |