الغرض من تشّريع القوانين، هو تنّظيم العلاقة بيّن المواطن والسّلطة
من جهة، وبيّن المواطن والمواطن من جهة ثانيّة. لذا نجد الكثير من
القوانين، تمرّ عليها إجراءات تغييريّة لتكون أكثر انسجاماً، مع
متطلبات المجتمع. لكن في العراق الأمر مختلف، فإنّ القوانين لا تُسنّ،
ولا تعدّل مالمّ تكُنْ متوافقة مع توجهات الكتل السّياسية، التي يسيّطر
نوابها في مجلس النواب، على عمليّة التشّريع. وأحد هذه القوانين
المشّمولة بهذه المعادلة البائسة، (قانون انتخاب مجالس المحافظات
والأقضية والنواحي رقم 36 لسنة 2008 المعدل).
هذا القانون شملته ثلاث مراحل تعديليّة، كان آخرها بتاريخ، 3 أيلول
2012. النّقاط التّالية توضّح سلبيات هذا القانون؛ وهي:
1. إنّ التعديلات التي أجريت على القانون، القصد منها، ليّس البحث
عن الكفاءآت وتوظيفها لخدمة الصالح العامّ، وإنّما إيجاد مقاعد اضافية
توفرُ تمثيلَ الكتل السياسيّة، في مجالس المحافظات والاقضية والنواحي.
فتمّ في التعديل الثالث، زيادة 31 مقعداً لمجالس المحافظات والأقضية.
فقد زيدت محافظة بغداد 14 مقعداً عمّا كانت عليه. وزيدت محافظة نينوى 6
مقاعد. واستُحدِث مقعد واحد في محافظة واسط. واستحدث مقعد واحد لكل من
محافظة البصرة والعمارة وبغداد/الرصافة (المجموع 3 مقاعد مستحدثة).
واستحدث مقعد للشبك ومقعد للأيزيديين في محافظة الموصل (المجموع 2 مقعد
مستحدث). واخيراً استحدث مقعد واحد للمسيحيين، في كلّ من البصرة
والموصل والعمارة والرصافة والكرخ، (المجموع 5 مقاعد مستحدثة).
2. حدّد القانون (كما ورد في المادة 52 الفقرة ثالثاً)،على أنْ تكون
أصوات القوائم، التي لا تحصل على اصوات تؤهلها للفوز بالانتخابات (التي
لمّ تصل إلى عتبة القاسم الانتخابي)، تعتبر قائمة خاسرة، وتكون أصواتها
من حصّة القائمة الأكثر أصواتاً. و تعطى أصوات القائمة الأقل أصواتاً،
إلى المرشح الحاصل على أكثر الاصوات، في القائمة الأكثر أصواتاً. وهذا
معناه مصادرة أصوات المواطنين، واعطاؤها إلى مرشح آخر لمّ ينتخبوه أصلاً.
إنّها محاولة للالتفاف على صوّت المواطن، وأخذه منه بطريقة قانونيّة،
واعطاء هذا الصوّت إلى شخص آخر(لمّ يكنْ المواطن قد انتخبه) ليفوز
بالمقعد.
3. حدّد قانون التعديل الثالث في (المادة 1 الفقرة أولاً)، أنْ
تعتمد مفوضيّة الانتخابات، في تحديد مقاعد الدّائرة الانتخابيّة، على
أحدث بيانات الجّهاز المركزي للاحصاء. وجدير بالذّكر أنّ الجّهاز
المركزي للإحصاء، أجرى آخر تعداد سُكاني في العراق، عام 1997. وإنّ
البيانات السُكانيّة لدى الجّهاز المركزي للإحصاء، ماهي إلاّ بيانات
تقديريّة، تفترض وجود نسبة زيادة سنوية في السكان مقدارها 3%. وحسب
المنظور الدّيمقراطي لتمثيل الأصوات، لا يمكن إجراء أيّة انتخابات،
مالمّ يسبقها تعداد سكاني دقيق.
4. بيّن قانون التّعديل الثّالث في (المادة 1 الفقرة ثانياً)، أنْ
تعتمد مفوضيّة الانتخابات، على بيانات البطاقة التموينيّة، في إعداد
سجل الناخبين. وهذا معناه، انعدام الدقّة بسبب وجود الكثير من التزوير
والأخطاء في بيانات البطاقة التموينيّة.
5. ورد في الأسباب الموجبة، لإصدار هذا التعديل مايلي : (لعدم
امتلاك الجهاز المركزي للاحصاء بيانات عن عدد السكان والمعلومات
الضرورية الاخرى لاعداد سجلات الناخبين وبغية اجراء الانتخابات في
موعدها المقرر شرع هذا القانون.). أرجو التأمل في التناقضات التي
احتوتها هذه الجُمل، لنعرف مستوى العمليّة التّشريعيّة.
بالله عليكم، هلّ يَتصوّر عاقل، أنّ انتخابات تُجرى، مع عدم وجود
بيانات سكانيّة؟. وهل يصدّق أيّ عاقل، امكانيّة تنفيذ هذا القانون، في
ظل بيانات تقديرية وتخمينيّة؟.
كان الأجدر أنْ يدرك السّادة أعضاء مجلس النّواب، أنّ تشريعهم ولد
ميّتاً، لافتقاده أهم عنصر من عناصر التمثيل الدّيمقراطي، وهو امتلاك
البيانات، التي تحدّد عدد السكّان في الدوائر الانتخابيّة، والتي على
أساسها يتمّ تحديد مقاعد الدّوائر الانتخابيّة المختلفة.
إنّ دكتاتوريّة المحاصصة، فرضت على مجلس النّواب الاسراع في تشريع
هذا القانون، ضماناً لمصالح الكتل السّياسيّة الكبيرة. دون الالتفات
إلى مصلحة المواطن العراقي ومستقبله. إضافة لذلك، فإنّ النقاشات لحدّ
السّاعة، لمْ تُحسم في مجلس النواب، بخصوص عدد المفوضين في مفوضيّة
الانتخابات. لأنّ الكتل السّياسيّة غير متّفقة على ذلك.
والعجب العجاب، أنْ ورد في الأسباب الموجبة لإصدار قانون التعديل
الثالث، الجملة التّالية: (وبغية اجراء الانتخابات في موعدها المقرر).
ولا أدري هل سأل السّادة النّواب انفسهم، كيف تجرى الانتخابات في
موعدها، ولا توجد بيانات تخص التّعداد السكّاني، مع عدم وجود مفوضية
انتخابات تقوم بعملها؟. أعتقد أنّها محاولة من مجلس النّواب، لإثبات
انتاجيته من القوانين، حتى وإنْ تكنْ التّشريعات غير قابلة للتطّبيق
على أرض الواقع. المهم في الموضوع، أنْ اتّفقت الكتل على شيء مّا،
ولايهم أنّ هذا الشيء ذو فائدة للشعب أمّ لا.
إنّ عجلة التّاريخ تسير، وسيبقى العراق أسيرَ مرحلته التّاريخية،
التي لا يمكن تجاوزها، مالمّ يتمّ تصحيح مسار العمليّة السّياسيّة.
وأوّل خطوة في التّصحيح، يجب أنْ تبدأ من الانتخابات، قلب العمليّة
الديمقراطيّة. والنظر إلى التجارب الدّيمقراطيّة الناضجة في العالم،
التي تحرص كلّ الحرص، على احترام صوّت المواطن، لذا أُقِرّ مبدأ (صوت
واحد لرجل واحد). بمعنى لا يحقّ لأحد الاستحواذ، على أصوات الآخرين
والاستحواذ عليها بإسم القانون، كما هو الحال عندنا، وبذلك تصادر حريّة
وإرادة الناخب. هذه الآليّة المقيتة التي أقرّتها العمليّة التّوافقيّة
المحاصصاتيّة، في العمل الدّيمقراطي الشاذّ في العراق، والتي أعيد
اقرارها في قانون انتخاب مجالس المحافظات. هي نفسها التي أوصلت (309)
نائب إلى مجلس النواب، عن طريق الأصوات المصادرة، من القوائم الأقلّ
أصواتاً، واعتبارها غنائماً استأثرت بها القوائم الكبيرة. وإنّ الفوّز
الحقيقي، كان من نصيب (16) نائباً فقط في مجلس النّواب، من أصل مجموع
مقاعده البالغة (325) مقعداً.
ليعلم الشّعب العراقي، أنْ لا خلاص من الأزمات السّياسيّة
ودواماتها، التي دمّرت البلاد والعباد، ما دامت العقليات التي ترسم
مستقبله، سائرة في نهج تكريس المحاصصة السّياسيّة، بإسم التمثيل
الدّيمقراطي، لمكونات الشّعب العراقي. كلمة حقّ يراد بها باطل.
* كاتب وباحث عراقي
mjsunbah1@gmail.com |