سوريا ولبنان... ازمة مشتركة وادوار متبادلة!

 

شبكة النبأ: يخشى الكثير من المراقبين والمتخصصين من استمرار و تطور رقعة الخلاف المسلح في سوريا الذي بدأ يؤثر بشكل سلبي على الاوضاع الامنية في لبنان محذرين من عودة شبح الحرب الاهلية التي دمرت البلاد خصوصا مع وجود ازمة ثقه بين الاحزاب والتيارات، وهو ما تسبب بخلق حكومة ضعيفة وغير قادرة على احتواء مثل هكذا ازمات يضاف الى ذلك وجود مخططات خارجية من قبل بعض الدول العربية التي تسعى لتأجيج بذور الفتنه، وهذا ما تثبته لاحداث الاخيرة حيث صعدت عمليات الخطف المتبادلة بين المجموعات المسلحة في سوريا و بين مواطنين شيعة في لبنان التوترات وعززت المخاوف من امتداد الصراع في سوريا إلى جارتها الصغيرة التي تروعها ذكرى الحرب الاهلية.

وعلى الرغم من جهود الحكومة اللبنانية لابعاد البلاد عن الاضطرابات في سوريا التي كان لها نفوذ قوي على الساحة السياسية والامنية اللبنانية منذ عقود شهد لبنان اشتباكات مسلحة في أكبر مدينتين لبنانيتين. وكان منظر الرجال المسلحين الملثمين في العاصمة بيروت وهم يعلنون عن خطف 20 سوريا وخطف رجل اعمال تركي في وضح النهار قرب المطار علامة فارقة اخرى على ان الصراع في سوريا يمتد الى لبنان. حيث أعلنت عائلة المقداد الشيعية التي خطفت اكثر من 20 شخصا وقف أعمال الخطف التي تقوم بها قائلة ان لديها ما يكفي من الرهائن للضغط من اجل الافراج عن قريب لهم يحتجزه معارضون في دمشق.

وكان خطف الاجانب من السمات الرئيسية للحرب الاهلية في لبنان كما اعاد الظهور الجريء العلني لرجال مسلحين ملثمين دون اي تحرك من جانب قوات الامن إلى الاذهان الفوضى التي عمت لبنان خلال الحرب الاهلية التي استمرت من عام 1975 الى عام 1990 .

وقال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الذي تعرضت سياسته لابعاد لبنان عما يدور في سوريا لضغوط شديدة ان هذا يعيد اللبنانيين الى أيام الحرب المؤلمة وهي صفحة يحاول المواطنون اللبنانيون طيها. ويرأس ميقاتي وهو سني حكومة يشغل فيها حزب الله الشيعي وحلفاؤه من الشيعة والمسيحيين وجميعهم مؤيدون للرئيس السوري بشار الاسد نصف الحقائب الوزارية.

وحزب الله هو الفصيل اللبناني الوحيد المسلح الذي لم ينزع سلاحه بعد الحرب الاهلية وهو أكبر قوة قتالية في لبنان. ودعا خصومه دون جدوى إلى وضع ترسانته العسكرية تحت سيطرة الدولة.

وتجددت تلك التوترات الطائفية مع الانتفاضة السورية التي يقودها السنة ضد حليف حزب الله الرئيس السوري الذي ينتمي إلى الاقلية العلوية الشيعية. وتدعم إيران الشيعية خصم القوى العربية السنية مثل السعودية كلا من حزب الله والاسد. ويقف غالبية معارضي حزب الله ومن بينهم زملاء ميقاتي السنيين بقوة خلف الجماعات المسلحة السورية. ويتم تهريب السلاح إليهم منذ بدء الاحداث السورية في مارس آذار من العام الماضي من مناطق الحدود السنية في شمال لبنان ومن وادي البقاع.

لكن المحللين يرون ان كل الاطراف في صراع لبناني محتمل تعرف انها ستخسر الكثير من وقوع مواجهة شاملة وهو ما مكن هذه الاطراف من التراجع عن حافة الهاوية خلال مواجهات سياسية عدة في السنوات القليلة الماضية. وكان من أبرز هذه الازمات اغتيال رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري عام 2005 وعواقبها. وحامت الشبهات في عملية اغتيال الملياردير اللبناني السني - وكان له علاقات وثيقة مع السعودية وهو ملف لم يغلق رسميا بعد.

ومن المرجح ان اي تصعيد للعنف الآن سيورط دولا خليجية تؤيد بشدة اللبنانيين السنة في مواجهة حزب الله. كما يمكن لاسرائيل التي خاضت حربا مع حزب الله عام 2006 ان تجد نفسها متورطة في هذا الصراع. وفي مواجهة هذه الاحتمالات يسعى فيما يبدو الزعماء السياسيون المنقسمون في لبنان إلى تفادي تصعيد التوترات. وقال رامي خوري المعلق السياسي المقيم في بيروت ان كل الشواهد خلال السبعة او الثمانية اعوام تشير الى ان كل الاطراف في لبنان ستبذل قصارى جهدها لمنع انزلاق البلاد إلى حرب أهلية شاملة. بحسب رويترز.

لكن عمليات الخطف التي جرت والتي نفذتها جماعة هي خارج سيطرة الدولة بل خارج سيطرة الزعماء السياسيين الذين ينتمون إلى نفس الطائفة هي تحذير من ان اعمال العنف في الشوارع قد تكتسب زخما من تلقاء نفسها. وقال خوري إن الدولة اللبنانية ليست دولة قوية مركزية فهناك اناس خارج سيطرة الدولة سواء كان حزب الله او جماعات صغيرة مثل تلك الميليشيات التي تنتمي إلى اسر بعينها وتعمل في المجتمع. وأضاف أن الخوف هو ان تتصاعد مثل هذه الحوادث وتخرج عن نطاق السيطرة وحينها يحدث صراع مسلح في الشوارع.

من جانب اخر اعتبر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في بيروت ان العمليات الاخيرة لخطف سوريين في لبنان تشجع "انتقال عدوى" الازمة السورية الى البلد المجاور. وقال الوزير الفرنسي في ختام زيارة للبنان دامت 24 ساعة ان "ما يحصل في لبنان والاحداث التي تجري منذ بضعة ايام وبضع ساعات للاسف تشجع على انتقال هذه العدوى". واضاف "بالتأكيد انه وضع مقلق وموقف المسؤولين اللبنانيين الذين التقيتهم والذي ادعمه هو ان يكون مستوى انتقال العدوى محدودا بين الاحداث المأساوية التي تحصل في سوريا وما يحصل في لبنان". وتابع خلال مؤتمر صحافي عقده في مطار بيروت قبل التوجه الى تركيا "علينا بذل اقصى الجهود لابقاء لبنان بعيدا عن هذه العدوى". والدليل على القلق المتنامي حيال التهديدات المحتملة من عواقب النزاع السوري، دعت عدة دول خليجية من رعاياها مغادرة لبنان. كما قال فابيوس انه التقى ايضا ممثلين عنالجماعات المسلحة السورية في الاردن ولبنان من دون اعطاء مزيد من التفاصيل.

تكثيف الاتصالات

على صعيد متصل اعلن الرئيس اللبناني ميشال سليمان انه اجرى اتصالات مع القادة الامنيين لحل مسالة خطف مواطنين سوريين وآخر تركي في لبنان ردا على خطف لبنانيين في سوريا. وقال سليمان ردا على اسئلة الصحافيين في مقر الرئاسة الصيفي في بيت الدين (شرق بيروت) "اجتمعت مع القادة الامنيين ومع الوزراء المعنيين لبحث مسالة الخطف والخطف المضاد"، معربا عن امله في ان تحل المسالة "دبلوماسيا". واضاف "ان شاء الله يتم اطلاق المخطوفين اللبنانيين في سوريا والافراج عن المخطوفين السوريين في لبنان". كذلك، اعلن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ان الحكومة اللبنانية تقوم بالاتصالات اللازمة، وتعمل "من دون ضجيج" من اجل حل مسالة المخطوفين لدى عشيرة شيعية لبنانية.

فيما اكدت وزارة الخارجية التركية ان احد مواطنيها ويدعى ايدين توفان تيكين خطف في بيروت مشيرة الى ان الوزارة والسفارة التركية في بيروت "تبذلان جهودا مكثفة من اجل الافراج عن مواطننا المخطوف سالما". وقال ماهر المقداد "منذ اربعة اشهر والحكومة اللبنانية تقول انها تتفاوض حول المخطوفين ال11 ولم يتمكنوا بعد من تحريرهم"، في اشارة الى اللبنانيين الاحد عشر الذين خطفوا في سوريا في 22 ايار/مايو خلال عودتهم من رحلة حج الى ايران. وتابع "بعد ان خطف ابن عائلتنا، اضطررنا لتحصيل حقنا بيدنا".

ردود الافعال

الى جانب ذلك أعلن الامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله ان حزبه لم يتمكن من ضبط "ردود الافعال" على خطف مواطنين لبنانيين شيعة في سوريا والتي تمثلت بموجة خطف طالت مواطنين سوريين في لبنان وقطع طريق مطار بيروت الدولي لساعات طويلة. وقال نصرالله في كلمة القاها عبر شاشة عملاقة لمناسبة "يوم القدس" في احتفال اقامه حزبه في الضاحية الجنوبية لبيروت ان خطف المواطن اللبناني حسان المقداد في دمشق والاخبار التي نقلتها وسائل الاعلام عن مقتل 11 مخطوفا لبنانيا شيعيا في ريف حلب قبل ايام "تسببت بردود الافعال". واضاف "ما حصل كان خارج سيطرة حزب الله وحركة امل" الشيعيين الحليفين. وتابع ان "فكرة ان هناك وضعا ما تحت السيطرة وان امل وحزب الله يحكمان السيطرة" ويمكنهما منع قطع الطريق او سحب الناس من الشارع "امر يجب اعادة النظر فيه". بحسب فرنس برس.

وقال ان حزب الله ترك منذ البداية مسألة حل قضية المخطوفين للدولة اللبنانية التي لم تتمكن من فعل شيء، فيما "الاعلام لم يرحمنا". واضاف "بهذا الاداء السياسي والاعلامي هناك ساحة بدات تخرج عن السيطرة". ووصف ما قيل حول كون حسان المقداد الذي خطف في العاصمة السورية "قناصا" مدربا لدى حزب الله بانه "سخافة". وكان تلفزيون العربية بث شريط فيديو تتبنى فيه مجموعة قالت انها تنتمي الى ما يسمى الجيش الحر عملية خطف المقداد، الامر الذي نفاه المجلس العسكري في دمشق التابع للجيش الحر.

في السياق ذاته قالت مصادر أمنية وطبية أن سبعة أشخاص قتلوا في اشتباكات بين مسلحين من السنة والعلويين في مدينة طرابلس بشمال لبنان مع اشتداد التوترات نتيجة للحرب في سوريا. وأضافوا قولهم ان نحو 100 شخص آخرين أصيبوا بجراح في المعارك وقال سكان إن مسلحين من حي باب التبانة السني وخصومهم العلويين في جبل محسن تبادلوا إطلاق النار والقنابل في معارك متقطعة رغم تدخل الجيش اللبناني الذي انتشر في المدينة.

وقالت مصادر طبية إنه تم التعرف على شخصية اثنين من القتلى من سكان جبل محسن وهو تل أغلب سكانه علويون ويطل على منطقة غالبية سكانها من السنة ينتمي إليها القتلى الخمسة الآخرون. والمنطقة من أكثر خطوط التماس الطائفية اضطرابا في لبنان وأسفرت اشتباكات في المدينة في أوائل يونيو حزيران عن مقتل 15 شخصا. بحسب رويترز.

وقال بيان للجيش اللبناني أن الجنود داهموا المباني التي يستخدمها المسلحون وردوا على الفور على مصادر النيران. وقال إن خمسة جنود أصيبوا وإن خمسة عسكريين آخرين بينهم ضابط أصيبوا في انفجار قنبلة يدوية ألقيت على قاعدة للجيش. وبالإضافة إلى ذلك أفاد سكان ومصادر طبية بأن عشرات من المدنيين والمقاتلين في باب التبانة وجبل محسن أصيبوا بجراح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/أيلول/2012 - 15/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م