شبكة النبأ: لاتزال قضية أقدام زوجة
المسؤول الصيني السابق بو تشيلاي على قتل مواطن بريطاني، تشغل بال
الكثير من المهتمين ووسائل الإعلام باعتبارها أحدى اكبر الفضائح في
تاريخ الصين منذ عقود وهو ما يعتبره بعض المراقبين تحدي مهم ومشكلة
أخرى تضاف الى السجل الصيني المثقل بالعديد المشاكل والتحديات سواء على
الصعيد الخارجي او الداخلي وهو ما قد يدفع ساسة البلاد الى اعتماد بعض
التغيرات والقوانين وإجراء بعض الإصلاحات الجديدة لتجنب أثاره الشارع
مرجين في الوقت ذاته من احتمال نشوب أزمة سياسية بين الصين وبريطانيا
بسبب هذه القضية، وفي هذا الشأن فقد اعترفت زوجة المسؤول الصيني السابق
بو تشيلاي خلال محاكمتها بانها دست لرجل اعمال بريطاني سما قاتلا في
مشروب قدمته له في جريمة شكلت محور فضيحة على مستوى قيادة الحزب
الشيوعي الصيني. وقال تانغ يغان المسؤول في محكمة هيفي (شرق الصين) ان
غو كايلاي (53 عاما) "لم تعترض" عبر محاميها الذي اختارته السلطات على
تهمة قتل نيل هيوود (41 عاما) لكنها تأمل في ان يؤخذ تعاونها خلال
التحقيق في الاعتبار.
واوضح ان المرافعات في هذه القضية التي تجمع بين الجريمة والمال
والسياسة لم تستغرق سوى يوم واحد وسيعلن الحكم في موعد لاحق. ونقل
المصدر نفسه عن المدعي العام ان غو كايلاي زارت في 13 تشرين الثاني/نوفمبر
الماضي نيل هيوود في فندق فخم في مدينة شونغكينغ الكبيرة التي كان
زوجها سكرتير الحزب الشيوعي فيها.
وتمكن رجل الاعمال البريطاني تدريجيا على مدى عشر سنوات من الدخول
في دائرة عائلة بو قبل ان تتوتر العلاقات بينه وبين بو تشيلاي وزوجته.
وبعد ان قدمت له الشاي والنبيذ، دست بنفسها السم القاتل في فم
البريطاني الذي كان ثملا. وساعدها شريك يدعى جانع تشياوجون بتوفير
المحلول القاتل، واعترف الاثنان بالوقائع، كما ورد في بيان وزرع على
الصحافيين.
ولم يسمح للصحافيين بدخول قاعة المحكمة خلال الجلسة التي حضرها
دبلوماسيون بريطانيون، وهي خطوة مهمة اذ ان السلطات الصينية ترفض
باستمرار حضور ممثلين اجانب جلسات المحاكمة. وقال محللون انه ستتم
ادانة غو كايلاي المحامية التي تتمتع بشهرة دولية، بتهمة القتل لكن لن
يحكم عليها بالاعدام. الا انهم اضافوا ان مصيرها ومصير زوجها يبقيان
مرتبطين بشكل وثيق بالنزاع الدائر حاليا على رأس السلطة التنفيذية
الصينية قبل اشهر من المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي
يفترض ان يشكل فرصة لوصول فريق من القادة الشباب الى السلطة. وشبه
البعض هذه المحاكمة بالمحاكمة السياسية لعصابة الاربعة وهم ارملة ماو
تسي تونغ وثلاثة مسؤولين صينيين آخرين اوقفوا واقيلوا من مناصبهم وتمت
محكامتهم بعد وفاته.
ولم تشر اي من الصحف الكبرى الى محاكمة غو كايلاي ولم تعلن وكالة
انباء الصين الجديدة عنها الا بعد اختتام المرافعات. اما التلفزيون
الحكومي فقد بث لقطات للمتهمة في بداية الجلسة.
من جهته، سلم بو غواغوا ابن بو تشيلاي وغو كايلاي الذي يفترض انه
يدرس في الولايات المتحدة، شبكة السي ان ان الاميركية بيان دفاع عن
والدته. وقالت وكالة انباء الصين الجديدة انه ستتم محاكمة اربعة
مسؤولين في الشرطة متهمين بمساعدة غو كايلاي.
يشتبه بانهم استخدموا نفوذهم لحماية غو وحاولوا تجنيبها تبعات
القتل. وسيمثلون امام المحكمة نفسها. اعترف اربعة مسؤولين في الشرطة
الصينية بانهم تلاعبوا بتحقيق في مقتل رجل اعمال بريطاني في محاولة
لحماية زوجة المسؤول الصيني السابق بو تشيلاي المتهمة بارتكاب هذه
الجريمة. وقال هؤلاء الضباط الكبار انهم تعمدوا اخفاء التحقيقات
والتزوير بعد موت البريطاني نيل هايود لتغليب فرضية موته عرضا. واكد
تانغ يان المسؤول في محكمة مدينة هيفي (شرق الصين) ان "المدعى عليهم
اعترفوا بان تهمة مخالفة القانون لغايات شخصية صحيحة"، موضحا انهم
"اعدوا تقريرا مزورا واخفوا ادلة في المكان". واضاف انهم "قرروا عدم
تشريح الجثة والقيام باحراقها".
ويرى الخبراء ان تنظيم هذه المحاكمة يعني ان القيادة الصينية توصلت
الى توافق حول طريقة معالجة ملف بو تشيلاي. ويرى جوزف شينغ خبير الشؤون
الصينية في جامعة هونغ كونغ ان اي اجراءات تخفف من عقوبة بو تشيلاي
ستؤدي الى تقليص نفوذ المقربين من زوجها في المناصب القيادية العليا
للحزب الشيوعي. واثارت اقالة بو تشيلاي من منصبه كسكرتير اقليمي للحزب
الشيوعي الصيني فضيحة تشبه وقائعها حبكات افلام الاثارة الهوليودية
التي تختلط فيها المؤامرات البوليسية بالتطورات الدرامية. ويواجه بو
تشيلاي الذي قام بالترويج للافكار الماوية و"الثقافة الحمراء" اتهامات
من الحزب نفسه "بارتكاب مخالفات مسلكية كبيرة" خلال حملته على المافيا
في منطقته.
ووصف مراقبون الفضيحة التي لحقت ببو تشيلاي على انه انتصار للرئيس
المنتهية ولايته هو جينتاو ورئيس الوزراء وين جياباو اللذين يؤيدان
الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في الصين. وكانت حملة بو تشيلاي
"إحياء الحمر" التي اراد من خلالها احياء التقاليد الماوية اثناء توليه
قيادة الحزب في مدينة تشونغكينغ الجنوبية الكبيرة لقيت استحسان اليسار
التقليدي في الحزب واثارت غضب القادة النافذين.
واعتبر المسار المهني لبو منتهيا فعليا منذ نيسان/ابريل عندما جمد
الحزب مهامه واحاله الى التحقيق بتهمة عدم الانضباط وهو ما يعني اتهامه
بالتورط في الفساد. ولم يشاهد بو ولا زوجته ولا مساعده منذ احالتهم الى
التحقيق. ولا يعرف شيء عن مكان احتجازهم. وحتى قبل بروز قضية رجل
الاعمال البريطاني هيوود، كان بو قد واجه جفاء العديد من كبار قادة
الحزب من خلال الاعلان صراحة عن طموحه للانضمام الى لجنة المكتب
السياسي للحزب وهي اعلى هيئة لاتخاذ القرار. ومن المفترض تغيير سبعة من
اصل تسعة من اعضائها هذه السنة.
كما تعرض لانتقادات شديدة لانه اختار ان يتجاهل الاجراءات القضائية
خلال حملته الكبيرة لاجتثاث المافيا والتي قتل خلالها عدد كبير من
الاشخاص في تشونغكينغ خلال توليه منصب سكرتير الحزب الشيوعي. ويرى
المحللون ان الفضيحة المتصلة برجل الاعمال البريطاني الذي عثر عليه
مسموما بالزرنيخ وفرت لخصومه الحجة التي كانوا يبحثون عنها لازاحته.
وقالت وسائل الاعلام الصينية ان زوجته غو كيلاي قالت انها خشيت ان يشكل
هيوود تهديدا لسلامة ابنها - وهي اشارة يرى الخبراء انها تعني انها لن
تعاقب بالاعدام.
واستخدمت وسائل الاعلام الحكومية القضية لتقول انها دليل على ان
كبار المسؤولين وابناء النخبة مثل بو وغو وهي ابنة جنرال شهير، ليسوا
فوق القانون. ونشرت صحيفة "غلوبال تايمز" اليومية مقالة كتبت فيها ان
المحاكمة "رسالة الى المجتمع بان لا احد، بغض النظر عن مركزه وسلطته،
يمكن ان يفلت من العقاب اذا ما قام باعمال مخالفة للقانون". ويثير
الفساد السياسي الكثير من الغضب في الصين حيث يعاني كثيرون من الفقر.
ولكن ستيف تسانغ، مدير معهد السياسة الصينية في جامعة نوتنغهام
البريطانية يقول انه عندما يتعلق الامر بتحديد مصير بو وغو فان الامر
يتوقف على التوافق بين القادة اكثر من ايلاء الاعتبار للرأي العام.
ويضيف ان "المسالة الرئيسية هي في تحديد مصير بو تشيلاي. هذا يتطلب
الكثير من المساومات بين كتلتي السلطة الرئيسيتين في اعلى الهرم. وهذا
هو لب القضية". بحسب فرنس برس.
في السياق ذاته تفرض السلطات الصينية رقابة صارمة على المعلومات
المتعلقة بقضية غو كايلاي زوجة المسؤول الصيني السابق بو تشيلاي. وتخضع
كلمات "غو كايلاي" و"بو تشيلاي" و"نيل هايود" للرقابة على محركات البحث
على الانترنت. وتلقت الصحف الكبرى تعليمات واضحة بعدم استخدام اي مادة
غير تلك التي تنشرها وكالة انباء الصين الجديدة بشأن هذه القضية، كما
يحدث عادة في المسائل الحساسة.
عملية انتقال السلطة
على صعيد متصل يعقد كبار القادة الصينيين سلسلة من الاجتماعات في
منتجع بحري قريب من العاصمة بكين للاستعداد لعملية انتقال السلطة
المقرر لها ان تجري في وقت لاحق من العام الجاري. ويعتبر منتجع بيداي
المكان الذي تستخدمه قيادة الحزب الشيوعي الصيني تقليديا لعقد
المؤتمرات السياسية السرية. وقال الاعلام الصيني الرسمي إن شي
جينبينغ،المرشح الاوفر حظا لتبوؤ منصب رئيس الدولة، عقد سلسة لقاءات مع
اكاديميين ومستشارين.
وقالت وكالة شينخوا الرسمية للانباء إن الاجتماع حضره "خبراء
معروفون وقواعد موهوبة" شملت مدرسين وفنانين ورواد فضاء. وحضر
الاجتماعات، علاوة على شي جينبينغ، كل من لي يوانتشاو، المسؤول
التنظيمي في الحزب، وليو ياندونغ، مستشار الدولة، وكلاهما مرشحان لتبوؤ
مناصب مهمة في التغيير القادم. ولكن مراسل بي بي سي في بكين جون
سودوورث يقول أنه من المستبعد ان ترشح اي معلومات عن السبب الحقيقي
للاجتماعات وهو التشاور حول عضوية اللجنة الدائمة المقبلة للمكتب
السياسي للحزب. فمن المقرر ان يتنحى سبعة من اعضاء اللجنة الحالية
التسعة في الخريف المقبل ليفسحوا المجال لجيل جديد من القادة. ويقول إن
المناورات السياسية التي تصاحب عمليات التغيير التي تحصل كل عشر سنوات
تكون دائما حامية ولكنها تجري خلف الكواليس.
ويتزامن هذا الاجتماع مع اكبر فضيحة سياسية تضرب القيادة السياسية
الصينية منذ اكثر من عقدين، حيث ستمثل زوجة زعيم الحزب في مدينة
تشونغتشينغ، بو شيلاي، الذي كان يوما ما من ابرز المرشحين للرئاسة،
امام المحكمة في وقت لاحق من الاسبوع الجاري بتهمة القتل العمد.
والتهمة الموجهة الى غو كايلاي هي قتل رجل الاعمال البريطاني نيل هيوود
في نوفمبر / تشرين الثاني 2011. وما زال مصير بو شيلاي نفسه مجهولا، إذ
لم يظهر في العلن منذ الاعلان عن التهم الموجهة لزوجته. وكت بو قد جرد
من جميع مناصبه الرسمية.
حرب عصابات جديدة
في السياق ذاته اعتقلت الشرطة الصينية أكثر من 150 شخصا في مداهمات
لكازينوهات وفنادق في ماكاو بعد موجة أعمال قتل اثارت مخاوف من اندلاع
حرب عصابات جديدة في أكبر مركز للقمار في العالم. وشهدت ماكاو التي
كانت تتبع البرتغال في السابق حروب عصابات في اواخر التسعينات واغتيال
ثلاثة اشخاص مؤخرا يعتقد ان لها علاقة بصناعة القمار وجاء ذلك قبل اشهر
من الافراج من السجن عن وان كيوك كوي رئيس عصابة عاثت في البلاد فسادا
في ذلك الوقت.
وتم اعتقال نحو 1300 شخص في ماكاو و150 من هؤلاء نقلوا لاستجوابهم
في اطار عملية المداهمات. وقالت متحدثة باسم شرطة ماكاو "هذه العملية
هي تدريب سنوي للمحافظة على الامن العام. انها تدريب مشترك تقوم به
الشرطة في اقليم قوانغدونغ وماكاو وهونج كونج للقيام بحملة ومنع
الجريمة في هذه المنطقة." بحسب رويترز.
وفي هونج كونج داهمت الشرطة 21 موقعا في اطار العملية المشتركة
واعتقلت 130 شخصا للاشتباه في ارتكابهم جرائم مختلفة من بينها غسل
اموال شملت 300 مليون دولار هونج كونج ولعب القمار غير المشروع
والدعارة. وضبطت الشرطة أيضا مبالغ نقدية وساعات وسيارات تزيد قيمتها
على 11 مليون دولار هونج كونج. وجاءت مداهمات ماكاو بعد اسابيع من
العثور على امرأة صينية مقتولة في منطقة سكنية على بعد دقائق من صالات
قمار. |