التنوير بالتدوير.. عن قمامة الاخرين وتمثلاتها العربية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حدثني صديقي الذي حضر احد المؤتمرات في البرازيل ممثلا عن الحكومة العراقية. انه شاهد جميع ما موجود في القاعة التي عقدت فيها الجلسات. ان كل شيء فيها تقريبا. قد تم تدويره. اي اعادة صناعته من القمامة الصلبة. يشمل ذلك برادات المياه والطاولات والكراسي والاقلام والاوراق وغيرها من مواد عديدة.

وحدثني هذا الصديق. وهو يمتلك رؤية ثاقبة للامور ولما يشاهده. ان الخضرة تغطي تقريبا جميع الاراضي التي مر بها. اضافة الى روعة الاهتمام بها وطرق التشجير والغرس والزراعة. والبرازيل ليست دولة من مصاف المراتب الاولى في التصنيفات العالمية. عالم اول وعالم ثاني وحتى عالم عاشر. بل هي دولة من الدول التي يطلق عليها بالنامية رغم انها تعد ذات اقتصاد قوي إذ تصنف عاشرة في قائمة الدول حسب دخلها السنوي.

والتدوير هو عدة عمليات مترابطة بعضها ببعض تبدأ بتجميع المواد التي بالامكان تدويرها ومن ثم فرزها حسب أنواعها لتصبح كمواد خام صالحة للتصنيع ليتم تحويلها إلى منتجات قابلة للاستخدام وأهم النفايات القابلة للتدوير : الحديد والألمنيوم والورق والزجاج والخشب والتدوير يؤدي إلى التقليل من اعتماد المصانع على المواد الطبيعية كخامات أساسية لمنتجاتها مما يؤدي بالتالي إلى التقليل من استنزاف تلك المواد الطبيعية.

اما التنوير الذي انشغل العرب به كثيرا ولازالت زوايا حياتهم مظلمة فهو يعنى الذكاء و المعرفه ووضوح الفكر، ثم اصبح علامه على عصر معين اعتقد فيه بعض الفلاسفه أن انوار العقل الطبيعى وحدها قادره على السير بالبشر نحو التقدم. ويعتبر المفهوم الفرنسى لمصطلح تنويرهو الأسبق. ولم يظهر المصطلح في اللغه الانجليزيه الا في القرن التاسع عشر -على الرغم من أن مدلوله كان موجودا من قبل- وراح ينافس مصطلح عصر العقل. اما المصطلح الالمانى الدال على التنوير بصفته حركه تشمل العصر باكمله فلم يظهر الا عام 1780عندما كتب كانط مؤلفاته الكبرى، ثم ترسخ في القرن التاسع عشر. اما فى اللغه العربيه فان كلمه تنوير في اللغه العربيه مشتقه من الاصل الثلاثى (نور، نار. انار) ونور الصبح تنويرا، والتنوير الاناره، وقد استخدم القران لفط نور بدلالته المجازيه لوصف الله تعالى(الله نور السماوات والارض)، ووصف القران(وانزلنا اليكم نورا مبينا)، ووصف الرسول(ص) (وداعيا إلي الله باذنه وسراجا منيرا).

و السؤال المهم (ما معنى التنوير) اجاب عليه المفكر الالماني كانط عام 1784 في تعريفه للتنوير:(التنوير هو خروج الإنسان من القصور الذي يرجع إليه هو ذاته. القصور هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه دون قيادة الغير. يكون هذا القصور راجعا إلى الذات إذا كان سببه لا يكمن في غياب الفهم، بل في غياب العزم والجرأة على استخدامه دون قيادة الغير. تجرأ على استخدام فهمك الخاص. هذا إذن هو شعار التنوير. إن الكسل والجبن هما السبب الذي يجعل طائفة كبيرة من الناس يظلون، عن طيب خاطر، قاصرين طوال حياتهم، حتى بعد أن تكون الطبيعة قد حررتهم، منذ مدة طويلة، من كل قيادة خارجية).

حدد كانط اذن القصور بعدم القدرة على الفهم، فهم المشكلات والبحث عن حلول لها، وهذا القصور يرجع الى الذات، التي تفتقر الى العزم والجرأة، وهي ايضا تعود الى الكسل والجبن اللذان يقودان الى القصور في التفكير وابتكار الحلول.

امتلك العرب ذلك القصور الناجم عن الكسل والجبن، والذي اعاق حركة تطورهم وعدم اللحاق بغيرهم الا في المجالات التي يستعيرون فيها تجارب الاخرين وافكارهم محاولين تطبيقها على واقعهم العربي الذي كثيرا ما اصطدم بتلك التطبيقات وذلك لغياب الثقافة المجتمعية التي تهيء لمثل تلك التغيرات.

ولعل الامثلة كثيرة لتلك الاستعارات التي تحاول نسخ تجارب الاخرين وتاتي النسخ العربية مشوهة وممسوخة، لعل ابرزها ما تفيض به القنوات التلفزيونية من برامج تستعير كل شيء من مثيلاتها الامريكية والاوربية وتختلف عنها فقط في اللغة، واحيانا قليلة في المواضيع المطروحة. وهي ايضا يمكن ان نتلمسها في انتاجنا الثقافي، وانتاجنا الصناعي والزراعي وجميع انواع النتاجات الاخرى التي نعتمد فيها على ما يصدره الغرب لنا من ثقافات وسلع لا نملك امامها غير الاستهلاك المتزايد يوما بعد اخر.

ورغم كل تلك الاعاقات التي نعيشها لازلنا نتشدق بالتنوير والتثوير والتبرير معتقدين اننا بكثرة هذا الكلام الذي يدور على السنتنا نحقق التقدم المنشود والذي تعبت عليه امم اخرى وراكمت من خلال حركتها الكثير من الانجازات.

تنويرنا العربي هو بلغة الفضلات تدوير لما ينتجه الاخرون والنتائج معروفة لهذا التدوير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/أيلول/2012 - 15/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م