أكلة يصنعها الفقراء، ولطالما صنعناها في العراق أيام الجوع
والحصارات لكني أجهل سبب التسمية، برغم بساطة المواد المستخدمة في
تحضيرها ولا تعدو أن تكون (بعض الخبز، وماء وبصل وبهارات) وتوضع كلها
على النار ثم تنضج بسرعة وتقدم بالهناء والعافية، فهل تعود التسمية الى
قيام المسؤول عن التحضير بمد إصبعه في القدر الساخن فتتحرق بحرارة
الطعام؟ الله أعلم.
الملف السوري يزداد غموضاً وتعقيداً يوماً بعد آخر، وتمضي الأمور
لجهة تدمير الدولة وذهاب هيبة الحكم فيها وربما تقسيمها الى دويلات
متناحرة، حيث يبدو الصراع وكأنه بين الطائفة العلوية ونظيرتها السنية،
وهو صراع سيأخذ هذا البلد الى المجهول خاصة وإن عشرات من دول العالم
الكبرى والصغرى والمتوسطة في الحجم تتدخل بشكل فاضح في نصرة هذا الطرف
أو ذاك ما أدى الى إبتعاد ظروف الحل الى مديات هائلة ومع تزايد أعداد
القتلى والجرحى والمهجرين ودمار يعم المدن فإن أحداً لا يمكنه التنبؤ
بما سيحدث في الغد.
القدر السوري أو الطنجرة التي يغلي فيها الماء ومعه الخبز المقطع
والبهارات والملح يقف عليها أكثر من راغب في التحضير وأكثر من جائع وكل
يرى إن الأكلة يجب أن تحضر بطريقة مختلفة عن التي يراها الآخرون، وكل
يحاول أن يمد إصبعه ليتذوق منها شيئاً قبل أن توضع في الصحون المعدة
جانباً.
التدخل الغربي والشرقي في الملف السوري يشبه الى حد بعيد وقوف
مجموعة أشخاص على قدر (محروق إصبعه). فمنهم من يريد التحضير على هواه
ومنهم من يريد أن يتذوق، وغيرهم يريد أن يتناول شيئاً من الطعام، وهناك
من يريد أن يحصل على القدر كله بما فيه من طعام.
يبدو إن السوريين (حكومة ومعارضة وشعباً) جميعهم يفورون في القدر
ولا يعلم أحد إلا الله كيف سينتهي بهم الحال (ينضجون، أو يحترقون)، لكن
الذين يدعمون النظام، والذين يدعمون المعارضة كل حسب مصالحه سيمدون
أصابعهم ولا بد أن تحترق، فملف البلد يمثل جزءاً من المصالح الحيوية
للدول الكبرى والصغرى على السواء وهم يتدخلون بسحب القدرات والإمكانات
ويعلمون أن أصابعهم ستحترق فالأكلة السورية لم تعد (محروق إصبعه) التي
نعرفها بل تغيرت المواد الداخلة في صناعتها وكذلك طريقة تحضيرها.
ملاحظة أخيرة.
لا يمكن أن أصدق أحداً من الذين أوغلوا في التدخل لو أنه إدعى وجود
رغبة إنسانية من وراء تدخله. لأن المتورطين الخارجيين إما أن يكونوا مع
الحكومة أو المعارضة، وأما الشعب فهو وقود معركة لا نعرف كيف ستنتهي،
ما نعرفه أن الشعب سوف يضيع. |