يعد الإمام المرجع الشيرازي (قدس سره) من عمالقة الفكر الإنساني...
الذين دافعوا عن الإنسان كإنسان بغض النظر عن أصله وديانته وقوميته
ومذهبيته، وقد كرس جهداً كبيراً من حياته الشريفة ليس للذود عن العقيدة
الإسلامية فحسب بل للذود عن قضايا الإنسان.. بل و أمهات القضايا الكبرى
كالحرية والعدالة والمساواة والشورى..
ثلاثة عقود ونيف ما فتئ ينافح ويناضل لإعلاء قيمة الإنسان الذي كرمه
خالقه، وأذله بعض البشر! ومن النادر أن تجد مرجعا دينيا وظف هذا الكم
الهائل من المعارف الدينية في القضايا المعاصرة، لكنه تميز (قدس سره)
بهذا العقل التنويري الذي سبق الكثير بأفكاره وأطروحاته حتى عهدها
البعض (القاصر) مثالية وخيالية في عصر الجدب والعجز والظلام واليأس!
ففي حين كان الحديث يدور عن أحكام الحيض والنفاس بعمق.. كان عقله
يحلق في آفاق العلم والمعرفة وقضايا الإنسان الكبرى. لقد وظف تلك
المعارف الدينية في معركته الكبرى ضد الجهل والتخلف والاستبداد. بواسطة
فقه ديني واسع غني المضامين..
إن من أهم الموضوعات التي شغلت الفقيه والمفكر الكبير الشيرازي هي
مسألة الحريات وقد توسع في شرحها والدفاع عنها والتأكيد على ممارستها.
ومنذ وقت مبكر أصدر كتابا في هذا الشأن بعنوان (الحرية في الإسلام)
عندما كان في مدينة كربلاء بالعراق، وعاد مجدداً إلى هذه القضية مجددٍ
ومبدع في كتاب (الحريات)[1].وغيره من كتبه.
مما يدل على رسوخ هذه القضية في وجدانه، وإنها تشغل جزءاً كبيراً من
اهتمامه.. باعتبارها أحد مفاتيح الإصلاح في العالم الإسلامي.
ويبدو أن التأمل المتأني للإمام الراحل في أحوال العالم الإسلامي
وخصوصا التجارب الإسلامية الحديثة ودراسته لتجارب الشعوب والدول
المختلفة قاده إلى تشخيص أن الداء الأكبر الذي يعاني منه المسلمون هو
تجذر الدكتاتوريات.. وغياب الحريات في مختلف مجالات الحياة.
وعن الدكتاتورية خصص الإمام الشيرازي بحوثا مستقلة في كتبه وبالأخص
ممارسة التغيير، «فباعتقاده أنها الكابح الأول لتقدم الأمة، فبمجرد أن
تُطهر أجواء بلاد الإسلام من الدكتاتورية تسير الأمة إلى الأمام لبناء
حضارة إسلامية صحيحة تنقل المسلمين من الحضيض الذي وصلوا إليه الآن إلى
الأوج الذي أراده الإسلام»[2].
وليس الدكتاتورية هي ممارسة الحاكم فقط، إذ أن أرضية الدكتاتورية
اجتماعية وأسرية، فقد يمارس الأب دور المتسلط (الصغير) الذي يصادر حقوق
أبنائه وبناته بتبريرات سخيفة لا ترقى إلى مستوى العقل، باسم الدين
جهلا منه بحقوق الأبناء والبنات في التشريع الإسلامي.
و قد يمارسها الزوج على زوجته باسم القيمومة، وهو لا يقوم بوظائف
القيمومة ومتطلباتها. بل قد تصبح الدكتاتورية شلالاً اجتماعياً عاماً،
فيمارسها الموظف والشرطي متقمصا دور الدكتاتور الحاكم... وهكذا... حيث
أن الاستبداد لا يكون حاكما إلا بوجود مستبد، وأرضية اجتماعية
للاستبداد، من هنا يقول الإمام الراحل: «إن الدكتاتورية لا شكل لها ولا
لون بل هي حالة مرضية وقد يصاب بها حاكم من الحكام فيقود أمته إلى
الدمار والخراب، وقد يصاب بها الأب الذي يقود أسرته إلى التحلل والطلاق،
وقد يصاب بها مجتمع بأسره فيصبح مجتمعا دكتاتوريا فيحلو له كل ما يحمل
صفة الدكتاتورية، فيطيب له رؤية الحاكم المستبد»[3]. وبالتالي يتكيف
ويتعايش مع هذه الحالة المرضية.
فلسفة الدكتاتورية
ويحلل الإمام الراحل عمق الدكتاتورية، ويسبر غورها ويشرح ماهيتها
وخطرها ويرجعها إلى مشكلة تمركز القدرة في أيدي جماعة قليلة تنتهي
بالأخير إلى فرد واحد، فإن من طبيعة القدرة المتمركزة كبت القابليات و
إبادة الكفاءات ومنع الناس من أن يفكروا أو يقولوا، وإذا خيم جو عام من
الدكتاتورية وأصبح حاكما فإنه إيذان بموت المجتمع... وموت الفكر وهو
كما نرى تحليل عميق يصيب المرمى... ويضع الأمور في نصابها.. فليست
الدكتاتورية إلا ذلك.(تمركز القوة في أيد قليلة).
أشد الدكتاتوريات
ويستنتج الإمام الشيرازي من خلال تحليله لماهية الدكتاتوريات أن أشد
أنواع الدكتاتوريات ضراوة هي دكتاتورية الحاكم حيث تتولد الكثير من
المفاسد الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية جراء ذلك.
الحرية الوجه الآخر
لقد أدرك الإمام الراحل بفكره المستنير، وبصيرته الثاقبة أن العالم
الإسلامي يعج بمختلف الدكتاتوريات وتتكرس فيه قيم الدكتاتورية بتكرس
الجهل، وأن لا مخرج من هذا الواقع البائس إلا عبر الحريات.. فهي التي
تكسر حاجز الدكتاتورية، وتهيئ لمناخات الكرامة والعزة والعدالة
والمساواة وهي العلاج الناجع.. وقد فصل ذلك كله في كتاباته المختلفة
وبالأخص كتابه الموسوم (بالصياغة الجديدة). حيث ينذر خلو كتاب من كتبه
من مدح الحرية ونبذ الدكتاتورية. حيث كان كارها ومعاد لها ويعتبرها
أساسا لكل بلاء وانحطاطا وكان عاشقا للحرية منافحا ومناضلا عنها،
وعاملا في سبيلها، بإصرار، وصبر منقطع النظير. لأنها بداية كل خير
وتقدم وتحضر. ورؤية الإمام الشيرازي للحرية واسعة وخصبة، بخصوبة الدين
وسموه، فلم يخضع أفكاره للمعادلات الاجتماعية التقليدية السائدة التي
تمثل الواقع الحاكم.
وعنده أن الإسلام أعطى الإنسان حرية الفكر، وحرية القول والعمل لكن
في الإطار المعقول الصحيح من عدم الإضرار بالآخرين وعدم الإضرار بالنفس.
تأصيل الحرية
وما يميز رؤية الإمام الراحل للحرية ويضاعف من قيمتها كونها نابعة
من رؤية فقيه عارف متبحر في الفقه الإسلامي وأصوله، يسند مقولاته حول
الحرية بنصوص وأدلة دينية، مما يعني أن تلك المقولات مؤصلة ومتصفة
بعلمية منضبطة بالأدلة والبراهين.
ومما استدل به حول موضوع الحرية بشكل مجمل عبر القرآن الكريم والسنة
المتواترة وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و أهل بيته الطاهرين.
فمن القرآن قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ(21)
لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾[4]، وقوله تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ
إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ﴾[5]. وقوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ في الدِّينِ
قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾[6].
وقد استدل من السنة الشريفة كما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
«لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً».
أن تلك الآيات والأحاديث مؤداها أصالة الحرية، كأصالة الإباحة تماما
وهذا يعني أن الأصل الحرية إلا ما أخرجه الدليل وأن الناس مسلطون على
أنفسهم وأموالهم يتصرفون كيف يشاءون.. ومتى يشاءون وليس لأحد سلب تلك
الحرية عنهم.. فالأصل أن يكونوا أحراراً.
الحرية: الإطار الفكري.
وعمق الحرية في الفكر الإسلامي يرتبط في الأساس بكون الإنسان عبدا
ذليلاً مطيعا لله سبحانه وتعالى دون سواه، من الآلهة البشرية أو
الخرافية، متحرراً من كل قيود الشهوات، وأصر المصالح الضيقة، والمطامع
الرخيصة التي تذل الإنسان وتجعله أسير شهواته ونزواته وأنانيته ومصالحه،
ومتى ما خلع الإنسان ثوب العبودية، وتحرر من تلكم الشهوات والرغبات
الجامحة والملحة، وتخلص من ضغوط المادة، وتحرر من سيطرة أصحاب النفوذ
الاجتماعي أو السياسي بل والثقافي، وتسامى عن ذلك كله، وأخضع كل جارحة
فيه في طاعة الخالق، وهذب ملكاته في طريق التقوى، والصلاح، فقد أصبح
حراً، متحرراً من كل القيود راغباً في مرضاة الخالق، متمسكاً بتلك
الحدود الشرعية من قبل الخالق غز وجل، واقفاً عندها وغير متجاوز لها.
أصناف الحريات
ومما يدلل على أفقه الواسع في نظرته للحريات إيمانه بأنواع الحريات
التي قسمها كالتالي:
أولاً: الحرية الدينية...
فالحرية الدينية عنده عامة لكل الناس حتى الكفار، حيث يكفل الإسلام
لهم حرية ممارسة دينهم، فالكفار الذين يعيشون في ذمة الإسلام يباح لهم
أن يعملوا بدينهم استناداً إلى رواية «ألزموهم بما التزموا به». وتتضمن
هذه المقولة تسامحا نحو الأديان. حيث أن لهم الحرية في إبراز عقيدتهم،
دون أن يدعو المسلمين إليها، كما أن لهم الحرية في إجراء مراسيم
عبادتهم ولا يتعرض لهم مسلم بسوء. ولا يحق للدولة أن تتدخل في شؤونهم
العبادية والقضائية التي لا تضر بالمسلمين، ولا تتنافى مع مصلحة البلاد،
بل و للدولة الحق في برهم والإحسان إليهم استناداً على الآية الشريفة
﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ في الدِّينِ
وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[7]. وفقه الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام).
وحتى في القضاء فإن للكفار أن يراجعوا قضاتهم أو يختاروا قاضي
المسلمين.
ثانياً: الحرية الفكرية..
أي حرية البحث والمناقشة والبحوث العلمية الدينية.. والنشر في
الجريدة والمجلة وما أشبه. كل تلك الحريات مكفولة لكل الناس.
ثالثاً: الحرية السياسية..
وهي التي تتناول العلاقة بين الحاكم والمحكوم وإن الحاكم يجب أن
يكون باختيار الأمة، ومن يتوفر فيه رضا الله سبحانه وتعالى وسائر
الشروط الإسلامية، وكلها شروط يؤكد عليها العقل كأن يكون عالما بالغا
عادلا ويمكن إدراج مصاديق عديدة للحرية السياسية ذكرها الإمام الراحل
كحرية المجتمع، وحرية إبداء الرأي، وحرية إنشاء الجمعيات وتكوين
النقابات وإنشاء الأحزاب، وحرية المظاهرات والإضرابات كالإضراب عن
الطعام.
رابعاً: الحرية الاقتصادية:حرية العمل والتجارة والكسب وما أشبه.
ويوسع المرجع الراحل آفاق الحريات كما في كتابه الموسوم (الحريات)
إلى كل مباح حيث اعتبر أن كل مباح في الشرع. هو نوع من الحرية في
الإسلام وقد عدد مائة من الحريات من قبيل حرية الزواج، ولإنجاب،
والحرية في السفر، وانتخاب الوظيفة وما أشبه[8]
حدود الحرية
وحتى تتحدد أطر الحرية السائغة في نظره فقد أكد على أن الحرية في
الإسلام ينبغي أن تكون حرية بناء وليست حرية هدم كما هو الحال في الغرب،
حرية مقدسة وليس امتصاص ثروات ودماء الآخرين، كما يجب أن تكون حرية
مسئولة، فالإسلام يرفض الحرية التي تؤدي إلى الزنى لما يجر من ويلات
وأمراض وتفكك أسري وإلى اغتصاب أموال الناس.
ومن سمات الحرية وشروطها أن تكون إنسانية ترفع من شأن الإنسان
وتوصله لمصاف الملائكة.
وضابطة كل ذلك أن لا تحدث الحرية ضررا على الإنسان نفسه، أو ضررا
على الآخرين في مفهوم الإسلام هنا و إلا خرجت عن مسمى الحرية.
والإمام الراحل هنا يؤصل لحرية منسجمة مع منظومة متكاملة، في نظام
فكري متسق، فكل نظام فكري له خصائصه الذاتية ومقوماته الجوهرية، وهو
يقرر هنا ما يعتقده ويؤمن به، بعيدا عن الأفكار المجنحة أو تلك الأفكار
التي يعاني أصحابها من استلاب، ونظرة دونية لمعتقداتهم، أو أولئك
المنبهرين المخدوعين بالحريات الصورية المزيفة التي يصورها الغرب في
بعض جوانب حياته السياسية والاجتماعية.
فلا توجد حرية بدون ضوابط أو معايير إلا في خيال أصحابها، وأوهامهم
!
الدولة الإسلامية والحريات
ولأن الدولة في الإسلام مسؤولة عن تطبيق النظام والقانون فهي مسؤولة
عن ضمان الحريات للناس، والاعتناء بها وتطبيقها، والحاكم الإسلامي
مسؤول عن ذلك.
ونظراً لتعدد قضايا الحريات وتعقيدها، وتعدد الأطياف الاجتماعية
والسياسية.. والمعارضة فقد اتسعت نظرة الإمام الراحل لكل تلك
الإشكاليات.
فقد لاحظ: أن على الحاكم الإسلامي إعطاء الحريات للناس لأن سلب
الحرية يعني العنف والثورة على نفس الحاكم وأنصاره.
وقد اعتبر (قدس سره) أن من علائم استقامة الحكومة كثرة الحريات وقلة
السجون، لأن الحريات هي الأصل في رفاه الإنسان وتقدمه[9].
وينبه (قدس سره) للديمقراطية المزيفة التي توهم الناس بالحريات، عبر
الرفاه الاقتصادي وملئ الأسواق بالحاجات، ووسائل اللهو حيث يتوهم الناس
أجواء الحرية في حين أن ذلك كبت مغلف.
أرضية الحرية في الدولة
عندما تتكافأ الفرص في مختلف المجالات لكل الناس عبر توفير النظام
الإسلامي للجميع: العلم والمال والحكم فتكون على حد سواء، وبحيث تُوفر
الأجواء الصالحة لكي يتمكن كل إنسان من التعلم بقدر ما يشاء، وأن يصل
إلى الحكم كسائر من يصلون للحكم، وأن يتمكن من الاستفادة من المال حسب
طاقاته، فتكون هذه الأمور الثلاثة الحكم والعلم والمال.. مثلها مثل
الماء والهواء والنور، يتمتع بها الجميع من دون استثناء.
كذلك يجب أن يوفر الحكم الإسلامي لكل واحد القدرة على الوصول إلى
المال حسب الموازين الشرعية، والعقلية. وذلك إنما يكمن في جو تكون فيه
الحريات الكثيرة لجميع الناس[10].
حيث أن احتكار العلم أو المال في طبقة خاصة، طارد لقيم الحرية، و
مكرس لقيم الدكتاتورية، والاستبداد، حيث يستبد أصحاب الامتيازات و
الاستقطاعات الخاصة بحقوق الناس وأموالهم. من هنا فإن توفر الحريات
الثلاث لكل الناس هي ضمانة لصد الدكتاتورية.
حرية الانتخاب مصداقية الدولة
ولا يتكرس النظام الإسلامي وتثبت أركانه. ويستقر نظامه الاجتماعي
والسياسي إلا عبر انتخابات حقيقية لا صورية وحريات مكفولة، حتى لا تشكل
جماعات الاغتيال، و الأحزاب السرية المناهضة للدولة، لأن ذلك كله هو
سحب لذرائع المناوئين، فلا يجدون الأنصار بالقدر الكافي. إذ لا شيء
يدعو الناس إلى الثورة على الحكومة الحرة... التي تكفل حرياتهم.
الأحزاب الإسلامية صمام أمان
تعتبر الأحزاب الإسلامية التي يدعو إلى تشكيلها الإمام الراحل
لتمارس مسئوليتها في دفع حركة الدولة الإسلامية عامل إثراء وصمام أمان
للدولة لمواجهة مشاكل الدولة وتناقضاتها، حيث أن الأحزاب الحرة تساعد
على حفظ التوازن في داخل الدولة، بسبب اختلاف برامجها وأطروحاتها،
ونظرتها لمختلف مسائل السياسة و الاقتصاد والاجتماع.
فإن تداول السلطة بين مختلف الأحزاب يوجب نزع فتيل الأزمات، وذلك
بعدم تراكم الكره (وبالأمرين الأحزاب، والتبدل)[11] تسير الدولة سيراً
معتدلاً فلا يصيبها جمود ببقاء الدولة، ولا فوضى تبدل الدولة
الحرية حتى للمعارضة
وتتكفل الدولة الإسلامية ضمان الحرية لجميع الناس والأحزاب والحركات
على حد سواء، وحتى المعارضة منها، والمعادية، وكثيرا ما يرجع الإمام
الراحل في هذا الموضوع إلى تاريخ وسيرة جده أمير المؤمنين مع الخوارج،
حيث أتاح لهم حرية واسعة للتعبير عن آرائهم. فقد روى المؤرخون أنه لما
ظهر الخوارج وأخذوا ينتقصون الإمام ويكفرونه ويقولون لا حكم إلا لله
وهي كلمة حق يراد بها باطل، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لم
يتعرض لهم الإمام بسوء بل كان في رواية يجري عليهم أعطياته من بيت
المال. وقد أراد أصحاب الإمام قتال هؤلاء بادئ الأمر ولكن الإمام أبى
عليهم ذلك و أنكره وقال إن سكتوا تركناهم، وإن تكلموا حاججناهم، وإن
أفسدوا قاتلناهم.
وقد فهم من كلامه (عليه السلام) أن الأمر بحاجة إلى المحاجة
والمناظرة ما داموا لم يعتدوا. وأن حريتهم في ذلك مكفولة كسائر الناس.
خاتمة
لم أجد فيما بين يدي مرجعية دينية أولت اهتماما واسعا لمسألة
الحريات بعد دراسة مستقصية لتجارب الشعوب والدول، وأصلت ونظرت بولع
وشوق و إيمان بعوائد الحرية وأهميتها القطعيةَ باعتبارها المدخل
الرئيسي للتقدم والتحضرَ بعقل مستنير كما فعل المرجع الشيرازي. وأخاله
أنه سكب دموعا غزيرة على أمة سُلِبت حريتها، بل وأعانت المستبدين على
مصادرتها. وغدت بعد ذلك أمة ذليلة مستسلمة لقدرها الموهوم!
* مجلة البصائر
http://albasaer.org
..........................................
[1] مجلة الكلمة. عدد 34 /ص 5.
[2] ممارسة التغير ص 277.
[3] ممارسة التغيير ص 278.
[4] الغاشية: 21 - 22.
[5] الأعراف /157.
[6] البقرة /256.
[7] (الممتحنة -7.).
[8] الحريات.
[9] السبيل إلى إنهاض المسلمين 346 ـ 339.
[10] السبيل إلى إنهاض المسلمين 316.
[11] السبيل إلى إنهاض المسلمين 39. |