عمي وخالي... عن القرابة والسياسة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: العرّاب احد الروائع في تاريخ السينما العالمية، لن تشعر بالملل عندما تشاهده اكثر من مرة، ستكتشف اشياء جديدة عند كل مشاهدة متكررة، سواءا من ناحية السيناريو او اداء الممثلين الراقي والمقتدر.

العلاقات في الفلم، بين ابطاله وحسب السيناريو هي علاقات قرابة، فهم ابناء واخوان واولاد عمومة واولاد خؤولة واصدقاء شارع واحد، يجمعهم الولاء للعائلة الكبيرة ولشخص الوالد الكبير الذي يفرش عباءة حمايته عليهم. انهم بحكم علاقاتهم القرابية وبحكم الدعم الداخلي لبعضهم البعض يستطيعون ان يمدوا نفوذهم الى خارج تلك العائلة وان يصلوا الى مراكز قوة في الحكومة وفي المؤسسات التي تمثلها.

وهم يقدمون خدماتهم بالدرجة الاساس لعائلتهم الكبيرة عبر تقديم التسهيلات لافرادها، لا احد يقف في طريقهم، اذا قررت العائلة استئصال المعارض فانه يختفي ببساطة.

هذا في المستوى العلائقي لعصابات المافيا، والذي يتاسس عبر علاقات القرابة، قرابة الدم القريبة او البعيدة. ماذا عن القرابة والسياسة؟

امريكا الان مشغولة بالحملات الانتخابية لمرشحي الحزب الديمقراطي باراك اوباما، والحزب الجمهوري ميت رومني.

المتابعون للحدث الامريكي يعتبرون اعادة انتخاب اوباما للمرة الثانية بمثابة انجاز للمجتمع الامريكي، حيث يكرر انتخابه لرئيس اسود من اصل افريقي.

في ولايته الاولى، اوباما لاينجد عمه الذي خالف القانون، ان علاقة اوباما بعمه تكون في المنزل او في الحديقة حيث حفلات الشواء الامريكية الشهيرة، ماعدا ذلك عم اوباما مواطن عادي كغيره من المواطنين الذين صوتوا لاوباما او صوتوا لغيره.

وقبل ذلك رأينا احدى بنات بوش الابن وقد قبضت عليها الشرطة بتهمة قيادة السيارة تحت تاثير الحكول، لم يفعل الاب الرئيس شيئا، وخضعت ابنته لحكم بالخدمة العامة.

 تبا لبوش، لقد غزا العراق، هكذا سيقول القوميون والعروبيون والمتاسلمون والسلفيون وغيرهم من اصناف المجموعات السياسية العربية.

ماهي طبيعة تلك الاصناف وما يربط بينهم؟

في زمن المعارضة لانظمة الحكم تتسع القواعد لاحتضان الجميع، انهم الوقود لكل حركة سياسية او دينية، تحت شعارات متنوعة وعديدة، الاقارب والاصدقاء والموثوق بهم حركيا اعضاء مكاتب، الاوامر تصدر منهم الى تلك القواعد، وماعلى الجميع الا التنفيذ حسب لوائح التطبيق الحزبي لتلك الحركات.

ماذا بعد الانتقال الى مواقع السلطة؟

صورة العلاقات القرابية تتضح اكثر فاكثر، الراس الكبير (الاب- العم- الخال) ومن حوله الابناء وابناء العمومة والخؤولة والعمات والخالات حتى ابعد علاقة قرابية ومعها تتعدد المواقع والمراكز. والامثلة ليست بالقليلة.

القذافي واولاده، حافظ الاسد، علي عبد صالح، صدام حسين، وغيرهم من اسماء لاتحضرني التفاصيل الدقيقة عنهم.

العراق، يشترك مع بلدان العالم العربي والثالثي في الكثير من القيم الاجتماعية والروابط القرابية والعشائرية، هو مشابه لهم في الكثير من تلك العلاقات الاجتماعية وان بدا مختلفا ومغايرا ومتقاطعا معهم بحكم تجربته الجديدة بعد العام 2003، الا ان ذلك ليس صحيحا، فلازالت الكثير من القيم والروابط القرابية التي عمل صدام حسين على تدعيمها في فترة حكمه لازالت فاعلة ومؤثرة.

في لقاء مع فخري كريم على قناة الحرة حين سئل عن علاقات القرابة التي تربط المتنفذين في الحكم في شمال العراق، اجاب بان المالكي يستعين بنفس تلك العلاقات من خلال ابنه احمد.لم يساله مقدم البرنامج الحواري، ان كان ذلك صحيحا - وهو ليس بصحيح - ان يتم الاعتماد على مثل تلك العلاقات في طريقة الحكم، وان كان ذلك خطأ بين فلماذا يتم الدفاع عنه؟

كثيرا ما ترد عدة انتقادات للممسكين بزمام الامور السياسية في العراق حول تلك العلاقات القرابية التي تجمعهم مع الاخرين، وهذا الجمع لا يتم عبر مؤهلات او مميزات يتمتع بها المتجمعون حول الاب او العم او الخال، بل هو امتياز القرابة وحده، وهو امتياز يتفوق على غيره من امتيازات مكتسبة وليست موروثة.

وحتى الحركات او الاحزاب التي تدعي الليبرالية والعلمانية لا تستطيع ان تغادر هذا المربع من العلاقات. ففي الوقت الذي تطالب فيه القائمة العراقية على سبيل المثال باقالة اي وزير فاسد، فانها ترفض قبول استقالة وزير الاتصالات من قبل رئيس الوزراء، وفي الوقت الذي يجب ان يكون فيه الوزير مكلفا باداء خدمة عامة لبلده العراق، فانه يقدم مصلحة خاله السياسة على مصالح بلده، رغم التعارض بينهما، كما فعل هوشيار زيباري في مايتعلق بزيارة وزير خارجية الباب العالي العثماني الى كركوك.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/أيلول/2012 - 20/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م