هي عنوان من عناوين الحياة الحقيقية، النظافة، مجموعة الصفات
المكتسبة والتي تشحنها التعاليم الدينية وتديم فردياتها التربية
الأسرية الصحيحة لتبلغ ذروتها عندما يشيع على الوطن أفق الحضارة
الحقيقية، ولكونها اكتسبت درجة مهمة كسلوك على طريق الرقي بالمجتمع
والوطن أصبحت السمة الأساسية لمدن العالم المتحضرة وهذا السلوك عليه أن
يكتسب تطوراً مستمراً من خلال إجراءات وشروط ولوائح حكومية نظامية مهمة
يطال من يخالفها قانون إنضباطي مشدد.
في رؤية واقعية لحال تطبيق سلوك النظافة في مجتمعنا، نرى اننا في
العراق لم نرتق لغاية يومنا هذا لمجتمع نظيف خال من الزوايا،الوسخة،
والأركان التي تعمدها القذارة والنفايات من كل جانب على الرغم من
الملاحظة بوجود إجراءات محددة تتبعها الدوائر الحكومية المسؤولة لغرض
التخلص من آلاف الأطنان من النفايات اليومية والمخلفات عموما التي
تطرحها العاصمة بغداد وبقية المحافظات.
نرى إننا لازلنا ندور حول قشرة مفهوم النظافة ولم نلج بإجراءاتنا
الى صلب معناها الحقيقي.. فالنظافة هي إحساس مهم بالرقي سوف لن نصله
إلا بشق الأنفس لكون شعبنا قد مر بتجارب حياتية قاسية طوال العقود
الماضية لم تتح له الفرصة على إستكشاف العالم الذي حوله وهو يقفز قفزات
واسعة المدى في هذا المجال.. نحن لغاية اليوم، كمنظمة بيئية ومؤسسة
حكومية مسؤولة عن معالجة النفايات، لم نرق الى ما نربو اليه من قيامنا
بتشكيل وزارة للبيئة في وطننا فالعراق اليوم يقع في قعر جدول الدول
المهتمة بالبيئة وهذا ما يراه واضحاً وجلياً كل من جاء الى العراق
زائراً حين يلاقي صعوبة في التنفس لعدم إعتياد رئتيه على هذا المستوى
العال من الدقائق الصلبة المؤثرة على الجهاز التنفسي بفعل مئات الآلاف
من المولدات التي تنفث الغازات السامة مع قصور شديد في زراعة الأشجار
القادرة على إمتصاص الأطنان من غاز ثاني أوكسيد الكاربون وتقدم بديلاً
عنه الأوكسجين لإدامة شريان الحياة لدينا، ناهيك عن المشاهد المؤلمة
الكثيرة الناتجة عن تجمع النفايات في مناطق كثيرة من بغداد وفي مناطق
ليست مخصصة لها.
فالمتابع لأمر النظافة يرى إننا لا نمتلكها وفي كافة أرجاء مدننا..
في المدارس والمؤسسات التعليمية العليا، في المؤسسات الحكومية الخدمية،
في المستشفيات، في الأسواق، قرب مساجدنا، في الشوارع والجزرات الوسطية،
في المرافق العامة، في المتنزهات، في دور الرعاية، في مرائب النقل، في
دورات المياه، في الساحات والملاعب، في مجمعاتنا ومحلاتنا السكنية، في
السيطرات الأمنية، في مطاعمنا، في فنادقنا، على جسورنا، وفي انهارنا،
وحتى في مقابرنا نرى أننا معدمي النظافة الصحيحة وكأننا نغوص بقذارتنا
بعدما إعتادت عيوننا رؤيتها في كل مكان فأصبحت من المناظر الاعتيادية
جداً وقلما نجد مسؤول ما ينظر الى النظافة بغير تلك النظرة السطحية
فالنظافة سلوك مجتمعي شمولي لا يتوقف عند تنظيف الشوارع من المخلفات
الخفيفة والثقيلة التي يتركها ابناء المجتمع في الشوارع كل يوم وتكلف
الحكومة الملايين لرفعها وعزلها حينما إعتاد الكل على رمي مخلفاتهم
بدون التفكير لما تسببه تلك النفايات من حالات أقل ما يقال عنها غير
حضارية ولا تشير مطلقاً الى ذلك العمق الحضاري الموغل في القدم الذي
تتمتع به أرض العراق التي أغنتها الحضارات الإنسانية التي تعاقبت على
سكناه وميزته عن بقية دول العالم بتلك الإبداعات الأثرية التي جعلت منه
من أجمل مسارح الحضارة في العالم.
لنوفر لشعبنا فرصة لأحياء تقاليد غابت عنا لفترة طويلة وهي الشعور
بالمسؤولية تجاه الوطن وبأي طريقة نراها قريبة الى نفوس شعبنا ولتأخذ
المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني والمرجعيات الدينية على
اختلافها دورها الكبير في التوعية والإرشاد والإفتاء بما يخدم تلك
المرحلة.. والمؤسسات الحكومية في تطبيق اللوائح النظامية بحذافيرها..
فالبداية هي النظافة وما بعدها ستمنحنا الأمل بالحياة في وطن أقل ما
يقال عنه.. أنه جميل وأهله... مؤمنون.
zzubaidi@gmail.com |