الأزمة السورية تنعش تجارة السلاح في كربلاء

 

شبكة النبأ: شخصَت عينا المهندس واثق عبد الجبار وهي تتطلع إلى كومة المسدسات المخفية في حقيبة تاجر الأسلحة الذي يقف إلى جواره، مندهشاً من إمكانية حيازة شخص واحد لهذا العدد الكبير من الأسلحة النارية.

فعبد الجبار نجح في إقتناء مسدس شخصي بمبلغ مليون دينار أي ما يعادل (800 دولار أميركي) أمضى أكثر من شهر في البحث عن من يرشده إلى مبتغاه، خصوصا أن بيع أو شراء الأسلحة في مدينة كربلاء تتطلب مجازفة كبيرة، فقوانين المدينة تحضُر تداولها مثلما هو الحال في باقي المدن العراقية.

يقول عبد الجبار "سعيت لامتلاك مسدس شخصي لحماية نفسي وعائلتي من أي خطر قد يطرأ، سيما وأني تركت منزل عائلتي الكبيرة لأقطن منزلا جديدا بعد زواجي". ويتابع "فاجأتني جسارة تاجر السلاح وهو يعرض أمامي حقيبة مملوءة بمختلف انواع المسدسات، على الرغم من جلوسنا في إحدى المقاهي وسط المدينة، حتى أنني شعرت بارتياب كبير من عدم مبالاته بالمساءلة القانونية في حال قُبض علينا وبجعبتنا كل هذه الكمية من الأسلحة".

المادة (27)  من قانون الأسلحة العراقي رقم 13 لسنة 1992 المُعدّل تقضي بعقوبة الإعدام لمن يقوم بتهريب وتجارة الأسلحة، لكن تلك المادة لم تعد تخيف المهربين والمتاجرين بالسلاح بعد عام 2003 ، حتى باتت شبه مُعطلّة .

الأجهزة الأمنية تسمح للأهالي بحيازة أسلحة مرخصّه من وزارة الداخلية ، فمن حق كل شخص أن يملك سلاحا في منزله للدفاع عن نفسه شرط أن يتم ذلك بموافقة وزارة الداخلية التي لن تسمح بحيازة السلاح دون تقديم طالبي إجازات الحيازة مبررات منطقية ومقنعة.

نظام الحيازة المعمول به منذ العهد الملكي في العراق قدمت له الأوضاع الأمنية القائمة مبرراً للإستمرار، ولا زالت وزارة الداخلية تمنح رُخَص الحيازة حتى اليوم.

مدينة كربلاء التي تبعد (100 كم جنوب غرب بغداد) تشهد إستقراراً أمنياً نسبياً أسوةً ببعض المحافظات العراقية الأخرى في وسط وجنوب العراق، إلا أن ذلك لم يحد من وقوع جرائم جنائية تعكر صفو المدينة أحيانا، كالسطو المسلح أو الخطف، مما دفع بالعديد من مواطنيها إلى اقتناء أسلحة شخصية للدفاع عن النفس.

بعض تجار السلاح يمتهنون تهريب السلاح وبيعه منذ سنوات طويلة حيث توارثوها أباً عن جد وآخرون دخلوا المهنة حديثاً بعدما لمسوا فيها ربحاً طائلاً يستحق المجازفة. يقول عباس بستم أحد المتاجرين بالأسلحة ويقطن مدينة كربلاء إن إقبال المواطنين على إقتناء الأسلحة هو وسيلة لتأمين انفسهم واموالهم مع غياب قدرة الأجهزة الأمنية على نجدة من يتعرض للسطو او العنف قبل أن يفوت الأوان. ويؤكد "غالبية مقتني السلاح هم أطباء أو مهندسين أو موظفي دولة او تجّار".

وعن مصادر السلاح التي يحصل عليها يقول "غالبا ما تكون الأسلحة مسروقة أو يتم إختلاسها من بعض الدوائر الأمنية في المحافظة، وبعضها من تَرِكِّة النظام السابق العسكرية التي إستولى عليها بعض المواطنين".

مدن وسط وجنوب العراق شهدت مؤخرا إرتفاعا كبيراً في أسعار الأسلحة، خصوصا بعد تزايد الطلب عليها في المحافظات الغربية المحاذية للحدود السورية، بحسب تُجّار الأسلحة.

ويقول سمسار الأسلحة (ابو حسن) "سوق السلاح شهد انتعاشا غير مسبوق خلال الأشهر الحالية، وارتفعت اسعارها إلى عدة اضعاف عما كانت عليه". ويضيف "ارتفعت أسعار بعض الأسلحة بشكل كبير إلى الضعف أو الضعفين وبعضها إرتفع إلى عشرة أضعاف".

ويؤكد التاجر أبو حسن إرتفاع الأسعار بالقول "ارتفع سعر البندقية الروسية كلاشنكوف للمدة من من شهر أيار إلى شهر آب من سعر (150) ألف دينار إلى مليون ونصف دينار عراقي، فيما ارتفع سعر السلاح الرشاش المتوسط (BKC) من مليون ونصف إلى سبعة ملايين دينار عراقي".

أبو حسن إستطاع ان يتجاوز تردده في الحديث معنا وروى بعض التفاصيل عن آخر صفقة تهريب أسلحة قام بها من كربلاء إلى العاصمة العراقية بغداد. ويقول إن آخر شحنة بلغت أكثر من (200) بندقية كلاشنكوف، بالإضافة إلى خمسة رشاشات نوع (BKC) حيث تم إخفاء قطع السلاح بشكل محكم في إحدى شاحنات نقل الفواكه والخضر.

ويؤكد أبو حسن الذي استقبلنا في بستان كبير يملكه في إحدى ضواحي المدينة "لا نواجه مشكلة في إخراج الشاحنات من كربلاء لكون السيارات المغادرة للمدينة لا تخضع للتفتيش، وأنا شخصياً أشرفت على إيصال إحدى شحنات الأسلحة إلى مكانٍ في جنوب غرب العاصمة بغداد بعد سلوك طرق خاصة".

ويرجح سمسار السلاح الذي نجح كما يقول في تهريب خمس شحنات أسلحة مؤخراً وجود جهات في محافظتي الموصل والأنبار تتبنى نقل الأسلحة والعتاد إلى سوريا لمساندة ما يسمى بالجيش السوري الحر الذي يقارع نظام الأسد.

وتكمن خصوصية كربلاء في مجال تجارة الأسلحة في كونها معبراً وسطياً لتجمع السلاح قبل أن يتم تهريبه إلى سوريا عن طريق جارتها محافظة الأنبار، حيث يجمع تجّار الأسلحة كميات كبيرة من مدن الجنوب في كربلاء قبل تسويقها عن طريق الرمادي إلى الموصل. ويقول "لا أبالي لمن ستصل هذه الأسلحة، فالامر بالنسبة لي  لا يعدو عن كونه صفقات تجارية بحتة".

أطراف المدن والمناطق الريفية التي تتصف بطابع عشائري تمثل أبرز مناطق توريد الأسلحة في عموم المحافظات العراقية. مديرية شؤون العشائر في كربلاء قامت قبل أيام بجولات تثقيفية تهدف إلى الحد من تلك الظاهرة، معربة في الوقت ذاته عن قلقها من تفاقم ظاهرة شراء الأسلحة من القرى والمدن وتهريبها إلى سوريا.

ستار العرداوي رئيس لجنة شؤون العشائر في مجلس المحافظة قال لـ"نقاش" إن عمليات تهريب الأسلحة تصاعدت بشكل كبير في الشهور الماضية، معرباً عن مخاوفه من تسرب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.

العردواي لم يستبعد وجود أجندات دولية وراء عمليات شراء وتهريب السلاح وقال إن "الأجهزة الأمنية ألقت القبض على عدد من المهربين قبل أيام".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/أيلول/2012 - 20/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م