تسابقت الفضائيات العراقية على استضافة السياسيين في شهر رمضان
المبارك حتى غدوا هؤلاء نجوم يحتلون الشاشات الصغيرة، ويدخلون الى
بيوتنا دون إستئذان ضيوف غير مرحب ببعضهم ولكنهم مُتابعون.
يتقيحون سيرهم وشتائمهم وينشروا غسيلهم على حبال الفضيحة، فهناك
العديد من البرامج التي تعتني بهم وتسوقهم كسحور سياسي، ومسؤول صائم
وبعد منتصف الليل، وآخر على الفضائية العراقية يختار السياسي فيه مهنة
أخرى، وهلم جرا...
وكأن العراق خلا من المثقفين والكتاب والفنانين والمبدعين والناجحين
والمشاهير عموماً، فلا أحد يفتش عن مبدع أو فنان أو كاتب ليستضيفه ولم
نشاهد برامج تنصف المبدعين وتمنحهم مساحة للتعريف بنتاجاتهم الإنسانية
في هذا الشهر بقدر المساحة الممنوحة للسياسيين الذي أستولى على كل شيء،
وعلى هذا اننا لم نعد نفكر سوى في السياسة والسياسيين. ومع سبق الإصرار
والترصد من قبل بعض الإعلاميين يُقتل الفرح وتُزرع المأساة وخيبة الأمل.
برامج مشاكسة، لكنها تسبب الإحباط لدى المواطن العراقي، غايتها
الإثارة دون النظر الى ما تخلفه من آثار في نفس المشاهد. وعلى العكس من
بقية القنوات الفضائية العربية تنفرد القنوات العراقية بهذا النوع من
البرامج ماهو السبب ياترى حاولت ان أجري استفتاءً بسيطاً بين بعض
الاخوة الاعلاميين، فكانوا متقاربين في وجهات نظرهم فقد أكدوا على أن
أسباب إنتشار هذه البرامج يعود الى:
1- إنعكاس لحالة المجتمع حيث اصبحت السياسة الشغل الشاغل للعراقيين،
فهي همهم اليومي، حتى الأطفال يتعاطون بها ويتابعون أخبارها، رغم
الكراهية الشديدة لها.
ولعل الدكتور الوردي رحمه الله قد شخص هذا الداء لدى المجتمع
العراقي حينما قال العراقيون يكرهون السياسة ولكنهم يتحدثون بها كثيراً.
2- تعتبر البرامج السياسية من المنتجات الرخيصة الكلفة.
3- سهولة الحصول على الضيف، فحيثما تذهب تقع يدك على سياسي او
متعاطي بالسياسة، ولربما يقوم بعض السياسيين بالدفع من أجل الظهور
الإعلامي.
4- هذا النوع من البرامج يخلق أجواء من الإثارة والمشاكسة، فهي
ملائمة للصخب الموجود في الحياة العراقية.
5- تحمل هذه البرامج كثير من الفضائح وهي متعة بحد ذاتها للمشاهد
يتلذذ بها وهي وسيلة للتشفي من قبل المواطن بالمسؤول، لأنه لا يتمكن ان
ينال منه إلا بهذه الطريقة.
6- التصريحات والآراء التي يطلقها الضيوف لا تخضع الى الضوابط أو
المسائلة القانونية وإن كانت غير حقيقة أو كاذبة، فمثلاً لعلك ترى آراء
متعددة في قضية واحدة تخص السياسة الخارجية للبلد، والتي من المفترض أن
تكون فيها لغة الخطاب الاعلامي واحدة للبلد.
7- البعض من السياسيين يهرول الى مثل هذه البرامج طمعاً بالظهور
الاعلامي وحسب.
ومن هنا أصبح السياسي نجم تلفزيوني واصبح الاعلامي المقرب رقم واحد
للسياسيين.
وبدلاً من ان تكون البرامج في رمضان مصدر للاسترخاء تحولت الى مصدر
للتشنج، وبدل أن تخفف عن الصائم ضغط الصيام وتُبعده عن الإنفعال نراها
تزيد من إنفعاله.
تُرى من يخفف عنا ضغط هذه البرامج ومن ينصف المبدع والمثقف العراقي؟
|